ليس هناك من شك في كون المبادرة الأخيرة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والتي سعت من خلالها لجمع 44 زاوية في إطار اللقاء الوطني الأول للقاءات سدي شيكر تحمل معها إرادة في نفض الغبار عن الزوايا والطرق الصوفية بالمغرب، وتوجها نحو تفعيل دورها، وذلك بعد حوالي أربع سنوات من انطلاق ما تسميه الوزارة بمشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، والذي انطلق بتوسيع عدد وبنية المجالس العلمية، وتطور في تجاه المساجد ودورها في الحياة الدينية والاجتماعية للمواطنين، فضلا عن البرنامج الخاص بالجالية. إلا أن هذا المشروع يثير عددا من القضايا الجوهرية، فالمغرب تجاهل لعقود هذا المكون من مكونات التدين المغربي، وانساق مع أطروحات انتظار الموت البطيء للزوايا مع تقدم التعليم وانتشار التمدن، خاصة مع إرث المرحلة الاستعمارية التي جرى فيه تشويه التصوف واتهامه بالعمالة؛ بعد التوتر الذي عرفته سنوات الخمسينيات، وتنظيم ما سمي بمؤتمر الزوايا في وجدة في 1953 ضمن مخطط الانقلاب على الملك محمد الخامس، بحيث إن اللقاء الذي نظم نهاية الأسبوع الماضي يعد بمثابة أول لقاء يجمع الزوايا المعتبرة بالبلاد منذ تلك الفترة، وللعلم فإن بدايات الحركة الوطنية شهدت حملات ضد التصوف دفعت فيما بعد العالم علال الفاسي في بداية السبعينيات إلى أن يصدر كتابه حول التصوف الإسلامي؛ كنوع من رد الاعتبار والتراجع غير المباشر عن موقف طبع الحركة الوطنية في الفترة الاستعمارية لفترة من الزمن. اليوم يفتح المغرب صفحة جديدة مع التصوف كانت لها بدايات محتشمة في العهد السابق مع الطريقة التجانية بشكل أساسي وذلك في الثمانينات، وتعززت مع الرسالة الملكية التي وجهت للقاء الدولي لسيدي شيكر والذي نظم في سنة ,2004 ثم اكتملت مع هذا اللقاء الوطني الأخير، لكن وفق أي وجهة وبأي رؤية؟ البعض يرى في ذلك خطوة لمحاربة ما يسميه بالوهابية والسلفية المشرقية، والبعض الآخر يرى فيه أداة لمحاربة التطرف وتقديم نموذج ناعم ومسالم للتدين، أما البعض الثالث فيقدم أداة لإحداث التوازن في الحقل الديني في مواجهة الحركات الإسلامية، باعتباره هي المؤهل دون غيرها للتوفر على امتدادات شعبية ميدانية توازي الهيئات الدعوية الإسلامية، ورغم حرص وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على نفيها ورفضها، إلا أن دوائر أخرى تسوق لمثل هذا الفهم وتروج له داخليا وخارجيا، وهي بذلك تعبر عن فهم ضيق لطبيعة التصوف المغربي وعلاقته بجزء مهم من الحركة الإسلامية بالمغرب ممثلا في جماعة العدل والإحسان، كما تكشف عن رؤية محدودة لمشروع تجديد التصوف المغربي، والذي بدونه سيكون إحياء دور الزوايا مجرد أماني وشعارات فضفاضة، فضلا عن أن يحقق ما تصبو إليه. إن الاستماع إلى العلماء وإلى أهل التصوف السني النابذ للبدع والمحارب لها هو الكفيل وحده بوضع خيار تجديد التصوف وإحياء زواياه على السكة الصحيحة، وهو الأمر الذي لم ينطلق بعد، خاصة وأن برنامج لقاء سيدي شيكر تضمن مذاكرة يتيمة حول إحياء دور التصوف، وحوار علمي من هذا النوع عليه أن ينخرط فيها كافة الفاعلين في الحقل الديني مثل ما حصل في التسعينيات عندما أطلق مشروع الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية، والتي شكلت العمود الفقري والعلمي لصياغة ما عرف بالاستثناء المغربي في الوقت الذي كانت فيه دول أخرى تخوض حروب الاستئصال والمواجهة، والتي ما زالت آثارها مستمرة لليوم.