مناهضة للحملة التي أعطى انطلاقتها القطاع النسائي لحركة التوحيد والإصلاح بجهة الشمال الغربي في موضوع الحجاب والعفة، عبرت أقلية مناوئة عن تضايقها من هذه المبادرة بدعوى أنها تدخل في الحرية الفردية للمرأة، وذلك في تواز مع حملات فيها كثير من الجرأة وإثارة البلبلة في بعض القضايا المحسومة، سواء شرعيا في إطار الكتاب والسنة، أو قانونيا في إطار مدونة الأسرة، أو مجتمعيا بالتوافق والعرف، كالمراجعة الجزئية نظام الإرث، ومحاولات المنع الكلي للزواج قبل سن الثامنة عشرة، والسعي من أجل المنع الكلي للتعدد الشرعي في إطار الزواج، وما شابه ذلك، في تتابع لا ينتهي ولا يقف عند حد. هذه الأجواء التي يسعى البعض لاختلاقها وإثارتها، إنما تذكرنا بشيء من حالة التقاطب الصراعي والانقسامي التي عرفتها قضية المرأة في موضوع المدونة، والتي أبانت حينها الحركة الإسلامية عن حكمة بالغة في تحديدها لكيفية التعاطي والتعامل مع مثل هذه المواضيع والقضايا المهمة، وذلك عندما طالبت بإحالتها على أهل الاختصاص وأهل الرأي من العلماء والمتخصصين في الموضوع بمن فيهم علماء الشريعة وعلماء الاجتماع وفقهاء القانون والعدول والقضاة والمحامون، وبإخراج القضية من ساحة الإيديولوجيا إلى ساحة الحوار والنقاش العلمي، وهو ما تجسد عمليا في إطار اللجنة الاستشارية الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية. وقد تعاملت الحركة بإيجابية كبيرة مع مدونة الأسرة عند صدورها، حيث انخرطت بشكل عملي في التعريف بها ومناقشتها وتسليط الضوء على بنودها، كما انخرطت في دعم الجهود المبذولة في سبيل حل المشاكل الحقيقية التي تواجه كلا من المرأة والطفل والأسرة والمجتمع. وباشرت معالجة هذا الموضوع على أرض الواقع وفي الميدان، من خلال تَصَدُّر قطاع عريض من نسائها للاضطلاع بالعمل في الحقل النسائي والحقوقي والتخصص فيه، وتأسيس العديد من الجمعيات التي تهتم بالمرأة، وبالطفولة، وبالتربية الأسرية، وبتأطير المقبلين على الزواج، وتأسيس مراكز الاستماع والصلح الأسري، ومن خلال انفتاحها على العديد من الأفكار التي اعتبرتها إضافة نوعية، وتبنيها للعديد من المبادرات التي قدرت أن فيها قيمة مضافة. ومقابل كل هذه الإيجابية والمسؤولية، في تحري المصلحة العامة البلاد، والتمسك بالحكمة وصوت العقل، لا تفتأ بعض الأصوات تصر على توتير الأجواء ، ولا تتوقف عن بث أسباب التفرقة وتغذيتها، في عمل دؤوب لإثارة الفتن، في تنكب متعمد عن المرجعية الإسلامية للبلاد، ومصادمة صارخة لإرادة العباد، ولقناعاتهم وعقائدهم ولقيمهم وأخلاقهم، بل إنها وأمام عجزها عن إقناع الناس بما تدعوهم إليه، تسعى لفرض الأمر عليهم بشكل فوقي وقسري واستفزازي كما يظهر في الأمثلة التالية: - التوجه نحو المطالبة من منطلق الحريات الفردية بالتطبيع مع المجاهرة بالشذوذ الجنسي، مقابل الضغط من أجل المنع الكلي للتعدد الشرعي في إطار الزواج، حيث أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا. - التغاضي عن شبكات الدعارة التي جعلت بنات 15 سنة وما دونها الضحية المفضلة لمجرميها، وافتعال المعارك الشرسة في حالة زواج فتاة واحدة في سن 17 سنة مستهدفين في ذلك حذف الاستثناء من مدونة الأسرة. - الفتور في مناهضة التمييز ضد المحجبات في الحق في العمل في بعض المؤسسات والشركات، والتحريض ضد مبادرة مدنية تحت شعار حجابي عفتي لإقران الحجاب بالعفة والانسجام بين المظهر والسلوك . لقد أثبتت التجربة دائما أن المجتمع، حينما يشتد الصراع الإيديولوجي، إنما ينحاز إلى ثوابته، وحين يضطر إلى الاصطفاف فإنه لا يصطف إلا مع ثوابته، وأن الدعوات الاستفزازية لا تزيده إلا مقاومة وتصلبا، وأن محاولات اقتلاعه عن جذوره لا تزيده إلا تشبثا وتمسكا بها. لكل دلك نربأ بدوي العقول السليمة أن يواصلوا هذا الصراع العدمي، وندعوهم إلى الابتعاد عن كل أشكال التحريض والتحجير، وفتح الباب أمام التنافس الحضاري الشريف، والمبادرة إلى الانخراط في العمل من أجل حل الإشكالات الحقيقية للمرأة والمجتمع بصفة عامة. ذلك أن التنافس في اقتراح الحلول التي يقتنع بها المجتمع هو أقوم السبل إلى جعل المجتمع يتبناها ويتحمس للانخراط في تفعيلها، فهل من مسارعة نحو التعاون في المجالات التي لا خلاف عليها والعمل على التفكير الجدي في إيجاد مخرج للجوانب الخلافية، في إطار فضاءات مشتركة للحوار الجاد والمسؤول الهادف إلى توضيح وجهات النظر المختلفة وتقريب شقة الخلاف، وإلى إعمال الآليات الديمقراطية للحسم فيما استعصى من الأمور التي أخذت حظها من التفكير والتداول، والقبول بنتائجها بشكل حضاري.