أجرت صحيفة العرب القطرية حوار مع الدكتور الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين وفيمايلي نص الحوار: أصدرتم فتوى بتحريم الاتفاقية الأمنية، ما هي الأسباب والدوافع لذلك؟ - هذه الاتفاقية المسماة بالأمنية، هي عبارة عن صك انتداب دائم لأميركا على العراق، وهي بديل للاحتلال العسكري باحتلال رسمي معترف به من السلطة الحالية التي تدعي أميركا أنها حكومة شرعية ومنتخبة، ولما كانت هذه الاتفاقية اتفاقية شاملة وليست أمنية فقط وإنما هي كما ذكر وتسرب إلينا أنها أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية متعددة الجوانب، فمعني ذلك أن أميركا ستكون مسؤولة عن أمن العراق ولها الهيمنة في ذلك وستكون متواجدة عسكرية لأجل غير محدود بينما نحن نسعى إلى طرد هذا الاحتلال كاملا من العراق بعد أن احتلته واعتدت عليه اعتداءا آثما بحجج بيّن الواقع أنها ليست حقيقية باعترافهم هم، ولذلك لا يوجد مبرر بأن يستمر الاحتلال. هذه الاتفاقية ستبقي الاحتلال ولو بصورة أخرى، ويكون الاحتلال بهذه الاتفاقية كمن خرج من الباب وعاد من الشباك. نحن أصدرنا الفتوى بتحريم هذه الاتفاقية من منطلق واجبنا الديني والوطني والتاريخي والمصلحي، لأنه ليس من مصلحتنا أن توقع هذه الاتفاقية لأنها تمس السيادة وتخل بكل المصالح العليا للعراق وترهن العراق حبيسا لسيطرة الولاياتالمتحدة بشكل أو بآخر. الاتفاقية نصت على سحب آخر جندي أميركي عام 2011، أليس انسحاب تلك القوات أهم مطالبكم؟ - انسحاب القوات الأميركية مطلب أساسي، ولكن انسحاب تلك القوات كلها من العراق، لا أن تبقى كلها أو بعضها مختبئة في العراق، نحن نسعى إلى انسحاب كامل يخرج به كل جندي متواجد على أرض العراق، هذه الاتفاقية توافق على وجود 50 أو 100 قاعدة، ونحن نقول إنه حتى لو بقيت قاعدة واحدة فإن الاحتلال باق ولم ينسحب، كما أن هذه الاتفاقية ليست اتفاقية حاسمة بخروج تلك القوات عام 2011 وإنما فيها بند يقول: «إلا إذا طلبت الحكومة العراقية بقاءهم». إن هذه تشبه تماما قرارات الأممالمتحدة أو تفويض بقاء الاحتلال سنة بعد سنة، وفيها أيضا أن للحكومة العراقية الحق بالمطالبة ببقاء قوات الاحتلال، وقد طالبت الحكومة بالفعل بذلك ثلاث مرات، إذن هذا القول بأن الاحتلال سيخرج عام 2011 أنا أعتقد أنه ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وأن المراد منه أن يقال: إذا كنتم يا عراقيون تريدون الانسحاب فهذا الانسحاب قد جاء به المالكي. وهل تتوقعون أن القوات الأميركية ستنسحب فعلا من العراق عام 2011؟ - أنا لا أتوقع هذا الانسحاب، وفوق ذلك لن يكون هناك انسحاب ما دامت هناك قواعد، فيمكن أن تنسحب من المدن إلى القواعد ليقولوا للشعب العراقي إننا قد خرجنا، علما أنهم سيكونون متواجدين وبقوة في القواعد العسكرية والتي ستكون مقار لتخزين الأسلحة. ¶ يقال إن حكومة المالكي اليوم تسعى لتكوين حكومة وحدة وطنية وأنها معتدلة، كيف تنظرون إلى هذه الحكومة؟ هل تعارضون العملية السياسية أو شخوص تلك العملية؟ - نحن معارضون للعملية السياسية بكل فصولها وحكوماتها وشخوصها، معارضون للعملية السياسية لأنها عملية محاصصة طائفية أنتجت دستورا بمثابة لغم يمكن أن يتفجر في أي وقت، أما أشخاص هذه العملية فإننا نعارضهم من خلال هذه العملية. أما القول بأن البعض يعتبر أن المالكي الآن هو ضد الطائفية وأنه معتدل، فالواقع يكذّب كل هذا، لم يقم بأي إصلاحات ولم تقم أية حكومة وحدة وطنية، وإنما هي حكومة الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال وحكمت منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، أما موضوع ضرب المالكي للميليشيات، فأقول إنه ضرب التيار الصدري لأنه صار ينافسهم فيما لو دخلوا في انتخابات البلديات، كما أن الأميركيين دفعوه إلى ذلك لإنهاء جيش المهدي الذي أصبح يشكل خطرا عليهم من خلال استغلال إيران له واستعداد هذا الجيش لفعل ما لا يعجب الأميركيين إذا أمرته إيران بذلك، كما أن هناك تحريضا من المجلس الأعلى المنافس للتيار الصدري على زعامة الشيعة في العراق، وهو عداء ومنافسة قديمة وسابقة بين العائلتين، ولذلك رأى المالكي بأن يستغل هذه الفرصة وهذه الإمكانات وميليشيات حزب الدعوة والمجلس الأعلى في أن يتخلصوا من «وجع الرأس» (التيار الصدري) الذي يمكن أن يلعب من أية جهة، فقام بضربه تحت ادعاء محاربة الخارجين عن القانون. المالكي ما زال متمسكا بالعملية السياسية والمحاصصة الطائفية وما زال يتعامل مع غير حزبه والمجلس الأعلى بفوقية ونفَس طائفي، ولم يتنازل لأي جهة عن أي شيء يمكن أن يقال من خلاله إن المالكي معتدل، جماعة الائتلاف تفرقت، ولم يبق فيها سوى الدعوة والمجلس الأعلى، المالكي اليوم الكل يكرهه، حتى جماعة حزب الدعوة والمجلس الأعلى هو الآن معهم في خلاف وخصام، التيار الصدري أصبح عدوا له، واليوم هو والأكراد بينهم ما صنع الحداد، أما السُّنة فهم عبارة عن أناس لا يريدون أن يزاحموه وأن يعيشوا بما أعطاهم إياه من وزارات فاشلة وصلاحيات محدودة، فأين الوحدة الوطنية وأين الاعتدال؟ ¶ كم تقدّرون عدد المعتقلين والسجناء في المعتقلات العراقية والأميركية؟ - هناك وكالات خارجية ذكرت حوالي 400 ألف سجين، وأنا لا أستبعد هذا، هناك لجان حقوقية دولية ذكرت أن عدد المعتقلين في سجون الحكومة والاحتلال هو أكثر من 400 ألف، وحتى من يخرج من تلك المعتقلات تجده مصابا بأمراض وعاهات بفعل عمليات التعذيب التي لا تزال تتواصل في السجون، والأخطر من ذلك أن هناك سجونا غير معلومة وغير معروفة ينقل إليها المعارضون للعملية السياسية والاحتلال، وهذه سجون لا تزورها أية لجان سواء محلية أو دولية. ¶ البعض يقول إن الهيئة كانت تستمد قوتها من قوة المقاومة، اليوم المقاومة في ضعف بيّن فمن أين تستمدون قوتكم؟ - أولا، قوتنا من قوة الله الذي وعدنا بالنصر إذا صدقنا وثبتنا لأننا أصحاب حق، قوتنا ناتجة من هذا الأمر، ثم إن المقاومة موجودة وحية ومستمرة وفاعلة وستزداد قوة مع الأيام، وإذا كانت ضعفت بفعل التآمر الأميركي العميل فإن هذا الضعف بدأ يزول والمقاومة بدأت تستعيد سيرتها الأولى، ثم إننا وصلنا إلى مرحلة الوعي واليقظة.. مرحلة اكتشاف الذات من خلال ما رأينا من قسوة العدو وشراسة أذنابه على أبناء جلدته، أطياف العراق اليوم مؤمنة أن الاحتلال أساس المشكلة وأن ما جاء به من مشروع العملية السياسة هي التي أفسدت العراق، وأن من يحكم العراق اليوم يعمل من أجل بقاء الاحتلال، فالعراقيون من الشمال إلى الجنوب يعرفون ذلك، وأكاد أقول إن الأغلبية التي تصل إلى نحو %90 رافضة للاحتلال ومشروع تقسيم العراق ولكل التدخلات بما فيها التدخل الإيراني من البصرة إلى شمال العراق عربا وأكرادا سنة وشيعية مسلمين وغير مسلمين، وهم ينتظرون اليوم الذي يتخلصون فيه من الاحتلال وأعوانه. الانتخابات الأميركية ¶ من تتمنون أن يفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة؟ - لا نتمنى أحدا بعينه، وإنما نتمنى أن يأتي المرشح العاقل الحكيم الذي يعيد لأميركا سمعتها ويعمل من أجلها ويتعامل مع الناس بعلاقات دولية حكيمة دون استعلاء أو رغبة في الهيمنة على الآخرين. العرب: لو فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، هل ستكونون على استعداد للقائه؟ الضاري: لن نكون على استعداد لمقابلته بمجرد طلبه هو وإنما بناء على ما يطرحه. إذا رأينا أنه جاد لحل مشكله العراق فلا مانع من أن نقابله أو نقابل غيره، المقابلة لن تكون هكذا بمجرد الطلب وإنما إذا كان فعلا جادا في حل المشكلة عندها لا مانع أن نقابله نحن أو غيرنا. ¶ هل تتوقعون تغييرا في السياسة الأميركية من خلال الإدارة الجديدة؟ - أتوقع أن يكون هناك تغيير وتغيير كبير، لأن من يأتي إلى البيت الأبيض سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا سيكون مضطرا للتغيير، لأنه سيكون أمام تركة ثقيلة ولن يجد أي عمل جيد يمكن البناء عليه، لذلك أعتقد أن القادم أيا كان سيجري تعديلا في السياسية الأميركية الخارجية سواء في العراق أو أفغانستان. ¶ برأيكم، لماذا هذا الزحف العربي إلى بغداد الآن؟ - الزحف العربي جاء لأسباب متعددة، منها ما هو نتيجة للضغط الأميركي على بعض الدول ليذهبوا إلى المنطقة الخضراء ويسجنوا سفراءهم هناك ليقول بوش إن حكومة المالكي معترف بها من جيرانها وإنها مستكملة لشروط الحكومة التي يتعامل معها، وليضفي على الحكومة صفة الشرعية علّ ذلك يفيده في الشارع الأميركي، وأيضا ربما يتوقع أن يساعد ذلك في أسهم مرشحهم في الانتخابات القادمة. إستهداف المسيحيين ¶ اتهمتم الأكراد بالوقوف وراء استهداف المسيحيين، ما أدلتكم على ذلك؟ - اتهمناهم بناء على أدلة عندنا وشواهد، نحن نعلم أن الأكراد متورطون بقتل الكثير من أعيان الموصل وكركوك بعد الاحتلال مباشرة، وكان الناس يقولون إن هذه من أفعال القاعدة، ونحن صامتون، مع العلم أن الأكراد وأطرافا أخرى اشتركوا في قتل العشرات، هناك الموساد الإسرائيلي والبيشمركة ومخابرات الحزبين، وبالذات مخابرات البارزاني، كلها تشترك بقتل هؤلاء الناس يضاف إليهم ميليشيات المجلس الأعلى وغيرهم، خلال السنتين الأخيرتين، تأكد لنا ومن خلال وثائق نحتفظ بها أن البيشمركة وراء قتل الكثير وفي مقدمتهم الشيخ فيض الفيضي، كنا نعلم أن المخابرات الكردية البارزانية هي التي اغتاله، وكذلك الشيخ غازي الحنش شيخ طي وبنيان الجربا والدكتورة ليلى والقادة العسكريين، كل هؤلاء قتلوا من قبل الميليشيات الكردية، ولكن لم يكن لدينا أدلة وإنما البعض من الناس يقولون ولديهم أدلة، كما قالوا ولم نكن نصدق أن كل هذه الاغتيالات هي من هذه الجهة إلى أن وصَلَنا ما يثبت تورط هذه الجهة بقتل من ذكرنا.