استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلية في منع فئة الشباب الفلسطينيين في قطاع غزة من السفر إلى الخارج خاصة الذين يقعون في الفئة العمرية بين 16-35 عاما، وهو ما ترتب عليه آثار مختلفة ترفضها المعاهدات والمواثيق الدولية. ويأتي قرار المنع ليضاف إلى سياسة الحصار و الإغلاق التي تفرضها تلك القوات منذ بداية الانتفاضة وحتى اللحظة، وسط أكاذيب وادعاءات تواصل قوات الاحتلال ترويجها عبر وسائل الإعلام. ففي تقرير مفصل أعده المركز الفلسطينيين لحقوق الإنسان يظهر حجم المعاناة والعذاب بحق المواطنين المدنين الفلسطينيين جراء هذا القرار الذي يستمر العمل فيه منذ 16/4/2004 وحتى الآن. المعبر الوحيد ويعتبر معبر رفح المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي خاصة بعد تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي مطار غزة الدولي بتاريخ 14/2/2004. ويقع المعبر في جنوب مدينة رفح، على الشريط الحدودي الذي يفصل الأراضي الفلسطينية عن أراضي جمهورية مصر العربية. و بتاريخ 9/10/2000 أغلقت قوات الاحتلال المعبر وجميع المنافذ والمعابر التي تصل قطاع غزة بالعالم الخارجي والضفة الغربية و إسرائيل. ووفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بلغ عدد الأيام الذي أغلق فيها المعبر بشكل كلي حوالي 193 يوماً، وذلك منذ بداية الانتفاضة وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. فيما تم إغلاقه بشكل جزئي باقي الفترة المشار إليها. و في انتهاك سافر لأبسط حقوق الإنسان يمنع الفلسطينيون من حقهم في حرية التنقل والسفر من وإلى قطاع غزة. ولعل الإغلاق الأخير الذي تعرض له معبر رفح بتاريخ 18/7/2004، يعتبر الأطول منذ بداية انتفاضة الأقصى، حيث استمر قرابة تسع عشرة يوماً بشكل متواصل، مما خلق واقعاً إنسانياً لم تشهده المنطقة من قبل. وعلى الرغم من إعادة فتحه بتاريخ 6/8/2004، إلا أنه ما زال مهدداً بالإغلاق في أية لحظة. عمل محدود وولا يعمل المعبر في أيام الإغلاق الجزئي إلا بطاقة إنتاجية محدودة جداً، وصلت تقريباً إلى 20%. و بموجب ذلك وصل معدل المسافرين عبر المعبر حوالي 200 مسافراً يومياً من المغادرين، و200 مسافراً من القادمين، من أصل حوالي 1000 مسافر في الأوضاع الطبيعية. وإضافة إلى ذلك تفرض تلك القوات إجراءات تعسفية وقيود مذلة على المسافرين، مما يخلق واقعاً مأساوياً داخل المعبر جراء تكدس آلاف المسافرين من القادمين والمغادرين على جانبي المعبر. ويحرم المسافرون من التمتع بأبسط أنواع الخدمات التي تسد أدنى احتياجاتهم الأساسية. ولا يستثنى من ذلك الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى أيضاً. وفي أوقات كثيرة يضطر المسافرون القادمون إلى قطاع غزة للمبيت داخل المعبر في الجانب المصري. ومما فاقم الوضع ما قامت به سلطات الاحتلال التي أنهت أي وجود فلسطيني رسمي وغير رسمي عامل داخل المعبر وخارجه، سوى عدد من العمال ( سائقين وحمالين)، الأمر الذي جعل أفراد الشرطة وموظفي الجوازات الفلسطينيين ممارسة عملهم وإنجاز معاملات المسافرين الفلسطينيين في الشارع وداخل البيارات القريبة من المعبر، وكذلك داخل سيارات متحركة. وهذا الواقع يزداد حدة في مواسم الحج والعمرة. وكذلك أوقات الزيارات والإجازات الصيفية. قيود مجحفة ويؤكد المركز الفلسطيني تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود المجحفة التي تضعها قوات الاحتلال في الفترة ما بين بداية شهر أبريل 2004 وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. وهو ما يؤدي إلى ازدحام أكثر شدة، حيث يتكدس آلاف المسافرين من القادمين إلى قطاع غزة أو المغادرين منه. ويأتي استهداف فئة الشباب في إطار السياسة الممنهجة التي تتبعها قوات الاحتلال، وذلك لتدمير مستقبلها العلمي والعملي، لا سيما وأن معظم أفراد هذه الفئة هم من طلبة الجامعات والدراسات العليا والباحثين، وكذلك العاملين في الدول العربية والأجنبية، المضطرين إلى السفر، الأمر الذي يجعلهم عرضة للابتزاز والمساومة من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلية، خاصة أن المعبر بشكله الحالي - عدم وجود موظفين فلسطينيين- يوفر فرصة للاحتكاك المباشر مع أفراد هذه الفئة. السلطة تعزز المعاناة وينتقد المركز السلطة الفلسطينية، مؤكدا أنها وفي تعاملها مع القرار الإسرائيلي عززت من معاناة المسافرين من هذه الشريحة، وذلك من خلال انتشار عمليات الواسطة والمحسوبية التي طغت على آلية وضع قوائم المسافرين والسماح لمن له واسطة أن يسافر قبل غيره بدون وجه حق. وما يعزز من حالة الفوضى على المعبر وجود كافة الأجهزة الأمنية الفلسطينية والتي تحاول أن تسيّر مصالحها بطريقتها الخاصة، إضافة إلى غياب سلطة معابر تقوم بتنظيم عملية السفر بطريقة منظمة، الأمر الذي عزز عملية أخذ القانون باليد من قبل مسلحين، حيث اعتدوا على عدد من العاملين على المعبر. وفي أكثر من مرة قام المسافرون بالإعراب عن غضبهم وسخطهم فأغلقوا الطريق أمام السيارات المسافرة وحاولوا الوصول إلى المسئولين عن المعبر. كما نظموا مظاهرات احتجاج واسعة ضد الرشوة والمحسوبية على معبر رفح. متهمين المسئولين بالمرتشين والمحسوبية واحتكار السيارات من قبل الأجهزة الأمنية. مراحل القرار الإسرائيلي بتاريخ 16/4/2004، أبلغت قوات الاحتلال المسيطرة على معبر رفح الارتباط الفلسطيني قراراً يمنع بموجبه المواطنون الفلسطينيون ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16-35 عاماً من السفر عبر معبر رفح على الحدود المصرية الفلسطينية. وشكل القرار الإسرائيلي خطوة تصعيدية لإجراءات الحصار والإغلاق المشددة التي تفرضها قوات الاحتلال على مناطق السلطة الفلسطينية. وقد شمل القرار كلا الجنسيين، أي ما نسبتهم حوالي 13% من المجموع الكلي للسكان في قطاع غزة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء. وبموجب ذلك حرم عشرات المرضى الذين كانوا يضطرون إلى السفر خارج البلاد لتلقي العلاج نظراً لتردي الأوضاع الصحية، ونظراً لعدم توفر الإمكانيات الضرورية لعلاج بعض الأمراض مثل السرطان. و كذلك حرم القرار مئات الطلاب الدارسين في الجامعات خارج قطاع غزة. وبعد مضي شهر على القرار سمحت قوات الاحتلال للنساء من الفئة المذكورة بالسفر عبر المعبر. وبموجب القرار استلزم من أي شخص يتراوح عمره بين 16-35، الحصول على إذن مسبق ( تنسيق) من مكتب الارتباط الواقع في معبر إيرز. وفي معظم الحالات كانت تستغرق عملية التنسيق وقتاً طويلاً قد تصل إلى أسبوعين أو ثلاث أسابيع. وبتاريخ 9/8/2004 ادعت سلطات الاحتلال أنها ألغت القيود المفروضة على سفر هذه الشريحة من المواطنين، وعليه توجه آلاف الأشخاص الذين كانوا بانتظار رفع الحظر عن سفرهم إلى معبر رفح. لكنهم أعيدوا ثانية، حيث لم تسمح لهم سلطات الاحتلال بالمرور، ولا يزال هؤلاء الأشخاص يعانون من ذلك، فالواقع يشير ويؤكد على أن هذا القرار ما زال ساري المفعول من الناحية العملية حتى تاريخ إعداد هذا التقرير. فحوصات أمنية وتدعي قوات الاحتلال نه لا يوجد لدى الحكومة الإسرائيلية قراراً سياسياً يمنع المواطنين ممن تقع أعمارهم ضمن الفئة 16-35، من السفر عبر معبر رفح. وكل ما هنالك أنه يجب أن يخضع هؤلاء المواطنون إلى فحوصات أمنية وإجراءات تفتيش معقدة داخل المعبر، مما يستدعي من الجانب الفلسطيني تقديم كشوفات للذين ينوون السفر. هذا الأمر رفضه الجانب الفلسطيني وفقاً لادعاءات سلطات الاحتلال. القرار السابق كان متساوقاً مع سياسة الحصار والإغلاق التي تفرضها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2000، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، حيث تقوم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بإغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر بين الفترة والأخرى. ادعاءات كاذبة ووفقاً لما تدعيه تلك القوات، أن الإغلاق يأتي كرد فعل على أحداث معينة أو كإجراء وقائي لمنع حدوث هجمات، أو لمنع تهريب الأسلحة، وغيرها من المبررات التي ليس لها أساس من الصحة في معظم الأوقات. وبموجب هذا الإغلاق التي تقوم به قوات الاحتلال يمنع آلاف المواطنين من سكان قطاع غزة من حرية التنقل والسفر من وإلى قطاع غزة. وفي كل مرة يترك هذا الإغلاق آثاراً سلبية تمس مجمل الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحوالي مليون ونصف المليون، هم سكان قطاع غزة. و عدا عن أن القرار الإسرائيلي سابق الذكر يشكل انتهاكاً لحق المواطنين في حرية الحركة والتنقل، فإنه أيضاً يؤدي إلى انتهاكات عديدة في مجمل الحقوق الأخرى كانتهاك الحق في التعليم حيث شكل القرار الإسرائيلي انتهاكا فاضحا للحق في التعليم حيث يتم منع الطلبة من السفر لمواصلة تعليمه الجامعي والعالي. كما يشمل استمرار إغلاق المعبر انتهاك لحق الفلسطينيين في الصحة حيث أدت الإجراءات الإسرائيلية المفروضة على معبر رفح لاسيما القرار المشار إليه أعلاه، إلى انتهاكات جسيمة في تمتع المواطنين الفلسطينيين بالحق في الصحة. وتمنع المرضى من حقهم في تلقي العلاج خارج الوطن. وإضافة إلى ما سبق يشكل الإغلاق انتهاك لحق المواطنين الفلسطينيين في العمل إذ يعمل آلاف الفلسطينيين في بعض الدول العربية والأجنبية بوظائف شتى. وفي كل عام يعود أعداد كبيرة منهم لزيارة أسرهم وأهلهم في قطاع غزة. وجراء استمرار العمل بالقرار الإسرائيلي يفقد العديد من هؤلاء العاملين وظائفهم وإقامتهم في الدول التي يعملون بها. كما يشكل قرار منع الشبان من السفر انتهاك الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية، حيث حرم المئات من مواطني قطاع غزة من حقهم في ممارسة الشعائر الدينية خلال انتفاضة الأقصى جراء تحكم قوات الاحتلال في معبر رفح. كما منعت سلطات الاحتلال على مدار سنتين متتاليتين، هما 2002، 2003م، عدداً كبيراً من الحجاج الفلسطينيين في قطاع غزة من السفر إلى الديار الحجازية، في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. دعوة لتدخل دولي و جدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مطالبته بوقف سياسة الحصار والتجويع ضد أبناء الشعب الفلسطيني، مناشدا الهيئات والمنظمات الدولية لممارسة ضغوطها على حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل الكف عن احتجاز أكثر من 3 مليون فلسطيني رهائن لديها دون مبرر. وأوصى في تقريره الموسع له بالتوقف الفوري عن فرض الحصار والإغلاق الشامل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال رفع الحواجز العسكرية المضروبة على الطرقات الرئيسية والفرعية. ورفع كافة أشكال القيود والعراقيل المفروضة على المعابر، لاسيما معبر رفح البري على الحدود المصرية الفلسطينية. كما أوصى برفع القيود عن المواطنين الفلسطينيين التي تتراوح أعمارهم بين 16-35، والسماح لهم بحرية الحركة والتنقل عبر معبر رفح البري. والكف فوراً عن سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق المواطنين الفلسطينيين. وطالب المركز المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل باحترام الاتفاقيات الدولية والانصياع إلى قرارات الشرعية الدولية، والضغط على إسرائيل لإجبارها على رفع الحصار فورا عن الشعب الفلسطيني، ووقف عدوانها الهمجي وغير المبرر عليه وعلى ممتلكاته، وتفعيل آليات التدخل الفوري والعاجل من قبل هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها، ومن قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتأمين مرور الحالات المرضية الأكثر إلحاحاً. كما طالب باتخاذ خطوات فعالة من جانب الاتحاد الأوروبي بموجب المادة الثالثة من اتفاقية الشراكة الأوربية الإسرائيلية التي تشترط احترام إسرائيل لحقوق الإنسان، وإخضاع قادة ورؤساء دولة الكيان الإسرائيلي لمحاكمة دولية كمجرمي حرب يواصلون ارتكاب جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.