تعد مقاربة النوع أهم آلية علمية لتحليل حاجيات المجتمع، وتقييمها، بغية توجيه برامج وخطط التنمية لخدمة الأفراد، الذين يحتاجون إليها أكثر من غيرهم، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، الهادفة، بدورها، إلى تحقيق المساواة بمفهومها العام والشامل. وإذا كانت النساء يشكلن في المغرب نسبة 50.6 في المائة من مجموع السكان، وأعدادهن تبقى أقل بكثير من ذلك، في ما يتعلق بالولوج إلى القطاعات الاجتماعية الأساسية، من قبيل التعليم، سواء في أسلاكه الأولى أو الأساسية أو الثانوية أو العالية، وأيضا على صعيد أسلاكه التكوينية والمهنية، كما ترتفع معدلات الأمية في صفوف هذه الشريحة، فإن إعادة النظر في مدى حضور ونجاعة هذه المقاربة، أو عدمه، يعتبر أساسيا، خاصة أن أغلب المؤشرات تعكس مدى هشاشة هذه الفئة، مع تفاقم هذا التراجع على مستوى حضور المرأة على صعيد الولوج إلى التشغيل، والخدمات الصحية، خصوصا في العالم القروي، الأمر الذي تعكسه معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال أثناء الولادة. حول هذا الجانب، يرى محمد مفيد، أستاذ جامعي، بمدينة فاس، أن أهم معطى في مقاربة النوع هو استهدافها إشراك جميع المواطنين، بغض النظر عن جنسهم، خصوصا المتضررون منهم، في زيادة وتدعيم قدراتهم، واستفادتهم من الموارد والإمكانيات المتاحة، بالشكل الذي يحقق مساواة الجميع في إمكانيات وفرص التنمية على مختلف المستويات. وأضاف مفيد أنه لضمان العدالة الاجتماعية، لابد من اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في مختلف المجالات، اعتمادا على مختلف الآليات والإمكانيات، بما في ذلك آلية الميزانية (قانون المالية)، مؤكدا أن الميزانية المستجيبة لمفهوم النوع الاجتماعي هي إحدى الضمانات الأساسية لسد الفجوات بين السياسات والخطط، ومراعاة الدلالات الخاصة بالنوع عند تحليل ورصد إيرادات ونفقات مخصصات الميزانية العامة للدولة. وأوضح مفيد أن مقاربة النوع تعد، أيضا، إحدى أهم الأدوات لقياس مدى التزام الحكومات بتنفيذ الالتزامات الدستورية والقانونية الملقاة على عاتقها، من أجل تفعيل مبدأ المساواة على أرض الواقع، كما أنها أداة لقياس مدى استهداف القانون المالي لتوزيع وتعميم الاستفادة من الموارد العامة على مختلف شرائح وفئات المجتمع، على أساس المساواة. وأضاف أن "مقاربة النوع لا تعني، إطلاقا، وضع ميزانية محددة للمرأة وأخرى بالرجل، بقدر ما تعني وضع ميزانية تستجيب لاحتياجات كل من الرجل والمرأة على أساس المساواة، أخذا بعين الاعتبار، بطبيعة الحال، وضع المرأة، خصوصا في الدول السائرة في طريق النمو، مثل المغرب، الذي يعرف ضعفا كبيرا مقارنة مع وضع الرجل، رغم ما أنجز من إصلاحات قانونية وحقوقية ومؤسساتية". وبخصوص الإجراءات المتخذة في إطار قانون المالية، برسم سنة 2010، يرى مفيد أن القانون ركز على حماية القدرة الشرائية للمواطنين، عن طريق استمرار الحكومة في دعم القدرة الشرائية، مع الالتزام بإصلاح صندوق المقاصة، ليتمكن من استهداف أفضل للفئات المستحقة للدعم، مشيرا إلى أن مشروع قانون المالية يركز، أيضا، على ضرورة تقوية التضامن والتماسك الاجتماعي، والعمل الدؤوب، من أجل استفادة كل المواطنين بشكل أفضل من ثمار التنمية، ما دفع إلى الاهتمام المتزايد بالجانب الاجتماعي، من خلال تأهيل الموارد البشرية، عبر مواصلة البرامج الاستعجالية، كما هو الشأن في التعليم، تكريسا لتكافؤ الفرص بين مختلف الفئات المجتمعية، ومواكبة الحاجيات المتنوعة والمتنامية من الموارد البشرية للنسيج الاقتصادي الوطني. ويندرج، أيضا في هذا الإطار، حسب الباحث، تكثيف البرامج الصحية لتحسين مؤشرات الصحة، خاصة المتعلقة بتقليص نسبة وفيات الأطفال. كما تطرق مفيد إلى إجراءات أخرى مواكبة، من قبيل السكن وغيره. من جهتها، قالت حياة الحبايبي، عضوة السكرتارية الوطنية ل"مجموعة العمل من أجل الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي"، في تصريح ل "مساواة"، إنه "لا توجد ميزانية تسمح بالقراءة في نوعية المستفيدين، سواء الرجال أو النساء، لدينا ميزانية خاصة بالقطاعات الوزارية، خاصة إما بالتسيير أو الاستثمار". وأفادت الحبايبي، رئيسة "حركة بدائل مواطنة"، أن من ضمن مطالب المجموعة، تهييئ ميزانية وفق برامج، من خلال مؤشرات يمكن أن تفيد بمن يستفيد في المغرب من الميزانية. واعتبرت أن إخراج تقرير حول ميزانية النوع الاجتماعي إلى حيز الوجود، هو عبارة عن قراءة في مجموعة من ميزانيات القطاعات، معتبرة إياه "مكسبا، غير أنه ليس مبنيا على القانون التنظيمي، الذي يحدد الوثائق المرفقة بالميزانية، وهو نابع، فقط، من إرادة حكومية، وبالإمكان أن تستغني عنه"، مشيرة إلى أن هناك حديثا عن إصلاح القانون التنظيمي، كآلية إصلاح قانون المالية. واعتبرت أنه، حتى بالنسبة لمشروع ميزانية 2010، "لا يمكن الحديث فيه عن النوع الاجتماعي، فهو يضم أرقاما ومؤشرات، وبذلك، لا يسمح بقراءة نوعية المستفيدين". وقالت الرباح، منسقة مجموعة العمل من أجل الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي، إن غياب دراسة موضوعية لتتبع وقع الميزانية يحد من معرفة دقيقة لحصيلة إدماج بعد النوع الاجتماعي في الميزانية، مشيرة إلى أن المغرب يبقى بعيدا عن مجال إدماج مقاربة النوع في الميزانية، وأضافت "لم نتجاوز الفلسفة والإرادة، التي لم تتحول إلى واقع ملموس لتقليص الفوارق بين الرجال والنساء، وتكريس مساواة حقيقية بين الجنسين". وتساءلت الفاعلة الجمعوية إلى أي حد تمكنت الحكومة من وضع الفرضيات لتحقيق المساواة في إعداد مشروع 2010، ومدى التزام الحكومة في هذا الإطار، وإلى أي حد لعب البرلمان دوره في طرح هذا الإشكال، قبل المصادقة على المشروع. في السياق ذاته، يرى محمد شفيقي، مدير الدراسات والتوقعات المالية بوزارة الاقتصاد والمالية، أن "اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في وضع الميزانية العامة يتوخى بناء مجتمع حداثي، منصف لكل مكوناته، ومبني على المساواة وتكافؤ الفرص"، مشيرا إلى أن هذه "المقاربة تعد وسيلة لإنجاح المشروع المجتمعي المتقدم، الذي يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات التطور والتنمية المستدامة، وتقليص الفوارق، التي تؤسس للتخلف، وتعرقل دينامية المجتمع". واعتبر أن اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في وضع الميزانية يعني، بالأساس، الاستعمال الجيد للاعتمادات، انطلاقا من تحليل الحاجيات، من أجل تحسين نوعية حياة مختلف شرائح ومكونات المجتمع، رجالا، ونساء، وشبابا، وأطفالا. وترى نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن الصقلي، في هذا الصدد،أن من نتائج الأوراش الكبرى التي فتحت في المغرب، والتي تروم تحقيق المساواة بين الجنسين، تتضمن إدراج مقاربة النوع في إعداد الميزانية، واستراتيجية المساواة والإنصاف، لإدماج المقاربة ذاتها في مجال إعداد السياسات الحكومية، والبرنامج القطاعي. وتعتبر الوزيرة أن الالتزامات الدولية للمغرب، منذ سنة 2007، تترجم هذه العزيمة، من خلال مشاركته في الندوات الدولية حول المرأة (مكسيكو 1975، وكبنهاكن 1979، ونيروبي 1985، وبكين 1995)، وانخراطه شبه الكامل في ترجمة الاتفاقيات المتعلقة بالنساء (الاتفاقية حول الحقوق السياسية للنساء، سنة 1976، واتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء، سنة 1993، والمعاهدة الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية سنة 1979). وتميزت السنوات العشر الأخيرة لحكم جلالة الملك محمد السادس بقفزة نوعية مهمة في مأسسة المساواة بين الجنسين، وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية. وفي هذا الصدد، أطلقت برامج ووضع سياسات جديدة. فنظرا للطابع الأفقي للعلاقات بين الرجل والمرأة، اتخذت تدابير جديدة، وصياغة وتفعيل استراتيجيات هادفة، وتعيين مراكز للتواصل حول النوع الاجتماعي، منذ سنة 2005 (تاريخ تحرير التقرير الثاني حول أهداف الألفية للتنمية) في تقييم وتفعيل أهداف الألفية من أجل التنمية. وحول هذا الجانب، أجمع المتدخلون في ندوة صحفية نظمت من قبل "مجموعة العمل من أجل الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي"، أخيرا بالرباط، على إثارة هذا الموضوع، موضحين أن مناقشة إصلاحات قانون الميزانية 2010، يأتي في إطار استراتيجية المجموعة، الهادفة إلى جعل الميزانية الوطنية أحد الضمانات الأساسية لسد الفجوات النوعية بين الرجال والنساء، وأيضا، من أجل تحقيق العدالة والكرامة والمساواة، ومساءلة المالية العمومية بالمغرب، والإصلاحات الكبرى للميزانية. وأكدت أشغال الندوة أن قانون المالية يجب أن يكون أداة ديمقراطية لتدبير المال العام، وليس مجرد وثيقة ذات صفة مؤقتة، لا تتعدى مدتها السنة المالية في الأحوال العادية، بما أن الميزانية المستجيبة لمقاربة النوع الاجتماعي، التي اعتمدتها الدولة، منذ 2002، تستهدف الاستعمال الجيد للاعتمادات، انطلاقا من تحليل الحاجيات وبرمجة كيفية الإجابة عنها، لتحسين نوعية الحياة بالنسبة للرجال والنساء. وتطرق محمد مفيد، خلال هذا اللقاء، إلى التزامات المغرب في مجال المساواة، والمنجزات والبرامج، من خلال قراءة في الحصيلة المتوصل إليها وتقييمها، مع طرح التحديات والآفاق، كما انطلق من مقتضيات الدستور المغربي، الذي ينص فصله الخامس على أن "جميع المغاربة سواء أمام القانون"، إلى جانب نصوص أخرى تتضمن إقرار الحقوق السياسية، دون إشارة صريحة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأضاف مفيد "رغم ذلك، فالدستور يتضمن في ديباجته ما يفيد الالتزام الصريح بإعمال واحترام حقوق الإنسان"، مشيرا إلى أن المغرب، انطلاقا من التزامه الدستوري، صادق على إعلانات ومواثيق مهمة، ذات علاقة بمقاربة النوع. كما استعرض مفيد ما ورد في مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2010، الذي نص على أن محاربة كل أشكال الميز المرتكز على النوع تعتبر من العمليات ذات الأولوية بالنسبة للحكومة، من أجل تمكين المرأة، على الخصوص، من لعب دورها كاملا في مجهودات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد. وأبرز مشروع قانون المالية أن اعتماد مقاربة النوع في برمجة الميزانية، يندرج في نظرة شمولية، تهدف إلى الاستجابة بصفة عادلة لحاجيات الرجال والنساء والأطفال، بغض النظر عن انتمائهم الاجتماعي، وتحسين ظروف عيشهم، على أساس تحليل عميق لتأشيرات الميزانية، سواء على مستوى الموارد أو النفقات، على مجموع السكان المغاربة بمختلف مكوناتهم. واعتبر مفيد أن أكبر تحد يحول دون الوصول إلى المساواة الاجتماعية يتمثل في وضعية المرأة بالمغرب، خصوصا في العالم القروي، على اعتبار أن كل ما يبذل لا يرقى إلى تطلعات هذه الشريحة، التي تشكل 50.6 في المائة من مجموع سكان المغرب. وأبرز مفيد أن مقاربة النوع الاجتماعي تعد من بين وسائل أخرى لتحقيق المساواة الفعلية لا النظرية، وهي من أهم الوسائل الضرورية لتحقيق كرامة الرجل والمرأة، ومن هذا المنطلق، يجب التعامل معها بإيجابية، كما يجب تدعيمها بإصلاحات دستورية وقانونية، شرط توفير الإرادة السياسية الحقيقية والكاملة، للوصول إلى مجتمع العدالة، الذي تتمتع فيه كل الكفاءات بتكافؤ الفرص والمساواة، في الانتفاع من الموارد والنفقات العامة، التي تعد الميزانية السنوية للدولة آلية تجسيدها في الواقع. وخلال هذه الندوة، اعتبرت "مجموعة العمل من أجل الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي"، أن فتح النقاش من طرف فعاليات المجتمع المدني يعني ممارسة من طرف الأخير، كمكون رئيسي في البناء الديمقراطي، وفي تحقيق التنمية الاجتماعية على مستوى الفعل الميداني، والمشاركة المواطنة على مستوى التفكير، الذي يؤطر الفعل في اتجاه ضمان مشاركة مواطنة، إلى جانب نقط أخرى، منها تفعيل دور اليقظة والمساءلة المجتمعية.