في الوقت الذي شرعت فيه الدولة المغربية في نفض التراب عن التقاليد العريقة في المجال الصوفي وتجميع الزوايا في مجمع واحد، بملتقى سيدي شيكر، لم تخل الخطوات الأولى من عثرات على الطريق. العارفون بالأمور يقولون إن الدولة، بدل أن تفرض أجندة معينة على تلك الزوايا، رفعت الغطاء عنها لتظهر الخلافات للعلن. فهل هي بداية «حرب الزوايا»؟ في سبتمبر الماضي عقدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الدورة الوطنية الأولى للقاء سيدي شيكر للمنتسبين إلى التصوف، قرب مدينة آسفي، على مدى ثلاثة أيام، تحت رعاية الملك محمد السادس. وحسب الوزارة فإن الملتقى يعد مناسبة لمنتسبي الزوايا بالمغرب للتلاقي ومد جسور التقارب الروحي والعقائدي بغية إحياء التراث الصوفي وإشعاعه وطنيا ودوليا، ويهدف إلى «نشر المحبة بين الناس على أساس المحبة في الله واستكناه الأبعاد الروحية للعبادات والتأهيل للتحلي بفضائلها». فكرة الملتقى تعود إلى رغبة الدولة في إحياء ذكرى لقاء تاريخي كان يجمع العلماء والصالحين من بدايات الإسلام إلى القرن السابع الهجري على الأقل، لقاء للإرشاد ولقراءة القرآن الكريم، كان يتم في السابع والعشرين من رمضان، وذلك حول رباط تاريخي يُسميه المؤرخون «رباط شاكر». وأمر الملك محمد السادس بأن يعاد تجديد تلك اللقاءات، بحيث تكون في صيغتين، صيغة وطنية، يتم تنظيمها في شهر رمضان كل عامين، وصيغة عالمية، يتم تنظيمها في فصل الربيع كل عامين، وقد تم اللقاء الأول بتاريخ 24-26 رجب عام 1425ه الموافق ل 10-12 شتنبر 2004م. يحضر الملتقى على الصعيد الوطني، بدعوة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، شيوخ الطرق الصوفية وشيوخ الزوايا التابعة لها، على أساس أن هؤلاء الشيوخ هم الذين يقترحون من يحضر من أتباعهم من الرجال والنساء، ويمكن للزوايا منقطعة الاتصال بالزوايا الأم أن تترشح للحضور، في أفق اندماج تنظيمي يسهل على الوزارة إمكانية التعامل مع هذه المؤسسات. والهدف من اللقاء الوطني هو إتاحة فرصة التعرف على المؤسسات الوريثة لفكرة التصوف في المملكة، وإتاحة فرصة التعارف للقائمين على هذه المؤسسات في ما بينهم من أجل إعادة إحياء وظائفها الروحية والتربوية المعهودة، أما الهدف من اللقاء الدولي فهو ربط الصلة بين المنتسبين في المغرب والمنتسبين في مختلف بلدان العالم، باعتبار المملكة المغربية ذات أمانة تاريخية في مساندة تيارات التصوف السني، سيما وأن المغرب من أهم البلدان التي انطلقت منها ينابيع هذه التيارات. وقد حضر لقاء سيدي شيكر الأول منتسبو 44 زاوية صوفية، وجرى خلال هذا اللقاء تقديم ملتمسات ومقترحات تمحورت بشكل خاص حول ضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام والعناية بالزوايا وتمكينها من الوسائل التي تكفل لها الاضطلاع بالأدوار والوظائف المختلفة التي عرفت بها على مر التاريخ، وأعرب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عن استعداد الوزارة للتعاطي بإيجابية مع مجموعة من المطالب والانشغالات المعبر عنها من لدن ممثلي الزوايا. غير أن الدورة الأولى من تلك اللقاءات لم تخل من مشكلات، إذ سجل نوع من الغضب لدى الزوايا الصوفية بسبب إقدام وزارة أحمد التوفيق على وضع الزوايا ضمن نظام للتوزيع لم يرض شيوخ تلك الزوايا، بحيث تم التعامل معها كما يتم التعامل مع أحزاب سياسية، أي وفق عدد المريدين أو الأتباع، إذ رأى البعض أن الوزارة أهملت الجوانب الروحية، وهي الأهم، للزوايا، باعتبار أن شيوخ بعض الطرق الصوفية كان لهم حضور قوي في المجتمع المغربي لكن الزوايا التي أسست لهم لا تناسب حجم تأثيرهم في المجتمع، والتعامل معهم على أساس الجانب العددي يلغي حجم هذا التأثير. كما أن الوزارة تعاملت مع زوايا ليس لها امتداد كبير، فقط كنوع من المحاباة، ولم تعكس التعددية الحقيقية الموجودة في المغرب، مما دفع شيوخ الزاوية الريسونية إلى إرسال وفد إلى ضريح مولاي علي الشريف للتظلم والشكوى، وهو تقليد مغربي جرى عليه العرف بين الشرفاء، إلا أن جهات مسؤولة تدخلت، حسب مصادر مطلعة، وأوقفت الوفد في منتصف الطريق وتم التحاور معه حول مطالبهم، وينتظر أن يكون الملتقى المقبل مناسبة لإعادة النظر في خريطة التمثيل الصوفي بالنسبة إلى وزارة التوفيق، قصد تجاوز الأخطاء التي حصلت في الملتقى الأول.