مع دخول الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة عامه الثالث على التوالي؛ يدور حديث عن التوصل إلى تهدئة بين الفلسطينيين والصهاينة ، يُرفع بموجبها الحصار وتفتح المعابر الاقتصادية تدريجياً. إلا أنه لا يمكن الجزم باستمرار هذا الرفع للحصار، إن تم، لفترة طويلة، حيث أن الصهاينة يشككون في استمراره لستة أشهر كما هم متفق عليه، معللين بذلك بمخاوفهم الأمنية. لكن وبالرغم من هذا التفاؤل برفع الحصار، الذي من المفترض أن يتبعه توفير دعم كبير لإعادة الحياة المفقودة في القطاع؛ إلا أنه لا بد من الإشارة إلى حصيلة عام خانق من الحصار الذي ضرب أدق تفاصيل حياة مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، وتسبب بعمليات قتل لعشرات المرضى وخسائر اقتصادية وكوارث إنسانية ضربت مختلف أركان الحياة البشرية. بداية تشديد الحصار يواجه قطاع غزة منذ قرابة سنتين حصاراً شاملاً، هدّد ما تبقى للفلسطينيين فيه، من فرص الحياة الإنسانية اللائقة. ومنذ مطلع الصيف الماضي، وتحديداً في منتصف حزيران (يونيو) من سنة 2007، تم تشديد ذلك الحصار المفروض على القطاع ذي المساحة الصغيرة المكتظة بالسكان، فأصبح يضيِّق الخناق على السكان القاطنين هناك بشكل صارخ، ومعظمهم من اللاجئين الذين يعيشون في مخيّمات بائسة. لقد حوّلت سياسة الحصار التي تتبنّاها حكومة الاحتلال الصهيوني ، قطاع غزة الذي يعيش فيه مليون ونصف المليون نسمة إلى أكبر سجن في العالم، بكل ما تعنيه كلمة سجن على أرض الواقع. ولم يعد أيّ من سكان القطاع يتمكن من مغادرة القطاع تحت أي ظرف من الظروف، حتى بالنسبة للحالات المرضية المستعصية والطلبة والطالبات الدارسين في الخارج ومزاولي الأعمال المختلفة فضلاً عن الصحافيين ومراسلي الإعلام ومسؤولي الوكالات والجمعيات الإنسانية. ويشمل الحصار أيضاً منع تدفق العقاقير الطبية والمستلزمات العلاجية والتجهيزات الطبية، وكذلك المواد الغذائية والتموينية والمساعدات الإنسانية، فضلاً عن إمدادات الوقود والطاقة الخارجية التي يعتمد القطاع عليها اعتماداً كلياً، علاوة على المستلزمات الصناعية الأوّلية ومواد البناء والكثير من السلع والاحتياجات اللازمة لمعيشة السكان. وأنشأت حالة الحصار المشدّدة المفروضة على قطاع غزة، وقائع مأساوية ذات أبعاد كارثية، وبخاصة على قطاعات الصحة والتغذية والتعليم والعون الإنساني، كما أدت إلى شلل تام في المرافق الصناعية والقطاعات الاقتصادية، وتسبّبت في أزمة متفاقمة في سوق العمل الذي كان يعاني في الأصل من معدلات بطالة قياسية هي الأعلى عالمياً. ضحايا الحصار يشهد قطاع غزة منذ بداية العام (2008) ارتفاعاً ملحوظاً ومضطرداً في عدد ضحايا الحصار الجائر المفروض على القطاع منذ عامين كاملين، والذي اشتدت وطأته خلال السنة الأخيرة، جراء إغلاق المعابر الذي تسبب في نفاد الدواء ومنع المرضى من السفر لتلقي العلاج. وتشير إحصائية أعدتها الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة ، والتي تتخذ من بروكسيل مقراً لها، إلى أن عدد ضحايا الحصار المفروض على القطاع، بلغ منذ مطلع العام (2008) وحتى السابع عشر من شهر حزيران (يونيو) الجاري، مائة وستة عشر حالة وفاة، جميعهم من المرضى، من بينهم الأطفال الرضع والمسنين. وبحسب المعطيات؛ فإن عدد ضحايا الحصار من المرضى منذ بداية تشديد حلقات الحصار قبل نحو عام، يرفع حصيلة الوفيات إلى مائة واثنين وتسعين مريضاً، من أصل ألف وخمسمائة مريض على الأقل يعانون من ظروف صحية صعبة للغاية، لافتة الانتباه إلى أن اثنين وثلاثين مريضاً توفوا خلال شهر نيسان (إبريل) الماضي. وحذّرت الحملة الأوروبية لرفع الحصار من أن خطر الموت يتهدد قائمة كبيرة من المرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة، جراء عدم تلقيهم العلاج بسبب عدم توفر الأدوية، ومنعهم من مغادرة القطاع لتلقي العلاج نتيجة الحصار الصهيوني المشدد. خسائر اقتصادية ورصد تقرير إحصائي صادر عن الغرفة التجارية الفلسطينية الخسائر الاقتصادية في قطاع غزة وقدّرها بأنها بأكثر من مليار دولار، بعد أن تكبد خسائر اقتصادية مباشرة في قطاعات الإنتاج والاستثمار والتجارة الخارجية والزراعة والصناعة والعمالة ... الخ، الأمر الذي أثّر سلباً على أداء الاقتصاد ومعدلات نموه، ومضاعفة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية والتعليمية . وأكد التقرير، الذي يأتي مع إتمام الحصار الظالم على قطاع غزة عامه الثاني، أن الاقتصاد الفلسطيني في القطاع تكبّد جراء إغلاق المعابر التجارية فقط خسائر مباشرة تقدر بحوالي 360 مليون دولار ذلك بالإضافة إلى خسائر القطاعات الاقتصادية الأخرى، في حين أن عداد الخسائر يزداد سرعة في ظل استمرار الحصار. التقرير ذاته حذّر من أنه وفي حالة استمرار الحصار وإغلاق المعابر المستمر منذ عام سوف ينهار كل شيء في قطاع غزة وسوف ينضم جميع سكانه إلى قوافل البطالة والفقر . وأثر الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في قطاع غزة على جميع المؤسسات العامة والخاصة ومنها التعليمية، نتيجة النقص الشديد في الكتب المدرسية والجامعية والنقص في المطبوعات والقرطاسية، بل أصبحت العديد من العائلات الفلسطينية لا تستطيع توفير الرسوم الجامعية لأبنائها أو حتى الحقائب المدرسية والزى المدرسي وهذا من شأنه أن يجر هؤلاء الأبناء والشباب إلى مصير قاتم من العجز واليأس وكسر الإرادة إذا ما حرموا من إكمال تعليمهم الجامعي، وسوف يكون من الصعب حصولهم على فرص عمل في المستقبل مما يزيد من مشكله البطالة . إغلاق المصانع 3900 مصنع في قطاع غزة أُغلقت، وهي تشكل نسبة 97 في المائة من عدد المصانع الموجودة في غزة، في حين أن الـ 3 الباقية تعمل بشكل جزئي في المواد الغذائية في ما تيسر لها من إمكانات، وكل شيء تم إغلاقه من مصانع الكرتون والألبسة التي كانت تدر دخلا على غزة بملايين الدولارات، حيث كانت غزة تعتبر مركزاً رئيسياً في صناعة المنسوجات ومصانع البلاستيك والأخشاب والأثاث والخرسانات. ومن الآثار الاقتصادية البطالة؛ فحوالي 140 ألف عامل توقفوا عن العمل في كل القطاعات الصناعية والبنى التحتية والمقاولات والبناء، حيث كان هناك مشروع للمباني تقوم به وكالة الغوث وبعض الدول العربية وتم تجهيز المناقصات وإرساء العطاءات إلا أن السلطات الصهيونية منعت دخول المعدات وبالتالي تعطلت كل هذه المشاريع التي تبلغ قيمتها 550 مليون دولار. تحت خط الفقر وتشير اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار بأن سكان غزة، المليون ونصف المليون إنسان، يعيشون حالياً بدولارين في اليوم. وقالت اللجنة إن معدل الدخل الفردي السنوي للمواطن الفلسطيني في غزة لا يتجاوز 650 دولاراً، وهو ما يعني أن سكان القطاع يعيشون بنحو دولارين في اليوم، مشيرة إلى أن أكثر من 70 في المائة من سكان القطاع يعانون من البطالة، وأن 80 في المائة يعيشون تحت خط الفقر بسبب الحصار الذي تفرضه عليهم السلطات الصهيونية . ولفتت الانتباه إلى أن مليوناً ومائة ألف فلسطيني يعيشون فقط على المساعدات التي تقدمها لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا ومنظمة الغذاء العالمي (الفاو) ومنظمات خيرية أخرى عربية وإسلامية. وقالت اللجنة إن 60 في المائة من أطفال غزة يعانون بسبب ذلك من الأمراض الناتجة عن نقص التغذية، وإن 70 في المائة من سكان غزة لا تصلهم المياه إلا يومين في الأسبوع وتصلهم فقط ثماني ساعات في اليوم، إضافة إلى أن الكهرباء تنقطع عن القطاع كله ثماني ساعات في اليوم على الأقل وقد تصل مدة انقطاعها إلى 16 ساعة. كارثة بيئية وفي إطار آثار الحصار؛ حذّر مركز فلسطيني يُعنى بحقوق الإنسان من كارثة بيئية خطيرة على شاطئ بحر غزة، موضحاً أن الحصار الجائر المفروض على القطاع وتقليص كميات الوقود التي تسمح السلطات الصهيونية بمرورها إليه بات يشكل تهديداً لحياة المواطنين الفلسطينيين ولتمتعهم بحقوقهم الأساسية وعلى رأسها الحق في الصحة . وقال مركز الميزان الحقوقي في تحذيره إنه بسبب نقص الوقود في قطاع غزة، وانقطاع التيار الكهربائي المتواصل، فقد توقفت محطات ضخ مياه الصرف الصحي التسعة ومحطة المعالجة التابعة لمصلحة مياه بلديات الساحل عن العمل، ونتيجة لذلك اندفعت المياه العادمة من المحطات الطرفية الساحلية مباشرة إلى مياه البحر، الأمر الذي تسبب في رفع نسب تلوث مياه شاطئ بحر غزة بمياه الصرف الصحي غير المعالجة . وحسب المعلومات المتوفرة للمركز؛ فإن هذا التلوث يشكل خطراً على الصحة العامة، لا سيما مع بدء موسم الاصطياف الذي يشهد تدفق المواطنين بكثافة إلى شاطئ بحر غزة للاستجمام، خصوصاً وأنه المتنفس الوحيد أمامهم الذي يلجئون له هرباً من قيظ الصيف . وأضاف أن تلوث مياه البحر بالمياه العادمة غير المعالجة بما تحتويه من مواد عضوية متخمرة ومواد كيميائية سامة كالمبيدات الحشرية ومواد التنظيف وغيرها من المخلفات، من المتوقع أن تكون له تداعيات على النظام البيئي لشاطئ القطاع وعلى الثروة السمكية فيه . حصار يطال الأسرى أيضاً حرم الحصار مئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية من زيارة ذويهم لهم، وذلك بحجة الإغلاق الشامل المفروض على غزة منذ منتصف حزيران (يونيو) 2006. واستناداً إلى ما أفادت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان صادر عنها؛ فإن السلطات الصهيونية ترفض السماح لسكان غزة، من أزواج وأشقاء وأطفال وأمهات وآباء، من زيارة ذويهم في السجون الذين يتجاوز عددهم 900 معتقل (من أصل 11700 أسير فلسطيني)، وذلك منذ نحو عام تقريباً، مشيرة إلى أن تلك السلطات تتذرع بالحصار المفروض على القطاع. ولفتت اللجنة الانتباه إلى أن القيود المفروضة على قطاع غزة فاقمت من المعاناة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة . وقالت: هذا الإجراء يحرم الأسرى وأقاربهم على السواء من أحد المكوّنات الحياتية الضرورية، حتى أصبح الوضع لا يُطاق للأسرى ولذويهم . انهيار جهاز التعليم تسبب الحصار الخانق أيضاً إلى خسارة مئات الطلبة الجامعيين في غزة مقاعدهم الدراسية في الجامعات العربية والأجنبية التي يُكملون فيها تحصيلهم العلمي، جراء إغلاق جميع المعابر ومنعهم من السفر. وقال مركز حقوقي، يُعنى بالدفاع عن حرية الحركة للفلسطينيين في التنقل، وخصوصاً سكان قطاع غزة، إنه منذ نحو عام؛ أغلقت السلطات الصهيونية آخر إمكانيات الدراسة أمام مئات الطلاب في القطاع، وهو السفر إلى الخارج لاستكمال دراستهم الجامعية. وأورد التقرير عدة حالات لطلبة ترفض السلطات الصهيونية السماح لهم بمغادرة القطاع لاستكمال دراستهم في الجامعات الأوروبية والأمريكية، مشيراً إلى أن عدد الطلبة الممنوعين من إكمال دراستهم في الخارج وصل إلى نحو 700 طالب. ضربة للمواثيق الدولية الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة ، اعتبرت أن استمرار فرض الحصار الجائر على مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني في قطاع غزة، والذي دخل عامه الثالث على التوالي، هو ضربة قاضية لكل المعاهدات والمواثيق الإنسانية الدولية. وقالت الحملة: إن الحصار الذي قتل حتى الآن مائة واثنين وتسعين مريضاً بسبب نفاد الدواء ومنعهم من تلقي العلاج في الخارج، وصمة عار على جبين الدول الموقعة على اتفاقيات حقوق الإنسان، والتي تضمن حياة المدنيين حتى في حالات الحروب . ولفتت الحملة الأوروبية الانتباه إلى أن الميثاق الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعرّف الإبادة بأنها كل تصرف من شأنه فرض أوضاع معيشية على جماعة من الناس تؤدي إلي تدمير حياتهم كليا أو جزئياً ، وفي المادة الثامنة من الميثاق الأساسي نفسه تعرف جرائم الحرب بأنها تشمل تجويع البشر، أو تعمد منع إيصال المواد الإغاثة إليهم ، مشيرة إلى أن الإبادة وجرائم الحرب ترتكب ضد أهل غزة حالياً دون أن تحرّك ساكناً تلك الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات والمواثيق، وهو ما يجعل تلك المعاهدات محمل تساؤل. أكبر إغلاق في التاريخ وصفت أكبر وكالة إغاثية تابعة للأمم المتحدة الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة منذ أكثر أنظمة الإغلاق خنقاً في التاريخ الحديث . وقالت المفوضة العامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا كارين أبو زيد إن الحصار الذي تفرضه السلطات الصهيونية على قطاع غزة منذ أشهر هو بمثابة نكبة جديدة لغزة ، وذلك في الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون الذكرى الستين لنكبتهم. وأضافت المسؤولة الدولية تقول: إن غزة تعيش اليوم نكبتها الخاصة التي أنتجتها قسوة الاحتلال المستمر والحصار الخانق الذي أضيف إلى الشقاء الناجم عن واحد من أكثر أنظمة الإغلاق خنقاً في التاريخ الحديث. وإن هذا بحد ذاته، وأكثر من أي شيء آخر، يعتبر نكبة للعقل ، حسب قولها. كما اعتبر ديزموند توتو، كبير الأساقفة المبعوث من قبل الأممالمتحدةلغزة الحصار الجائر، المفروض على قطاع غزة، بأنه يفوق قدر البشر على الاستيعاب ، وذلك لما يتسبب به من معاناة شديدة لسكان القطاع.