مصدر حكومي يؤكد الانطلاق في صياغة مشروع قانون مدونة الأسرة    "الكاف" تحدد موعد قرعة "الشان"    الصومعة الحجرية في فجيج .. هندسة فريدة للتراث العريق    محطة أوكايمدن تستعيد روعتها مع أولى التساقطات الثلجية    مطالب برد الاعتبار الى مؤسسة إعدادية المنار بالجديدة ومحيطها الخارجي    المغرب يشارك في كأس العالم للطهاة بمدينة ليون الفرنسية    تأجيل محاكمة رئيس تنسيقية ضحايا زلزال الحوز وسط مطالب بإنهاء معاناة المتضررين    أزمة الرجاء تتفاقم .. هجوم لاذع من كورفا سود على الإدارة والمنخرطين    صدور العدد 25 من مجلة "محاكمة"    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    بعد أن ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء إلى أثمنة قياسية    السلطات الفرنسية تعتقل مؤثرا جزائريا حرض على أعمال عنف ضد ناشطين    المغرب وجهة لتصوير أفلام عالمية.. مخرج بريطاني يختار المملكة لتصوير فيلم سينمائي جديد    حريق غابوي يلتهم غابة موكلاتة بتطوان    مختص يقارب مدى نجاعة استراتجية الحكومة لمواجهة الجفاف الهيكلي    ساركوزي أمام المحكمة في قضية القذافي    مقتل 3 إسرائيليين في عملية إطلاق نار شمال الضفة الغربية    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الاثنين على وقع الارتفاع    تحذير أممي من اتساع رقعة الأراضي القاحلة بسبب الجفاف    الحكومة تطلب تأجيل مناقشة مضامين تعديلات مدونة الأسرة في لجنة العدل بمجلس النواب    الاتحاد العربي للرماية ينظم في 2025 ثلاث بطولات بكل من الكويت ومصر و المغرب    المغرب التطواني يبحث عن مدرب جديد    يوم راحة للاعبي الجيش الملكي قبل مواجهة الرجاء في عصبة الأبطال    "الحاج الطاهر".. عمل كوميدي جديد يطل على المغاربة في رمضان    البعمري يكتب: "موريتانيا -المغرب: تقارب نحو المستقبل"    بوانو: وزير الصحة يسعي للتعامل مع شركة أمريكية لوضع المعطيات الصحية للمغاربة لدى الإسرائيليين    لماذا تخسر قضيتك رغم أنك على حق؟ . . . تأملات قانونية    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يبلغ ربع النهائي بفوزه على مضيفه الملعب المالي (1-0)    بعد تتويجه رفقة سان جيرمان.. الجامعة المغربية تهنئ حكيمي    تقرير يتوقع استقالة رئيس وزراء كندا    الدولار يتراجع وسط ترقب البيانات الاقتصادية الأمريكية    الاكتواء بأسعار الدواجن النارية..يدفع المستهلك المغربي للمطالبة بالتدخل الحكومي    ما حقيقة "فيروس الصين الجديد" الذي يثير مخاوف العالم؟    كيوسك الإثنين | التمويل التشاركي يستقر في 24,5 مليار درهم نهاية نونبر    مصالح ‬المغرب ‬تتعزز ‬في ‬مجلس ‬الأمن ‬الدولي    قضية "بوعلام صنصال" تزيد من تأزيم العلاقات الفرنسية الجزائرية    الكونغو تنهي معاناتها مع قطاع الطرق بسلسلة من الإعدامات    جون أفريك تكشف أسباب التفوق الدبلوماسي المغربي في الساحل    رثاء رحيل محمد السكتاوي    الجمهورية ‬الوهمية ‬الدولة ‬النشاز ‬التي ‬أطبقت ‬عليها ‬العزلة ‬القاتلة    سعيد الناصري يقوم بتجميد شركة الوداد من قلب سجن عكاشة    وضعية القطارات المتهالكة التي تربط الجديدة والبيضاء تخلق الجدل    أبرز المتوجين بجوائز "غولدن غلوب" الثانية والثمانين    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    الصين: البنك المركزي يحدد أولوياته لسنة 2025    آية دغنوج تطرح "خليك ماحلّك" باللهجة لبنانية    شركة "ميتا" تعتزم إطلاق أدوات ذكاء اصطناعي جديدة على (فيسبوك) و(إنستغرام)    السعودية .. ضبط 19 ألفا و541 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    مسرحية "هم" تمثل المغرب في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء المقاربة حسب النوع..المناصفة في الندرة والخصاص والمساواة في التهميش والإقصاءية مسبقة بل تعتبر أن هذه الماهية لاحقة على
نشر في التجديد يوم 30 - 01 - 2006

من خلال هذه القراءة السريعة في فصول ما سمي بالاستراتيجية الوطنية لإدماج مقاربة النوع في سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية نخلص إلى الملاحظات التالية :
إن الأمر لا يعدو أن يكون نسخة منقحة من مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية بعد أن تم إزالة الجانب المتعلق بالأحوال الشخصية الذي حسمته مدونة الأسرة أي بإعمال ميكانيكي لفلسفة النوع الاجتماعي وليس فقط لمقاربة النوع الاجتماعي كأداة منهجية هادفة إلى تحقيق نوع من التمييز الإيجابي .
إننا هنا أمام نزعة أنثوية في النظر إلى العالم وفي النظر إلى مشاكل المجتمع تحصر مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية في مشكل عدم محاصصة المرأة للرجل على جميع المستويات ، وفي مزاحمته على جميع المستويات وكأن المشكلة رغم بعض الصياغات الإنشائية التي تحاول الإيحاء بعكس ذلك مشكلة اقتسام للمراكز والمواقع وصراع عليها من أجل تحقيق مساواة ليس بمعنى الإنصاف والعدل ولكن بمعني المساواة الميكانيكية الحسابية التي تصل إلى حد الدعوة إلى المناصفة
إن مقاربة النوع الاجتماعي أساسا مقاربة إجرائية إحصائية تسعى من خلال الأرقام أن تبرز الخصاص والحيف التاريخي اللاحق في حق المرأة والذي لا شك أنه موجود ولا بد من معالجته ولكن من خلال نوع من التمييز الإيجابي الذي يحقق الإنصاف والعدل لكنها في الجوهر تخفي رؤية فلسفية قائمة على فلسفة النوع الاجتماعي . وتجد هذه الفلسفة أصولها في
الفلسفة الوجودية التي لا تعترف للإنسان بماهية مسبقة بل تعتبر أنة هذه الماهية لاحقة على الوجود ، وتطبيق هذه الفكرة أن ماهية المرأة ماهية مخترعة في سياق تاريخي واجتماعي طويل ، وأن الأمومة وضع اجتماعي وليست وضعا فطريا طبيعيا ، ومن هنا تأتي فكرة النوع الاجتماعي . والإشكال في هذا المفهوم أنه يجمع في طياته حقا وباطلا ، وجانب الحق فيه أن كثيرا من الرؤى والتصورات حول المرأة إنما هي تصورات ثقافية مسبقة استخدمت صورة نمطية من أجل هضم حقوق المرأة وهدر كرامتها ومن ثم فحينما تستخدم مقاربة النوع الاجتماعي كمقاربة إجرائية لإعادة بناء مفهوم المرأة وكمدخل لتوع من التمييز الإيجابي لمصلحتها فإن مقاربة النوع تكون إيجابية . أما جانب الباطل فيه فهو النزعة المتمركزة حول الأنثى أي حينما تتحول إلى رؤية للعالم كما أسست لذلك الفلسفة الوجودية وتابعتها في ذلك النزعات النسوانية المتطرفة التي انتهت إلى حد التنكر لأنوثة المرأة وخصوصياتها البيولوجية وذهبت على حد المطالبة بالمساواة في تحمل أعباء الحمل والأمومة وتبعاتهما خاصة بعدما ظهرت أشكال جديدة للأسرة في الغرب تشريعات تقننها (الباكس وزيجات بين شواذ جنسيين)، وذلك
تطرف قد ظهر في مواجهة التطرف الذي عرفه الغرب طوال تاريخة من خلال إهدار كرامة المرأة وهضم حقوق بل عدم الاعتراف بإنسانيتها وبحقوقها الأساسية إلا في تاريخ متأخر.
إن العلاقة بين المرأة والرجل في التصور الإسلامي علاقة قائمة على العدل والإنصاف والمساواة بالمعنى الوارد في قوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف والمعنى الوارد في الحديث النبوي الشريف النساء شقائق للرجال في الأحكام فهي مساواة تكاملية وليس مساواة تماثلية حسابية ميكانيكية تراعي نوعا من تقاسم وتكامل الأدوار ولا تؤدي إلى إلغاء بعض الخصوصيات التي لا تنقص من قدر المرأة ولا من قدر الرجل ،ونوعا من التمييز للرجل تارة أو للمرأة تمييزا ليس لمصلحة الرجل في ذاته أو بسبب هويته الذكورية وليس لمصلحة المرأة في ذاتها أو لهويتها الأنثوية ولكن في صالحهما معا وفي مصلحة مؤسسة الأسرة ومصلحة البناء الاجتماعي بكامله وذلك ما نفهمه من قوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله والملاحظ هنا أن صيغة التفضيل قد جاءت عامة أي أنها تحتمل الاتجاهين أي تفضيل الرجال للنساء في بعض الجوانب والعكس صحيح، لكن الحصيلة الكلية تحكمها القاعدة الواردة في قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، لذلك فالحقوق والواجبات لا ينبغي النظر إليها هنا بأنها
متعارضة أو متشاكسة أو أن لا يكون بعضها على حساب بعض بل هي حقوق وواجبات تقوم بينهما (بين الرجل والمرأة) وتتحقق بهما ولهما معها وللأسرة على العموم ، ودون هذه النظرة التكاملية التي قوامها المودة والرحمة والنظرة الصراعية المؤسسة للمقاربة حسب النوع ما بين السماء والأرض .
تبعا لذلك فإذا كانت بعض أشكال التمييز ضد المرأة مرتبطة بمفهوم النوع الاجتماعي وإسقاطات الثقافة التمييزية ضد المرأة التي تستغل بعض معطيات البيولوجيا وضرورة تقسيم الأدوار لتكريس دونية المرأة، فإن بعض أشكال التمييز الأخرى مرتبطة بمعطيات أخرى لا دخل فيها للمعطيات الثقافية بل هي مرتبطة بالبيولوجيا وما تفرضه من وظائف اجتماعية . في حين أن مظاهر ثالثة هي انعكاس لمعضلة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية تسري آثارها على الرجال والنساء سواء بسواء ولا تخص المرأة وحدها ولا تجدي فيها مقاربة النوع الاجتماعي
إن المطالبة بالمساواة في بعض المجالات تبعا لذلك هي مطالبة بالمناصفة في توزيع النذرة والخصاص ، بل إن إعمال مقاربة النوع يكون حينذاك نوعا من الوعي الشقي بجوهر القضايا والمشكلات ونوعا من النضال المغلوط الذي بدل أن يتوجه إلى النضال من أجل تنمية المجتمع وحل معضلاته الاقتصادية والتنموية والحقوقية والسياسية، تصبح المشكلة وكأنها فقط مشكلة إنصاف للمرأة من تسلط الرجل واستبداد بالثروة والسلطة، في تزييف واضح لطبيعة العلاقات التسلطية القائمة في المجتمع التي ليست بالضرورة علاقات تسلطية من نوع على نوع آخر ولكن من فئة اجتماعية إلى فئة اجتماعية أخرى يستوي في ذلك الرجال والنساء على حد سواء . وبناء عليه فبدل أن تتحول قضية النهوض بالمرأة إلى وسيلة لنضال اجتماعي وسياسي ونهوض اقتصادي بالمجتمع ككل يسهل عملية التمكين للفئات المهمشة اجتماعيا بما في ذلك النساء، تختزل القضية في مقاربة فوقية تهدف التمكين للنساء بقوة القانون ، وأحيانا بقوة القانون الدولي والمرجعيات والتوصيات الدولية ، وبالدعوة إلى المناصفة حتى لو لم تهيأ النساء للاضطلاع بتبعاتها فكريا وسلوكيا وثقافيا .
إننا ندعو كتابة الدولة في الطفولة والأسرة والأشخاص المعاقين إلى فتح حوار وطني حقيقي من أجل إغناء الإستراتيجية المذكورة بدل اعتماد نظرة أحادية مبنية على أساس نزعة متمركزة حول الأنثى لم تقدم للمجتمعات التي اعتمدتها سوى التفكك ، هذا في الوقت الذي رعت فيه كثير من الحركات النسوانية المتطرفة خطابها المتطرف ضد الأمومة والموجه ضد الرجل مؤكدين أن مقاربة النوع الاجتماعي إذا تم التعامل معها بعقلانية وإجرائية لا بإسقاط خلفياتها الفلسفية والإيديولوجية تبقى مفيدة في تحقيق نوع من التمييز الإيجابي الذي يمكن من إنصاف المرأة دون إغفال أن جوهر مشاكلنا في المغرب هو اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي ، وأن المدخل للتهوض بالمرأة هو مقاربة شمولية تنهض بالإنسان المغربي كل الإنسان المغربي بنسائه ورجاله في بواديه وحاضره لا المقاربات التجزيئية التبعيضية، ومنها اعتماد مقاربة النوع كمقاربة فلسفية وإيديولجية أصبحت تختزل كل المشاكل في المشاكل التي تعاني منها المرأة وتعتبر المفتاح هو المساواة النوعية والمناصفة في النذرة والخصاص والتهميش والإقصاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.