منذ مجيء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق المعروف بميوله الصوفية، ومنذ أحداث 16 ماي التي زلزلت الخارطة الدينية للمملكة وأنهت فصول حكاية «الخصوصية المغربية»، منذ ذلك والسياسة الدينية للمملكة تتجه إلى تقوية الجانب الصوفي في المشهد الديني، من أجل الوقوف في وجه التيار «السلفي الجهادي»، ومن أجل محاصرة الحركات الإسلامية، واليوم هناك توجه لاعتماد الزوايا الصوفية على المستوى الدبلوماسي في الخارج واستغلال شبكات هذه الزوايا في إفريقيا وفي بقية دول العالم من أجل استرجاع إشعاع دولي خفت منذ مدة. وهكذا تقدم ممثلو 44 زاوية تمثل مختلف الطرق الصوفية الموجودة بالمغرب، بمذكرة تمحورت حول ضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام والعناية للزوايا وتمكينها من الوسائل التي تكفل لها الاضطلاع بالأدوار والوظائف المختلفة التي عرفت بها على مر التاريخ. واعتبر وزير الأوقاف أن هذه الملتمسات والمطالب تعكس جدوى تنظيم مثل هذه اللقاءات، معربا عن استعداد الوزارة للتعاطي بإيجابية مع مجموعة من المطالب والانشغالات المعبر عنها من لدن ممثلي الزوايا. وبالمقابل، أوضح أحمد التوفيق، في المحاضرة التي ألقاها في ملتقى سيدي شيكر بآسفي تحت عنوان «وظائف وزوايا التصوف عبر التاريخ»، أن دور الطرق الصوفية انبنى في المجال السياسي على «ضمان الولاء لإمارة المؤمنين» و«التوسط في الخير بين الحاكمين والمحكومين». أما الرسالة الملكية التي تلاها التوفيق، فتشير بوضوح إلى الدور الدبلوماسي لهذه الزوايا من خلال الحديث عن كون «الصيغة الدولية لهذه اللقاءات ستحفظ لنا وشائج التواصل والتعارف والتشاور مع المهتمين بهذا المشرب». وقد أوضحت المستجدات التي عرفتها موريتانيا، بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال محمد عبد العزيز، أهمية الدبلوماسية الصوفية في المنطقة، حيث يعتبر الرئيس المخلوع سيدي ولد محمد الشيخ عبد الله أحد رموز الطريقة التيجانية، وكان دعم المغرب للانقلابيين سيفهم بشكل سلبي من طرف أتباع الطريقة بالمنطقة برمتها لولا تحرك دبلوماسية الصوفية المغربية التي أوضحت أن المملكة لازالت تواصل دعمها للتيجانيين، وأكبر دليل على ذلك بالنسبة إليها هو ختم الملك محمد السادس لدرس حسني خلال شهر رمضان الجاري بصلاة الفاتح الخاصة بالطريقة التيجانية. وحين انفجر المشكل الدبلوماسي مع السنغال الموسم الماضي، بعد رد الفعل المتشنج للدبلوماسية المغربية التي استدعت سفيرها بداكار إثر موقف الحزب الاشتراكي السنغالي الداعم للبوليساريو، كان للدبلوماسية الصوفية دور كبير بعد زيارة مزيان بلفقيه ورشدي الشرايبي لأحد رموز الطريقة التيجانية محملين بالهدايا والأعطيات المولوية. ورغم هذه الأدوار الدبلوماسية التي تستدعي إعادة ترتيب البيت الداخلي للطرق الصوفية المغربية، فهناك وظائف أخرى ترتبط بالداخل. فقد حددت الرسالة الملكية أن قصد جميع الزوايا يتحدد في خدمة الدين والوطن، وقالت إن «خدمة الوطن، تتمثل أساسا في القيام بالواجب نحو الإمامة العظمى، التي تمثلها إمارة المؤمنين، والحرص على خصوصيات المغرب الثقافية، حتى لا تضمحل تحت تأثير كل المشوشات الدخيلة. وبذلك تحفظ كل المقومات التي تتيح الطمأنينة والسكينة والأمن».