٭ التطبيع مع اليهود هو أصل البلايا التي عاشها ويعيشها العالم الإسلامي، وخاصّة فلسطين التي تجني ثماره المرّة قبل غيرها من البلدان الإسلامية. هذا هو الموضوع الذي تناوله بكثير من الموضوعية والغيرة والدقّة الأستاذ مصطفى الحيا في كتابه «وجاء دور التطبيع: دراسة وثائقية في الاختراق الصهيوني الحديث» الصادر عن منشورات الجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك، (مطبعة النجاح الجديدةالدارالبيضاء الطبعة الأولى 1995). والذي قسمه إلى خمسة فصول: التطبيع من اللغة إلى الاصطلاح التطبيع بين الرفض الإسلامي والقبول العلماني: حماس ومنظمة التحرير نموذجين التطبيع وحكاية الدعم الأمريكي لإسرائيل من ويلسون إلى كلينتون التطبيع وتاريخ الاتصالات المغربية الإسرائيلية التطبيع والدور المطلوب للحركة الإسلامية. ومن أجل فهمٍ قويمٍ لموضوع هذا الكتاب قدّم المؤلف التصوّر الصحيح للموقف من اليهود واليهودية حيث قال: «إنّ مشكلتنا مع اليهود ليست مشكلة عرقية ورفضنا لهم ليس رفضاً عرقياً فهناك يهود أسلموا وحسن إسلامهم كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو صحابي جليل وصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين. لكننا لسنا ممن يفرق اليوم بين اليهودية والصهيونية. ولسنا مستعدّين للتفريق بين اليهودية والصهيونية إلا على أساس أن تكون اليهودية التي نفرّق بينها وبين الصهيونية هي اليهودية الصحيحة وليست هي اليهودية المحرفة والموجودة بين ظهرانينا اليوم والتي قامت عليها الصهيونية. ففكرة شعب الله المختار موجودة في التوراة والتلمود، وقل مثل ذلك في كل الأفكار الصهيونية. فالمسلمون يعتقدون أنهم لا يكمل إيمانهم إلا إذا آمنوا بموسى عليه السلام وسائر أنبياء بني إسرائيل المبعوثين فيهم، ولا يكمل إيمانهم إلاّ إذا آمنوا بالتّوراة وبالكتب والزبر المنزلة على هؤلاء الأنبياء. والقرآن هو أوّل وثيقة أثبتت أن اليهود قد حرفوا دينهم وأدخلوا فيه ما ليس منه وحرفوا الكلم من بعد مواضعه، ومع ذلك فهم يدخلون في عموم أهل الذمة، وأسعد فترة قضاها اليهود في تاريخهم الطويل هي الفترة التي حكم فيها المسلمون، أما سائر الأقوام والأمم الأخرى فكلها اضطهدتهم وعذبتهم... لكن الإسلام ظل يفرق دائما بين أمرين: بين أن يعيش اليهود في ظل المجتمع الإسلامي لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات وبين أن يولوا الولايات السياسية والمالية والعسكرية. وظل يقول للمسلمين بأن «اليهود أهل ذمّة نبيكم ولكن لا تولوهم المناصب الحساسة» جاء في كتاب المعيار للونشريسي الفقيه المالكي الكبير ما يلي: «سئل الإمام النووي رحمه الله عن يهودي ولي صرفا ببيت مال المسلمين، ليزن الدراهم المقبوضة والمصروفة وبنقدها، ويعتمد في ذلك على قوله، هل تحل توليته أم لا؟ فأجاب: لا تحل تولية اليهودي ذلك، ولا يجوز إبقاؤه فيها، ولا يحل اعتماد قوله في شيء من ذلك، ويثاب ولي الأمر وفقه الله تعالى باستبدال ثقة مسلم (أي بتعيينه محلّ اليهودي)، ويثاب المساعد في عزله. قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالاً ودوا ما عنتم) إلى آخر الآية. ومعناها: لا تتخذوا من بداخل بواطن أموركم «من دونكم» أي غيركم وهم الكفار (لا يألونكم خبالا) أي لا يقصرون فيما يقدرون على إيقاعه بكم من الفساد والأذى والضرر» (المعيار: 12/376 طبعة وزارة الأوقاف المغربية)» وأضاف المؤلف: «ولستُ أدري لماذا نسارع فيهم في حين أنهم لم يتنازلوا قيد أنملة عن حقدهم وتعصبهم فاليهود لم يزدادوا إلا كرها للمسلمين بل لغيرهم من بني البشر ولا غرابة فقد جاء في تلمودهم: «إذا لم تستطع أن تؤذي أمميا في جسمه فلا أقل من أن تطأ ظله» وجاء فيه: «إذا رأيت أحداً من الأمميين يسقط في حفرة فألق عليه صخرة» (ص 6). التطبيع والدعم الأمريكي لإسرائيل: لقد درج حكام العرب على أن يميزوا دوما بين أمريكا وإسرائيل. فالأولى حليف لا يمكن الاستغناء عنه والثانية معتدية ومغتصبة لحق تاريخي للعرب والمسلمين، لكن المؤلف يطرح هذه الأسئلة: هل مازال هناك هذا الاعتقاد عند الحكام العرب مستمرا إلى اليوم؟ وهل صحيح أن أمريكا هي غير إسرائيل؟ وهل يمكن فعلا التمييز بينهما في الموقف من الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين خصوصا بعد التطورات التي أعقبت حرب الخليج؟ يسوقُ المؤلف قول الفريق سعد الدين الشاذلي: «جاءت أزمة الخليج لتزيد الموقف وضوحاً، ولتفضح المنافقين الذين كانوا يريدون أن يفرقوا بين أمريكا وإسرائيل فيدعون أن صداقتهم لأمريكا شيء وعداءهم لإسرائيل شيء آخر. وهذا وهم وخداع لم يعد ينطلي على أحد، فإما أن يقف الفرد في صف الشعوب العربية الإسلامية، فيجد نفسه بالضرورة في الصف المعادي لأمريكا، وإما أن يختار أن يقف في صف أمريكا فيجد نفسه بالضرورة في صف إسرائيل أيضا سواء اعترف بذلك أو أنكر» (ص 64). ويعلق المؤلف على هذا بأن لا شيء تغير في الآونة الأخيرة كل ما في الأمر أن الأوراق كشفت ولم يعد بالإمكان ممارسة اللعبة على الطريقة القديمة. فالحقيقة التي لا غبار عليها هي أن إسرائيل هي الولاية الواحدة والخمسون من الولاياتالمتحدةالأمريكية بل إنها الولاية المحظوظة المدللة التي تعمل كل الولايات الأخرى من أجل ازدهارها ورفاهيتها. وهي بالنسبة لأمريكا الغاية والوسيلة: غاية لأنها تحقق حلم اليهود بوطنهم القومي ووسيلة لأنها تضبط جيرانها العرب وتلعب دور الدركي لمصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط وبالتالي فإن العرب والمسلمين اليوم لا يواجهون إسرائيل فحسب بل يواجهون إسرائيل وحلفاءها وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية» (ص 64 65). على أن هذه ليست حقيقة جديدة ولكن الذاكرة العربية المثقوبة كما قال المؤلف سرعان ما تنسى فلا تستفيد من التاريخ «إنّ ما وصلت إليه العلاقة الإسرائيلية الأمريكية اليوم ماهو إلاّ تتويج لتاريخ طويل يجدر بنا أن نبسطه اليوم لكل ذي نظر لعله يبصر. ونبادر منذ البدء إلى القول وبدون تحفظ إن رؤساء أمريكا الذين عاصروا الصهيونية من ويلسون إلى كلينتون كلهم صهاينة، فما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن الليلة أشد حلكة وسوادا» (ص 65). لا ننسى أنّ بوش أكثر هؤلاء الرؤساء دعما لإسرائيل، واشتراكا معها في الجرائم ضد الإنسانية. للتدليل على كل ذلك قدّم المؤلف شهادات توما ويلسون (1913 1922) وفرانكلين روزفلت (1932 1945) وهاري ترومان (1945 1953) ودويت أيزنهاور (1953 1962) وجون كنيدي (1961 1963 ) وليندون جونسون (1963 1969) وريتشارد نيكسون (1969 1974) وجيرالد فورد (1974 1976) وجيمي كارتر (1976 1980) ورونالد ريغن (1980 1992) وجورج بوش (1988 1992). ويكفي أن نذكر واحدا من هؤلاء الرؤساء للتمثيل والتدليل. قال المؤلف: «مما لاشك فيه أنّ بوش قد خاض غمار حرب الخليج دفاعاً عن اسرائيل ونيابة عنها فإسرائيل بالنسبة لأمريكا غاية كما تقدم، وقد أدلى الجنرال الأمريكي شوارسكوف بتصريح حول حرب الخليج بتاريخ 23 مايو 1991 قال فيه للإسرائيليين: «أريد أن أقول لكم جميعا إن الولاياتالمتحدة دولة صديقة لكم وبإمكانكم أن تثقوا بها، وتعتمدوا عليها، وأنها لن تتخلى عنكم... إن الحرب التي خاضها رجالنا في منطقة الخليج كانت من أجلكم ومن أجل إسرائيل، وقد عمل الرجال على تحطيم عدوكم العدوّ الرئيسي لكم في المنطقة» (ص 81). ويحكي الفريق سعد الدين الشاذلي أن أمريكا: «قد قامت بربط البنتاجون ربطا مباشرا مع القيادة العسكرية الإسرائيلية بخطوط تلفونية مؤمنة وخطوط فاكس مؤمنة بحيث تصبح غرفة العمليات في تل أبيب وكأنها جزء من غرفة العمليات الأمريكية في واشنطن.. وقد فوض الرئيس الأمريكي بوش وزير الدفاع تشيني بأن يخبر إسرائيل بالحرب قبل أن تبدأ وأن يخبرها بأحدث المعلومات التي تتعلق بأي هجوم يوجه إليها» (ص 89). وذكّر المؤلف بدرجة التغلغل اليهودي في الأجهزة المتنفذة في الولاياتالمتحدة بشكل لم يسبق له مثيل عبر تاريخ العلاقات الأمريكية الاسرائيلية، على المستوى الرسمي. وعلى المستوى الشعبي هناك أكثر من 200 منظمة صهيونية في أمريكا تعمل ليل نهار لخدمة إسرائيل سياسيا وماليا واجتماعيا. يقول المؤلف: «وكيف نطلب من زعمائنا أن يعدوا «القوّة والرباط» وقد ألغوا مصطلح الجهاد من قواميسهم تملقا للغرب وتزلفا لإسرائيل. يقول الفريق سعد الدين الشاذلي: «لقد أخذ حكام المسلمين على أنفسهم موثقا أمام الله في مكة يوم 22 ربيع الأول 1401 هجرية (28 يناير 1981 ميلادية) عندما اجتمعوا في مؤتمر القمة الإسلامية الثالث في السعودية ثم أكدوا التزامهم بهذا الميثاق وأضافوا إليه بنوداً أخرى عند اجتماعهم في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع في الرباط في يناير 84. وفي مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الكويت في يناير 87. أما مؤتمر القمة الإسلامية السادس الذي عقد في العاصمة السينغالية دكار أيام 9 12 دجنبر 1991 فقد جاء مخيبا لآمال المسلمين كافة، فإنه لم يكتف بالصمت تجاه التزاماته السابقة أمام الله والأمة الإسلامية، بل قرر أن يحذف كلمة الجهاد من شعاراته، وبذلك تكون منظمة المؤتمر الإسلامي قد تخلت عن ميثاقها وعن القرارات التي أصدرتها في مؤتمرها الثالث (ميثاق مكة)... التي جاء فيها النص التالي: «ينظر المؤتمر بقلق شديد إلى التطورات الأخيرة التي طرأت على مشكلة الشرق الأوسط وقضية فلسطين التي حدثت في المنطقة، وخصوصا إقدام النظام المصري على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني واستمراره في تنفيذ مؤامرة الحكم الذاتي ويرى أن تحرير القدس وعودتها إلى السيادة العربية وتخليص المقدسات الدينية من الاحتلال الصهيوني هو من مستلزمات الجهاد المقدس، الذي يتوجب على جميع الدول الإسلامية أن تنهض به وتسهم فيه بما هي قادرة عليه». فإذا تحللت الدول الإسلامية من هذا الالتزام الذي تشكلت المنظمة من أجله في أعقاب إحراق المسجد الأقصى في 21 8 69 فلست أرى أيّ سبب لوجودها إلا أن تكون قد تحولت إلى منظمة تعمل في خدمة الإمبريالية» (ص 96 97). التطبيع وتاريخ الاتصالات المغربية الإسرائيلية: يقول المؤلف: «يحرص اليهود بالمغرب على أن يظهروا بمظهر الوطنية ويحاولون أن يقنعوا المغاربة بأنهم مواطنون ووطنيون ولكن المغاربة إذا سلموا لهم حق المواطنة فهل يسلمون لهم حق الوطنية؟ فهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الحركة الوطنية المغربية ضد الاستعمار الفرنسي فهل هذا صحيح؟ يقول الدكتور إدريس الكتاني في كتابه القيم «المغرب المسلم ضد اللادينية» والذي صدر سنة 1958: «أما إذا عاملناهم بوصفهم مواطنين مغاربة، فإن التاريخ يشهد بأنهم لم يشاركوا في الكفاح الوطني ولا في حركة المقاومة بأي مجهود، بل على العكس من ذلك فإن الكاتب الفرنسي لاكوتور La couture يعترف في كتابه « المغرب في الامتحان» بأن اليهود المغاربة استقبلوا قوات الاحتلال الفرنسية سنة 1912 استقبالا حسنا وكانوا يغنون لهم الأناشيد، وقد ظلوا أيام الحماية هم الطائفة المدللة والمحظوظة دون سائر السكان» ويحكي المرحوم محمد إبراهيم الكتاني في كتابه «ذكريات سجين مكافح» أن اليهود كانوا يكلفون على عهد الحماية بتعذيب الوطنيين في المعتقلات السريّة وقد كانوا أكثر «إخلاصا» في القيام بواجبهم وكانوا أشد حقدًا على المعتقلين من غيرهم» (ص 102). ويضيف المؤلف: «وياما دعا الوطنيون المخلصون السلطات الحاكمة في المغرب إلي أن تنظر بعين اليقظة والحزم خصوصا إلى الطبقة المترفة [يقصد من اليهود] التي كانت تتمنى الاندماج والتجنس بالجنسية الفرنسية لأنها لا تحمل أي شعور وطني ولكن كان ذلك دون جدوى، بل التحقت بها الطبقة المتوسطة أيضا فضلا عن طبقة الصعاليك حيث رحل الجميع إلى الأرض المحتلة. وبقيت قلة قليلة نوعية ترعى المصالح وترسل الأموال. وخاصة بعد حرب 67 حيث اقتنع قطاع عريض من الطبقة المتوسطة المذكورة بضرورة الرحيل ولا يعني هذا أبدا أنهم كانوا يكرهون هذا الرحيل فقد كانوا يدعون دائما في عبارة «اللهم اجعل العام القادم في إسرائيل» «والسنة القادمة في القدس» لأن هنالك اقتناعا راسخا لا يتزعزع عند كل يهودي وهو أن الأرض التي يحبها ويهواها هي أرض الميعاد فهي المبتدأ والخبر وما سواها من أراضي الدنيا فهي وسائل لا غايات. وقد كرست الصهيونية السياسية هذا الاعتقاد ورسخته أكثر وحاربت فكرة الاندماج محاربة شعواء. يقول ناحوم غولدمان متحدثا عن اليهود المنتشرين في أنحاء العالم: «يجب إقناعهم بأنهم على حق تام بأن يربطوا مصيرهم بمصير إسرائيل وعليهم أن تكون لديهم الشجاعة الكافية للإقلاع عن فكرة إخلاص اليهود للدول التي يعيشون فيها» لكن الصهيونية فيما بعد قبلت أن يحمل اليهود جنسية مزدوجة لأن ذلك سيمكنهم من خدمة إسرائيل أفضل ولهذا لا نستغرب إذن تصريح إسحاق رابين في زيارته الأخيرة بعيد توقيع اتفاق واشنطن حيث كان المغرب أول بلد يقصده بعد التوقيع فكان مما قاله: «إنني اعتبر اليهود المغاربة مواطنين إسرائيليين كاملي المواطنة» فاليهود المغاربة بهذه الوضعية يشبهون اليهود الأمريكان، فالضباط والجنود اليهود الأمريكيون يحملون الجنسية المزدوجة ومسجلون ضمن قوائم القوات المسلحة الإسرائيلية الاحتياطية . خصوصا وأن قصة انتقال اليهود بين المغرب وإسرائيل من أسهل ما يكون منذ زمن ليس بالقريب وما قصة الحاخام شالوم مساس عنا ببعيد فقد «كان الشخصية الثانية في المحكمة العليا في المغرب عندما راح إلى إسرائيل وقدم ترشيحه إلى منصب الحاخام الأكبر للقدس وعندما انتخب رجع إلى المغرب فوراً ليقدم استقالته إلى وزير العدل ثم جمع حقائبه وطفق عائدا إلى إسرائيل». ورغم كل ما تقدم من تورط اليهود المغاربة في الخيانة الوطنية فإنهم كانوا يحرصون كل الحرص على المشاركة في صنع مستقبل المغرب السياسي إلى درجة أنهم حشروا أنوفهم من الخارج في مفاوضات إيكس ليبان بين فرنسا والمغرب» (ص 104 105). ورغم رحيل عدد مهم من يهود المغرب إلى إسرائيل حيث رحل ما يزيد على 76 ألف يهودي مغربي مابين 1956 و 1962، ورغم ارتفاع الهجرة بعد سنة 1967 فإن القلة القليلة الباقية منهم قلة نوعية وفعالة إلى حد كبير، فهي في أغلبها أطر عليا في الدولة لها دور توجيهي كبير. جاء في كتاب «مسلسل العلاقات المغربية الإسرائيلية وآثارها على القضية الفلسطينية» : «والجدير بالتسجيل أيضا أن جل الأطر الصهيونية التي رباها الاستعمار الفرنسي في المغرب حافظت على مواقعها على رأس بعض الإدارات الحكومية (ص 115 116). كما أن يهود المغرب كانوا ولايزالون يلعبون دورا كبيرا في الإشراف على تيسير أملاك المعمرين الجدد بعد الاستقلال وأصبحت البورجوازية اليهودية كما قال المؤلف تبتلع مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وتسيطر بشكل كبير على التجارة وخاصة منها التجارة الخارجية. ونشط الرأسمال اليهودي في استثمار خيرات المغرب وتزويد دولة الصهاينة بالثروات التي يجنيها، وبينما أصبحت الأحياء اليهودية القديمة فارغة من اليهود المغاربة على إثر حملات التهجير إلى فلسطينالمحتلة كانت البرجوازية اليهودية قد غيرت مواقع سكناها فقط، حيث أصبحت تقطن الأحياء الأرستقراطية إلى جوار الطبقة الحاكمة (ص 116). وأورد المؤلف نصا للمستشار السابق رضا كديرة ، حيث نشر الرجل عقب زيارة شمعون بيريز بأيام مقالا في مجلة تايم الأمريكية أكد فيه أنّ «المغرب عضو كامل العضوية في المعسكر الغربي، وقلعة متقدمة، للدفاع عن هذا المعسكر» واعتبر أن ما تتلقاه الحكومة المغربية من مساعدات أمريكية لا يتناسب مع «مساهمة المغرب في الدفاع عن استقرار العالم الحر». وقد توج المغرب خدماته هذه بأن سمح لليهود مؤخرا بفتح مكتب اتصال بالرباط وهو بالمناسبة «أكبر» من سفارة (ص 125). التطبيع والدور المطلوب للحركة الإسلامية. لماذا الحركة الإسلامية؟ ولماذا تخصيصها والتركيز عليها دون سائر القوى المعادية للمشروع الصهيوني؟ يجمل المؤلف أسباب هذا التخصيص وذاك التركيز في ما يلي: 1 إن تخصيص الحركة الإسلامية لا يعني أبدا إلغاء أو إقصاء القوى الأخرى المضادة للتطبيع لأن المواجهة في هذه المرحلة تحتاج إلى كل الجهود القومية والوطنية، والحاجة ماسة اليوم إلى فقه الاتفاق وليس إلى فقه الاختلاف. 2 إن الأمة العربية الإسلامية قد جربت في القرن العشرين الخيارات الشرقية والغربية الاشتراكية والليبرالية فلم تثمر إلا الهزائم والتراجعات بدءا بسقوط الخلافة الإسلامية ولأول مرة في تاريخ الأمة سنة 1924 ومرورا بقيام الكيان الصهيوني سنة 1947 وهزيمة القوى الليبرالية سنة 1948 وهزيمة القوى الاشتراكية سنة 1967 وبخروج الفلسطينيين من بيروت سنة 1982 وحرب الخليج سنة 1990 وانتهاء بتوقيع اتفاق غزة أريحا أولا سنة 1993. 3 إن اليأس الكامل من الأنظمة العربية والتأكد من إفلاسها وعجزها عن أن تخرج الأمة من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها هو أيضا سبب في هذا التخصيص... 4 إننا حينما نقول الأنظمة العربية لانستثني منها منظمة التحرير الفلسطينية فهي بدورها لايمكن أن تكون إلا طبعة رديئة للأنظمة العربية بل إنها تمثل قمة الإفلاس والعجز المتحدث عنه آنفا يقول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش وهو أحد أبرز وجوه منظمة التحرير: «سأصدمكم. إن هذه المنظمة بهيكلتها وبنيتها وأشخاصها وربما بمحتواها.. هذه المنظمة قد انتهت.. نعم انتهت، وعليكم أن تعترفوا بذلك، وأن تتصرفوا بناء على ذلك وأن تشغلوا كل طاقات خيالكم لتروا ما بعدها، ولتعتنوا بالجنين المولود منها، وسواء أبكى البعض منا عليها أو فرح البعض الآخر بنهايتها. لقد انتهت هذه المنظمة سواء ذهبتم بالتسوية السياسية حتى النهاية أم خرجتم من التسوية الآن.، إن دور المنظمة الباقي هو التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل. وفور التوقيع ستتحول إلى شيء آخر، ماهو هذا الشيء الآخر؟ فكروا منذ الآن وفكروا بمصائر الكوادر الواقفة في مهب الريح... إن ضميري لايتحمل المشاركة في اتخاذ هذا القرار المغامر. مادمت غير قادر على الإجابة عن الأسئلة المطروحة. لذلك أتمسك باستقالتي». فهل يمكن أن يكون «الجنين» الذي دعا محمود درويش الى الاعتناء به إلا حركة «حماس» ومن هم على شاكلتها من المجاهدين الجدد؟» 5 إن الحركة الإسلامية منذ كانت وهي تعتبر تحرير فلسطين مهمتها الأساسية والأولى ولانقصد بذلك الحركة الإسلامية.في فلسطين فحسب بل الحركة الاسلامية عالميا، فالحركة الاسلامية في فلسطين واعية كل الوعي بأنها لن تستطيع تحرير فلسطين بمفردها بل إن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته لا يستطيع منفردا القيام بذلك، لأن مشروع المواجهة الحاسمة لا يمكن أن يكون فلسطينيا فقط وإنما ينبغي أن يكون من مهمات الأمة الإسلامية بكاملها. ولن تسترجع فلسطين إلا بوحدة المسلمين ولن تقوم وحدة المسلمين إلا بالرجوع الى الاسلام» (ص 130 132) ثم بين المؤلف الدور المطلوب للحركة الاسلامية على المستوى السياسي: العمل على نزع الفتيل بينها وبين الحكام لتفادي التطاحن الداخلي أو الحروب الأهلية لتي لا يمكن أن يستفيد منها إلا الغرب عموما والعدو الصهيوني خصوصا 2 التعاون مع كل الفعاليات النظيفة والمحايدة. 3 استثمار جميع مؤسسات ما يسمى ب «المجتمع المدني» للتحسيس بخطورة التطبيع. 4 فضح النوادي الماسونية كنادي الروتاري ونادي الليونز وغيرهما، كما بين الدور المطلوب للحركة الاسلامية على المستوى الاقتصادي: 1 تشجيع الدعم المادي المحسوبي، 2 العمل على المقاطعة الاقتصادية للعدو الصهيوني رسميا وشعبيا 3 العمل على إيجاد بدائل اقتصادية وتنموية وإقناع الحكام بها. كذلك أوضح المؤلف الدور المطلوب للحركة الإسلامية على المستوى الثقافي: 1 تبيان مشروعية الحق العربي الإسلامي في فلسطين وتفنيد الحقوق الصهيونية المدعاة فيها 2 نشر الفكرة الإسلامية 3 إصدار الكتب والمجلات والنشرات التي تبين طبائع اليهود ودسائسهم وخطرهم على الأمة العربية الاسلامية خاصة والإنسانية عامة 5 فضح المثقفين العملاء الذين زاروا الكيان الصهيوني والتشهير بهم في كل المحافل الثقافية. أما على المستوى النفسي فإن الدور المطلوب للحركة الإسلامية فهو محاربة التطبيع النفسي، من خلال نشر الرفض المبدئي والنفسي للعدو الصهيوني انطلاقا من نصوص القرآن والسنة والتاريخ الطويل للصراع مع اليهود، وكذلك من خلال زرع الأمل في النفوس ومحاربة القنوط واليأس، وبث روح الصمود والمقاومة والتذكير المستمر بصولة الحق وجولته المرتقبة.