استغرب كثير من المتتبعين كيف حازت مدونة الأسرة إجماع الشعب المغربي، في حين أثارت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية خلافا حادا في المجتمع. والواقع أن الأمر يرجع إلى خلاف كبير بين النصين إن على مستوى المرجعية أو على مستوى المقاربة أو على مستوى المنهجية وهو ما يصدق للأسف الشديد من جديد فيما سمي بالاستراتيجية الوطنية للإنصاف والمساواة كما يبرز من خلال المقارنة الثالثة. ففي مقابل إعلائها للمرجعيات الدولية بغض النظر عن اتفاقها أو معارضتها للمرجعية الإسلامية بل جعل الكلمة الأولى والأخيرة لتلك المرجعية على حساب المرجعية الإسلامية واعتماد مقررات ومقاصد المرجعية الدولية في فهم وتأويل النصوص والأحكام الشرعية ولو اقتضى الأمر لي أعناقها وتطويعها لتتماشى مع مقررات مؤتمر بكين واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، جاءت مدونة الأسرة واضحة في هذا الأمر كما أكد ذلك أمير المؤمنين في خطابه أمام البرلمان حين أكد أنه بهذه الصفة لا يمكنه أن يحل حراما أو أن يحرم حلالا، مؤكدا بذلك أن إنصاف المرأة وتكريمها يمكن أن يتم من داخل المرجعية الإسلامية دون تعسف أو تطويع أو لي لأعناق الأحكام الشرعية القطعية. وفي مقابل الأسلوب التهريبي الذي اعتمده الذين أعدوا الخطة حيث تم إعدادها في جنح الظلام من لدن بعض الجمعيات ذات التوجهات النسوانية المتطرفة وبمباركة من كاتب الدولة في الأسرة آنذاك، وبعيدا حتى عن أعين الحكومة وفي إقصاء تام للعلماء وللجمعيات النسائية التي لا تشاطر تلك الجمعيات النسوانية توجهاتها المتطرفة، اعتمدت مدونة الأسرة منهجية تشاركية ضمنت مشاركة علماء الشريعة وأهل القانون وأخصائيين من حقول مختلفة فضلا عن الجمعيات النسائية كما استمعت لعدة جهات تمثل حساسيات مختلفة من المجتمع المغربي، مما جعلها تنجح حيث فشلت الخطة المعلومة أي في نيل إجماع الشعب المغربي . وفي مقابل المقاربة الأحادية المتمركزة حول الأنثى المحكومة بنفس صراعي بين الجنسين وتجعل قضية التنمية قضية نسائية بالدرجة الأولى، جاءت مدونة بمقاربة مندمجة تركز على الأسرة وتسعى أن تقيم التوازن بين جميع مكوناتها دون أن يكون تحقيق حقوق المرأة على حساب حقوق الرجل أو الطفل أو على حساب الأسرة والعكس صحيح. وهو ما لم يكن متحققا في الخطة المعلومة لكونها انطلقت من المقاربة حسب النوع ليس فقط كمقاربة إجرائية تعتمد نوعا من التمييز الإيجابي لصالح المرأة مما لا يمكن أن يكون ضده أي عاقل أو من يحرص على كرامة المرأة و تطوير أوضاعها والرقي بها إلى المستوى الذي وضعه فيه الإسلام منذ أول يوم ولكن كرؤية فلسفية أو لنقل كرؤية للعالم متمركزة حول الأنثى، بلورتها الحركات النسوانية المتطرفة في الغرب التي ظهرت كرد فعل على رؤيا أخرى كانت سائدة في العالم هي الرؤيا المتمركزة حول الذكر أو ما يسميه البعض بالنزعة الذكورية. وليس الأمر أفضل حالا بالنسبة لما سمي ب الإستراتيجية الوطنية للإنصاف والمساواة ، التي قامت على نفس الأسس المنهجية المرجعية وعلى نفس المقاربة، بحيث يمكن أن نقول إن الإستراتيجية هي محاولة جديدة لإدخال الخطة المعلومة من نافذة كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين وتسريبها من داخل معطف استقلالي بعد فشل وزير الخطة المخلوع والجمعيات النسوانية التي كانت تنسق معه في تمريرها واستغفال المجتمع المغربي بكل مكوناته، فعاودت نفس الجمعيات الكرة بعد تنقيح الخطة المعلومة تقديمها تحت إسم براق جديد هو الإستراتيجية الوطنية للإنصاف والمساواة باعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج التنمية، وتسعى كتابة الدولة اليوم إلى تمريره من خلال دعوة الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية إلى استشارة شكلية متأخرة ، وهو ما يجعلنا ندعو إلى فتح حوار وطني بناء لاستجلاء المضمرات الثقافية والفلسفية لمقاربة النوع الاجتماعي وتضميناتها الخطيرة على التماسك السري والاجتماعي وعلى حقوق المرأة نفسها وإمكانيات إنصافها وتكريمها ضمن مقاربة تكاملية شمولية ينخرط فيها المجتمع بكاملة ويستفيد منها المجتمع بكامل مكوناته بعيدا عن أي تجزئ أو تعسف أو صراع أو تشنج .