تحتل الأضرحة وقبور الاولياء مكانة مهمة في المخيال الشعبي لعدد كبير من المغاربة إذ يتصورون أن لها معجزات وبركات تنافي العقل، وقدرات على حل كل ما استعصى من هموم ومشاكل، وتنتشر بين الناس خاصة أيام مواسم الأولياء ممارسات لا علاقة لها بالدين والمنطق والعقل السليم، وتتنافى حتى مع الذوق والفطرة البشرية السليمة، من هذه الممارسات ما يسمى بـالجدبة حيث يندمج الزوار مع الموسيقى في حركات عنيفة وقوية يفقد معها صاحبها الوعي والتحكم في ذاته فيسقط على الأرض أو ينخرط في موجة من البكاء الحار، بل إن البعض يقدم قرابين عبارة عن خرفان أو بقر يذبحها أمام ضريح الولي ويشرب من دماء ذبيحته طالبا الشفاء من مراض أو تحقيق أمنية وطلب أو سعيا لنيل رضا الولي وتجنب غضبه وسخطه. وتصل هذه الممارسات حدا بشعا حين ينهش البعض لحوم القرابين وياكلونها وهي حية في طقوس مقززة ومثيرة للمشاعر ، كل ذلك يحدث بدعوى تحقيق المراد، ومع كل سنة يتزايد المقبلون على زيارة هذه الأماكن دون ان يتحقق مراد أي منهم. إنه تقليد توارثته عدد من الأسر أبا عن جد، دون أن تخضع هذه الممارسة للتساؤل أو حتى للشك، فكل من لم يقدم على ذلك مقدما النية فمصيره مجهول وسيصنف في عداد المغضوب عليهم من الاولياء. ورغم أن الإسلام وضع قيودا صارمة على زيارة الأضرحة ومنع طلب الدعاء من الأولياء الصالحين، وشدد على أن لاوساطة بين العبد وربه عند الطلب والدعاء، إلا أن العادات الموارثة عن الأجداد تسيطر على العقول وتوجه الكثيرين ممن يطلبون الرجاء والشفاء من أصحاب الأضرحة. النساء .. مطالب لا تنتهي غالبية زوار الأولياء على امتداد السنة هن من النساء في مختلف الأعمار ومطالبهن من وراء هذه الزيارة مختلفة ومتباينة، كل وشكواه ومطلبه، ما بين راغبة في طرد نحسها أو راغبة في وضح حد لعنوستها، أو من تريد استرداد زوجها الذي غيره الزمان، أو تلك التي تبحث عن حل لمشاكل أبنائها وغير ذلك.. زهرة سيدة على مشارف الستين وأم لتسعة أبناء كبروا جميعهم، تذهب إلى ضريح في مدينتها يقال أن به قبر رجل صالح كان مجاب الدعوات، تزوره بين الفينة والأخرى للاسترواح وتغيير الجو، وفي غمار ذلك تقف أمام قبر الولي وتدعو لأبنائها بالتوفيق والهداية، تعتقد زهرة أن الرجل كان صالحا في حياته وكان دعاؤه مجابا لذلك فهي تتوجه إليه بشكواها ونجواها عله يدعو لها الله وهو في قبره ليحقق لها ما تأمله. ولا تنسى زهرة أن تشير إلى أنها تشعر براحة كبيرة حينما تزور الضريح وتجلس بين جنباته تعود إلى بيتها وبالها مطمئن وقلبها منشرح. وإذا كانت زهرة تذهب للتخفيف من همومها والدعاء لأبنائها فإن رشيدة وهي شابة في الثانية والثلاثين تزور نفس الولي مرة في الشهر وتقضي فيه يوما كاملا، آملة أن ينصلح حالها وتفك عقدتها ويتقدم لها ابن الحلال الذي طال انتظارها له، تقول رشيدة إنه زيارتها للضيح أصبح أمرا اعتياديا فلا لا تكاد تخلف موعدها مع الزيارة كيفما كانت الموانع، وتبقى وفية للولي لأن الجلوس قرب قبره ينسيها همومها ويزرع الأمل في قلبها، أما فتيحة فسببها مختلف فقد تغير حال زوجها كما تول منذ سنتين، وتصاعدت حدة الخلافات بينهما على غير العادة، فلم تجد أمامها من حل سوى زيارة الشوافات والأضرحة بحثا عن نهاية لمشاكلها وسعيا وراء تغيير طباع زوجها الجديدة. الملفت للانتباه أن كثيرا من النساء وحتى الرجال لا يتورعون عن القيام بممارسات غريبة في سبيل تحقيق مرادهن وغايتهن، ففي أحد المواسم بنواحي مدينة الجديدة لابد للنساء أن يقمن بعدد من الطقوس المتتالية الضرورية في اعتقادهن وكما تعلمن حتى يتحقق لهن طلباتهن، وأي إخلال بجزء من نظام الطقوس سيعرض طلباتهن للرفض وعدم القبول، ومن ضمن هذه الطقوس أن تتخطى المرأة مجمرا فيه بخور معينة، عددا محددا من المرات وتذهب إلى شاطئ البحر القريب حيث تغتسل في مائه وبين أمواجه بعد أن تخلع كل ملابسها، ولاستكمال المشهد لابد من زيارة الشوافات اللواتي تنتعش أعمالهن الشريرة خلال مثل هذه المواسم حيث تقبل عليهن النساء من أجل طرد تابعة أو فك نحس أوالحصول على عريس أو علاج من مرض أوفك ضيق أو أزمة مادية. ممارسات غريبة لقد أصبح التبرك بالأضرحة مسارا يسلكه العديدون، تحركه الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي تمضي من سيئ إلى أسوأ، وأضحت لهذه الأماكن تخصصات تميزها عن غيرها، فهذا الولي متخصص في علاج المجانين وهذا لفك السحر وذاك لتيسير الزواج، وآخر للإصلاح بين الزوجين أو التفريق بينهما، وهكذا.. هذا ولم تعد مواسم أولياء الله مكانا للشركيات والبدع والشعوذة والسحر، وللانحرافات الأخلاقية من دعارة وسرقة وجرائم، بل أصبحت ملتقيللشواذ الجنسيون من المغرب، وحتى من خارجه، حيث أصبح بعضها يشكل فضاء لممارسة انحرافاتهم، وللإيقاع بضحاياهم، من كلا الجنسين، كل ذلك يتم في انتهاك واضح وصريح للعقيدة الإسلامية الصحيحة التي ترفض مثل هذه الممارسات بل وتحاربها، وفي تحد سافر للقواعد المذهبية المغربية التي تتعارض مع كل هذه الانحرافات التي تهدد الأمن الروحي للمغاربة وتدينهم السليم. هذا ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن مماررسات أخرى غريبة تجد لها مكانا في هذه الفضاءات الموسمية، من قبيل شرب الماء الساخن جدا وبخه على الحاضرين حتى تنتقل اليه بركة الشرفاء ويتعافون من آلامهم، إضافة إلى ادخال سكين في مواقع من الجسد و تناول لحم الذبائح نيئا و شرب الدم وغير ذلك من الأمور التي تختلط بطقوس أخرى تؤثث المكان من قبيل بيع الشموع للزوار حتى يشعلوها في جنبات قبر الولي قبل سؤاله، والسكر والحليب وغير ذلك حسب العادات والمناطق. ورغم أن المثقفين ونخبة المجتمع المغربي يسخرون من مثل هذه الممارسات ويتقززون منها، ورغم أن العلماء يرفضونها بقوة الدين ومن منطلق العقيدة الصحيحة التي تتعارض مع هذه الممارسات، إلا أن الإقبال على هذه العادات الضاربة في القدم مازال كبيرا، ربما لأنها كما يقول علماء الاجتماع انغرست في عقول هؤلاء الناس منذ أن كانوا صغارا، وأصبح ذلك الضريح باعتباره المقدس وذو الكرامات والمعجزات حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها أو نفيها.