خرجت كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين بنسخة جديدة قديمة مزيدة ومنقحة ل الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية تحت شعار جديد هو مقاربة النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج التنمية تلك الخطة التي قال فيها الشعب المغربي كلمته خلال مسيرته المليونية، والتي انتهى الأمر بها إلى الفشل الذريع، نتيجة لذلك خاصة بعد أن اتخذ أمير المؤمنين المبادرة بتشكيل لجنة خاصة تولت إدخال تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية، واعتماد مدونة جديدة للأسرة انطلاقا من أسس مرجعية ومنهجية ومقاربة مختلفة عن مقاربة الأسس المرجعية والمنهجية والتي قامت عليها الخطة المعلومة. ماذا تقول الاستراتيجية الوطنية لاعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في برامج وسياسات التنمية؟ بادئ ذي بدء نشير إلى أن الإستراتيجية المذكورة قد جاءت من حيث الأسس المرجعية التي تعتمدها وتحيل عليها محكومة بهاجس الملاءمة مع مرجعية الاتفاقيات الدولية وملاءمة الترسانة القانونية المغربية معها ، وهو أمر لا غبار عليه حين لا يكون هناك تعارض بينها وبين المرجعية الإسلامية في بعض الجوانب أو في بعض المقتضيات الدستورية التي تهم نظام الحكم في المغرب ، أو لا تتعارض مع الرؤية الإسلامية للنظام الاجتماعي ولمكانة نظام الأسرة داخله ، نحن نؤمن ونؤكد في هذه الحالة أن ما جاءت به المرجعيات الدولية هو من الحكمة الإنسانية التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. لكن وجب هنا عدم الانخداع بمغالطة يرددها البعض حين يستشهدون بديباجة الدستور التي تؤكد على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، فبيت القصيد في تحديد مفهوم المتعارف عليه دوليا ، إذ نلاحظ أن مقررات مؤتمر بكين ومقررات بعض الاتفاقيات الدولية تعكس في بعض جوانبها ثقافة المجتمعات الغربية الغالبة، وهي في تلك الجوانب ليست من المتعارف عليها دوليا بل ما فتئت تثير كثيرا من الاختلاف في بعض مقرراتها مما تحفظت عليه عدة دول من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية . والأكبر من ذلك والأخطر منه أن الإستراتيجية المذكورة قد بنيت على رؤية نسوانية للعالم قوامها تصور صراعي تنافسي بين الرجل والمرأة وجعل ذلك الصراع والتنافس هو بؤرة التركيز والمدخل لحل معضلات المجتمع ولسياسات التنمية وكأن المشكلة التنموية ليست مشكلة اجتماعية اقتصادية وسياسية إنسانية بل هي مشكلة نوعية أنثوية كما يتضح من خلال عرض بعض محاور وعناوين الإستراتيجية المذكورة. فماذا تقول مقاربة النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج التنمية؟ 1 تشكل فكرة المساواة المرتكز والهدف الأسمى للإستراتيجية . ورغم أن القائمين على صياغة الإستراتيجية قد انتبهوا في مدخل عرض مكونات الاستراتيجية إلى البعد الصراعي للمقاربة فاستدركوا قائلين إن المساواة المنشودة لا يراد بها تمكين النساء من ممارسة سلطتهن على الرجال كما أنها لا تعني نفي الفراق والاختلافات القائمة بين الجنسين وإنما يراد بها السعي لبناء شراكة جديدة بين النساء والرجال تضمن لكليهما في نطاق احترام اختلافاتهما مشاركة تامة في جميع المجالات ، إلا أن المتصفح لفصول الإستراتيجية والمقاربة التي اعتمدتها يجد أن المساواة المقصودة ليست المساواة في الحقوق والمسؤوليات والواجبات والمساواة بالخصوص في الفرص والإمكانيات وهو أمر لاغبار عليه وينبغي للجميع أن يدافع عنه بل هي المساواة الميكانيكية الرقمية الإحصائية وهو ما يدحض الاستدراك المذكور ، إذ لم تكن المساواة تعني يوما مساواة ميكانيكية رقمية بل تعني في جوهرها الإنصاف والعدل. فالمساواة بالمعنى الميكانيكي لا يمكن أن تتحقق حتى بين الرجال أنفسهم كما لا يمكن أن تتحقق بين النساء أنفسهن أي داخل النوع الواحد فما بالك فيما بين النوعين إن ذلك يعني بطريقة أخرى أنه بعد ضمان المساواة في الفرص وفي الإمكانيات بين الجميع نساء ورجالا يبقى هناك مجال للتمايز الوظيفي التكاملي الذي قد يكون المستفيد منه تارة هو الرجال وتارة أخرى هو النساء، ولذلك لا يوجد عندنا اعتراض في أن تستفيد النساء من بعض فرص التنمية وثمارها أكثر ومن المشاركة في بعض المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أكثر من الرجال والعكس صحيح ، على أساس أن يكون ذلك التمايز وظيفيا وتكامليا وناتجا عن اعتبارات موضوعية إما مرتبطة بخصوصية كل منهما أو بأدوارهما التكاملية في الأسرة، وهذه مسألة نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن مرحلة تاريخية على أخرى ومن أسرة على أخرى وهي شيء آخر مختلف تمام الاختلاف عن المقاربة الإحصائية المساواتية التي تنطلق منها إيديولوجية النوع الاجتماعي . 2 يتضح البعد المساواتي الميكانيكي بارزا في فقرات ومضامين الإستراتيجية ومفاصلها الأساسية كما يتضح من خلال هذه الأمثلة المقتضبة التالية: ففي الفقرة الخاصة بمضمون الإستراتيجية تقول الوثيقة في الصفحة 5 : لا بد أن تتحول قيمة المساواة إلى هاجس عام ومشترك لكل القطاعات ، بحيث تصير رهانا مجتمعيا من أجل بناء تنمية أساسها الديمقراطية والإنصاف والتشارك وفي الفقرة الخاصة بالمجال التشريعي التأكيد على أن من محالات التدخل إنجاز إصلاحات سياسية وقانونية ترسخ مبدإ المساواة بين الجنسين وملاءمة الترسانة القانونية الوطنية مع النصوص والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب وهذا أمر لا غبار عليه ونتفق معه، لكن الفقرة الموالية تبين المقصود منه حيث تضيف:رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وإعادة النظر في بعض النصوص التمييزية المرتبطة بالقوانين المدنية والسياسية والاقتصادية دون بيان النصوص المقصودة والجوانب التي تحتاج إلى إعادة نظر . وفي نفس الفقرة أيضا الدعوة إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في إعداد وإنجاز وتقييم سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما فيها الميزانيات العامة والقطاعية، ولا ندري في ظل ميزانيات لا تحقق الحد الأدنى لمطالب الإنسان المغربي بجميع فئاته ماذا ستقدم مقاربة النوع لتحسين الأوضاع العامة وما إذا لم تكن سوى دعوة للمساواة في توزيع النذرة والفاقة والخصاص، والمساواة في توزيع التهميش والإقصاء، وما إذا لم يكن من المشروع إذا سايرنا المنطق الكامن خلف مقاربة ميكانيكية متطرفة على أساس النوع الاجتماعي أن تدخل مطالب نوعية أخرى يوما ما للشيوخ أو للأطفال أو للمعوقين ...أو لأي شكل آخر من أشكال تشطير القضية التنموية وتقسيطها وجعلها قضية نوعية لا قضية اجتماعية اقتصادية تواجه الإنسان المغربي ككل رجلا كان أو امرأة . وفي نفس الفقرة أيضا وعند الدعوة إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في وضع السياسات والموارد المنتجة وتقليص الفوارق في مجال العمل النظامي المأجور تبدو النظرة الصراعية واضحة على عكس ما ورد في التصدير حبث تؤكد أن الهدف من هذا الإجراء هو الوصول إلى المناصب المتوسطة والعليا والمهن المحتكرة عادة من الرجال ص 7 ، فالمشكلة إذن هي مزاحمة الرجال والصراع معهم على المناصب والسلطة وكأن قضية احتكار السلطة ليست قضية سياسية اجتماعية تشطر المجتمع عموديا إلى فئات محتكرة للسلطة وترفض تقاسمها وتداولها وأخرى مقصية منها رجالا ونساء، وإنما هي قضية تشطر المجتمع أفقيا أي إلى رجال محتكرين للسلطة السياسية والامتيازات الاجتماعية والوظيفية ونساء مقصيات من ذلك ، علما أن التمييز ضد المرأة حقيقة تاريخية وثقافية لا يمكن نكرانها، وحلها لا يكمن في تزييف الوقائع واختلاق المعارك بل يتاتي من خلال مقاربة تنموية شاملة يكون إنصاف المرأة أحد مدخلاتها ليس هو المدخل الوحيد كما تفعل النظرة النسوانية المتمركزة حول الأنثى . وفي الفقرة الخاصة بالخدمات الصحية تدعو الاستراتيجية إلى الاستفادة بشكل متساو من الخدمات الصحية واعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط الصحي وتنظيم وتقييم الخدمات الصحية. وفي هذه النقطة يظهر الهوس الذي يترتب عن اعتماد مقاربة النوع حتى ليخيل للمرء وكأن هناك سيطرة ذكورية على الخدمات الصحية وكأن عدم المساواة في مجال تقديم الخدمات الصحية في المغرب هو قضية نوعية وليس قضية اجتماعية طبقية يستوي في ذلك الرجال والنساء على حد سواء ، وكأنها أيضا قضية نوعية وليست قضية مجالية تتفاوت كلما انتقلنا من المدينة إلى البادية، أي أن التفاوت فيها يقع داخل النوع الواحد بين رجال الحاضرة ورجال البادية وبين نساء الحاضرة ونساء القرية بل بين رجال الحاضر أنفسهم وفيما بين نساء الحاضرة أيضا كلما اتجهنا نحو الأحياء الهامشية ونزانا إلى أسفل السلم الاجتماعي . وفي مجال إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج التنمية الفلاحية القروية تطرح الإستراتيجية طرحا غريبا بالتأكيد على إتاحة الفرصة للنساء للاستفادة من الأراضي الفلاحية وتهيئتها؟؟؟ بواسطة توعية الرجال والنساء بحقوق المرأة ؟؟؟ وتقديم الدعم القانوني للنساء من أجل نيل حقوقهن والقيام بعمليات تحسيس ضد الممارسات التمييزية في مجال الاستفادة من الأراضي الفلاحية وتهيئتها ( ص 10)، وهذا كلام غامض إذ لا يفهم ما المقصود باستفادة النساء من الأراضي الفلاحية وتهيئتها إذ لم يعد هناك مجال في المغرب لتوزيع الأراضي كما كان في بداية الاستقلال وللتمييز بين الرجال والنساء. وفي مجال فك العزلة على العالم القروي تدعو الإستراتيجية إلى استشارة النساء بخصوص مشاريع البنيات التحتية الاجتماعية مع دمج التمثيلية النسائية في مسلسل اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع الطرقية . كما تطرح ضرورة إدماج مقارية النوع الاجتماعي في دورة المشاريع الرامية إلى إقامة بنيات تحتية أساسية والدراسة الممنهجة لوقعها المحتمل والآثار السوسيو اقتصادية للمشاريع المستقبلية على النساء والرجال الفتيات والفتيان وذلك بغية تفادي النتائج السلبية على أحد الجنسين قبل البدء في تنفيذ المشاريع 12 ، ولا ندري إن كان الذين سمحوا لأنفسهم بصياغة هذه العبارات الإنشائية الرنانة مقتنعين بما كتبوه أم جاروا فقط عنان خيالهم الذي أفقدته الرؤية النسوانية المتطرفة القدرة على النظر في واقع البادية المغربية وتوفر الإمكانية لكي تكون هي والرجل سواء بسواء بل وللرجل والمرأة حتى في الحاضرة لكي يكونوا طرفا في رسم سياسات والإسهام في اتخاذ قرارات ذات صلة بالسياسات الطرقية ؟؟ 3 وتبلغ نزعة التمركز حول الأنثى التي هي الخاصية المميزة للأطروحة النسوانية المتطرفة كما تشكلت عند بعض الحركات النسائية في الغرب وهي اليوم موضوع مراجعة شاملة من قبل الحركة النسائية الجديدة في الغرب ،حينما تجعل الاستراتيجية قمتها الوصول إلى هدف المناصفة في المجال السياسي وما عرف في فرنسا ب la parité هو الأفق الذي حددته الإستراتيجية لنفسها حيث تقول تحت عنوان: المشاركة المتساوية والمنصفة للرجال والنساء في مختلف مواقع القرار : إن الأفق الذي تحدده لهذا المجال يتمثل في تقوية وتحسين مشاركة الرجال في كل أجهزة اتخاذ القرار .... وهو هدف يمكن أن يأخذ شكل وصول الرجال والنساء بشكل تدريجي إلى تمثيلية متساوية ومنصفة داخل الحكومة وفي المجالس البرلمانية ومناصب القيادة في المؤسسات العمومية والخاصة في النقابات والأحزاب السياسية، وكذلك في مختلف دواليب الحياة العامة ومستويات المسؤولية داخل الإدارة العامة . ويتوجب أن لا يتأثر ذلك الوصول أو يعرقل بواسطة القيم والمواقف والسلوكيات المتعلقة بالأدوار الاجتماعية المحددة سلفا وأن تتحكم فيه التصورات والأحكام المسبقة المناهضة للنساء ص 12و13 . وهذا الكلام الأخير لا غبار عليه ولا يمكن أن يختلف معه عاقل ، لكن أن يبنى عليه المطالبة بالمناصفة في مراكز القرار السياسي والإداري والمناصفة المعتمدة على اعتبار النوع أي ضمان مساواة عددية إحصائية بين الرجال والنساء في تلك المراكز وليس اعتبار الأهلية والاستعداد والتكوين العلمي والثقافي والمعطيات الموضوعية ، وقبل ذلك كله وبعده تأهيل المرأة والمجتمع ثفافيا وتربويا وسلوكيا واقتصاديا وسياسيا وتنمويا كي يقطع مع العقلية الذكورية ؛ إن ذلك سقوط في تطرف آخر وفي نوع من التمييز غير الإيجابي المستند إلى نزعة التمركز حول الأنثى والنسوانية المتطرفة المستندة إلى فلسفة النوع كفلسفة مساواتية ميكانيكية تستبطن الصراع القائم على النوع وليس على فلسفة تكاملية تضع الأسرة والمجتمع ككل في صلب بؤرة اهتمامها ، بحيث تسري نتاج التنمية الاجتماعية على المرأة والرجل سواء بسواء ويستفيد المجتمع من أي خطوة تتحقق في مجال إنصاف المرأة وضمان حقوقها وكرامتها ولا تتحقق الحقوق على حساب نوع من الأنواع أو على حساب الأسرة ومختلف مكوناتها وبالتالي على حساب المجتمع واستقراره . وللأسف الشديد فإن تأكيد الاستراتيجية على المناصفة والمساواة المثلية الميكانيكية في العديد من مفاصلها ينقض ذلك التحفظ والتوضيح الذي حرصت على تسجيله في الديباجة . وقد جاء هذا التأكيد في الصفحة 13 حيث تقول الإستراتيجية : على المستوى التشريعي ، وفي إطار الحد من تراكم المسؤوليات والمناصب لدى نفس الأشخاص ، يتوجب تيسير تجدد النخب والقيادات ( والملاحظ من جديد أن الاستراتيجية تجعل من إشكالية تجدد النخب والقيادات التي هي قضية سياسية وسوسيواقتصادية تمس المجتمع برجاله ونسائه إلى مجرد إشكالية نوعية أي تعاني منها المرأة وأن المستفيد من السلطة هم الرجال) وتضيف أيضا تحويل الوظيفة العمومية إلى نموذج يعتد به في العمل بمبدإ المناصفة بين الرجال والنساء في مناصب القرار ، الترقية المهنية ومراجعة صيغة تدوين القوانين المنظمة للحقل السياسي والانتخابي مع إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في الخطاب السياسي على المستوى المؤسساتي ، يتوجب على السلطات العمومية إقرار إجراءات ومبادرات إيجابية من أجل ضمان حد أدنى من المشاركة النسائية في دوائر اتخاذ القرار السياسي والعمومي ، تحقيق تمثيلية متساوية ومنصفة للنساء والرجال في التعيينات الوزارية ، الحكومية أو الديبلوماسية ص 13