لا تحتاج إلى دليل كي يوصلك إلى سوق العشابين أكبر فضاء تجاري متخصص ببيع الأعشاب بجهة الدارالبيضاء، فرائحة الزيوت والأعشاب والتوابل التي تفوح في المحيط، تصل إليك قبل أن تصل إليه، فترشدك إلى المرور من زنقة العرّاكات المشهورة بهذا السوق العتيق سوق جميعة بحي درب السلطان، الذي يضم حوالي خمسين كشكا صغيرا، لا يتجاوز عرضها بضعة أمتار، بينما تأوي بائعي المنتجات المصنعة من جلود وأسنان الحيوانات وقشور الفواكه والنباتات المجففة وكل أنواع الأعشاب اليابسة. هناك يقف العشابة وسط المئات من هذه المنتجات المعروضة في الهواء الطلق، يعملون في نشاط متواصل على استقطاب الزبائن، بحيث تجدهم يروجون دون كلل أو ملل للمنتجات والوصفات واستعمالاتها، ف أخذ المبادرة بالنداء على الزبائن المحتملين هي إحدى الطرق لجذبهم، والجرأة الكافية على ذلك هي أحد ميزات العشاب الذي يجد نفسه ملزما على البحث على زبائنه للقيام بعمله على أكمل وجه..وهم أيضا يتنافسون في ما بينهم على ذلك. وقد تلاحظ سرعة خارقة ودهاء بالغ لدى بائعي هذه المواد، الذين تجد لهم إجابة عن كل سؤال ممكن أن يخطر ببال الزبون.. العشابة الذين تحتضنهم هذه الدكاكين ليسوا على درجة واحدة، منهم الحرفيون الذين ورثوا حكمة آبائهم وأجدادهم في التداوي، وأبرز محتويات محلاتهم الحالية، الأعشاب الطبية والزيوت والعسل والحنة والتوابل والصابون وخيوط القطن، والتمر والليف...، ومنهم الذين دخلوا الميدان عن طريق الصدفة، وبحكم احتكاكهم وخبرتهم التي امتدت لسنوات، صاروا يعرفون جيدا ماهي نوعية الأعشاب والوصفات، لكن منهم كثير يتخفون وراء امتهان هذه المهنة، ليبيعون الوهم والخرافة، وهذا واضح لما تقع عليه عيناك معروضا بمحلاتهم المصطفة يمينا وشمالا، من جلود الأفاعي والقنافذ وفراء الثعالب والذئاب، إضافة إلى بعض رؤوس الحيوانات المحنطة والفئران المجففة، والسلاحف...وفي قارورات زجاجية قد تلمح أشياء كثيرة يتم استخدامها في السحر والشعوذة. وغير بعيد عن هذه الدكاكين، تصطف حوانيت أخرى على شكل براكات، تطل من وراء ستار معلق بأبوابها، نساء من مختلف الأعمار، يبدو أنهن يمتهن نقش الحناء في الظاهر، لكن أكثر زوار السوق أكدن أن غالبيتهن شوافات. وقد تختلف الأسعار حسب الحلول المقترحة، ورد فعل الزبون، فهي عموما يمكن أن تتراوح بين بضعة دراهم إلى 20 ألف درهم. وتجارة الأعشاب بحسب محترفيها تجد زبائنها في صفوف النساء بشكل خاص من كافة الطبقات الاجتماعية، وهن عازمات على الذهاب إلى أبعد حد مهما كان الثمن لكن المهم هو تحقيق مبتغاهن. فيما يقول العشابون إن الزبائن الرجال عادة ما تكون مطالبهم مرتبطة بمسائل عاطفية، مؤكدين أن العديد من هؤلاء الزبائن يبحثون عن السرية ويفضلون التعامل مع العشاب عوض الذهاب إلى الأطباء. الوهم إذن، والخرافة والتجارة كلها تلتقي في هذا السوق، وهناك أعداد لا تحصى من الأعشاب والوصفات المنسمة منها والتجميلية والطبية، وهناك نسبة قليلة من النباتات لشخص سليم تطلب ليس للعلاج وإنما في إطار صيرورة وقائية حاضرة لدى عموم المغاربة (الزعتر، الفليو، اليزير، حبة حلاوة..)، ويمكن للزبائن أن يختاروا منها، وأما العشاب الغامض عنده الحل السحري للبيع، وهو ما يعتبر خدمة خاصة ببعض الزبائن سماهم بعض الممتهنين لهذه الحرفة ب ناس الكهف، مشيرا إلى أنها موجودة ما دام الطلب عليها قائما. أما العشابة الحقيقيون فهم بحسب -أحد تجار الأعشاب- حرفيون يساعدون شريحة هامة في المجتمع لتلقي العلاج بسعر منخفض جدا، وأضاف بالقول :يلجأ إلينا الناس بمحض إرادتهم ويثقون بنا لأنه بإمكانهم أن يجدوا هنا حلولا لمشاكلهم، وعندما تواجهني مسألة معقدة، أنصح زبائني بالذهاب إلى الطبيب، قبل أن يؤكد بأنه يبذل أيضا قصارى جهده لضمان عدم إضرار وصفاته بصحة الزبائن، ووجه مصطفى العشاب إلى أن دور الكثيرين من زملاء المهنة لا يقتصر على بيع العطور والأعشاب، بل هو في الوقت ذاته يشكل الطبيب والمرجع، يلجأ إليه الناس لطلب الاستشارة، وأيضا حين يسألون عن وصفة معينة تناسب حاجاتهم، لأنه يصنع بنفسه أدوية من خلاصة الأعشاب لمعالجة بعض الأمراض. وعموما، هناك مجموعة من الأسباب تدفع المغاربة إلى التوجه إلى العشاب بسوق جميعة الذي يتداول فيه حوالي 5000 نوع من الأعشاب النادرة، غير أنه بالنسبة للكثير من هم من بيئة اقتصادية متقلبة، فإن هذه الخدمات التي تطلب عند العشابة والمداوين تقدم حلا مشروعا، لمن يبحث عن العلاج بدراهم معدودات زهيدة.. . وعن النشاط الحالي في سوق جميعة أرشد مصطفى ويعمل في تجارة الأعشاب لأزيد من 30 سنة، إلى أن النشاط في السوق ينخفض ويرتفع بسبب تغير شروط الحياة وظروفها، أما عن معدل استهلاك العطارة والأعشاب التي يتم استيرادها من مناشئها بمختلف مناطق المغرب (من زاكورة، تارودانت، فاس...)، فقد اعتبر بأنه ازداد خلال الأعوام العشرة الأخيرة، فيما يجمع المتعاملون في السوق على أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى البرامج التي تقدمها القنوات الفضائية عن الأعشاب وكثرة المواقع التي تتخصص في الأعشاب والوصفات العشبية على الإنترنت. وإن كانوا لا يخفون الارتفاع الكبير في أسعار المواد العشبية نتيجة انعدام الرقابة على آلية تجارتها بعيدا عن الوازع الإنساني الذي يحمله ذوي المهنة، وهو دفع العديد منهم إلى التأكيد على أن تداول الأعشاب يحتاج لوقفة علمية واقتصادية وسياسية.. بحيث تمت المطالبة بمزيد من الضوابط لهذه الممارسة الطبية العشوائية، والتشديد على الاستثمار الطبي لأنواع الأعشاب التي ترد استخداماتها باستمرار وطبيعة العلاج الذي تؤمنه.