أقام اليهود المغاربة أخيراً بضريح أولياء "بن زميرو" السبعة بمدينة آسفي المغربية حفل "الهيلولة" السنوي الذي يتضمن الترحّم والتبرّك بهؤلاء الأولياء، ويحضر اليهود المغاربة من مختلف بلدان العالم لهذا "الحج" السنوي خاصة من بريطانيا وإسرائيل وكندا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وغيرها. واعتبر مراقبون أن هذه الاحتفالات الدينية لليهود المغاربة تبرز مدى ارتباط هذه الطائفة اليهودية ببلدهم الأصلي وحرصهم على صلة الرحم به، وبتعلقهم الكبير بأوليائهم الذين يحظون بقدر كبير من الاحترام والتقديس لديهم، كما تؤكد أيضاً التسامح الديني الكبير الذي يقابل به المغرب طائفة اليهود المغاربة. يذكر أن الاحتفال بليالي "الهيلولة" في أضرحة "أولاد بن زميرو "، على سبيل المثال، دأب عليها اليهود المغاربة منذ عام 1984، فضلاً عن مواسم أخرى عريقة من بينها موسم يقام بضواحي مدينة تارودانت منذ أكثر من قرنين من الزمن. رقم قياسي في "الأولياء اليهود" وتحدث الدكتور محمد المدلاوي، الباحث في التراث واللسانيات العبرية، عن مصطلح "هيلولة" وقال إن كلمة "هيلولة" تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود وهي "هاليلو يا" (הללו יי) ومعناها "سبحوا لله"، مضيفاً أن أكثرية اليهود المغاربة، مثل مواطنيهم المسلمين، كانوا أميين يرددون تعبيرات عبرانية في بعض المناسبات دون أن يفقهوا معانيها، فيحرفوا لفظها أحياناً كما يفعل الأميون من المسلمين بتعابير العربية الفصحى. وأبرز المدلاوي أن المغرب يحتضن رقماً قياسياً في احتضان قبور أولياء المسلمين كما أولياء اليهود، بالإضافة إلى أولياء مقدسين مشتركين بين اليهود والمسلمين من قبيل ضريح "سيدي يحيى" في وجدة. وزاد الأستاذ في المعهد الجامعي للبحث العلمي بالقول إن هذه "المزارات" تعتبر حجاً يأتيه اليهود المغاربة من مختلف بقاع المعمور، باعتبار أن لها شأناً دينياً كبيراً لديهم، مردفاً أنه بالرغم من هجرة الكثير منهم إلى أوروبا وأمريكا وإسرائيل فإن مكانة الأولياء عند اليهود تحظى بتقدير على مدار السنة، لاسيما في الاحتفالات الدينية الموسمية. وأكد المتحدث أن مسألة اقتناع اليهود المغاربة بأن زيارة أوليائهم تحقق لهم منافع كبيرة، من بينها ما يدعيه بعضهم بأنه كان مصاباً بأمراض مزمنة لكنه تشافى عند ذهابه للولي، مشيراً إلى أن هذا يبرز مدى رسوخ ثقافة كرامات "الأولياء" لديهم، ما يفسر التوافد الكبير لهم لزيارة الأضرحة بالمغرب. شموع بمبالغ خيالية وقال الدكتور عبدالحق الطاهري، أستاذ التاريخ في جامعة مكناس، إن الهيلولة معروفة في بلاد المغرب الكبير، فمثلاً في تونس تتم الاحتفالات في جزيرة جربة كل عام. وأوضح الطاهري أن "الهيلولة" احتفال ديني يعتبر بالنسبة لليهود المغاربة من مختلف أصقاع العالم بمثابة حج سنوي لهم يمارسون فيه طقوسهم الخاصة بالاحتفاء بأوليائهم. ويعرف المغرب عدة مواسم للهيلولة في كثير من المدن مثل آسفي ونواحي الناظور شمال المغرب ونواحي مدينة تارودانت أيضاً، وجميع المناطق التي كان اليهود مستقرين فيها، وتوفي بها ولي من أوليائهم، حسب معتقداتهم. ويشرح الطاهري أن مناسبة الحج هذه يمارس فيها اليهود المغاربة طقوسهم من خلال مجموعة من الأدعية والتبرك بأضرحة الأولياء، غير أن الطريف فيها هو أن الشموع التي يشعلونها في المكان وأعواد الثقاب أيضاً تباع بمبالغ مالية باهظة اعتقاداً منهم أنها تحتوي على "بركة" أولئك الأولياء. ويضيف المتحدث: يبرز احتفال اليهود المغاربة الآتين من كل بلاد العالم بموسهم الديني بالمغرب مدى التسامح الموجود في المغرب، رغم الظروف الأمنية المتشددة التي تحيط بها السلطات هذه المواسم الدينية باعتبار مكانة القضية الفلسطينية في قلوب المغاربة وتعاطفهم اللا محدود معها. وقال الطاهري إن اليهود يقيمون مواسمهم الدينية هذه دون حرج وبرعاية مباشرة من الدولة، ما يفسر العلاقة التاريخية بين اليهود والمغرب، فاليهود الذين عاشوا في المغرب وجدوا ملجأ آمناً في هذا البلد بخلاف اليهود الذين عاشوا في أوروبا، مشيراً إلى أن البلد الذي مارس فيه اليهود حياتهم الطبيعية دون مشاكل هو المغرب؛ لأنه لم يمارس عليهم أدنى تضييق ولا على حياتهم العادية أو على طقوسهم الدينية. واسترسل الطاهري بأن بعض فترات الجدب في علاقة اليهود بالدولة المغرب كانت في فترة حكم الموحدين لكنها لم تدم طويلا، مشيراً إلى أنها كانت علاقات متوترة بسبب سوء تصرف من اليهود أحياناً أو بسبب تأثير رجال الدين على الحكام أحياناً أخرى، الشيء الذي أدى إلى نوع من التضييق عليهم. وختم قائلاً: "عدا هذه الفترة التاريخية، اتسم تاريخ المغرب منذ الفتح الإسلامي بكونه كان متسامحاً مع اليهود ومتفهماً لطقوسهم الدينية وعوائدهم وحياتهم الخاصة". الرباط - حسن الأشرف