أن تكون مغربيا فأنت تثير الكثير من الشفقة وقلة الاحترام من طرف جيراننا الأوروبيين، الكثير من أبناء هذا البلد السعيد أصبحوا يتنكرون لوطنهم في بلاد الغربة، فما إن يسأل شخص ما مغربيا هناك حتى يبادر إلى اختلاق جنسية معينة، وكأن المغرب جريمة يجب التنصل منها، أما إن تواضع واعترف بمغربيته، فحدث ولا حرج عن نظرات الاستحقار والاستصغار التي ينظر بها إليه الآخر. ربما تستفزنا تلك النظرات، وربما تشتعل النار بدواخلنا لندافع عن اسم وسمعة بلدنا التي أصبحت ملطخة ليس بالتراب فحسب بل بدماء الضعفاء. لكن كيف ولهم كل الحق فيما يحكمون فيه علينا به، كيف وأنت إن لم تر مغربيا في بعض الأراضي الأوربية يرعى كلبا من كلابهم، فأنت تراه ينام جنبا إلى جنب تلك الكلاب في مختلف شوارع المغرب التي تعج بأبناء الشارع، يحتضنها علها تدفئه وتقيه من قسوة البرد، وفي الصباح يقتسم معها الأكل، ويرعى أينما ترعى يقلب معها المزابل كي لا يموت جوعا، كيف وإن كانت عاصمة المملكة تحتضن العشرات إن لم نقل المئات من أطفال وشيوخ، وبنات يعيشون أسوء من عيش الكلاب نفسها، ولا من قائل اللهم إن هذا منكر، في صور تعبر عن أبشع قيم الإنسانية؟ وعن قلوب قاسية لا تمت للبشرية بصلة، يملكها الذين من المفروض أن يكونوا عونا لهؤلاء الضعفاء بدل أن يكونوا فأسا تحفر قبورهم أحياء. كيف؟ وذلك المهاجر الذي سئم من هضم حقوقه وهاجر بلده كي يعيش بأمان ويجلب أموالا يساعد بها بلده الذي يزعم أنه فقير، وتكبد أياما وليال من الكد والعرق، والعمل المتواصل، يأتي فرحا ليبدأ في إقامة مشروع ما، كي يسترزق منه أبناء الشعب، فيجد نفسه في النهاية قد نصب عليه، وذهب كل تعب تلك السنين هباء منثورا، يعود مجروحا من غدر بعض أبناء بلده الذين لا تزداد أجسامهم إلا ثخمة من اللقمة الحرام، ويقرر أن لا ينتمي مرة أخرى إليه. يتجول مرة أخرى بشوارع المدينة الأوربية التي قرر أن يعيش فيها بأمان، فيقع نظره على أحد أبناء بلده يرعى كلبا، كأنه يرعى طفلا صغيرا، يشمئز من الصورة التي تخنق أنفاسه، لكنه يرضخ في النهاية، فعلى الأقل هذا يجد مكانا يؤويه في الليل، أما لو كان في بلده الأم لوجد نفسه ينام مع الكلاب قرب محطة يعقوب المنصور بالعاصمة الشريفة.