يعتبر الدكتور جعفر هادي حسن من الأكاديميين المتخصصين في القضية اليهودية والصهيونية والملمين بها. في هذا الحوار يلقي الأضواء الكاشفة على حقيقة الصراع الدائر بين العلمانيين والمتدينين والفرق الدينية اليهودية والأحزاب اليهودية الموجودة في الكيان الصهيوني أو في الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما يتطرق الأستاذ جعفر هادي حسن إلى معاناة اليهود المغاربة داخل الكيان الصهيوني وإلى التحالف الحاصل حاليا بين الصهيونية والمسيحية اليمينية الأمريكية. وهذا نص الحوار الشامل معه: هل تقوم الدولة اليهودية على رؤية دينية؟ لا تقوم الدولة اليهودية على رؤية دينية، ومؤسسوها لم يستولوا على فلسطين بسبب معتقد ديني لأن الغالبية العظمى منهم لم يكونوا يؤمنون باليهودية كدين سماوي حتى أن هؤلاء رفضوا إضافة كلمة الرب عندما اقترحها المتدينون أن تكون في ما يسمى ببيان الاستقلال. وقوانين الدولة اليهودية اليوم هي قوانين غير معتمدة على الشريعة اليهودية بل هي قوانين يشرعها الكنيست (البرلمان). ومنذ بداية ظهور الدولة وافق بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل على أن تكون بعض القضايا المدنية تحت سيطرة اليهود الأرثوذكس مثل الزواج (ليس هناك زواج مدني في إسرائيل) والطلاق والاعتراف بيهودية اليهودي. وكذلك وافق بن غوريون على أن يكون السبت عطلة رسمية وكذلك المناسبات الدينية الأخرى. وكان بن غوريون قد وافق لهم على تأجيل طلاب المدارس الدينية من الخدمة في الجيش، وهؤلاء اليهود الأرثوذكس بعضهم متشدد في معتقده وممارسته الدينية ويسمى هؤلاء حريديم (من الجذر العبري حرد الذي يعني (ارتجف خوفا من الرب)، وبعضهم أقل تشددا ويسمون بالعبرية داتيم (متدينين). واليهود الأرثوذكس اليوم قوة عددية في إسرائيل ولهم تأثير اقتصادي وسياسي كبير وأصبح لهم مدن خاصة بهم مثل مدينة بني برق. ولليهود الأرثوذكس مدارسهم الخاصة بهم ومؤسساتهم التربوية والاجتماعية. هل توجد فرق متعددة بين اليهود وماهو الاختلاف بينها؟ يبدو اليهود لغيرهم بأنهم طائفة واحدة ولكن من ينظر إليهم عن قرب يكتشف أن هناك فرقا ومجموعات متعددة ومختلفة. وبعض هذه الفرق قديم وبعضها حديث. وقبل الدخول في الحديث عن هذه الفرق أود أن أذكر بأن فرقة اليهود الأرثوذكس تعتبر نفسها الممثل الحقيقي للدين اليهودي التاريخي حيث توارثته عن الأجداد. وهذه الفرقة لا تعترف ببقية الفرق الأخرى وتعتبرها خارجة عن اليهودية، واليهود الأرثوذكس يمثلون حوالي 41% من مجموع يهود العالم ولكنهم أصحاب تأثير كبير خاصة في إسرائيل حيث هم المسؤولون عن الشؤون الدينية. ويتميز أتباع هذه الفرقة في أنهم أكثر تشددا في الممارسة الدينية وتطبيق الشريعة اليهودية حيث يطبقون أوامرها ونواهيها بكل تفصيلاتها وحذافيرها كما يفهمونها هم. كما أنهم يؤمنون بأن التوراة كلها بكلماتها وحروفها قد أنزلت على موسى وأوحيت له من قبل الرب ولم يزد عليها ولم ينقص منها شيء وهي معصومة من الخطأ. كما يؤمن هؤلاء بقدسية التلمود وأنه هو الكتاب الثاني في قدسيته بعد التوراة، بل إنهم يطلقون عليه اسم التوراة الشفوية أي أنه أوحي به ونقله الأجداد شفاها ثم وضع في كتاب. ومن اليهود الأرثوذكس مجموعة تطلق على نفسها اليهود المحدثون وطريقتهم في تطبيق الشريعة اليهودية تعد مذهبا، ولكنهم أخذوا يبتعدون شيئا فشيئا عن الاتجاه العام لليهود الأرثوذكس وليس بعيدا أن يصبحوا فرقة مستقلة في المستقبل. أما الفرق الأخرى، فبعضها قديم وبعضها حديث. وأهم الفرق القديمة هي فرقة اليهود القرائين. وكانت هذه الفرقة قد نشأت في بغداد في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي. وكان الذي أنشأها عالم يهودي اسمه عنان بن داود وكان عنان قد رفض قدسية التلمود واعتبره كتابا كبقية الكتب ألفه الحاخامون ومن اختلافاته مع اليهود الأرثوذكس أن يعترف بيهودية اليهودي الذي ولد لأب إلى جانب من ولد لأم. كما حرم الزواج من بنت الأخ وبنت الأخت كما أن عدد صلاتهم يختلف عن اليهود الأرثوذكس إلى غير ذلك من اختلافات كثيرة. ومنذ نشأتها أصدر الحاخامون قرارا بإقصائه من اليهودية وحرموا الزواج من فرقته والتعامل معها ومازال هذا الأمر باقيا إلى اليوم. ويوجد الغالبية العظمى من القرائين في إسرائيل ويقدرون بعشرات الآلاف. وفي بداية القرن التاسع عشر ظهرت فرقة جديدة في ألمانيا حيث اعتقد مجموعة من اليهود في ألمانيا بأن اليهودية يجب أن تصلح حتى تكون ملائمة للعصر الحديث فهي قد مر عليها أكثر من ألفي سنة ولابد من تجويدها ومنذ قرنين وهذه الفرقة مستمرة في تطبيق اصلاحاتها ولذلك سميت فرقة اليهودية الإصلاحية وهذه الفرقة لا تؤمن بعصمة التوراة وتعتقد بوجود أخطاء وتناقضات فيها كما أنها لا تعتقد بقدسية التلمود تجيز أن تكون المرأة حاخامة تؤم الصلاة وتقوم بأداء عقود الزواج والطلاق إلى غير ذلك. ويوجد أكثر أتباع هذه الفرقة الذين يزيد عددهم علي المليون ونصف في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي بداية القرن العشرين انشقت مجموعة من هذه الفرقة وأطلقت على نفسها اليهودية المحافظة والفروق ليست كثيرة بين الفرقتين إلا أن اليهودية المحافظة ترى أن الوحي مازال مستمرا ولم ينقطع، وأحكام هذه الفرقة أقل تحررا من الفرقة الأم، ويوجد أتباع هذه الفرقة في الولاياتالمتحدة أيضا وعدد أتباعها أكثر من عدد أتباع اليهودية الإصلاحية. وللفرقتين نشاط صهيوني كبير وهما ممولان رئيسان لإسرائيل. وهناك فرقة أخرى خرجت من فرقة اليهودية المحافظة تسمى فرقة إعادة بناء اليهودية وهي فرقة تتميز بأنها لا تعتبر اليهودية شريعة فقط وإنما تضم أشياء أخرى غيرها كالأدب والموسيقى والأغاني والتقاليد الشعبية والشريعة اليهودية هي جزء من هذه اليهودية. وهي أيضا لا تعتقد بعصمة التوراة ولا بقدسية التلمود وتعترف بيهودية من ولد لأب يهودي أيضا. وهذه الفرقة تعتبر فرقة صغيرة إلى حد ما حيث لا يزيد أتباعها عن ثلاثين ألفا. وموطن هذه الفرقة اليوم هو الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث عاش وتوفي مؤسسها الحاخام فرد خاي قبلان، وكانت هذه الفرقة قد ظهرت في منتصف القرن الماضي. ومن هذه الفرق فرقة اليهود اليسوعيين (نسبة إلى اليسوع عيسي) وما يميز أتباع هذه الفرقة هو أنهم يؤمنون باليهودية كشريعة وتقاليد ويؤمنون أيضا بعيسى كنبي ومخلص ظهر سابقا وسيظهر مرة أخرى ويخلص العالم من شروره.ومعروف أن كل اليهود لا يعترفون بعيسى نبيا بل ولا ممارسا لليهودية، وكان ظهور هذه الفرقة في بداية القرن العشرين، ولكن أتباعها يعتقدون بأن أصول فرقتهم تعود إلى القرن الأول الميلادي حيث كان هناك يهود آمنوا برسالة عيسى أيضا، ولهؤلاء اليوم معابدهم الخاصة بهم وفقههم وأكثر ما يوجدون اليوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف ويحاربهم اليهود الأرثوذكس بشدة ويصدرون البيانات دائما ضدهم. ومن الفرق الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين فرقة تتميز في أنها تؤمن بأن اليهودية هي من نتاج اليهود كبشر (ولذلك تسمى باليهودية البشرية) وليس هناك أوامر أو نواه الاهية وإنما اليهود أنفسهم هم الذين وضعوها. وهم كذلك ينكرون تاريخية خروج اليهود من مصر وينكرون وجود إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان. وكان الحاخام شيرون هو الذي أسس هذه الفرقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في القرن الماضي ولهذه الفرقة كنيسها ومؤسساتها وهي منتشرة في أمريكا وأوربا ويصل عدد أتباعها إلى ما يقرب من ثلاثين ألفا، ولها مراكز في إسرائيل أيضا. وهناك فرق من إثنيات أخرى مثل فرقة يهود أثيوبيا التي تسمى الفلاشا وهناك فرقة اليهود العبرانيين الإسرائيليين وهي أفرو-أمريكية يصل عدد أتباعها في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى عشرات الآلاف، ويوجد بضعة آلاف منهم في إسرائيل، بينما يوجد أكثر اتباع فرقة الفلاشا في إسرائيل حيث يصل عددهم إلى سبعين ألفا. ومن هؤلاء مجموعة تسمى الفلاشا مورا الذين يعتقدون بأن أصولهم يهودية ولكن المبشرين حولوا أجدادهم في أثيوبيا إلى مسيحيين. والوكالة اليهودية تهجر هؤلاء تدريجيا إلى إسرائيل بمعدل 200 كل شهر ويبلغ عددهم أكثر من عشرين ألفا. يتردد بين الفينة والأخرى حديث عن صراع بين فئتين داخل المجتمع الصهيوني فئة المتدينين وفئة العلمانيين، ما هي حقيقة الصراع بين العلمانيين والمتدينين وماهي طبيعته؟ هناك اليوم صراع بين هؤلاء المتدينين والعلمانيين في إسرائيل، وهو صراع كان قد بدأ منذ ظهور الدولة وأخذ في الازدياد منذئذ بسبب تزايد أعداد اليهود بالهجرة وبالزيادة الطبيعية عن طريق الإنجاب. وقد كثر عدد العلمانيين في السنين الأخيرة بسبب هجرة حوالي مليون مهاجر روسي أكثرهم غير متدينين. كما أن عدد اليهود الأرثوذكس يزداد كثيرا بالإنجاب حيث يولد للعائلة ما معدله ثمانية أطفال أو تسعة. وزيادة العدد بين الفئتين تزيد احتكاكهما وحدوث المشاكل بينهما. كما أصبح لليهود الأرثوذكس في العقدين الأخيرين ثقل سياسي بسبب الأحزاب التي أنشأوها، وأخذ هؤلاء يطالبون عن طريق هذه الأحزاب بتطبيق الشريعة اليهودية في كثير من مناحي الحياة اليومية وخاصة في السبت. وهذا ما يعتبره العلمانيون تضييقا عليهم وتدخلا في شؤونهم، كما أن المتدينين الأرثوذكس أخذوا يزاحمون العلمانيين في أماكن سكناهم واضطر هؤلاء إلى المغادرة إلى أماكن أخرى كما حدث ويحدث في القدس. ومن مظاهر الصراع بين الفئتين تهجم المتدينين على العلمانيين في أدبياتهم واتهامهم بالتخلي عن هويتهم اليهودية وذلك بتخليهم عن الشريعة اليهودية، ويعتبرون هذا سببا في جلب عقاب الرب على اليهود كما يقول هؤلاء. وينظر المتدينون إلى رموز الدولة مثل الكنيست والمحكمة العليا والجيش على أنها تمثل العلمانية التي تخالف الشريعة اليهودية وأن الجيش خاصة الذي يخدم فيه الذكور والإناث هو بؤرة فساد علمانية، ولذلك يرفض هؤلاء تجنيد بناتهم وأولادهم في الجيش. والغالبية العظمى من هؤلاء الأولاد يدرسون في مدارس دينية (شيفوت) حيث تنفق عليها الدولة، وعدم خدمة هؤلاء في الجيش يثير حفيظة العلمانيين وغضبهم خاصة وأن هؤلاء المتدينين يدعون بأن دراستهم الدينية هي التي تحفظ الدولة واليهود من الأذى. ومن مظاهر الخلاف بين الفئتين هو أن الكثير من العلمانيين خاصة اليساريين منهم يؤيدون إنشاء دولة فلسطينية وهو ما يرفضه معظم المتدينين الذين يعتقدون بأن إرجاع الأراضي إلى الفلسطينيين مخالف للشريعة اليهودية. وكما ذكرت فإن هذا الصراع مستمر وهو يشتد يوما بعد يوم حتى أن بعض العلمانيين كانوا قد اقترحوا أن تقسم الدولة إلى قسمين قسم للمتدينين وحدهم والقسم الآخر لغير المتدينين. وهل حقا أن اليهود موحدون أم أن هناك تناحرا وصراعا، أي هل هناك صراع يهودي يهودي وبم يتمثل؟ إلى جانب الصراع العلماني الديني هناك صراع بين الفرق اليهودية نفسها في إسرائيل، فاليهود الأرثوذكس المسؤولون عن المؤسسة الدينية (رئاسة الحاخامية) في إسرائيل لا يعترفون بالفرقة اليهودية الإصلاحية ولا بفرقة اليهودية المحافظة (اللتين يبلغ عدد المنتمين إليهما في الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر من ثلاثة ملايين شخص) وهناك اختلافات كثيرة بين اليهودية الأرثوذكسية والفرقتين الأخريين، ولأن الأولى لا تعترف بيهودية من ينتمي إلى هاتين الفرقتين، فإن أعضاءهما يواجهون مشاكل كثيرة في إسرائيل في قضايا كالزواج والطلاق والدفن ويهودية أبنائهم إلى غير ذلك من قضايا. ويوجد الآلاف من هؤلاء في إسرائيل وتصدر رئاسة الحاخامية بيانات بين فترة وأخرى يحذرون فيها اليهود من الذهاب إلى كنيس هؤلاء والصلاة فيها. كما أن رئاسة الحاخامية لا تعترف أيضا باليهود اليسوعيين وهؤلاء هم يهود ولكنهم يؤمنون بالمسيح عيسى كنبي ومخلص، ويصل أتباع هذه الفرقة في إسرائيل إلى بضعة آلاف. والصراع بين هذه الفرق مازال في بدايته، وهو يزداد كلما ازداد عدد المهاجرين من الفرق الأخرى إلى إسرائيل وهو لاشك سينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي داخل إسرائيل ويخلق مشاكل كبيرة بين اليهود أنفسهم داخل إسرائيل، وهو ما كان قد حدث بينهم قديما. نسمع عن يهود يسمون حراس المدينة ناتوري كارتا، ماذا عن هؤلاء؟ هم من المجموعات الدينية غير الحزبية، وهذه المجموعة موجودة في فلسطين قبل نشوء الدولة. وهي من المجموعات التي رفضت الصهيونية وعارضتها ومازالت، وتعتبرها حركة ضارة بالشريعة اليهودية ومناقضة لها، وبسبب ذلك فإن هذه المجموعة تعارض إقامة دولة يهودية وتعتبر إسرائيل دولة كافرة وليست دولة يهودية لأنها في رأي هذه المجموعة تعوق ظهور المسيح المخلص اليهودي الذي هو في رأيها سينشئ الدولة اليهودية طبقا لشريعة موسى. وبسبب ذلك فهم يحرمون على أنفسهم العمل مع الدولة ولا يشاركون في نشاطاتها بل ولا يشاركون في انتخاباتها. ولهؤلاء مجلس حاخامين وهو الذين يرشدهم ويوجههم، كما أنهم يطالبون بتطبيق الشريعة اليهودية في كل مناحي الحياة وهم يستعملون العنف أحيانا من أجل ذلك. ويمنعون غير المتدينين من الدخول إلى مناطقهم ويضيعون إعلانات بهذا الشأن في الأماكن العامة والشوارع. ولهؤلاء مدارسهم الخاصة بهم. وهم في الغالب لا يأخذون أموالا من الدولة لمدارسهم بل إن الجماعة نفسها هي المسؤولة عن التمويل. وهم لا يدرسون الموضوعات غير الدينية في مدارسهم مثل التاريخ ويحرمون تدريس اللغات الأجنبية وهم يتكلمون اليديش في حياتهم اليومية ويعتبرون الكلام باللغة العبرية محرما لأن العبرية في رأيهم لغة مقدسة. ولهذه الجماعة محكمتها الخاصة بها. وهم لا يأكلون طعاما إلا ما تجيزه لهم محكمتهم وليس غيرها. ويتزوجون فيما بينهم ولا يزوجون شخصا من خارج الجماعة. وبالنسبة للقضية الفلسطينية فإنهم يؤيدون دولة فلسطينية، بل إنهم يريدون أن تقوم دولة للعرب واليهود على أرض فلسطين، ولهم علاقة ممتازة بالفلسطينيين وهم يتظاهرون دائما ضد وجود إسرائيل كما أنهم ينشرون بعض الأدبيات التي تعرض أفكارهم ومواقفهم. نحن هنا في المغرب، نولي اهتماما كبيرا للقضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني لها، وهناك يهود مغاربة غرر بهم وهجروا إلى هذا الكيان، أسألك فضيلة الأستاذ عنهم، كيف هو حال اليهود الشرقيين وخاصة المغاربة؟ غالبا ما يقسم المجتمع اليهودي الاسرائيلي إلى شريحتين رئيسيتين هما اليهود الاشكنازيم واليهود السفارديم وبينهما اثنيات صغيرة أخرى مثل الفلاشا والقوقاز وغيرهما ويطلق الأشكنازيم على اليهود ذوي الأصول الأوروبية والسفارديم على غيرهم من أصول شرقية. ولكن الأفضل والأصح أن يطلق الاسم الشرقيون على من يسمون السفارديم وهم اليوم يهود الدول العربية وإيران وأفغانستان وغيرها. لأن سفارد اسم يطلقه اليهود عادة على شبه جزيرة إيبريا. تقصد إسبانيا والبرتغال.. أجل، سفارديم أصلا تطلق على اليهود من شبه جزيرة إيبريا. وكان يهود البلاد العربية قد وصلوا إلى إسرائيل بعد ظهور الدولة بفترة قصيرة. ولما كانت الدولة غير مستعدة لإسكان مئات الآلاف في بيوت مناسبة فقد وضعوا في بيوت موقتة وتكونت من هذه البيوت شبه مدن كبيرة سميت (معبروت) (انتقالية)، وكانت هذه المجمعات مزدحمة ووسائل العيش والراحة فيها بدائية. كما كان هؤلاء اليهود يعاملون من قبل موظفي الوكالة اليهودية الذين كانوا في الغالب أوروبيين معاملة قاسية تتسم بالتعالي والإهانة. كما كانوا يستهزئون بالسلوك الديني للمهاجرين ويجبرونهم علي مخالفة الدين بإجبارهم على أكل اللحم غير الحلال وقص جدائلهم ونزع الغطاء (القلنسوة)من رؤوسهم. وكان يهود اليمن قد اشتكوا من ذلك كثيرا. كما أن يهود اليمن مازالت عندهم مشكلة قديمة مر عليها خمسون سنة ومازالت لم تحل إلى الآن. فهؤلاء يتهمون الموظفين المسؤولين في هذه المجمعات الانتقالية بأنهم سرقوا منهم آلاف الأطفال عند ولادتهم من المستشفيات وأعطوهم ليهود آخرين، ومازال هؤلاء يطالبون بالتحقيق في هذه القضية وكشف الحقائق عنها. وكنت قد كتبت أكثر من مقال عن هذا الموضوع. وكيف يعامل اليهود المغاربة في إسرائيل؟ معاملة اليهود المغاربة لم تكن تقل سوءا عن معاملة اليهود الشرقيين الآخرين، وقد عرض قبل سنتين فيلم وثائقي في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي عن هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل وكان عنوان الفيلم الرياح القديمة، التاريخ المغربي وعرض الفيلم في أربع حلقات، وقد تطرق إلى حياة اليهود في المغرب قبل هجرتهم ووصفها بأنها كانت حياة مريحة تتسم بالأمن والسلام. وقد انتقد الفيلم معاملة يهود المغرب في إسرائيل حيث عوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية وأوكلت لهم أعمال دونية لخدمة الأشكنازيم ومصالحهم السياسية. وقد أدلى بعض الشخصيات اليهودية المغربية بشهاداتهم وذكروا تجاربهم التي مروا بها والمعاملة السيئة التي كانوا يلقونها من الأشكنازيم. وكان من الذين أدلوا بشهادتهم شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق. وطبقا لما ورد في الفيلم فإن اليهود الأشكنازيم سخروا من ثقافة المغاربة وحاولوا تدمير هويتهم وشخصيتهم، وأثاروا الأبناء ضد الآباء كما شجعوا الثقافة الأحادية وهي الثقافة الأشكنازية العلمانية كي تدخل في وجدان اليهودي المغربي. ويشعر أولاد وأحفاد يهود المغرب بالحيف والظلم التاريخي الذي لحق بهم من قبل الأشكنازيم. وقد أثار الفيلم جدلا ونقاشا استمر لفترة طويلة بين الفئتين، وقد علق اليهودي المغربي دانيال بن سيمون (وهو صحفي ومؤلف) أنه من الممكن أن يتغاضي اليهود المغاربة بعد طول هذه الفترة عما حدث، ولكن هناك شعور بالألم بينهم بل وبين كل اليهود من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وإذا لم تسمع إسرائيل لهذه الآلام فإنها تنتهي. وقال: إنه ليس مهما أن يكون بعض الوزراء في الحكومة من اليهود الشرقيين بل المهم أن يصبح هؤلاء جزءا من البلد وجزءا من المؤسسة. ومنذ الثمانينيات أخذ اليهود المغاربة ينشئون أحزابا مثل حزب شاس ومنظمات مثل منظمة قوس قزح التي تطالب بالمساواة والعدالة بين اليهود الشرقيين والغربيين. كما كتب الكثير من اليهود الشرقيين روايات وقصص تعبر عن غضبهم للتجربة السيئة التي مروا بها عند قدومهم إلى إسرائيل ولكن أكثر اليهود الشرقيين في مدن التطوير، وهي مدن من الدرجة الثانية في إسرائيل. اسمح لي بالانتقال إلى محور آخر لا يقل خطورة وأهمية، ويتعلق بالمسيحية والصهيونية والتداخل والتحالف بينهما حاليا في الإدارة الأمريكية، فاليمين المسيحي يؤمن بقيام إسرائيل ولكنه أيضا يؤمن بضرورة إدخال اليهود في الدين المسيحي كيف ينظر اليهود إلى ذلك؟ المسيحيون الصهيونيون (هم سموا كذلك لأنهم يؤمنون بالفكر الصهيوني على أساس ديني) يعتبرون وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود تحقيقا لما جاء من نبوءات في الكتاب المقدس وكذلك يعتبرون ظهور إسرائيل كدولة ضمن هذا السياق وأيضا حرب عام 1967 التي احتلت فيها إسرائيل مناطق واسعة من الأراضي العربية. وطبقا لتأويلاتهم لعبارات في الكتاب المقدس فإن هؤلاء يعتبرون وجود إسرائيل كدولة مقدمة لابد منها تسبق الظهور الثاني للمسيح عيسى الذين ينتظرونه. ولذلك هم يساعدونها ماديا ويؤيدونها سياسيا ويعتبرون أعداءها أعداءهم، ولابد أن نذكر هنا بأن ما يقول به هؤلاء إنما هو مبني على تأويلات قابلة للرد والنقض. وأكثر المسيحيين الآخرين لا يقولون بذلك ولا يؤمنون به. وأكثر المسيحيين الصهيونيين يعتقدون بأن اليهود سيقبلون رسالة عيسى ويؤمنون به عندما يظهر مرة أخرى، وبعضهم يقول إنه بعد حدوث معركة الهرمجدون قبل ظهور عيسى الثاني سيقتل نصف اليهود والنصف الآخر الذي سيبقى سيؤمن برسالة عيسى. وبعض هؤلاء يقول بضرورة التبشير بين اليهود ليعتنقوا المسيحية من أجل خلاصهم، وهذا يثير غضب اليهود. كيف يستقبل اليهود هذا؟ نظرة اليهود إلى كل هذا ليست واحدة، فاليهود الأرثوذكس (متشددون وغير متشددين) يرفض ما يقوله هؤلاء ويعتبرونه إهانة لهم ولدينهم ولذلك فإنهم لا يقبلون مساعدتهم ويرفضون التعاون معهم إلا بعض الأفراد. ولكن أكثر اليهود لا يهتمون بما يقول به هؤلاء بل ويعتبرون أقوالهم سخفا من القول. والمهم عندهم الحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع المادية والمعنوية وهذا هو رأي السياسيين في إسرائيل العلمانيين والقوميين مثل ييريز وشارون ونتنياهو. ما هي نقاط الاتفاق بين المنظمات اليهودية المتطرفة والمسيحيين الصهيونيين؟ تتفق المنظمات المسيحية الصهيونية والجماعات اليهودية المتطرفة على نقاط كثيرة وأهم هذه النقاط هو العمل المستمر والمثابر للاستيلاء على كل فلسطين. ومن أجل هذا تصرف المنظمات المسيحية أموالا طائلة كثيرة على توسعة المستوطنات الحالية وبناء مستوطنات جديدة. كما أنهم يقومون بالتعاون مع الجماعات اليهودية المتطرفة -مثل عطرة كهونيم (تاج الكهنة)- في الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين بالغش أو الخداع أو القوة خاصة في مدينة القدس. كما أن هذه المنظمات والجماعات تتعاون على جلب اليهود وإسكانهم في الأراضي المحتلة والذين ينفقون على ذلك هم المسيحيون الصهيونيون. وكان لهؤلاء دور كبير في جلب مليون مهاجر روسي إلى إسرائيل في السنوات القليلة الماضية. وقد تخصص عمل بعض المنظمات المسيحية في جلب المهاجرين إلى إسرائيل حتى لو كان هؤلاء مشكوكا في يهوديتهم، وعمل هؤلاء يعتمد على تأويلات لبعض عبارات الكتاب المقدس في أن جمع اليهود في فلسطين يعجل بظهور عيسى مرة أخرى. وتتعاون المنظمات المسيحية هذه مع المنظمة اليهودية المتطرفة المعروفة باسم منظمة أمناء جبل الهيكل على الإنفاق والتخطيط لتهديم المسجد الأقصى وبناء ما يسمى الهيكل اليهودي الثالث. وعملية التخطيط هذه قائمة اليوم على قدم وساق. وقد أنشئت مؤسسات من أجل هذا الغرض، وأهم هذه المؤسسات معهد اسمه معهد الهيكل حيث تعرض فيه الأدوات التي ستستعمل في الهيكل المقبل وملابس الكهنة والمنوراة (الشمعدان) الضخمة الذهبية التي ستكون في وسطه، وهؤلاء اليهود يعتقدون بأن الهيكل اليهودي كان مكان الحرم القدسي الشريف ولذلك يجد تهديمه وبناء الهيكل مكانه. ويعتقد اليهود المتطرفون أن بناء الهيكل اليهودي يجب أن يسبق ظهور المخلص اليهودي ولذلك يجب بناؤه حتى يكون مهيئا لظهوره. والمسيحيون الصهاينة يعتقدون أيضا بأن بناء الهيكل الثالث هو أيضا مقدمة للظهور الثاني للمسيح عيسى. ومعروف أن هذه الآراء معتمدة على تأويلات ليس لها نصيب من الصحة بل هي إيدلوجية سياسية مغلفة بتأويلات دينية، وأغلب المسيحيين لا يؤيدونها كما ذكرت ويتفق المتطرفون المسيحيون واليهود على اعتبار الفلسطينيين عدوا، فاليهود المتطرفون يعتبرون الفلسطينيين عائقا أمامهم للاستيلاء على ما يقولون أنها أرضهم على الرغم من أن سكان الأرض الأصليون هم الفلسطينيون واليهود هم القادمون إليها من الخارج. وينظر هؤلاء اليهود إلى الفلسطينيين على أنهم أحفاد العماليق الذين جاء ذكرهم في التوراة كأعداء لبني إسرائيل يلاحقونهم ويؤذونهم بعد خروجهم من مصر. وينظر هؤلاء إلى كل من يقاومهم على أنه من أحفاد هؤلاء العماليق. وقد جاء عن هؤلاء في سفر الخروج وقال الرب لموسى: اكتب هذا ذكرا في كتاب وضع في أذني يشوع أني سأمحو ذكر عماليق محوا من تحت السماء... وبنى موسى مذبحا وسماه الرب رايتي قال إن يدا قد ارتفعت على عرش الرب والحرب قائمة بين الرب وعماليق من جيل إلى جيل ولذلك فإن قتل الفلسطينيين عند هؤلاء لا يثير فيهم وخزة ضمير. وقد قال أحد حاخامي هؤلاء بأن المقبوض عليهم من الفلسطينيين المقاومين يجب أن تجرى عليه التجارب العلمية كالحيوانات. والمسيحيون الصهيونيون يعتقدون بأن العرب هم أعداء لشعب الله المختار (اليهود) ومن يؤذيهم يؤذي الرب كما يقولون وهؤلاء يقومون بكل ما يستطيعون لإيذاء العرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا من خلال جماعات الضغط في الولاياتالمتحدةالأمريكية. أجرى الحوار: حسن السرات جعفر هادي حسن سيرة ذاتية مختصرة حاصل على البكالوريوس (ليسانس) من جامعة بغداد باللغة العربية والعلوم الإسلاميةحاصل على الماجستير من جامعة بغداد باللغة العربيةحاصل على البكالوريوس (ليسانس) (شرف) من جامعة مانشستر (بريطانيا) باللغات السامية (عبرية ارامية سريانية فينيقية) حاصل على الماجستير باللغة العبرية والدراسات اليهودية والدكتوراه في الموضوع نفسه من جامعة مانشستر أيضا. كان أستاذا في جامعة مانشستر ومغيل وسالفورد والجامعة العالمية للعلوم الإسلامية (لندن) ورئيس قسم اللغة العربية في الكلية الإسلامية للدراسات العليا (لندن) وهو الآن رئيس مركز اللغة العربية (لندن) عضو الجمعية البريطانية للغويين وجمعيات أخرى كثيرة له كتاب اليهود الحسيديم وفرقة الدونمه بين اليهودية والإسلام وفرقة اليهود القرائين وهو بصدد نشر كتاب جديد نشر مئات الدراسات باللغة العربية والإنكليزية طلب منه كتابة أكثر من موضوع لدائرة المعارف الإسلامية (تركيا) ونشر منها موضوعان إلى الآن. يدعى كثيرا لإلقاء محاضرات عامة وكان آخرها محاضرة في مجلس اللوردات البريطاني وله مشاركات كثيرة في الفضائيات ومقابلات باللغة الانكليزية أيضا.