تختتم عما قريب الزيارة الملكية التي بدأها جلالة الملك محمد السادس رفقة وفد وزاري مهم منذ الثالث والعشرين من الشهر المنصرم، وشملت خمسة بلدان من أهم أقطار أمريكا اللاتينية، وهي على التوالي المكسيك والبرازيل والبيرو والشيلي والأرجنتين، وبالرغم من تفاوت مستوى علاقات المغرب مع هذه الدول قوة وضعفا، فإن الزيارة الملكية، التي تشبه في طول مدتها وتعدد الأقطار التي شملتها، الزيارة الملكية التي سبق أن أجراها جلالة الملك لدول إفريقية في يونيو الماضي. كما أن الزيارة تحقق على المستوى الاستراتيجي ما يمكن تسميته بالفتح في ما يخص علاقات المغرب الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع قارة لطالما لم تلق الاهتمام من صناع القرار في المغرب، نظرا للتباعد الجغرافي واللغوي، مع أن هذا العنصر لم يشكل، في منظور التصور الجديد للعلاقات الدولية، أي حاجز أو حائل دون تطوير العلاقات البينية بين دول المعمور، والناظر إلى ترأس جلالة الملك لوفد وزاري واقتصادي وازن، وكذا إلى نوعية الاتفاقات التي أبرمت مع الدول الأمريكية الخمس والمحادثات الثنائية التي جرت، وتصريحات زعماء تلك البلدان، يدرك الأهمية الاستراتيجية التي يأمل المغرب في أن يجنيها على المستوى البعيد من هذه الزيارة. فإلى جانب الشق الاقتصادي البارز، من خلال الاتفاقات الموقعة، فإن الشق السياسي ليس بأقل أهمية، إذ احتل موضوع الدفاع عن السياسة الخارجية للمغرب في قضاياه الوطنية والدولية حيزاً مهماً في المحادثات التي أجراها مع رؤساء الدول التي زارها، ومن أبرز القضايا التي تطرح هي قضية الوحدة الترابية، ومدى القدرة على التأثير على صناع القرار في تلك البلدان لإقناعهم بعدالة مطالب المغرب في احترام سيادته، ودحض الأطروحات الاتفصالية التي وجدت في أمريكا الجنوبية، في غياب المغرب عنها، فرصة سانحة للترويج لأكاذيبها عن المغرب لخلق رأي عام مساند للانفصال، هذا المعطى الذي أخذ في التغيير في السنين الأخيرة، بحيث أعلنت بعض الدول سحبها لاعترافها بالجمهورية المزعومة، وساندت تفاوض الطرفين المعنيين في إطار منظمة الأممالمتحدة. وفي ما يخص الجانب الاقتصادي، فقد رسم المغرب من زيارة الدول الخمس هدفاً استراتيجياً تمثل في دعم موقعه على الخريطة الاقتصادية العالمية، سيما وأن دول أمريكا اللاتينية قوة استهلاكية واسعة يمكن أن توفر للمغرب فرصاً كبيرة ومتنوعة للتصدير، تتعدى المنتوجات الحالية التي يصدرها المغرب إلى هذه الدول كالفوسفاط ومشتقاته. وهو ما يعني أن الزيارة الملكية تندرج في سياق سياسة المغرب الرامية إلى تنويع شركائه الاقتصاديين وعدم الاقتصار على الشريك الأوروبي، ولذلك شهدت زيارة جلالة الملك للبرازيل التوقيع على اتفاق متعدد الأطراف مع بلدان السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (ميركوسور)، ويروم الاتفاق الإطار بين المغرب ومجموعة الميركوسور، التي تضم البرازيل والأرجنتين والأوروغواي والباراغواي، إنشاء منطقة للتبادل الحر. م ب حصيلة الزيارة المسكيك: (23 و24 نونبر) التوقيع على مذكرة تفاهم لوضع آلية للمشاورات حول مواضيع يهتم بها الطرفان وإبرام اتفاقية للتعاون الفلاحي. البرازيل (25 إلى 28 نونبر) التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتعاون، منها اتفاق إطار متعدد الأطراف مع بلدان السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (ميركوسور)، واتفاقيتين في مجالي السياحة والتكوين الدبلوماسي. البيرو (29 و30 نونبر) إبرام ثلاث اتفاقيات للتعاون، تتعلق الأولى باتفاق بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكنفدرالية الوطنية للمؤسسات والمقاولات الخاصة بالبيرو، والثانية تخص التعاون العلمي والتقني بين المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري ومعهد الدراسات البحرية بالبيرو، واتفاق ثالث للتعاون العلمي والتقني بين المملكة والجمهورية. الشيلي (فاتح إلى 3 دجنبر) التوقيع على اتفاقية لبناء مركز محمد السادس لحوار الحضارات ومسجد مدينة كوكويمبو بالشيلي، ويمول بناء المسجد بنسبة 50 % من مال جلالة الملك. الأرجنتين (3 إلى 8 دجنبر) التوقيع على اتفاق للتعاون الثقافي والعلمي والتكنولوجي يشمل المرحلة الممتدة من سنة 2005 إلى2007.