ألا يعني اللجوء إلى مكاتب دولية للدراسات أو مؤسسات دولية لنفس الغرض إفراغ للمؤسسات الدستورية من دورها في التخطيط والتوقع؟ أنا أعتقد أن النتيجة الأولى مرتبطة بما خلص إليه تقرير الخمسينية من كون أن 50 سنة الماضية من تاريخ المغرب، عرفت العديد من المبادرات الاقتصادية، لكن في ظل غياب للرؤية الموجهة والناظمة لتلك المبادرات، وأعتبر أن اللجوء إلى المكاتب الدولية للاستشارات مثل ماكينزي أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، إنما هو من أجل بلورة تلك الرؤية التي لم تكن، أي رؤية لمستقبل المغرب الاقتصادي والاجتماعي، والقول أن ذلك يفرغ المؤسسات الدستورية من دورها ووظيفتها صحيح، ويرجع بالأساس إلى أن هذه المؤسسات ليس لها مكاتب دراسات داخلية خاصة بها، كما أننا هذه المؤسسات فاقدة لدورها ووظيفتها، لأن الانتخابات ونتائجها لا تأثير لها، والبرنامج الوحيد المعمول به اليوم هو برنامج الملك. طبعا ما يمكن الإشارة إليه هو اختلاف بين نتائج تلك الدراسات، وما تتحدث عنه المندوبية السامية للتخطيط غير ممكن الوقوع، لأنه اليوم لا أحد يمكنه توقع ماذا يمكن أن يكون في ,2020 فبالأحرى في سنة 2030 التي تتحدث عنها المندوبية السامية، وجميع مؤسسات البحث في أمريكا اليوم لا تتجاوز في توقعاتها 5 سنوات، لأن التقلبات الاقتصادية والتكنولوجية جد متسارعة، ولذلك فالدراسات التي تتحدث عن 2020 وما بعدها تبقى مجرد تكهنات لا غير. وماذا عن تفعيل هذه الدراسات في صناعة القرار العام ألا يمكن أن يكون هناك ارتهان لها؟ الملاحظ أن التوجه نحو قطاع الخدمات الأفشورينغ هَىُْوَّنند في الاقتصاد الوطني، جاء طبقا للخلاصات التي توصل إليها تقرير ماكينزي، وهذا يزكي القول بأن المؤسسات الدستورية ليس لها دور، فمكاتب الدراسات إذن قد تؤثر في رسم التوجهات الاقتصادية، ومعروف أن حكومة ادريس جطو اعتمدت أكثر على مثل هذه الدراسات، لكن في النهاية أظهر حدودها، لأن جطو إن كان قد حقق بعض النجاحات في القطاعات الكمية، فإن القطاعات الاجتماعية لم يحقق فيها أي تقدم، والملك محمد السادس نفسه وجه انتقادات لحكومة جطو على هذا المستوى، خاصة في قطاعي التعليم والعدل، وهذا يعني أن هذين القطاعين يحتاجان لمشروعية سياسية، وهو ما يتطلب تنظيم انتخابات نزيهة تفرز حزبا قويا يمكنه القيام بإصلاحات من هذا النوع، ولحد الآن الحكومات المتتالية كلها فشلت في هذا الميدان. الإشكال الآخر الذي يطرح يتعلق بمسألة الأمن القومي بمعني هل التعاون الذي يتم بين الدولة وهذه المؤسسات الأجنبية يراعي أمن المغرب؟ أنا أميل إلى أن تكون هناك شفافية في إنجاز هذه الدراسات، وأعتقد أن الرأي العام المغربي بدوره من حقه أن يطلع عليها، ولا يعني ذلك أن هذه الدراسات فوق النقد، وقد تكون أحيانا مجرد تكهنات ولا تؤثر في الواقع، هل يكون لها تأثير على الأمن القومي؟، أظن أن هذه الدراسات تبقى ملك للدولة في النهاية، والمطلوب أن الدولة يجب أن تخلق مكاتب ومؤسسات دراسات في الجامعات المغربية، لأنه من خلال هذه الدراسات فإن المنافسين للمغرب يعرفون الكثير عن اقتصاده ومجتمعه وثقافته، ولكن هل يعرف المغرب عن منافسيه القدر ذاته، هذا شيء آخر، لكن في نفس الوقت لا يجب أن ننسى أن المستثمرين الأجانب الذين يريدون استثمار أمولهم في المغرب يطلبون منه تقريرا حول نسبة المخاطر ُُِِّْفز مل مَِّّّىز، خاصة الفرنسيين منهم الذين يطلبون كثيرا مثل هذه الدراسات، وكما يمكن أن يكون تأثيرها سلبي على رغبتهم في اختيار المغرب بلدا لاستثمار أموالهم، يمكن أيضا أن تستثمر في اتجاهات أخرى.