عقدت جمعية الهلال الأحمر القطري بالشراكة مع اللجنة العربية للدفاع عن الصحافيين وقناة الجزيرة ندوة تحت عنوان "دور الصحافيين في نشر القيم الانسانية" يوم السبت بمقر الجمعية في إطار إستراتيجيتها لنشر القانون الدولي الإنساني وتزامنا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، شاركت فيها نخبة من خبراء الإعلام والقانون الدولي الإنساني وعدد من الدبلوماسيين والعاملين في مجالي الإعلام وحقوق الإنسان. وقد تناولت الندوة موضوعات "دور الصحافيين أثناء النكبات والكوارث الإنسانية" و"دور المنظمات غير الحكومية في نشر القانون الدولي الإسلامي"، و"الصحفي بين المهنية والالتزام"، كما تم استعراض أوضاع سامي الحاج كنموذج حي عن حرية الصحافة والقيم الإنسانية، والمخاطر التي يواجهها الصحفي من وحي ما وقع لتيسير علوني، والعوائق الميدانية لإنجاز العمل الصحفي. وركزت كل أوراق العمل ومداخلات الحضور على أهمية احترام المهنية وعدم الانصياع لإغراءات الحكومات وأصحاب المال والإصرار على كشف الحقيقة مهما كان الثمن باهضا. وأكد الدكتور محمد بن غانم العلي الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر القطري في كلمته أهمية انعقاد هذه الندوة مع شركاء كاللجنة العربية وقناة الجزيرة بهدف نشر الوعي بكرامة الإنسان، الأمر الذي "يعتبر من صميم عمل جمعية الهلال الداعية لنشر القانون الدولي الإنساني وكيفية الحفاظ على كرامة الإنسان في السلم وأوقات النزاعات المسلحة"، وقال العلي إن هذه الضوابط جاءت بها الحضارة الإسلامية التي لم تكن بأي يوم بمنأى عنها. وأوضح أن هناك دراسة قد أعدت عللت أسباب تصرف بعض الاشخاص بنحو سيىء في الحروب إلى 3 أسباب: مشكلة المؤسسة العسكرية بحيث لا تقوم بنشر القانون بين أفرادها، أو أنها تنشره ولكنها لا تلزمهم بتنفيذه بل قد تحثهم على مخالفته. ومشكلة الضحية: فقد يعتقد المقاتل بأنه ومجتمعه الضحية وما يقوم به هو ردة فعل لمن جنى عليه، معتقدا أن ما يقوم به هو العدالة ولو كانت هذه العدالة دموية وبربرية. أما المشكلة الثالثة فهي تصوير العدو على أنه شيطان، فيجرد المقاتل من إنسانيته ليقتل ويدمر، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في الخلط بين العدالة والانتقام. تدهور الحريات الصحفية في كلمته قال وضاح خنفر المدير العام لقناة الجزيرة إنه وقبل عام كانت جمعية الهلال القطري قد عقدت ندوة مماثلة متمنية أن يتحسن حال الصحافة إلا أنه مع مرور عام اتضح أن مستوى الحريات قد انخفض وتراجع استنادا لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي أوضح أن مستوى الحريات أصبح مزريا ليس فقط بالدول العربية، بل بدول تدعي الحرية كفرنسا وأمريكا. كما أشار التقرير إلى أن 74 من زملاء المهنة قد لقوا حتفهم خلال الحرب على العراق الأخيرة. وأكد أن المؤسسات الصحفية تحتاج إلى أن تبدأ بمبادرة من داخلها لوضع مواثيق شرف للمهنة و"عدم تركها بيد وزراء الداخلية الذين أخذوا بتقمص دورالصحفي لوضع القوانين ومواثيق الشرف للإعلاميين، وهنا أعتقد أنهم بحاجة لوضع مواثيق شرف لسجونهم ومعتقلاتهم". وطالب خنفر زملاء المهنة بضرورة الابتعاد عن المجاملات ولغة "التطبيل والتزمير" للساسة أو للترويج لسياسات حكوماتهم، مشيرا إلى أهمية "الابتعاد عن قصور الساسة لأن مهنة الصحافة هي رسول حقيقة، ولابد من جعل برزخ بينها وبين الساسة، كما ولابد أن ينحاز الصحفي للقيم والمبادئ الأساسية لا أن ينحاز إلى الحكومة". وقال المدير العام لقناة الجزيرة "لابد أن تدون لمهنتنا، وتكون لديها أدبيات قابلة للنقد والنمو، لأن المهنة جعلت منتسبيها كآلة لدرجة تضاءلت لدينا المدة المتاحة للتدوين والتدبر، الأمر الذي جعل الآخرين يضعون أسسا للمهنة"، مشيرا إلى أن حالة تيسير علوني جاءت نتيجة لحالة التقاطع والتنبؤ السياسي على الإعلام، "فنحن نعيش حالة من الوهم.. وهم السلطة لذا لابد من العودة للإصول، والعودة للاحترام والمهنية، كما ولابد من الاعتزاز بمهنة الصحافة، وعدم الانقياد للإغراء والانتماءات السياسية، واحترام القيمة المهنية". اضطهاد وقمع وفي كلمته أوضح يوسف الشولي نائب رئيس اللجنة العربية للدفاع عن الصحافيين أن الصحفي يتحمل العبء الأكبر ويتعرض لصنوف الاضطهاد والقمع في مختلف دول العالم، مشيرا إلى أن "الحريات الصحفية تراجعت، والديمقراطية انحسرت، والأنظمة كشرت عن أنيابها في وجه كل كاشف للحقيقة ومطالب بها" إذ لم يعد الأمر مقتصرا على إطلاق النار على الصحفي الباحث عن الحقيقة أو قصف مكتبه، بل تعداه إلى سجن الصحفي الساعي للحصول على المعلومة وتلفيق التهم ضده تحت طائلة مسميات عدة أخطرها ما يسمى بقانون الإرهاب، مذكرا بحصل لرئيس اللجنة العربية الزميل تيسير علوني، والزميل سامى الحاج المحتجز بغوانتانامو "لأنه التقط بالكاميرا ما يود البنتاغون حجبه عن الناس". وقال "لو اقتصر الأمر على ذلك لهان رغم الألم، فهناك من كبار القادة والوزراء من يحرض على الإعلام والإعلاميين، ويسلخ عنهم وطنيتهم ويتهمهم بتصيد الأخطاء، وأحيانا بأنهم يغذون التشاؤم لأنهم ببساطة لا يكتبون ما يريد، رغم أنه يتبجح بالديمقراطية والإصلاح، مدعيا أن معشر الصحفيين يحرضون على الكراهية، ونحن من ذلك براء، التزاما بشرف المهنة وأخلاقياتها". وأشار نائب رئيس اللجنة العربية للدفاع عن الصحفيين إلى أن القتل والقمع والسجن والضرب لم يعد كافيا، "فهناك إغلاق مكاتب الإعلاميين، بل والأدهى حرمانهم من زيارة الأماكن المقدسة، وأداء شعائرهم الدينية"، في إشارة إلى رفض السفارة السعودية منح تأشيرات الحج والعمرة لحوالي 1200 موظف بقناة الجزيرة. وأكد أن "اصطفافنا بشراسة للدفاع عن حلمنا في كشف الحقيقة، والدفاع عنها كفيل، ليس فقط، بإطلاق سراح تيسير وسامي، وغيرهما الكثير من الأبرياء الأحرار القابعين خلف القضبان وكسر اليد التي تتطاول على كل صحفي شريف، أو تمنع بجرة قلم إنساناً من ممارسة شعائره الدينية، وإنما في نشر الديمقراطية وإشاعة الحرية، واحترام حقوق الإنسان، لأن هذا يساعد الصحفي على نشر القيم الإنسانية في المجتمع، ويساعد كل فئات المجتمع على معرفة ما يخطط لها، وما يدور من حولها. فنحن معشر العاملين في الصحافة لا نعتبر أنفسنا ملح الأرض فقط، بل نحن في المجتمع كالملح في الطعام،حيث أن عدد الشهداء من الصحافيين الذين يسقطون برصاص العسكر في ازدياد، وعدد السجناء والمعتقلين من الصحافيين إلى ارتفاع، وعدد من يتلقى الضرب والصفع والإساءة من قبل خفافيش الظلام، لم ينقص". وأشار الشولي إلى قضية تخطيط رئيس أقوى دولة في العالم لقصف مقر الجزيرة وبعض مكاتبها في الخارج، والذي ينقل خططه إلى رئيس وزراء دولة شاركته بالحروب التي خاضها في العالم، "فهذا كارثة، والكارثة الأكبر أن تمنع الصحف بقرار من نشر الحقيقة، والبعض قد يرجع تراجع الإعلام والحريات والتمادي في التغول على الإعلام والإعلاميين إلى كثرة عدد المتنفذين الراغبين بحجب الحقيقة، وآخرون يعزون السبب إلى سيطرة رجال الأمن على مراكز صنع القرار في أكثر من عاصمة. وهناك من يرى أن سيطرة المال على الإعلام هو السبب، فحيتان السوق يتطلعون إلى تحويل الإعلام إلى بورصة يتلاعبون بالحقيقة وفق رغباتهم ومصالحهم"، مشيرا إلى أنه في الآونة الأخيرة تم تداول مصطلحات جديدة مثل "المال مقابل المال" و"قوة عمل العمليات الإعلامية". وقال إنه إزاء هذه اللوحة القاتمة يقف الإعلاميون، ومن يساندهم من منظمات المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان، في وجه "هذا المد الطاغي لأنهم يدركون إن الانحناء للدولار لا يضر الصحفي وحده وإنما الأرض ومن عليها". وفاة 70 صحفيا من جهته قال بيير بيتي من منظمة "مراسلون بلا حدود" إن حرية الصحافة في هذه الآونة أصبحت مشروطة ومعززة بلاءات عديدة، أسفرت عن وفاة 70 صحفيا خلال العام 2005 واعتقال 112 آخرين وفي حين يعيش 72 صحفياً في قلق ومشاكل مع السلطة، مؤكدا أن المعلومة أصبحت غالية الثمن والتأمينات على الصحفيين باهظة الثمن، كما أن حرية الصحافة أصبحت تشهد تراجعا ملحوظا للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان. تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الاسلامية للهلال الدولي إحدى لجان المؤتمر الإسلامي قدمت درعا تذكاريا لقناة الجزيرة بعد الندوة تقديرا لجهودها في الحملة الإعلامية الخيرية الواسعة لمساعدة متضرري كارثة تسونامي.