لقد انتصرت الإصلاحات التي أدخلت على مدونة الأحوال الشخصية لتصبح مدونة الأسرة للمقاربة حسب الأسرة لا المقاربة حسب النوع، وذلك حينما اعتبرت، كما جاء ذلك في الخطاب الملكي بأن المدونة هي مدونة للأسرة بجميع عناصرها وليسا مدونة خاصة بالمرأة، وذلك في عرضه للمبادئ والمرجعيات التي انبنت عليها الأإصلاحات الجديدة إذ قال: عدم اعتبار المدونة قانونا للمرأة وحدها، بل مدونة للأسرة، أبا وأما وأطفالا، والحرص على أن تجمع بين رفع الحيف عن النساء، وحماية حقوق الأطفال، وصيانة كرامة الرجل. فهل يرضى أحدكم بتشريد أسرته وزوجته وأبنائه في الشارع، أو بالتعسف على ابنته وأخته؟. ومن الواضح أن الأمر يتعلق برؤيتين فلسفيتين مختلفتين، رؤية تقوم على إعطاء الأولوية للأسرة وإلى كل أعضائها ومكوناتها في تكاملها وانسجامها مع اعتبار التنوع في الوظائف والمهام، بينما تتأسس المقاربة حسب النوع على اعتبار مفاهيم الأمومة والأبوة والذكورة والأنوثة مفاهيم تعكس أدوار تدرب الناس عليها داخل المجتمع، وهي أدوار وجب استنفاذها لإقامة مجتمع متحرر من القيود والروابط البالية، لقد أكدت خطة إدماج المرأة في التنمية السابقة تبنيها للمقاربة النوع حينما صرحت قائلة: يبدو من خلال تشخيص المجالات ذات الأولوية ومن خلال تجارب أخرى أنم إدماج المقاربة حسب النوع أمر ضروري بالنسبة لتطبيق خطة العمل الوطنية لإدماج النساء في التنمية من طرف الحكومة (ص: 24 من نص الخطة). وقد يظن البعض أن الخطة قد تبنت المقاربة المذكورة كمقاربة إجرائية لتحليل وضعية المرأة ولتقديم بعض المقترحات في إطار ما يسمى بـ التمييز الإيجابي وهو التمييز الذي لا اعتراض عليه، بل نرى أنه أداة لإزالة كثير من مظاهر الحيف الحاصل اليوم على المرأة وإعادة الاعتبار لها ولتكريمها كما جاء بذلك الإسلام. لكن المتأمل بعمق في الخطة المذكورة سيلاحظ أن المقاربة حسب النوع لا تقف عند حدود التوظيف الإجرائي بل هي فلسفة كاملة نجدها في ثنايا لغة الخطة وفي مقترحاتها. فإذا كانت مرجعية بيكين التي اعتمدت فلسفة النوع تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والاسرة نجد أن الخطة تستعير نفس اللغة عندما تؤكد قائلة: تقدم مدونة الأحوال الشخصية على أسس إيديولوجية أبيسية تضمن للزوج مجموعة من الامتيازات وتجعل العلاقة الزوجية غير مستقرة (ص: 120. وتفتري الخطة من نفس المنطلق على الأسرة على مدونة الأحوال الشخصية حين تدعي بأنها تحصر مسؤولية الزوجة في التدبير المنزلي وكأنها تكرس دونية النساء ولا تعترف بقدراتهن إلا داخل المجال العائلي وفي حدودهن البيولوجية، والمنزلية مع ما في ذلك من نظرة إلى دور الأمومة والوظيفة التربوية للمرأة بنوع من الازدراء. ولئن كانت لبعض مطالب النساء وبعض أنصار الخطة مبررات موضوعية تستند إلى كثير من مظاهر الظلم الحاصل فعلا على المرأة، فإن كثيرا مما طرحته من مشكلات هي مشكلات ذهنية ناشئة عن تبني المقاربة حسب النوع، والدليل البارز على ذلك تضخيم قضية الرفع من سن الزواج إلى السنة الثامنة عشرة، في حين يدل الواقع العلمي أن متوسط سن الزواج في المغرب بالنسبة للفتيات يتجاوز 26 سنة، كما أن التحولات التي يعرفها العالم القروي مع تمدرس الفتاة تتجه عمليا إلى رفع سن الزواج. ونفس الشيء بالنسبة للتعدد حيث يكاد يكون شبه مستحيل من الناحية العملية. ويمكن أن نؤكد نفس الأمر فيما يتعلق بالولاية التي لم تكن حتى في مشروع مدونة الأحوال الشخصية ولاية إجبار أو عضل، وإن كان من شيء في ذلك فقد كان في التطبيق والممارسة لا في النص نفسه، وهو ما يؤكد أن القضية كانت معركة ثقافية من أجل إحلال مفاهيم وعلاقات مستمدة من المقاربة حسب النوع. ولقد جاءت التعديلات الأخيرة كي ترجح المقاربة حسب الأسرة على المقاربة حسب النوع وذلك مما كانت تؤكد عليه الحركة الإسلامية وحزب العدالة والتنمية ويلحان عليه، فتبين من ذلك أن الأمر يتعلق بنصين مختلفين ومرجعيتين مختلفتين وسياقين مختلفين.