عاشت عدد من المدن المعروفة تاريخيا باحتضانها للمكون اليهودي احتفالات خاصة عرفت استنفارا أمنيا واستدعي لها عدد من الأعيان، محليا، إلى جانب ممثلي السلطات العمومية. وجرت هذه الاحتفالات، التي جاء لحضورها عدد من الإسرائيليين المنحدرين من أصول مغربية، في بيعات اليهود. وبالرغم من أن موسم «الهيلولا» يمر عادة في أجواء احتفالية، فإن جل سكان هذه المدن من المسلمين لم يكونوا على علم بهذه الاحتفالات، عكس ما كان يحدث في السابق في مداشر وقرى ومدن طبعها الحضور اليهودي. ويرتقب أن تستمر هذه الاحتفالات، بشكل متتال، في عدد من المدن المغربية، كوزان وفاس وتطوان ومراكش إلى نهاية شهر ماي الجاري. وقد التقى نحو 200 من الحجاج اليهود وفدوا من أوربا وأمريكا وإسرائيل، مرفوقين بأطفالهم، بقرية آيت بيوض بإقليمالصويرة، للاحتفال بهيلولا الربي نسيم بن نسيم. واستمرت هذه الاحتفالات، التي احتضنها ضريح نسيم بن نسيم من يوم الخميس الماضي إلى يوم الاثنين المنصرم. وتميز اليوم الأخير من الموسم بحضور نبيل خروبي، عامل إقليمالصويرة، للاحتفال، إلى جانب لحسن لعايش، رئيس المجلس الإقليمي للصويرة، ومحمد منكيط، رئيس المجلس العلمي الإقليمي، وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية. وقال سيمون ليفي، رئيس الطائفة اليهودية بأكادير ورئيس الأماكن المقدسة اليهودية بالجنوب، إن «المغرب مسقط رأسنا، وسيظل مصدر فخرنا جميعا». ودعا أفراد «الجالية» اليهودية المغربية المقيمة «بالخارج» إلى القدوم إلى المغرب لاستغلال كل الضمانات والتسهيلات التي تقدمها الحكومة من أجل الاستثمار. وبمكناس، احتفل اليهود المغاربة مساء الاثنين بموسم «الهيلولا». وحضر الاحتفالات محمد فوزي، والي جهة مكناس تافيلالت، ومحمد بورحيم، رئيس مجلس المدينة، وبرلماني من فريق الأصالة والمعاصرة. وبآسفي حل حجاج يهود كثر لإحياء احتفالات موسم السبع بن زميرو. وعاش هؤلاء الزوار اليهود لحظات وصفت بالقوية مساء يوم الخميس الماضي. وحضر جزءا من هذه الاحتفالات يوم الأحد الماضي العربي الصباري حسني والي جهة دكالة عبدة وعامل إقليمآسفي. لكن مدنا صغيرة وقرى نائية لم تتمكن من تخليد هذه الاحتفالات بسبب هجران يهودييها لها، منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في شكل مغادرة جماعية تمت على مراحل نتيجة نشاطات الحركة الصهيونية العالمية التي كانت تستقطب يهود العالم لبناء دولة إسرائيل. وتزامنت هذه الهجرات مع موجة غضب سادت صفوف بعض نخب الحركة الوطنية من بعض اليهود الذين اتهموا ب«التحالف» مع الاستعمار. واتهم مسؤولون حكوميون، في بداية حكم الراحل الحسن الثاني، بتسهيل هذه الهجرات تارة وبغض الطرف عنها تارة أخرى. وتحولت بذلك أحياء اليهود ومساكنهم وقبورهم وبيعاتهم إلى خراب وأطلال. ويعيش هذا التراث، في أغلب هذه المناطق، خصوصا في الجنوب الشرقي للمغرب، تهديدا حقيقيا بالاندثار في ظل غياب أي اهتمام به. ويقول اليهود المغاربة إن احتفالهم السنوي ب«الهيلولا»، سواء بالنسبة للحجاج أو الزوار، يشكل لحظة فريدة، ومناسبة لإعطاء أكبر قدر من الأهمية لقيم الأخوة الإنسانية والذاكرة المشتركة والتاريخ المشترك وسلام القلوب والأرواح. وتعني كلمة «الهيلولا» الصراخ فرحا وخشوعا. وتتميز احتفالاته لدى اليهود، عبر العالم، بزيارة أضرحة أوليائهم ويقرأ الحجاج فقرات من الكتب الدينية اليهودية المقدسة. وتشبه هذه الاحتفالات في كثير من تفاصيلها زيارة الأضرحة لدى المسلمين والمسيحيين. وجرت العادة أن يمضي الحجاج اليهود عدة أيام في الموسم، ويستغلون المناسبة للتنفيس عن الخواطر والدعاء والتبرك بالولي. وليس المغرب وحده من يشهد احتفالات هذه «الهيلولا» اليهودية، فعدد من المناطق في إسرائيل تعيش سنويا هذه الاحتفالات التي لها مؤيدون ومعارضون. وقد حج إلى «نيتفوت» بإسرائيل في 9 فبراير عدد من اليهود لزيارة ضريح «بابا سلي» وهو يهودي مغربي يرجح أنه ينحدر من تافيلالت بالمغرب. ونشرت أشرطة فيديو تخلد لهذه الاحتفالات في مواقع على شبكة الأنترنت، طعمت بأغان مغربية. وحمل هذا الشريط صورا لهذا الولي وهو يبدو في هيئة متزهد بلحية كثة يشبه فيها رهبان المسيحية. وفي الوقت الذي استنجد فيه البعض ببركة هذا الولي اليهودي لحمايتهم مما وصفوه بالخطر الذي يهددهم، سخر فيه آخرون من هذه الاحتفالات، معتبرين بأن التوراة تنهى اليهود عن مخاطبة الموتى.