أسفي مدينة حزينة هذه الأيام، لم تنفجر فيها مقهى، ولم يسقط فيها ضحايا أبرياء، تحولت ملامح سكانها المرحة إلى وجوه داهشة ومستنكرة لما وقع، ثلاثة من أبناء جلدتها متهمين في عمل إجرامي أصبح حديث جميع المنازل والدروب والأزقة قبل وسائل الإعلام الوطنية والعالمية. مدينة لم تضربها أيادي الغدر والضغينة، لكنها مندهشة أن أيادي منها خططت ودبرت وخرجت لتضرب مراكش الحمراء وتصعق بعدها العالم في عملية مخطط لها بإتقان كبير . صدمة كبيرة أصيب بها سكان مدينة أسفي وهو يتلقون خبر اعتقال ثلاثة من شبان المدينة على خلفية تفجير مقهى أركانة بمراكش، وزاد من حدة صدمة الساكنة، يقول أحد المتتبعين، أن المدينة لم يقع بها أي اعتقال غير واحد، بعد أحداث 16 ماي 2003 على خلاف بعض المدن الأخرى التي شهدت المئات من الاعتقالات بدعوى الانتماء إلى السلفية الجهادية، ويضيف أن سكانها وهم حوالي 300 ألف نسمة، يميلون إلى المرح والإقبال على الحياة بالرغم من نسبة البطالة العالية، وتقلص فرص الشغل. دخول أسفي الداخل الى مدينة أسفي يومين بعد الإعلان عن خبر اعتقال 3 من المشتبه في تنفيذهم عملية تفجير أركانة، يشعر أن المدينة منقبضة الأسارير، تخلت عن حيوتها دون أن تفقد حياتها، الإجراءات الأمنية المشددة في مدخل المدينة يزيد من ذلك الإحساس، ولا ينقص منه غير التجول في أسواق المدينة الشعبية حيث حركة التسوق أكثر من عادية، لكن يرى دائما في الوجوه علامات استفهام لا تنقطع، تتطلع لمزيد من الحقائق، وجدت بعضا منها في الجرائد التي نشرت صور المشتبه بهم وبعض من القصص عنهم قيل إن بعضها من خيال كاتبها. من يريد أن يعرف بعضا من حقيقة ما جرى، وجب عليه أن يقصد ''منطقة بوعاودة'' بحي سيدي واصل حيث متجر ''المتهم الرئيس'' وحيث يقضي معظم أوقاته، سميت على هذا الاسم نسبة إلى مقدم بنى أول منزل بالمنطقة وكان له فرس (عاود)، لم يستسغ السكان أن تنعت المنطقة بالدوار في بعض وسائل الإعلام للإحالة على ''منطقة للفقر''. كانت الساعة تشير إلى الخامسة زوالا، الشارع حيث يقطن المتهم الرئيس ويملك متجرا لبيع الأحذية الرياضية المستعملة، شارع ضيق، زاد من ضيقه وجود عدد من الباعة المتجولين يبيعون السمك أساسا، أصوات مبكرات الصوت بأغاني شعبية تملأ المكان، ودردشات في المقهى، يخيل لك أنها لا تتحدث إلا عن الحادث المؤلم الذي أسقط 17 قتيلا و21 جرحا، وكل غريب عن الحي يقابل بنظرات أشد غرابة وأكثر استفهاما، سيارات رجال الأمن تجوب المكان جيئة وذهابا. في بوعادوة رفض أخ عادل التحدث إلينا ''لأنه مريض وتحت وقع الصدمة''، لكن شهادات من الجيران بين مستغربة وأخرى غير مصدقة ما حدث وأنه هو من خطط لهذه العملية الإجرامية تشير أن ''عادل'' كان إنسانا عاديا يصلي لكنه لا يحرص على الصلاة في وقتها، معروف أنه طيب بالرغم من المشادات الكلامية التي تنشب بينه وبين الباعة المتجولين الذين يسدون الطريق إلى متجره، شوهد في الحي في الأيام الأخيرة في سكر طافح ويدخن السجائر وقالت عائلته إنه ''حشايشي'' أيضا. عادل وحسب المعلومات التي توصلت إليها ''التجديد'' من مصادر أخرى، ينتمي إلى أسرة مهاجر مغربي في فرنسا يأتي في العطلة السنوية، له بيتان وبعض من الأراضي في منطقة الشياظمة، تعلم عادل في مدينة آسفي، لكنه لم يستطع أن يحصل على الباكالوريا، سبق أن ذهب إلى البرتغال سنة ,2004 وإلى سوريا سنة ,2007 وذهب إلى ليبيا أيضا سنة 2008 وطرد منها. اعتقل عادل يوم الأربعاء رابع ماي الماضي، حوالي الساعة العاشرة ليلاً عندما هم بمغادرة بيت والدته في اتجاه بيته بحي الفرح. حيث أخذته عناصر من الديستي على متن سيارة من نوع ''داسيا''، دون أن تعلم زوجته هوية الأشخاص الذين اعتقلوه، مما اضطر الأسرة في اليوم الموالي، أي صباح الخميس 8 ماي، إلى وضع شكاية لدى المصالح الأمنية، تقول فيها أن عادل تعرض للاختطاف ليلاً من أمام بيت والدته، من طرف مجهولين. وحسب الشهادات ذاتها فإن عادل العثماني متزوج وزوجته حامل في شهرها الرابع، وهي الزوجة الثانية، بعد فشل تجربة سابقة من فتاة تنحدر من مدينة برشيد، لم تستمر علاقتها معه أكثر من 8 أشهر. في الكورس المتهم الثاني ''ح د'' الذي يسكن حيا شعبيا آخر يسمى الكورس، وحسب شهادة شقيقه، من مواليد سنة ,1970 تدرج في تعليمه بمدارس آسفي إلى أن حصل على الباكالوريا في العلوم التجريبية، وسافر بعدها إلى مراكش ليتم دراسته في جامعة القاضي عياض، لكن سنة بعد ذلك عاد إلى آسفي لضيق اليد، وحصل بعدها على ''باك حر'' في الاقتصاد بميزة. وقد سبق له أيضا أن راسل معهدين في كل من فرنسا وبلجيكا من أجل إتمام الدراسة، وقبلا لكنه لم يكن يتوفر على المال الضروري من أجل السفر والتسجيل. يصف شقيق( ''ح د'') لحظة سماعه الخبر عصر يوم الجمعة الماضية قائلا ''كنت أتوضأ في المنزل بحي الكورس الذي أقطن فيه مع ''ح د'' منفردين منذ وفاة أمنا في شهر غشت سنة ,2010 وإذا بعدد من رجال الأمن يملؤون بهو المنزل، و''ح د'' مكبل اليدين في أصفاد الشرطة، لا تعلوه أية علامة اضطراب، لم أعلم ماذا حل بي، وحين أخبرني الضابط أن حكيم متورط في ''أحداث مراكش، وأن البوليس في البيت بسبب إتمام التحقيقات''، أغمي علي من شدة وقع الصدمة''، بعدها بقليل استفقت لكني لم أعد أسمع شيئا، أرى الحركات فقط دون أن أفهم، عانقني ''ح د'' وذهبوا على متن سيارة كانت من بين حوالي 8 سيارات ملأت الحي. وفي المساء، عادوا (الشرطة العلمية والتقنية ) لكن بدون أخي، وحملوا بصمات وبعض أغراض ''ح د'' من بينها مفكرة وكتب، وكاسك جهاز حاسوب. وجبة رز ساخن لم تؤكل وعن آخر عهد له بشقيقه يقول (ي) إنه دخل إلى المنزل يوم الأربعاء الماضي، فلم يجد أخاه، ووجد طنجرة أرز فوق الموقد، مازالت ساخنة، مشيرا أنه انتظره فلم يأت، فاعتقد أنه بات عند أصدقائه، لكنه لم يعد في اليوم الموالي مما زاد من مخاوفه، وبدأ يبحث عنه في المستشفيات وفي أقسام البوليس لكن دون جدوى، إلى أن علم أنه معقتل. ثم أضاف قائلا ''بما أنني أصغره بسبع سنوات، وأعمل وأصرف على البيت، كان يشتط عضبا عندما أحدثه عن العمل، وكان يترك البيت لأيام قبل أن يعود، يتحدث دائما عن الهجرة إلى أوروبا، في سنة ,2008 غاب عن المنزل كعادته لكن هذه المرة لحوالي 3 إلى 4 اشهر، ولما رجع أخبرني ودون تفاصيل كثيرة، أنه أعيد من ليبيا بعد أن كان ينوي التوجه إلى إيطاليا''. وكان يعيش أزمة البطالة وعدم إتمام الدراسة بكثير من الحرقة، وقبل حوالي عام ونصف تعرف على المتهم الرئيس، حيث أصبح شريكا له في ''محل لبيع الأحذية المستعملة'' بحي بوعاودة سيدي واصل، كان ذلك مفرحا للعائلة حيث تم إقراضه 5000 درهم من أجل المشروع الذي ذهب فيه بكثير من الجدية، وبدأ يكسب بعض المال، ثم بدأ يفكر في الزواج. لكن منذ أن ماتت الوالدة، فك الشركة مع عادل، لكن لم تظهر عليه أثناء التعرف على عادل أية تغييرات في سلوكه الاجتماعي أو التزامه الديني. أب قبل يوم من التفجير أما المتهم الثالث ''ع ب'' من مواليد سنة ,1983 فقد حرص أحد أشقائه على أن لا يلقانا إلا في مكان آمن، بعيدا عن الأنظار، قبل أن يخبرنا أن أخاه كان يمتهن أيضا تجارة الأحذية الرياضية المستعملة، وأن مستواه الدراسي لم يتجاوز الثانية إعدادي، كما أن التزامه الديني مثل جميع المغاربة، مضيفا أن خاه يشاهد الأخبار كما يشاهد الأفلام، وعن ظروف اعتقاله، أشار شقيقه، بأنه اعتقل من أمام محله بحي بياضة، حيث طلب منه رجال أمن بزي مدني الركوب معهم في سيارة داسيا، فركب بدون مقاومة، لحد الآن لم تحصل العائلة على أخبار له ''هل هو معتقل أم مختطف، لا ندري'' يقول المتحدث، الذي أضاف أن أخاه سافر سنة 2008 إلى ليبيا كي يتمكن من الهجرة السرية إلى إيطاليا حيث كان يحلم بالضفة الأخرى مثله مثل عدد من شباب أسفي. وفي يوم الحادث أي يوم 28 أبريل كان بأسفي حيث أكمل إجراءات خروج زوجته من المستشفى (قدم لنا شهادة الولادة) والتي وضعت يوما قبل ذلك مولودا ذكر، ويضيف ''مازلت لم أصدق الخبر وأتمنى أن تظهر الأيام الحقيقة كاملة لنا''. سيدي دانييل انتقلنا إلى حي جوهرة، حيث المنزل المفترض أن عادل العثماني كان يعد ويخبئ فيه المتفجرات، منزل بشمال المدينة بحي جديد، أكدت معلومات ''التجديد'' أنه فارغ، وكان عادل يبيت فيه من حين لآخر قادما إليه على متن دراجته النارية. حين انتقلنا إلى ''ضريح سيدي دانييل'' على بعد 16 كلم من مدينة أسفي، كانت الشمس تميل نحو الغروب، المكان خالي من الناس إلا من صياد أو صيادين ينتظران أن يجود عليهما البحر بخيره من السمك، تؤشر على وجودهما دراجة نارية في مدخل الشاطئ لا يستطيعان اصطحابها لصعوبة الممرات، في المكان يلتحم البحر بالشجر الكثيف في منظر رائع يوحي بكتابة قصيدة شعرية رائعة، لكن عادل اختار أن يرسم لوحة أخرى بلون الدم حسب ما وجه له من اتهام، حيث كان يأتي إلى المكان من أجل تجريب متفجراته التي أسقطت عددا من الضحايا في مدينة مراكش. المكان مثالي لمثل هذه التدريبات لتجريب عبوات ناسفة تعلم كيفية صنعها من الأنترنيت. غادرنا مدينة أسفي والليل قد جاوز نصفه، للمرة الثالثة يوقفنا حاجز أمني على الطريق، يحدق رجل الأمن في وجهي ووجه مرافقي دون أن تغادره الابتسامة. غادرنا آسفي وكلمات وزير الداخلية ترن في آذاننا، ونحن نقول ''وحده الزمن قادر على الإجابة على كثير من الأسئلة العالقة في أذهاننا.