بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    الشرطة توقف مروج كوكايين في طنجة    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    المندوبية السامية للتخطيط تُعلن انتهاء عملية تجميع معطيات إحصاء 2024:    استئنافية الناظور تدين متهما بالاتجار بالبشر وتنظيم الهجرة السرية بالسجن النافذ    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    قلعة أربعاء تاوريرت بالحسيمة.. معلمة شاهدة على تاريخ الريف    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط        إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاج الدين الحسيني ل"التجديد":على دبلوماسيتنا أن تكون هجومية ومسلحة بالعلم والمعرفة
نشر في التجديد يوم 05 - 04 - 2010

يرى الدكتور تاج الدين الحسيني في هذا الحوار أن على الدبلوماسية المغربية أن تتفطن لجانبين مهمين في الاستراتيجية الجزائرية، يتعلق الأول بمحاولة كسب الوقت لإقناع المجتمع الدولي بفشل المفاوضات ومن ثمة إفشال المقترح المغربي في الحكم الذاتي، ثم ممارسة البلبلة والفوضى في الأقاليم الصحراوية من خلال دفع ما يسمى بالناشطين الحقوقيين للقيام بحراك مجتمعي لإقناع المجتمع الدولي بعد استقرار أوضاع في الأقاليم الصحراوية، ويعتبر الحسيني أن وضع المغرب اليوم متميز ومتفوق، وأن عليه أن يحافظ على هذا الموقع من خلال التنبه للعلاقة مع المجتمع الدولي من جهة، وتحريك كل واجهات الدبلوماسية الموازية.
في نظركم ما الجديد الذي تحمله زيارة روس للأطراف المتنازعة؟
هذه الزيارة لا تحمل أي جديد، فهي تدخل في إطار الحوار المستمر بين أطراف النزاع حول قضية الصحراء. ما يميز المرحلة أن روس له طريقة خاصة في التعاطي مع هذا الملف تتمثل في أن المفاوضات الرسمية لم تكن مجدية ولم تؤت أكلها بالنسبة لجميع الأطراف الذين كانوا يتفاوضون تحت سمع العالم وبصره، وهذه الوضعية يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على سير المفاوضات بين الطرفين في اتجاه التراجع في المواقف أو تغييرها. ولذلك، ابتدع روس أسلوبا موازيا للأسلوب الرسمي يتمثل في عقد لقاءات غير رسمية يتم من خلالها محاولة إزالة الخلافات الشكلية بين الأطراف، والشروع في ما يسمى بناء عملية الثقة بينهم، وإمكانية تقديم تنازلات غير رسمية، مع إعطاء ضمانات لا يمكن إظهارها للعموم، وما إلى ذلك مما يندرج ضمن الدبلوماسية السرية التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير منظورة على المدى القريب قد تكتشف فيما بعد. وكما لا يخفى فعملية المفاوضات نفسها تبقى خاضعة لموازين القوى بين الأطراف، وهي التي تسمح لهذا الطرف أو ذاك إلى أن يبقى متمسكا بأقصى مطالبه أو تدفعه إلى تعديل مواقفه أو التراجع عنها. ولا شك أن كريستوفر روس حاول في جولته الأولى أن يقرب وجهات النظر بين الأطراف، لكن يبدو أن الأمور ظلت على ما هي عليه، ويبدو أنه بعد الجولة الخامسة في منهاست، ارتأى أن يقوم بزيارة للأطراف.
ولماذا بدأ بالمغرب أولا؟
ربما لأنه بدأ في المرة السابقة بالجزائر، وكما هو معلوم فالمغرب والجزائر هما الطرفان الأساسيان في هذا النزاع.
هل يمكن أن تقربنا إلى الصورة التي عليها اليوم حالة التفاوض بين الطرفين؟
الصورة التي أمامنا اليوم تتمثل في وجود فشل على مستوى التفاوض بين الأطراف التي اتفقت على شيء واحد هو الاستمرار في التفاوض بينما لم يتفقوا على أي شيء آخر. وأمامنا صورة تظهر أن هناك ضغوطا تمارس من قبل المجتمع الدولي، وخاصة من قبل مجلس الأمن من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ومنصف، وهناك أيضا موقف أظهره المغرب في الزيارة الأخيرة لكريستوفر روس، إذ صرح العاهل المغربي بكل وضوح، وهذه أول مرة يقع هذا في مثل هذه اللقاءات، بأن المغرب لا يمكن أن يقبل بأي إجراء للاستفتاء، ولن يقبل التفاوض حول أي موضوع آخر باستثناء الحكم الذاتي، وهو ما يعني بأن الاقتراح المغربي بشأن الحكم الذاتي أصبح يشكل موقفا رسميا نهائيا ولا يقبل أي نقاش آخر، والآن الكرة في ملعب الجزائر التي عليها أن تحكم العقل وتبحث عن إمكانية حل سياسي عادل منه للنزاع، ومن ثم الشروع في بناء المغرب العربي والدخول في مرحلة تعاون واندماج جديدة في المنطقة، أو أن تعود بأدراج الساعة إلى الوراء لتذكر شعبها والشعوب المجاورة بأجواء الحرب الباردة والصراعات التي لا تتوقف، والتي قد تتحول لا قدر الله إلى مواجهات ساخنة بين جميع الأطراف.
كيف تفسرون زيارة محمد عبد العزيز للجزائر ولقاءه بوزير الخارجية الجزائري ومسؤولين آخرين جزائريين قبيل وصول روس إلى الجزائر؟
لقاء محمد عبد العزيز مع وزير الخارجية الجزائري ومع وزير الداخلية ومع مسؤولي الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية شيء عادي جدا لسبب بسيط؛ لأن ما يسمى بالجمهورية الصحراوية توجد في التراب الجزائري في تندوف، وهي مؤطرة من قبل الجيش الجزائري والمخابرات الجزائرية، وأعضاء البوليساريو الذين يتوجهون إلى العواصم العالمية ويحضرون في الملتقيات والمنتديات، كل ذلك يتم بتمويل واحتضان جزائري. فهؤلاء يتنقلون عبر الطائرات بتمويل جزائري، وتحجز لهم فنادق خمس نجوم بتمويل جزائري. ولذلك، هناك بعض الأشياء التي لم تعد تقبل التمويه والمغالطة، فالجزائر طرف معني، ويكفي أن نرجع إلى بعض اللقاءات الدولية التي عرفت مواجهات بين المغرب والجزائر مثلا في جنيف عندما انعقد مجلس حقوق الإنسان في الأسابيع الماضية، لاحظنا كيف نشبت مواجهات بين السفير المغربي والسفير الجزائري في كل القضايا التي تخص مسألة تقرير المصير أو تخص وضعية المحتجزين في تندوف أو تخص مستقبل المنطقة. ويكفي أن نرجع إلى الصحف الجزائرية وإلى المواقف المعلنة، وحتى ما يدور في الكواليس لندرك أن الجزائر هي العقبة الأساسية أمام التوصل إلى أي حل لتسوية سياسية سلمية تحفظ ماء الوجه لكل الأطراف وتدفع بالمنطقة نحو بناء المغرب العربي الكبير.
لمدة طويلة كانت موازين القوى بين الأطراف المتفاوضة جامدة: البوليساريو كانت تتمسك بحق تقرير المصير، والمغرب تطور موقفه التفاوضي إلى أن استقر في المبادرة المغربية للحكم الذاتي. في نظركم، هل يعتبر طرح قضية الجهوية الموسعة من قبل المغرب بمثابة ترجيح لكفة المغرب في موازين القوى يؤثر على سير المفاوضات لجهة الاقتراح المغربي؟
بالفعل. كان يظهر منذ قدم المغرب اقتراحه للحكم الذاتي، ومنذ أن كشفت الجزائر عن نواياها، أصبح يطرح منذ ذلك التاريخ بشكل جدي التطبيق الفعلي للحكم الذاتي، وأكثر من ذلك التطبيق لجهوية موسعة على مستوى كل الأقاليم المغربية. وأظن أن الشروع الفعلي في هذه الخطوة، وفي جهوية متقدمة في الصحراء تكون مقدمة للحكم الذاتي في الصحراء، أعتقد أن ذلك الموقف الصواب، لأنه سوف يعطي الدليل على أن المغرب متشبث بمقترحه وأنه سيمضي به إلى أبعد مدى. ثم إن تقرير المصير الذي تتشبث به البوليساريو، وتدعمها في ذلك الجزائر، لا يعني في أدبيات الأمم المتحدة إجراء استفتاء بين السكان لتقرير المصير. علينا أن نعرف أن الجزائر في تمسكها بهذا المبدأ تتمسك بالقرار 1517 وتغيب بشكل واضح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2625 الذي ينص بوضوح على أن مسألة التطبيق تتضمن أي وضع آخر يختاره السكان بشكل حر وسليم.
وأكثر من هذا، إن تقرير المصير، حينما تم التنصيص عليه في سنة 1917 كان القصد منه تحرير الدول المغلوبة في إفريقيا وآسيا من ربقة الاستعمار الأجنبي الإسباني والفرنسي والبرتغالي وغيره، فاستعمال تقرير المصير لم يكن يشمل المناطق الذي تتمتع بالحكم الذاتي. وعندما يمتع المغرب إقليم الصحراء بحكم ذاتي وجهوية موسعة باختيار السكان وإرادتهم هل يمكن أن نسمي ذلك استعمارا؟ بل أكثر من ذلك، هل يمكن أن نعتبر استرجاع المغرب لصحرائه شكلا من أشكال الاستعمار؟ والجزائريون أنفسهم لا ينسون نار الاستعمار التي اكتووا بها، وقدموا في ذلك مليون شهيد حتى صاروا اليوم يطالبون في برلمانهم بتجريم الاستعمار ويطالبون فرنسا بالاعتذار إلى الشعب الجزائري عن المآسي التي ألحقتهما بالشعب الجزائري، فهل يمكن للجزائريين اليوم الذين يزور بعضهم الأقاليم الجنوبية ويشهدون ما تعرفه من تقدم وتنمية اقتصادية وما تعرفه من سلم اجتماعي وما تعرفه من استقرار في العلاقات بين القبائل ومن تحول القبائل من رحل إلى مدن تنموية تتمتع بسمعة دولية وتقام بها أنشطة ومهرجانات ثقافية وفنية ورياضية دولية، وتعرف زيارة الناس كل أنحاء المعمور، هل يمكن لأحد من هؤلاء الجزائريين أن يقارنوا هذا الوضع الذي تعيشه هذه المدن بالوضع الذي عاشته الجزائر إبان الاستعمار.
أعتقد أن السياسة تحتاج اليوم من الطرف الجزائري أن يتحلى بنزاهة فكرية وبقدر من تحكيم الضمير، لكن هذه هي آفة الموقف الجزائري الذي لا يتورع في المنتديات الدولية عن تصنيف علاقة المغرب بالصحراء بالاستعمار، وأن الأمر يتعلق بتصفية الاستعمار، وهم يعلمون علم اليقين أن المغرب منذ المسيرة الخضراء، ومنذ إنزال العلم الإسباني ورفع العلم المغربي في ربوع الصحراء، اختارت الساكنة مغربية الصحراء، واختارت أن تشارك بحرية في كل الاستفتاءات التي أجريت على الصعيد الوطني وأن تشارك في المجالس المحلية والبلدية، وأن تشارك في البرلمان بغرفتيه، وأن تشارك في جمعيات المجتمع المدني، وأن تشارك كمناضلة في الأحزاب السياسية، بل إن نسبة التصويت في كل العمليات الانتخابية التي كانت تجرى في الصحراء كانت تعرف أكبر مشاركة انتخابية بالمقارنة مع شمال المغرب. وحتى بالنسبة إلى المراقبين الدوليين إذا كانوا في حاجة إلى حجج أكثر بداهة وقوة من أجل تأكيد مغربية الصحراء ومن أجل إثبات تمسك سكان الصحراء بالمغرب فلا أظن أن شيئا سيتفوق على ما شاهدناه منذ سنة 1975 من حجم المشاركة الانتخابية في هذا الإقليم. واليوم، مع الجهوية الموسعة لا شك أن الأمور ستظهر بوضوح أكثر، وسيسحب البساط من تحت أقدام الجزائر حينما ترى كيف يطبق الحكم الذاتي في إقليم الصحراء بشكل حضاري منسجم مع المعايير الدولية.
مباشرة بعد إعلان المغرب عزمه تطبيق الجهوية الموسعة، بدأت الجزائر ومعها البوليساريو تراهن من جهة على حقوق الإنسان، ومؤخرا، تحاول أن تبرز دورها في مواجهة الإرهاب في المنطقة وسعي إقصاء المغرب كما ظهر، كيف تقرؤون هذا السلوك السياسي؟ ولماذا المغرب لا يراهن هو أيضا على هاتين الأجندتين في ممارسة الضغط ضد الجزائر والبوليساريو؟
هذا السؤال يتضمن مسألتين، فمن جهة حقوق الإنسان، أعتقد أنه من واجب الدبلوماسية المغربية أن تكون جريئة وهجومية، وأن تتفادى سياسة الكرسي الفارغ في كل المحافل الدولية، وحينما أقول المحافل الدولية لا أقصد بذلك اللجنة الرابعة أو مجلس حقوق الإنسان أو الجمعية العامة، بل كذلك حتى المنظمات غير الحكومية، والبرلمانات الدولية واتحادات الأحزاب السياسية وكل الجمعيات المدنية في أوربا والشرق الأوسط وكل دول العالم.
الدبلوماسية المغربية ينبغي أن تكون نشيطة وجريئة وهجومية لأنها في وضع ممتاز، وأن تدفع في اتجاه مقارنة وضع حقوق الإنسان في الجزائر كدولة والمغرب كدولة، ثم أكثر من ذلك، أن تدفع في اتجاه المقارنة بين وضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية وبين وضعية المحتجزين في تندوف، لاسيما وأن الجزائر اليوم لا تزال ترفض إحصاء هؤلاء المحتجزين من قبل الأمم المتحدة، وهي إلى اليوم تقيم أمامهم جدارا انعزاليا من خلال قوات البوليساريو ومن خلال مخابرات الجيش الجزائري حيث يمنع هؤلاء من الانتقال من تندوف إلى قلب المدن الجزائرية، سواء للعمل أو السياحة أو لغير ذلك. هذه الوضعية استثنائية غير موجودة في أي بلد في العالم، إذ تمنع الجزائر على هؤلاء خيار الانتقال إلى مدنها، أو خيار الانتقال إلى إقليم ثالث. فكيف يمكن للجزائر أو البوليساريو أن تكون وصية على حقوق الإنسان وهي لا تحترم الحد الأدنى من هذه الحقوق في مخيمات تندوف، بل وحتى داخل الدولة الجزائرية نفسها. ولائحة الانتهاكات المرتكبة في مخيمات تندوف طويلة. في المغرب، أصحبت حقوق الإنسان تختلط مع ضوابط القانون العام والجرائر التي ترتكب في حق المجتمع مما يعاقب عليه القانون.
حقيقة؛ المغرب اتبع نوعا من المرونة في الأسابيع القليلة الماضية في التعامل مع هذا الموضوع، ويمكنه اليوم أن يفتخر، لأنه إذا كان هناك أشخاص من البوليساريو يتوجهون إلى الجزائر ثم يعودون سالمين إلى الأقاليم الصحراوية ويتناولون الكلمات بكل حرية ويشاركون في المؤتمرات الدولية، فهل يمكن لأشخاص مقيمين في تندوف أن يقوموا بالنشاط نفسه، وأن يتمتعوا بالحرية نفسها التي يتمتعون بها في المغرب. فإذا كان بإمكان السلطات الجزائرية أن تجيب عن هذا السؤال لاستطعنا أن نحدد أين تخرق حقوق الإنسان وأين يتم احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
المغرب من حقه اليوم أن يفتخر لأنه منذ أن وضع في دستوره الاحترام الكامل لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا أصبحنا نلاحظ أن لائحة طويلة من المنجزات قد تحققت، سواء على مستوى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أو على مستوى هيئة الإنصاف والمصالحة أو على التطورات الإيجابية التي شهدها ملف الحقوق الإنسان. صحيح أن هناك بعض الانزلاقات، لكنها تبقى معزولة ولا تؤثر على المسار الذي قطعه المغرب في هذا الاتجاه. ولذلك أنا أعتقد أن ملف حقوق الإنسان هو ملف قوي قابل لأن يستثمر للدفاع عن قضيتنا الوطنية. أما فيما يخص ملف الإرهاب، فقد كان المغرب من أول من دق ناقوس الخطر ونبه على خطورة الإرهاب في دول منطقة الصحراء وجنوب الساحل، وقد أكد غير واحد من الخبراء والباحثين الأمريكيين خطورة إنشاء دولة مجهرية في المنطقة وإمكانية استثمار المجموعات الإرهابية لهذا الوضع. فهذه المنطقة أصبحت تشكل المنطقة الثانية من حيث التهديد الإرهابي بعد أفغانستان، وهناك تأكيد على أن هشاشة إقليم الدولة وعدم التحكم في المجال الترابي يشكل سببا رئيسيا لتوسع الأنشطة الإرهابية وتمامي المجموعات الراديكالية في المنطقة. وقد لاحظنا ما حدث في الصومال نتيجة هشاشة الدولة المركزية، ونلاحظ اليوم ما يقع في اليمن. وكلنا يعلم أن الخطر الإرهابي انطلق أول ما انطلق من الجزائر، وأن الجماعات المتطرفة الجزائرية هي التي قررت أن تلتحق بتنظيم القاعدة وتسمي نفسها بتنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي، وهي التي دخلت في تحالفات مع مروجي المخدرات ومع المتاجرين في البشر، وهي التي تقوم بعلميات اختطاف الأجانب واحتجازهم رهائن وطلب فدية. وما فعلته الجزائر من إقصاء المغرب من مؤتمر دولي نظمته لمواجهة الإرهاب بالرغم من أنه عبر بشكل رسمي عن رغبته في المشاركة في هذا المؤتمر؛ هذا يدل من جهة على جدية المغرب في مواجهة للتهديد الإرهابي وتفكيره الاستراتيجي في هذا الملف، ويدل من جهة أخرى على التوظيف السياسي الذي تقوم به الجزائر لهذا الملف.
ولكن قضية الإرهاب هي أكبر من أن تكون شأنا جزائريا، فالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية تضع ضمن رهاناتها الاستراتيجية مواجهة التهديد الإرهابي في هذا المنطقة، فهل من المقبول استراتيجيا من الجزائر إقصاء المغرب من حضور هذا المؤتمر؟
ما ذكرته هو مؤتمر واحد، لكن هناك مؤتمرات ومنتديات أخرى تهتم بالإرهاب في هذه المنطقة يشارك فيها المغرب ويحضر فيها بكل قوة، ليس لأن المغرب طلب ذلك، ولكن لأن بلدانا أوربية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية تجمع على أنه بدون المغرب لا يمكن مواجهة الإرهاب بشكل جدي في المنطقة، ليس فقط بسبب الخبرات الأمنية والاستخباراتية واللوجستية التي يتمتع بها المغرب؛ ولكن أيضا بسبب موقعه الاستراتيجي. ويمكن أن نذكر في هذا السياق مجموعة 5+5 والاتحاد من أجل المتوسط أو في إطار ما تقوم به أفريكوم أو في إطار ما يتمتع به المغرب من وضع متقدم في الاتحاد الأوربي. هذه الوضعيات كلها، تضع من ضمن الأولويات الاستراتيجية للعلاقة بين المغرب والاتحاد الأوربي من جهة، وبين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية مسألة محاربة الإرهاب والهجرة السرية وغير ذلك من القضايا. والمغرب كما هو معلوم يضع من ضمن التزاماته الدولية محاربة الإٍرهاب
هناك انتقادات توجه إلى الدبلوماسية المغربية فيما يخص تدبير ملف الصحراء، إذ يؤاخذ بكونها تحتكر تدبير هذا الملف ولا تنفتح على الدبلوماسيات الموازية، ومن كونها أيضا تتخذ مواقف مترددة. أنتم كخبير في هذا الملف، في نظركم ما هي الأولويات التي ينبغي للدبلوماسية المغربية أن تعتمدها في تدبير ملف الوحدة الترابية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن نؤكد أنه لا ينبغي علينا أن نبقى سلبيين، وعلينا أن نعترف أنه قد وقعت تطورات إيجابية فيما يخص ملف وحدتنا الترابية، فبعد فشل مسلسل التسوية ما بين 1991 و,2001 كان للمبادرة المغربية للحكم الذاتي دور كبير في بعث ملف التفاوض حول هذا الملف، وقد لاحظنا عندما طرح المغرب هذه المبادرة كيف نوه بها مجلس الأمن واعتبرها عملا إيجابيا، بل واعتبرها بمثابة مقترح تطبعه الجدية والمصداقية، ولذلك طلب من الأطراف أن تشرع في التفاوض بناء على هذا الاقتراح وطالبهم بالتحلي بروح الواقعية من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، بل إن المبعوث الشخصي السابق للأمين العام الأممي صرح بوضوح أن خيار الاستقلال عبر الاستفتاء هو خيار غير واقعي وغير مقبول، وكان ذلك هو سبب إزاحته من هذا الملف، وكل الشواهد تؤكد اليوم أن المغرب قدم مقترحا إيجابيا وأن التفاوض يجب أن يرتبط بهذا المقترح، وهذا مكسب مهم للمغرب، لأن إعادة مسألة تقرير المصير عبر طرح الاستفتاء أصبح أمرا متجاوزا وغير واقعي. ولذلك، علينا أن نحافظ على هذا المركز المتفوق الذي حصلنا عليه اليوم، وعلينا أن نطوره بشكل إيجابي.
حقيقة فكرة الجهوية الموسعة أو ما يسمى بالجهوية المتقدمة في الصحراء قد تلعب دورا أساسيا في هذا المجال، ولكن يبقى الجانب الأكثر خطورة هو تعاملنا مع المجتمع الدولي ومع حرب الاستنزاف التي تقوم بها الجزائر. فالجزائر اليوم تسعى إلى استغلال الوقت لإقناع المجتمع الدولي بفشل المفاوضات، مع دفع البوليساريو للمشاركة فيها والخروج بنتيجة سلبية حتى تخلق نوعا من الاقتناع لدى بعض البلدان ولدى مجلس الأمن بأنه ما دام لم يتحقق أي اتفاق بخصوص مشروع الحكم الذاتي فعلينا أن نهب إلى بديل آخر، والبديل عندها هو الرجوع إلى الاستفتاء. من جهة ثانية هي تسعى بكل الوسائل إلى خلق نوع من الفوضى والبلبلة داخل الأقاليم الصحراوية وتدفع ما يسمى بالنشطاء الحقوقيين إلى القيام بحراك عبر مظاهرات أو إلقاء خطابات (أمينتو حيدر- الذين حوكموا في المحكمة العسكرية- العشرة الذين زاروا الجزائر مؤخرا..) وتفعل ذلك بشكل منهجي من أجل إقناع المجتمع الدولي بأن الأوضاع في الصحراء غير مستقرة، وأن هناك نوعا من الرفض الشعبي للوجود المغربي في الصحراء. فعلى هذين المستويين على المغرب أن يكون واعيا تماما بالتحديات التي تطرحا هذه الاستراتيجية الجزائرية الجديدة. على الدبلوماسية المغربية أن تفكر بجدية فيما يمكن أن تقدم عليه من مبادرات في اتجاه المحتجزين في تندوف، وقد طرحت أكثر من مرة اقتراحا في هذا الصدد، بأن تشرع السلطات المغربية في اقتطاع أراضي وبناء مساكن لفائدة المحتجزين تمنح لهم ملكيتها، وأن تشرع السلطات المغربية ولو في بداية الأشغال الكبرى لتحقيق هذا الهدف، وأن تحصر أسماء هؤلاء المحتجزين الذين ستوضع هذه المساكن بأسمائهم، أعتقد أنه بهذه المبادرة ستوجه السلطات المغربية ضربة قاضية للمناورات الجزائرية. وأعتقد أن قضية التمويل لا يمكن أن تطرح أي مشكلة، فهناك العديد من الصيغ التي يمكن أن يلجأ إليها المغرب بما في ذلك إرجاء اكتتاب عام يشارك فيه المغاربة، وأظن أن الاستجابة للمغاربة ستكون تلقائية، وهذا ليس غريبا على أخلاقهم وتقاليدهم. وأعتقد أنه لابد من تحريك الدبلوماسية المصاحبة، فعلى أحزابنا السياسية وجمعيات المجتمع المدني في الأقاليم الصحراوية أن تقوم بأنشطة مستمرة، سواء عبر ندوات أو نقاشات يؤطرها مختصون مع أبناء هذه الأقاليم ومع أولئك الذين ربما أخذ بهم السيل في اتجاه الأطروحة الانفصالية، فيلزم أن تفتح مع هؤلاء نقاشات مفتوحة من أجل إقناعهم بشكل موضوعي. أما على المستوى الخارجي، فعلى دبلوماسيتنا أن تكون هجومية وأن تكون مسلحة بالعلم والمعرفة وبالسوابق التاريخية وسوابق الأمم المتحدة حتى يكون خطابنا مفعما بالجدية والموضوعية، ومرتكزا على حجج تاريخية وقانونية مقبولة. وعلينا قبل هذا وذاك أ، نفكر في محاور الدبلوماسية الموازية التي أقول إنها متعددة ومتباينة، سواء عبر اتحادات البرلمانيين أو اتحادات الأحزاب في كل البلدان المعنية بالموضوع، وأن نستفيد من الدبلوماسية الحزبية في هذا الصدد وألا نغفل الدبلوماسية الاقتصادية، فالعلاقات الدولية اليوم تقوم على المصالح، ولا ينبغي أيضا أن نغفل في هذا دور دبلوماسية المجتمع المدني، لاسيما وأن الجزائر والبوليساريو اليوم تحاولان كسب بعض النقط عبر تفعيل هذه الدبلوماسية. فالمغرب يملك أن يفعل هذه الدبلوماسية بنشاط، خاصة وأنه يتمتع بجالية مغربية واسعة في أوربا. أعتقد أن تفعيل كل هذه الواجهات يمكن أن يدعم بشكل قوي ملف وحدتنا الترابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.