انتهجت قوات الاحتلال "الإسرائيلية" منذ انطلاق انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2000، سياسة تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني ومحاصرته، حيث اتبعت في هذا الاتجاه جملة من الأساليب القمعية والتعسفية لتحقيق غاياتها وأهدافها المتمثلة في قمع الشعب الفلسطيني وإجهاض انتفاضته. ومن أبرز الأساليب التي استخدمتها قوات الاحتلال خلال هذه الفترة، فرض حظر التجول المشدد على المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية وحصارها عسكريا وتقطيع أوصال الوطن وتحويله إلى معازل وكنتونات. وكان لمدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية والبلدة القديمة منها بشكل خاص "حصة الأسد" من حيث حجم هذه الإجراءات. فقد استهدف الجيش سكان المدينة وحاصرهم داخل منازلهم ومنعهم من التنقل بين أحيائها وبين المدينة والبلدات والقرى المحيطة بها. وحسب منظمات إنسانية معنية بمتابعة الوضع الإنساني في البلدة القديمة فإن السكان الذي يزيد عددهم على 40 ألف نسمة خضعوا لحظر التجول ما يزيد على 95 % من أيام السنة، فغدا جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لهم. وتنقسم مدينة الخليل إلى قسمين؛ قسم تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي الدائمة (H2)، وهو البلدة القديمة حيث يخضع السكان لمراقبة نقاط الجيش الإسرائيلي الثابتة، بالتالي تظل حياتهم صعبة ولا يستطيعون الخروج من حظر التجول إلا عندما يرفع مرة في الأسبوع. فيما يعيش سكان القسم الثاني تحت حظر التجول لكن دون نقاط عسكرية (H2)، بل بمراقبة ومتابعة دوريات الاحتلال المتحركة، والسكان هنا يستغلون فرصة ابتعاد هذه الدوريات للخروج إلى أعمالهم أو قضاء حوائجهم. المواطن "هارون دويك" 32 عاما، يتحدث عن معاناة متعددة الألوان في البلدة القديمة من المدينة. ويقول: أصبحنا نتعرض لهوس إطلاق النار منتصف الليل، مما يثير الفزع بين الأطفال، كما تتعرض منازلنا للتفتيش وتسرق ممتلكاتنا وأموالنا ومجوهرات نسائنا. ويضيف: لم يكتف جنود الاحتلال بفرض حظر التجول بل أصبحوا يقتحمون المحلات ويسرقونها ويأخذون منها دون دفع الثمن، كذلك تعمد الجنود وضع النساء بمعزل عن الرجال ومضايقتهن بالألفاظ النابية. ويتابع: لا يوجد محلات تجارية وصيدليات في البلدة القديمة لذلك نضطر للذهاب إلى أحياء عين سارة ورأس الجورة البعيدة لشراء دواء وحليب لأطفالنا، واضطرت إحدى النساء إلى تأجيل عملية جراحية لابنها لأنها لم تستطع الوصول إلى المستشفى. ومن ألوان المعاناة كما يرويها هارون اعتقال الشبان وضربهم على مرأى ومسمع السكان ويوضح: أوقفت إحدى الجيبات التابعة لحرس الحدود شابا في منطقة نمرة وقاموا بوضع مايكروفون الجيب الذي يتم من خلاله منع التجول عند فمه حتى يسمع صراخه كافة السكان، كذلك صادروا مفاتيح عدد من السيارات واعتدوا على أصحابها بالضرب. ويزيد هارون على هذه الألوان منعهم من الصلاة في الحرم، حيث صدر قرار عسكري بذلك. ويقول: ذهبت قبل يومين للصلاة فأوقفني الجنود نحو ساعة وقاموا بإهانتي وتفتيشي بشكل دقيق، خلال هذا الوقت رأيت العجائز يدخلون الذين يدخلون إلى المسجد يفتشون ستة مرات، في النهاية لم يسمح لي بالصلاة وأجبروني على العودة إلى البيت. أما (أبو أسعد) من سكان البلدة القديمة أيضا فيقول: أصبح حظر التجول في الآونة الأخيرة مشددا جدا، وأصبح الجنود يطلقون نيرانهم الكثيفة والعشوائية بصورة تعكس الهوس الذي يعيشونه، على المنازل بشكل يثير قلق وخوف السكان وخاصة الأطفال. ويضيف: يقوم الجنود من نقاطهم العسكرية بتسليط أشعة الليزر على المنازل لإبقاء السكان في حالة خوف وقلق. لكنه يقول: نحن مضطرون للتأقلم مع هذه الظروف الصعبة ومواصلة حياتنا اليومية. ويبدو أبو أسعد غير متفائل في فرج قريب، موضحا أن السكان يترقبون المستقبل بحذر وخوف شديدين. لكنه يقول: "الأمل في الله كبير رغم أن الوضع يسر من سيء إلى أسوء". ويقول "محمد" إنه إذا أراد الخروج من البلدة القديمة يضطر لتفحص الشوارع أو "(خارطة الطرقات) حتى يعرف أيها الأيسر للتحرك. ويضيف: يضطر البعض إلى التسلل بين أزقة المنازل أو من داخلها أو تسلق الأسوار والتخفي في البساتين بعيدا عن عيون الجنود للخروج والبث عن محل تجاري أو صيدلية لشراء حليب أو طعام، وقد يصادف البعض جنود الاحتلال أو تمر هذه الرحلة بسلام، وهكذا يعيش 40 ألف نسمة. ويتابع: الأمن مفقود، وحظر التجول أغلب أيام السنة، لكن لا مناص من المغامرة. ومهما كتب عن معاناة السكان فإنه "ليس من سمع كمتن رأى" ولا يستطيع القلم وصف أشكال وجوانب المعاناة التي يمر بها أكثر من 160 ألف مواطن في الخليل، حيث أساليب القمع متعددة ومتجددة. فلسطين- التجديد من عوض الرجوب