ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطبيع مع إسرائيل وما جناه على الأمة الإسلامية
1/2
نشر في العلم يوم 23 - 01 - 2009

التطبيع مع اليهود هو أصل البلايا التي عاشها ويعيشها العالم الإسلامي وخاصة فلسطين التي تجني ثماره المرّة قبل غيرها من البلدان الإسلامية.
هذا هو الموضوع الذي تناوله بكثير من الموضوعية والغيرة والدقّة الأستاذ مصطفى الحيا في كتابه «وجاء دور التطبيع: دراسة وثائقية في الاختراق الصهيوني الحديث» الصادر عن منشورات الجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك، (مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الأولى 1995). والذي قسمه إلى خمسة فصول: التطبيع من اللغة إلى الاصطلاح التطبيع بين الرفض الإسلامي والقبول العلماني: حماس ومنظمة التحرير نموذجين التطبيع وحكاية الدعم الأمريكي لإسرائيل من ويلسون إلى كلينتون التطبيع وتاريخ الاتصالات المغربية الإسرائيلية التطبيع والدور المطلوب للحركة الإسلامية.
ومن أجل فهمٍ قويمٍ لموضوع هذا الكتاب قدّم المؤلف التصوّر الصحيح للموقف من اليهود واليهودية حيث قال: «إن مشكلتنا مع اليهود ليست مشكلة عرقية ورفضنا لهم ليس رفضاً عرقياً فهناك يهود أسلموا وحسن إسلامهم كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو صحابي جليل وصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين. لكننا لسنا ممن يفرق اليوم بين اليهودية والصهيونية. ولسنا مستعدّين للتفريق بين اليهودية والصهيونية إلا على أساس أن تكون اليهودية التي نفرّق بينها وبين الصهيونية هي اليهودية الصحيحة وليست هي اليهودية المحرفة والموجودة بين ظهرانينا اليوم والتي قامت عليها الصهيونية. ففكرة شعب الله المختار موجودة في التوراة والتلمود، وقل مثل ذلك في كل الأفكار الصهيونية. فالمسلمون يعتقدون أنهم لا يكمل إيمانهم إلا إذا آمنوا بموسى عليه السلام وسائر أنبياء بني إسرائيل المبعوثين فيهم، ولا يكمل إيمانهم إلاّ إذا آمنوا بالتّوراة وبالكتب والزبر المنزلة على هؤلاء الأنبياء. والقرآن هو أوّل وثيقة أثبتت أن اليهود قد حرفوا دينهم وأدخلوا فيه ما ليس منه وحرفوا الكلم من بعد مواضعه. ومع ذلك فهم
يدخلون في عموم أهل الذمة، وأسعد فترة قضاها اليهود في تاريخهم الطويل هي الفترة التي حكم فيها المسلمون، أما سائر الأقوام والأمم الأخرى فكلها اضطهدتهم وعذبتهم... لكن الإسلام ظل يفرق دائما بين أمرين: بين أن يعيش اليهود في ظل المجتمع الإسلامي لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات وبين أن يولوا الولايات السياسية والمالية والعسكرية. وظل يقول للمسلمين بأن «اليهود أهل ذمّة نبيكم ولكن لا تولوهم المناصب الحساسة» جاء في كتاب المعيار للونشريسي الفقيه المالكي الكبير ما يلي: «سئل الإمام النووي رحمه الله عن يهودي ولي صرفا ببيت مال المسلمين، ليزن الدراهم المقبوضة والمصروفة وينقدها، ويعتمد في ذلك على قوله، هل تحل توليته أم لا؟
فأجاب: لا تحل تولية اليهودي ذلك، ولا يجوز إبقاؤه فيها، ولا يحل اعتماد قوله في شيء من ذلك، ويثاب ولي الأمر وفقه الله تعالى باستبدال ثقة مسلم (أي بتعيينه محلّ اليهودي)، ويثاب المساعد في عزله. قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم) إلى آخر الآية. ومعناه: لا تتخذوا من بداخل بواطن أموركم «من دونكم» أي غيركم وهم الكفار (لا يألونكم خبالا) أي لا يقصرون فيما يقدرون على إيقاعه بكم من الفساد والأذى والضرر» (المعيار: 12/376 طبعة وزارة الأوقاف المغربية)»
وأضاف المؤلف: «ولستُ أدري لماذا نسارع فيهم في حين أنهم لم يتنازلوا قيد أنملة عن حقدهم وتعصبهم فاليهود لم يزدادوا إلا كرها للمسلمين بل لغيرهم من بني البشر ولا غرابة فقد جاء في تلمودهم : «إذا لم تستطع أن تؤذي أمميا في جسمه فلا أقل من أن تطأ ظله» وجاء فيه : «إذا رأيت أحداً من الأممين يسقط في حفرة فألق عليه صخرة» (ص 6).
الصديق بوعلام
اليهود يعرفون أنّ الإسلام دينٌ ودولة
وينقل المؤلف هذا المشهد المشين الدال على تهافت كثير من الأنظمة العربية على التطبيع مع العدوّ الصهيوني. قال: «يحكي الأستاذ زياد أبو عنيمة أنه انعقدت في جامعة تل أبيب بتاريخ 19 12 1980 ندوة حول دعم «علاقة السلام» بين مصر وإسرائيل ، وشارك في الندوة مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق وبطرس غالي وزير خارجية نظام أنور السادات، والبروفسور حاييم بن شاهار معيد جامعة تل أبيب والبروفسور شيمون شامير أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والبروفسور دافيد فيتال أستاذ العلوم السياسية.. ونقل من الندوة أهم ما ورد على لسان المشاركين نقتطف منه لضيق المقام ثلاثة تدخلات: الأول لحاييم بن شاهار والثاني للدكتور مصطفى خليل والثالث لدافيد فيتال:
حاييم بن شاهار: «لقد أصبت بخيبة أمل عندما زرت مصر فلم أجد كتابا واحدا عن تاريخ اليهود وحضارتهم وثقافتهم، بينما وجدت مئات الكتب التي تحرض المصريين ضد اليهود، مستندة إلى ما ورد في القرآن من اتهامات ضد اليهود...
مصطفى خليل: «أود أن أطمئنكم أننا في مصر نفرق بين الدين والقومية، ولا نقبل أبدا أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى معتقداتنا الدينية».
دافيد فيتال: «إنكم أيها المصريون أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة ولكنني أحب أن أقول لكم إننا في إسرائيل نرفض أن نقول إن اليهودية مجرد دين فقط، بل إننا نؤكد لكم أن اليهودية هي دين وشعب ووطن» (عداء اليهود للحركة الإسلامية ومصطفى خليل هذا هو الذي صرخ في وجه الصحفيين حينما لاحظ تركيزهم في أسئلتهم له على قضية فلسطين فقال:
«أنا رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين!».
فاليهود يعرفون حق المعرفة أن الإسلام دين ودولة ولكنهم يضحكون على أذقان المسؤولين العرب. وقد دار حوار بين حسن التهامي نائب الرئيس المصري أنور السادات وبين موشي دايان يؤكد هذه الحقيقة. قال حسن التهامي لموشي دايان: «ان القدس للمسلمين وإنك تعرف ذلك فأجابه موشي دايان: نعم إنني أعرف ذلك، ولكنكم لستم أنتم المسلمين، فيوم يأتي المسلمون حقا فسينتصرون علينا أما أنتم فما الفرق بيننا وبينكم؟».
وفي معرض بيان المؤلف للمعاني اللغوية والاصطلاحية للتطبيع أورد ما قاله الدكتور عمر عبيد حسنة: «إن القرآن خاطب يهود البعثة بجرائم آبائهم وأجدادهم وعرض لممارساتهم مع النبوة، ونكولهم للعهد، وتحريفهم للكلمة، وكنزهم للذهب والفضة، وإشاعتهم الربا، والإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، وادعائهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه مع أن المسؤولية في الإسلام فردية (ولاتزر وازرة وزر أخرى) (فاطر/ 18). وكأن هذه الثقافة أو هذه الصفات هي خصائص متأصلة متوارثة الى درجة أصبحت معها وكأنها جبلة لاينفك عنها يهود... وهي سوف تصدق على أحفادهم كما صدقت عليهم وعلى أجدادهم.. وستبقى هذه الخصائص متجذرة وخالدة على الزمن تظهر في أشكال من الصراع والمواجهات وتشتد وتخبو لتأخذ أشكالا من التجسس والتسلل الى الأفكار والأحزاب والتنظيمات وإفساها من الداخل حتى قيام الساعة» (ص 12 13).
وعلق المؤلف على هذا القول بما يلي: «فكيف يتحولون عند بعض بني جلدتنا ممن يتكلمون بلساننا الى متسامحين ومنفتحين بل وعباقرة. وعليه فالتطبيع بهذا المعنى هو أن تصبح علاقة المسلمين باليهود «طبيعية» أي عكس ما جبلوا وفطروا عليه ولكن هيهات فالطبع كما يقول الأستاذ يوسف العظم يغلب التطبع ويسخر من التطبيع. أما عن الطبع بمعنى الختم فاليهود قد طبع الله على قلوبهم (كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين) [الأعراف/ 101] وبهذا المعنى وحده تأتي (طبع) في القرآن الكريم. وبالنسبة للطبع فمن المشهور أن اليهود نجس، وأنهم أهل وسخ ودنس على المستويين المعنوي والمادي: فعلى المستوى المعنوي ما منهم إلا رجل طبعه طمع متدنس العرض ذو خلق دنيئ لايستحيي من سوأة، وأخص خصائصهم في هذا الباب المتاجرة بالجنس والأعراض وعلى المستوى المادي فهم معروفون بين الأمم بوسخ الثياب ومن بين الصفات اللصيقة باليهودي في الأديان الأوروبية صفة اليهودي القذر الى جانب صفة اليهودي الجشع ولذلك برعوا في اختراع أحسن مساحيق النظافة في هذا العصر وقد قيل في المثل «الحاجة أم الاختراع» لذا فمسحوقهم «أرييل» ذي النجمة السداسية والذي يحمل اسم وزير الدفاع
للكيان الصهيوني أرييل شارون يزيل «الطبايع الصعيبة» من الثياب شأنه شأن التطبيع الذي يريد أن يزيل الطبائع الصعبة الراسخة في النفوس المسلمة» (ص 13 14).
أنواع التطبيع
ومن الناحية الاصطلاحية الخالصة يميز المؤلف بين التطبيع السياسي والتطبيع الاقتصادي والتطبيع الثقافي والتطبيع النفسي.
«فالتطبيع السياسي بيد حكام الدول العربية والإسلامية وهو ماض في طريقه لايلوي على شيء، والجهود فيه قائمة على قدم وساق منذ نهاية حرب الخليج.
فالدول العربية التي جمدت مقعد مصر في الجامعة العربية نتيجة توقيعها لمعاهدة كامب ديفيد كلها قد اتجهت الى التطبيع وبصورة أسوأ من الصورة المصرية» (ص 16).وأما التطبيع الاقتصادي فيقول عنه: «ولكن التطبيع السياسي مهما بلغت نسبة إنجازه وتحققه لايكفي وحده بالنسبة لإسرائيل، فلابد من أن يبنى ويؤسس على التطبيع الاقتصادي ليصعب التراجع عنه حتى في حالة غياب حاكم ومجيء آخر حيث يجد الحاكم الجديد البلد مكبلا بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات والتوقيعات التي لايمكن له الفكاك منها بسهولة. وإسرائيل تتلمذ في هذا الجانب على الأستاذ الإستعماري الغربي. يقول الفريق سعد الدين الشاذلي: «ولكي يضمن الاستعمار استمرار سياسته إذا ما اضطر الى الرحيل فإنه عمد خلال فترة احتلاله الى خلق فئة من الكومبرادور. فئة ترتبط فكريا وثقافيا بفكر وثقافة الدول المستعمرة.... وهذا الارتباط الاقتصادي والاجتماعي والنفسي بين الكومبرادور والأجانب أدى بدوره الى الارتباط السياسي بين الطرفين. وبالرغم من أن الدول العربية والإسلامية قد حصلت على استقلالها منذ عشرات السنين... فإن السياسة الاقتصادية في تلك البلاد باستثناء حالات قليلة مازال يتم
رسمها وتوجيهها حتى اليوم لتكون في خدمة الأجانب وفي خدمة الكومبرادور» (ص 19 20).
يقول المؤلف : «ومن هنا جاءت فكرة السوق الشرق أوسطية، وبطل هذه الفكرة الخطيرة هو شمعون بيريز وزير خارجية العدو الصهيوني وقد بشر بها وبسط تفاصيلها في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» (ص 20).
وبعد التطبيع السياسي والتطبيع الاقتصادي يأتي التطبيع الثقافي وهو ثالثة الأثا في، ويهدف الى ضرورة تقبل إسرائيل أولا ثم يمتد الى تقييد قدرات العرب العسكرية وتغيير معتقداتهم السياسية فقد ركز هذا المفهوم الصهيوني على:
ضرورة فتح الأبواب أمام حركة الناس وتبادل المعلومات والثقافة والعلوم.
ضرورة مراجعة البرامج الدراسية من الجانبين وفحص ما يدرس وتحديد ما يجب حذفه.
دراسة البرامج المتبادلة في وسائل الإعلام وعلى الأخص الإذاعة والتلفزيون وأن يسمح كل طرف للآخر بإذاعة برامج ثقافية عن وثائقه وتاريخه.
ضرورة إزالة المفاهيم السلبية في الإيديولوجية العربية والإسلامية تجاه إسرائيل.
ويعلق الأستاذ شعبان عبدالرحمان على هذه الأهداف بقوله:
«وللحق فقد تحقق لهم كثير مما أرادوا فبرامج التعليم تمت مراجعتها وحذف منها كل ما يتعلق باليهود من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ووقائع تاريخهم وكلها بالطبع تتحدث عن خستهم وخياناتهم وغدرهم وعدائهم المستميت للإسلام وأهله، وإصرارهم على مواصلة إيذاء البشرية كطبيعة من جبلتهم». (ص 33).
وقد بلغ من نفوذ اليهود وضغوطهم أن تدخلت الدولة لمصادرة كتاب عن اليهود لمفتي الجمهورية المصرية محمد سيد الطنطاوي رغم أنه يمثل الإسلام الرسمي في البلد.
ولكن هذا الذي تقدم كله لا يرضي الصهاينة فهم يريدون كما قال المؤلف أن يصلوا الى التطبيع النفسي بحيث لا تحرك كلمة يهودي في نفس المسلم أدنى شعور بالرفض أو الامتعاض بل لا تحرك فيه أدنى شعور بالمغايرة ولم لا وقد قال السادات رائد مسلسل التسوية بأن «الحاجز الذي يفصل العرب عن اليهود هو مجرد حاجز نفسي» وفعلا فالعرب اليوم صاروا يكتبون على لافتاتهم التي يستقبلون بها اليهود في الاجتماعات واللقاءات المشتتركة عبارات مثل: «أهلا وسهلا بالضيوف الكرام».
وهكذا أصبح اليهود المعروفون بالبخل واللؤم عبر التاريخ كراما فيا للعجب!! ولا نملك في الختام إلا أن نتساءل: هل نقص بالمقابل عداء اليهود للمسلمين حتى يقدم المسلمون كل هذه التنازلات؟ والجواب: لا أبدا، ما نقص عداؤهم بل زاد، وما يجري اليوم في الأرض المحتلة دليل على ذلك» (ص 33 34).
يقول الدكتور صلاح عبدالفتاح الخالدي في مقال له حول قصة البقرة والعقلية اليهودية التفاوضية: «لقد قطع الله أطماعنا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود، وهم بهذه العقلية التفاوضية القائمة على التلكأ والتمييع والتطويل، وهم بهذه القلوب القاسية التي هي أشد قسوة من الحجارة فقال لنا بعد قصة البقرة مباشرة «أتطمعون أن يؤمنوا لكم» هل مازال منكم أيها المسلمون من هو طامع في اتباع اليهود لكم؟ وهل مازال منكم بعد هذا الكشف القرآني للغوامض والخفايا اليهودية الدفينة من هو راج نفعا أو خيرا من اليهود؟ أما «المفاوضون العرب» في الممرات والمسارات والجولات السرية والعلنية في واشنطن وغيرها فهم في واد آخر، في عمى وضلال عن إبصار هذه الكواشف القرآنية لأنه ختم على قلوبهم وسمعهم وغشي على أبصارهم واستسلموا لأعدائهم اليهود» (ص 36).
التطبيع بين الرفض الإسلامي والقبول العلماني
ركز المؤلف في الفصل الثاني من هذا الكتاب على حماس والمنظمة نموذجين. وهذا لايلغي كما قال الأطراف الأخرى فحماس نموذج للحركات الاسلامية عالميا والتي رفضت التسوية، ولا ننسى أن حماس ليست وحدها داخل الأرض المحتلة فهناك حركة الجهاد الاسلامي بفصائلها الأربعة الرئيسية (...) وهناك الحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر بقيادة الشيخ عبدالله نمر درويش، والمجموعة السلفية بقيادة الشيخ فائز الأسود وأخيرا هناك حزب التحرير الاسلامي الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني بالقدس منذ زمن بعيد.
أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي نموذج للحركات والأنظمة العربية الرسمية التي سارت في طريق التسوية والتطبيع.
فماهي مواقف هاتين الحركتين من طبيعة الصراع العربي الصهيوني وآفاقه المستقبلية؟ (ص 40).
أوضح المؤلف أن منظمة التحرير الفلسطينية أعلنت غير ما مرة أنها تنشد الدولة العلمانية اللادينية في فلسطين ورغم خطورة هذا القرار فإنها لم تستفت فيه الشعب الفلسطيني وذلك لأنها تعلم مسبقا علم اليقين أنه لا يريد هذه الدولة العلمانية اللادينية لأن المحن التي مرت عليه جعلته يقتنع أن الخلاص لا يمكن أن يكون إلا عبر الاسلام كما كان دائما عبر تاريخ فلسطين الطويل. وقد أجريت استطلاعات للرأي داخل الأرض المحتلة سئلت فيها عينات من الشعب الفلسطيني فأثبتت هذه الحقيقة التي تتجاهلها منظمة التحرير. يقول الدكتور إدريس الكتاني: «لكن المفارقة المدهشة أن تقدم لنا المنظمة نفسها الدليل على غيبة الديمقراطية عنها فكرا وسلوكا» (ص 41). حيث إن 56.1% من الشعب الفلسطيني اختارت حسب نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة «الفجر» المقدسية.. دولة عربية إسلامية أو إسلامية.
«فهذا يدل فعلا على أن المنظمة في واد وشعبها في واد آخر. وقد حرصت على هذا التوجه منذ أن تسلم ياسر عرفات زمامها في أوخر الستينيات حيث أعلنت لجنتها التنفيذية في دورتها المنعقدة خلال 1 4 فبراير 1969 أن هدف المنظمة هو إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على أرض فلسطين. منذ ذلك الحين وهي تقلل من شأن الدين وأهميته في مواجهة العدوّ الصهيوني (ص 42).
ويضيف المؤلف: «وترتب عن إبعاد الدين نتائج خطيرة أهمها ترك الجهاد والاكتفاء بالنضال السياسي، وهذه أيضا مسألة لم تستفت فيها منظمة التحرير الشعب الفلسطيني المسلم لأنها تعرف رأيه مسبقا كما قلنا. ففي الاستطلاع الذي سبقت الإشارة إليه بعد أن سألوا المواطنين الفلسطينيين هل يفضلون دولة إسلامية أم علمانية طرحوا عليهم سؤالين آخرين الأول هو: أي من الطرق التالية تعتقد أنها أنجح أسلوب لحل القضية الفلسطينية: النضال الديبلوماسي أم الكفاح المسلح؟ فكانت النتيجة كالتالي:
- النضال الدبلوماسي: 7.3%
- الكفاح المسلح: 60.6%
والثاني هو: هل تعتقد أن إمكانية الوصول الى حل سلمي وعادل للقضية الفلسطينية تكون ممكنة في ظل تشكيل الحكومة الإسرائيلية من قبل الليكود أو حزب العمل؟
فكان الجواب كالتالي:
1 - حزب الليكود: 0.1%
2 - حزب العمل: 4.6%
3 - لا إمكانية لذلك بغض النظر عن الحزب الحاكم: 73.9%
4 - لا رأي لي: 20.4%» (ص 44-43)
يقول المؤلف عن عواقب مسار مايسمى بالنضال السياسي: «وتطورت الأحداث يوما بعد يوم في مسلسل النضال السياسي إلى أن رست سفينة منظمة التحرير على الاعتراف بإسرائيل وذلك حين صرّح الرئيس ياسر عرفات في أوسلو بتاريخ 1988-12-2 بأن «منظمة التحرير تعترف بدولة إسرائيل، وضمان حدود آمنة لها، وقبولها لجميع قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار تقسيم فلسطين». وهذا يعني اعترافها بشرعية اغتصاب إسرائيل ل 80% من الأراضي الفلسطينية مقابل وهم السماح لها بإنشاء دويلةمستقلة في 20% الباقية من أرض فلسطين». فهل وصلت إسرائيل إلى هذه المكاسب بالنضال السياسي؟ كلا إنها لم تصل إليها إلا بالحديد والنار.
وإذا كانت هذه السلسلة من التنازلات والخيارات قد أسفرت عن الانتفاضة على مستوى المواجهة مع العدوّ الصهيوني فإنها على المستوى السياسي قد أسفرت عن ظهور حركة جديدة متوثبة واعدة ألا وهي حركة المقاومة الإسلامية حماس وقد حرص الإعلام العربي على أن يصف منظمة التحرير بوصفين ثابتين خلال تاريخها الطويل. وهذان الوصفان هما أنها الممثل «الشرعي» و«الوحيد» للشعب الفلسطيني وإذا كان قد اتضح من خلال الاستطلاع المشار إليه آنفا أنها ليست الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني فإنها بظهور حركة حماس وهي «بنت الشعب» لم تعد الممثل الوحيد، إذن فلا شرعي ولا وحيد...
وحماس بالمناسبة لاتخفي أنّّها تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بل تنصّ على ذلك صراحة في ميثاقها. وببروز هذا المعطى الجديد على الساحة الفلسطينية شرع اليهود في التفكير في استراتيجية اخرى للتعامل مع القضية. فانتهى بهم تفكيرهم إلى أن يوظفوا منظمة التحرير لمزيد من التنازلات والمكاسب قبل أ يسحب منها البساط كلية بين شرائح الشعب الفلسطيني، فالرفض يشتد يوماً بعد يوم والمقاومة تتجذر شيئا فشيئا والذي يتأمل حصيلة الانتفاضة المباركة إلى حدود نهاية 1992 فقط يدرك لماذا سارت إسرائيل في اتجاه التسوية (...) وتركزت المقاومة الإسلامية في قطاع غزة إلى درجة أنه أصبح كابوسا للصهاينة يلاحقهم في النوم واليقظة. وقد صرح إسحاق رابين بهذا الرعب فقال: «ليتني أقوم من نومي في يوم من الأيام فلا أجد قطاع غزة ضمن اهتماماتنا» وتمنى غيره من قادة الصهاينة: «أن يبتلع البحر قطاع غزة».
والمؤلف يستشهد لكل مابيّنه وقرّره بأقوال قادة كل الأطراف، وهذا الجانب التوثيقي الاستدلالي بالغ الأهمية إذ منح هذا الكتاب قيمةً علمية موضوعية لا يتطرق إليها الشك. وبالإضافة إلى الأقوال المستشهد بها، هناك المقارنات الدقيقة.
يقول المؤلف: «أما الشعب الفلسطيني فشعبٌ أبي مجاهد مرابط عبر التاريخ وإلى أن تقوم الساعة ولكن لم يقيّض له الله عز وجل خلال هذه العقود الأخيرة قيادة مؤمنة تذكي فيه روح الجهاد والرباط بل مزقته بالإيديولوجيات العلمانية وطوقته بالحلول الانهزامية وكل داء له دواء إلا داء التوقيع وهذا هو داء منظمة التحرير الفلسطينية.
فقد أصبحنا اليوم أحوج من أيّ وقت مضى إلى التذكير بالمبادئ وبقدسية القضية فأرض فلسطين أرض وقف إسلامي أوقفها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس لأحد الحق أن يوقع بتسليم أي شبر منها» (ص60).
ويقول الدكتور إدريس الكتاني: «إنّ تقادم الاحتلال لايلغي حق الشعوب في تحرير أراضيها كما لايعطي لأي منظمة أو حكومة حق التنازل عن أي شبر من أراضيها أو شرعية الغاصب في تملك ما اغتصبه فهل ثبت مثلا أن المغاربة اعترفوا لإسبانيا بملكية سبتة أو مليلية بعد 400 سنة من الاحتلال أو تنازلوا عن مدينة العرائش التي احتلت 90 سنة أو الصحراء المغربية التي احتلت 70 سنة، وهل اعترف الجزائريون لفرنسا بشرعية احتلالها لبلادهم رغم مرور 130 سنة على هذا الاحتلال؟ وهل اعترف الإسبان لبريطانيا بشرعية احتلالها لجبل طارق رغم مرور 285 سنة على هذا الاحتلال؟» (ص 61).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.