تعتبر مدينة تيفلت من أهم المراكز الحضرية في إقليمالخميسات، نظرا إلى كثافتها السكانية التي بلغت، حسب الإحصاء الأخير، 70 ألف نسمة، وموقعها الاستراتيجي المهم، في أسفل هضبة زمور، وتمركزها في الطريق الوطنية الرابطة بين فاس والعاصمة الرباط، التي لا تبعد عنها إلا بحوالي 56 كيلومترا. لم يشفع لتيفلت توفرها على إمكانات محترمة، في أن تحتل المكانة التي تستحقها، على غرار مدن مجاورة لها، حيث كان بالإمكان، لو أُحسِن استغلال تلك المؤهلات، أن تلعب دورا اقتصاديا في المنطقة، بالشكل القادر على تحريك عجلة تنميتها، لكنها تخلفت عن الركب، وظلت حبيسة طابع قروي، كان له الوقع السيء على نفوس ساكنتها، التي أضحت تراهن على زيارة ملكية للمدينة، بعدما تردَّتْ بنياتُها التحتية وانتشرت فيها أحزمة الفقر، وتماطل مسؤولوها في اعتماد تصور واضح يتيح لها تحقيق تطورها المنشود. منطقة عشوائية وقبح حي الرشاد هو حي يكاد يختزل جميع المشاكل التي يتخبط فيها سكان تيفلت، ذل، هوان، تهميش، وافتقار إلى أبسط شروط العيش الكريم.. أبدت معظم التصريحات المستقاة من عين المكان، سخطَها على الوضع القائم وعدمَ تفاؤلها بالمستقبل، في ظل واقع سوداوي، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فلا تكاد قدماك تطآن مدخله حتى تشعر وكأنك ستلج مكانا موغلا في التوحش، وبالفعل، ما هي إلا خطوات تخطوها صوبه حتى يبتلعك عالم من الكآبة.. ممرات ما هي بالممرات، وطرق ما هي كالطرق، لو ترك أمرها للطبيعة لجادت بأحسن منها، والبناية الوحيدة المضيئة في هذا المكان هي مدرسة «صالح بلعربي» المختلطة. أصحاب الطاكسيات لم يعد يمكنهم ربط هذا الحي بباقي أطراف المدينة، فطرق مداخله الثلاث مهترئة، والعبور منها مغامرة لا تخلو من مخاطر حقيقية، وقد تودي بالحالة الميكانيكية للناقلات إلى العطب والهلاك، الدواب فقط يمكنها المجازفة بالعبور... أما حينما تجود السماء بالمطر، فيتحول الحي إلى بركة كبيرة وآسنة، طالما أن مجاري الصرف الصحي تعمل كحاجز وليس كبالوعات لصرف فائض المياه، فيتعذر، والحال هذه، حتى على الراجلين شقُّ طريقهم بأمان، وقد حدث مرارا أن «ابتلعت» تلك الفخاخ العديد من المارة. هكذا إذن حال أكبر تجمع عشوائي في مدنية تيفلت: شبه جزيرة معزولة عن عالم الحضارة والتقدم، واجهات منازل انسلخ عنها طلاؤها منذ أمد ليس بالقصير، تحيط بها منخفضات ومرتفعات، كانت في الأصل مسالك ودروبا، قبل أن تتحول إلى خراب.. هو بؤس رابض في ثنايا هذا الحي، لا تدري هل هي مرآة تعكس واقع سكانه أم واقع فساد قد ضرب أطنابه فيه حد الفضيحة؟!... معاناة عجوز مع واقع الحال «خالتي الزوهر» عجوز، يربو عمرها على الثمانين، ظلت وحيدة تقاوم تعاسة هذه الحياة، تعيل أبناءها السبعة، في ظروف جد بئيسة في أحد أكواخ هذا الحي، الشاهد على بشاعة «المجزرة» التي ارتُكبت في حقه من طرف مسؤولين لم يصحُ ضميرهم إلا بعدما راكموا أموالا طائلة على حساب تعاسة وشقاء من أوكلوهم بأمر تسيير شؤونهم. تقول الزوهرة: «النّْمرة دْيالنا باعوها على جوجْ ديالْ الخطراتْ وخْلاّونا هنا مْجليِّينْ، حنا ضُعافا ماعندناشْ.. حْكرو علينا، الله ياخذْ فيهم الحق!»... بعيون تفيض دموعاً، واصلت العجوز سردَ تفاصيل المعاناة التي ظلت ملازِمة لها طيلة سنوات عديدة، داعية المسؤولين إلى الالتفات إلى حالتها، التي تكاد تشبه واقع هذا الحي... عملية القضاء على الدور الصفيحية في العديد من النقط السوداء في المدينة، يقول مواطنون، إن اختلالات عديدة شابتها، ولم تحقق النتائج المرجوة منها، خاصة وأن معظمها ظل بدون بنيات تحتية أساسية، وخارج أي مخطط تأهيلي يروم النهوض بأوضاعه، والضحية بالطبع كان هو الإنسان. وقفات احتجاجية كشف العديد من المواطنين القاطنين في تجزئات سكنية، شُيِّدت حديثا، بعد النمو الديموغرافي الذي عرفته المدينة، أنهم تفاجؤوا بكون أغلب الأحياء الجديدة تفتقد إلى المرافق الأساسية ولا تستجيب لمتطلبات الحياة اليومية. وطالب بعضهم وزارةَ الداخلية بإيفاد مفتشيها، في إطار لجنة تحقيق تنكبُّ على الكشف عن مجمل الخروقات التي طالت مشاريع سكنية سابقة، لم يحترم مشيدوها دفتر التحملات الخاصة بها، وعاثوا فيها فسادا، بلا حسيب ولا رقيب. وقال «محمد»، وهو رجل تعليم، إن عدة وداديات، مثل «الأندلس الجنوبي»، «القدس»، المعروفة ب«بوحمالة»، «حي السعادة»، «دوار العياشي» و«مجموعة 7» في الحي الجديد.. تعرف خصاصا مهولا في جميع المجالات، وهو ما دفع سكانها، يضيف المتحدث، إلى تنفيذ وقفات احتجاجية أمام مقر المجلس البلدي، كادت تتحول، في مناسبات عديدة، إلى مسيرات في اتجاه عمالة إقليمالخميسات، لولا أن قوات الأمن أجهضتها. مشاريع متوقفة.. وأخرى مجرد أمانٍ وآمال في شارع محمد الخامس، وغير بعيد عن قصر البلدية، تنتصب بناية ضخمة على مساحة واسعة، هي مجرد أطلال، بعدما توقفت الأشغال فيها، منذ خمس سنوات تقريبا.. أحد المعطلين المجازين، أكد في تصريح ل«المساء» أن هذا الفضاء المهجور كان مقرَّرا أن يكون مشروعا مكتمل البناء لمجمَّع الصناعة التقليدية، لكن أيادي آثمة، يضيف المعطَّل، وأدته قبل أن يرى النور. يقول «هشام»، وعلامات الدهشة والتعجب والاستغراب ترتسم على وجهه: «إنها قمة الاستهتار بالمسؤولية وعدم الإحساس بوضعية الغير.. كيف يتم تجميد مشروع كان يعوِّل على انطلاقته المئاتُ من المعطلين، لانتشالهم من براثن البطالة القاتلة المستفحلة في المدينة؟».. وعاب المصدر ذاته على المنتخَبين عدم التحرك العاجل، لبث روح الحياة مجددا في هذا المجمع الصناعي وتسطير مشاريعَ أخرى قادرة على استيعاب ضحايا البطالة، الذين يزداد عددهم كل عام، في غياب أي أفق مشرق. أصيب المثقفون في تيفلت، ومعهم العديد من الفاعلين الجمعويين، بخيبة أمل كبيرة حينما تم تحويل المركب الثقافي إلى مقر للبلدية والباشوية.. «كانت الصدمة شديدة على الجميع، لم نكن نتوقع ما حصل، إنها بالفعل جريمة لا تغتفر»، تقول فاطمة، وهي ناشطة جمعوية كشفت أن «ما حصل من تطاول على المركب الثقافي يعكس، بجلاء، محدوديةَ تفكير من اتخذ مثل هذا القرار». ويشتكي المواطنون القاطنون في كل من دواري «عْوينتْ موكة» و»دوار الكزار»، من غياب مستوصف صحي في عين المكان، يستجيب لحاجياتهم، حيث يضطرون إلى قطع الكيلومترات مشيا على الأقدام، قبل أن يستقلوا سيارة أجرة صغيرة في اتجاه خارج المدينة، حيث يوجد المستشفى العمومي حديث البناء، الذي بالرغم من تجهيزاته المتطورة، فإنه يعاني خصاصا كبيرا في الأطر الطبية. وتتساءل غالبية سكان الدواوير المذكورة عن دوافع تجميد خدمات المركز الطبي الخاص بالولادة، المعروف ب»سبيطار النافسات»، وهو ما يشكل، في نظرها، تهديدا حقيقيا لصحة المرأة الحامل وجنينها على حد سواء. غياب أسواق نموذجية في ظل غياب الأسواق النموذجية والمنظَّمة، تكاثرت نقط البيع العشوائية في العديد من المواقع داخل المدينة، حيث تُعرض فيها سلع ومواد غذائية أساسية، في ظروف غير صحية. فبمحاذاة محطة الحافلات وسيارات الأجرة الكبيرة، انتصب سوق عشوائي على مساحة كبيرة، شبيه بالأسواق الأسبوعية التي تعرفها بعد البوادي والقرى، تحيط به أكوام من الأزبال ومخلفات تجارة بعض المواد المشكوك في جودتها.. ومع ذلك، لا يجد المواطن بدا من ارتياد هذا السوق للتبضع، سيما وأن موقعه وسط المدينة يجعله على مرمى حجر من كل التجمعات السكنية. في حي «القطبيين»، حيث تحولت أطلال مسجد كبير لم يكتمل بناؤه، لأسباب مجهولة، إلى ملاذ للباعة المتجولين، ومربض للحمير، اصطفت بجانبه العشرات من النساء، بثياب رثة، جلسن القرفصاء، بملامح وجوههن التي يرهقها ضنك العيش، وحولهن قارورات حليب يَعْرِضنها للبيع. المشترون كثر، فهذا المكان يعتبر «ماركة» مسجلة في المدينة. الأمن نقطة سوداء بكثير من الحسرة والأسف، يتحدث مواطنون عن فترة ليست بالبعيدة، كان فيها مسؤول أمني رفيع المستوى، في مستوى تطلعات ساكنة المدينة، حارب الفساد والإجرام بلا هوادة، وكان له الفضل الكبير في رد الاعتبار إلى «دوار الضبابة» و«حي الأمل»، اللذين كانا يئنان تحت وطأة الدعارة والفساد الأخلاقي. «هناك بالفعل تراجع خطير على الصعيد الأمني»، تقول سيدة مقيمة في «حي الأندلس»، المعروف باسم «الأربعين»، التي أشارت إلى أن هذا الأخير يعرف، أسبوعيا، أكثر من عملية سطو تطال الفيلات المتواجدة فيه. أما في حي الرشاد فتكاد حوادث الاعتداءات على المواطنين واعتراض سبيلهم تتكرر يوميا، دون أن تنجح مصالح الأمن في الحد منها. مصدر أمني أكد أن عناصر مكافَحة الجريمة تجدون صعوبات بالغة في ملاحقة المبحوث عنهم والمطلوبين للعدالة، الذين غالبا ما يقصدون «حي الرشاد»، حيث وعورة المسالك وضعف البنيات التحتية، لتفادي اعتقالهم في الحين. وطالب بعض المواطنين، في تصريحات متفرقة، مديرية الأمن الإقليمي بالمبادرة إلى خلق مراكز أمنية جديدة في العديد من المواقع التي تعرف كثافة سكانية، وقالوا إن الدائرتين الحاليتين غير قادرتين على مواكبة الممارسات الإجرامية التي استفحلت في كل أرجاء المدينة، التي يظهر في أحايين كثيرة، حسبهم، أنها خارجة عن السيطرة. الأغلبية المسيرة لبلدية تيفلت والمعارضة وجه عبد الرزاق وافضيل، العضو المعارض في المجلس، انتقادات لاذعة للمكتب المسير للبلدية، محملا إياه مسؤولية تدني أوضاع المدينة، وقال، بنبرة غاضبة: «إن تيفلت أضحت مدينة متآكلة»... واتهم وافضيل الأغلبية المتحكِّمةَ في دواليب المجلس البلدي بعدم التوفر على تصور أو مخطط تنموي للمدينة، وكشف أن أجندة خالية من الأولويات التي تشكل الحاجات الأساسية للمواطنين. وأضاف العضو المعارض أن فريقه مد يده إلى عبد الصمد عرشان، رئيس البلدية، للتعاون معه على خدمة الصالح العام، لكن هذا الأخير امتنع عن التجاوب مع هذه المبادرة، مشيرا في هذا الإطار، إلى أن المعارضة، المشكَّلة من الحزب العمالي وحزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، أصدرت بيانا، تعرب فيه عن عدم اطمئنانها على مستقبل المدينة، في ظل ما وصفه البيان ب«الاختلالات» الهيكلية التي تحُول دون قيام المجلس بدوره التنموي، وب«التراجعات» الخطيرة على مستوى قطاع النظافة والتدبير الإداري، والعبث بمضامين محاضر الدورات، حيث تم اختفاء نص الاتفاقية المتعلقة بحي الرشاد، والتي صادقت عليها المعارضة بالإجماع، بعد تعديل محتواها، بما يضمن ويحصن حقوق سكان حي الرشاد. وأعرب تحالف المعارضة، الذي انسحب أعضاؤه من أطوار جلسة دورة أبريل العادية الأخيرة، عن استغرابه الشديد البطء المُريبَ في إخراج مشروع تعبيد الطرقات إلى حيز الوجود، والتقاعس عن استخلاص ديون الملزمين الكبار لفائدة البلدية، والتي تفوق 2 مليار سنتيم، مبديا تخوفه من إقبار النوايا الحسنة التي سبق أن أعرب عنها عرشان -الابن، عند بداية توليه منصبَ الرئيس، خاصة في ظل وجود من وصفهم ب«لوبي الإفساد»، الذي يدفع في اتجاه تكريس الواقع المأساوي للمدينة. بالمقابل، قال عبد الصمد عرشان، رئيس بلدية تيفلت، إن المدينة ستحظى بمشاريع كبرى مهمة ستغير من ملامحها كثيرا، وسيكون لها انعكاس كبير على ساكنتها. وأعرب عرشان، في تصريح ل«المساء»، عن استغرابه الشديد الانتقادات الموجهةَ للمكتب المسير، وزاد مستطردا: «بالرغم من هذه الظرفية القصيرة فقد أعطينا الإشارة لانطلاق عدد من الأوراش، التي ربما أضحت تضايق البعض». وأوضح رئيس البلدية أن المكتب المسيِّر وقع اتفاقية مع مؤسسة «العمران» من أجل تأهيل «حي الرشاد»، وخصص لهذه العملية مبلغ 4 ملايير، كشطر أول، ستتلوه اعتمادات مالية أخرى، قصد القضاء على مختلف النقط السوداء التي تشوه المنطقة، كما تمت، حسبه، برمجة مليارين و400 مليون لإصلاح الطرقات وتبليط الأزقة، لتطوير البنيات التحتية لمدينة تيفلت. وكشف المتحدث أن من بين الأوراش المهمة، التي ستعرف ميلادها عما قريب، مشروع إنجاز سوق كبير لاحتضان الباعة المتجولين والقضاء على الأسواق العشوائية، وكذا مشروع استكمال بناء مجمع الصناعة التقليدية، «الذي أضحى مسألة إجراءات ومساطر فقط لا غير، إضافة إلى قرار تحويل الملعب البلدي وكذا المحطة الطرقية إلى مكان آخر، لخلق متنفس للسكان وسط المدينة، والتي ستتعرز، عما قريب، بتدشين العديد من الأوراش المتعلقة بالحدائق والمساحات الخضراء»، حسب قوله.