اختار أهل الفلوجة أن يكون لقرع الطبول والتكبيرات المدوية، التي ميزت فيلم "الرسالة" الشهير، لمخرجه السوري مصطفى العقاد، أكثر ما يسمع في مدينتهم، بالإضافة لأصوات الانفجارات، في مواجهتهم للهجوم الأمريكي، الذي بدأ منذ عدة أيام، وتزايدت قوته بشكل واضح الليلة الماضية. فحيثما تسير في هذه المدينة، التي عرفت بشكيمتها التي لا تلين، وعزمها الراسخ على المقاومة، حتى الموت أو الانتصار، تسمع دق الطبول والتكبير والتهليل، حتى إن بعض المساجد باتت تستبدل التكبير المعتاد بهذه اللازمة الحماسية، وكأن المدينة تحاول أن تستنهض همم كل شيء فيها، البشر والحجر والشجر، عبر محاولة استعادة أمجاد التاريخ الإسلامي، في أنصع مظاهره، كما عبر عنها فيلم الرسالة الشهير أصدق تعبير. وبذلك وعبر بسالة المقاومة، اجتازت الفلوجة الليلة الأولى من الهجوم الأمريكي عليها بنجاح، كما أكد ذلك عدد من مقاتلي المدينة لمراسل "قدس برس". فالهجوم الذي بدأ مساء الأحد (7/11) وما زالت فصوله مستمرة، حتى هذه اللحظة، لم ينجح في التقدم أو اختراق الدفاعات التي أعدها المدافعون عن المدينة، حيث جرت اشتباكات عنيفة للغاية، تمكن المقاومون خلالها من صد الهجوم الأمريكي، من خلال استخدام مبدأ النيران الكثيفة، التي انهمرت على القوات المهاجمة من شتى الاتجاهات، كما قال المقاومون. وقال مدافعون إن المقاومة اعتمدت فضلا عن ذلك مبدأ الهجوم من خلف القطعات الأمريكية، عندما تعرضت قوات الاحتلال إلى هجوم عنيف في منطقة الصقلاوية ومناطق غرب الفلوجة، بالإضافة إلى كثافة النيران، التي كانت تطلق عليها من قبل المقاتلين في الفلوجة. وبحسب مصادر في المقاومة فإن المقاومين تمكنوا من إعطاب أربع دبابات أمريكية وتدمير ثلاث سيارات "همر"، في الأطراف الشرقية للفلوجة، وقتلوا 15 جنديا أمريكيا في تلك المواجهات. وقالت تلك المصادر إن القوات الأمريكية انسحبت من مناطق شمال الفلوجة، بعد أن تعرضت لهجمات قوية من قبل عناصر المقاومة الموجودة في الفلوجة، وتلك التي في منطقة الصقلاوية، بعد أن وضعت القوات الأمريكية في كماشة نيران المقاومة. من جانبها قامت القوات الأمريكية بالاستعانة بالطائرات الحربية، التي ألقت أكثر من سبع حاويات للقنابل العنقودية على المدينة، في محاولة منها للحد من تحركات المقاتلين المدافعين عن المدينة، بحيث يسهل على قواتها التحرك والتقدم باتجاه أحيائها، إلا أن ذلك لم يجد نفعا على ما يبدو، كما قامت الطائرات الأمريكية مصحوبة بمدافع الدبابات بقصف مكثف على أحياء الجولان والعسكري والشهداء والصناعي والجغيفي. وشهد حي الشهداء أعنف قصف مدفعي في تاريخ هذه المدينة. ووقع ذلك تحديدا في ساعات الصباح الأولى ليوم الاثنين (08/11)، بعد أن استعصى هذا الحي على القوات الأمريكية، التي كانت تخطط لاقتحام المدينة منه. وقامت القوات الأمريكية مساء الأحد باقتحام مستشفى الفلوجة، وقطعت عنه كافة الاتصالات، حيث دخل أكثر من أربعين عنصرا من عناصر مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" إلى المستشفى، الواقع خارج الفلوجة، على الطرف الغربي للمدينة، وتحديدا وراء الجسر المقام على نهر دجلة. وقال عدد من العاملين في المستشفى إن القوات الأمريكية قامت باعتقال عدد من الكوادر الطبية في المستشفى، بالإضافة إلى اعتقال عدد من العاملين ومرافقي المرضى. وأكد هؤلاء الموظفون بأن المستشفى لم يكن يخضع لسيطرة المقاومة، ولم تصدر أية مقاومة تجاه القوات الأمريكية منه، لأن المستشفى كان أصلا خارج نطاق المدينة. وقال أحد الموظفين، الذي رفض الكشف عن اسمه لمراسل "قدس برس" إن القوات الأمريكية اعتقلت أحد المرضى، بحجة أنه ينتمي إلى المقاومة. في هذه الأثناء صارت المدينة محاصرة تماما، ولم يعد هناك أية إمكانية للدخول أو الخروج منها، إذ قامت القوات الأمريكية بإغلاق كافة المنافذ، كما قامت صباح اليوم بإلقاء منشورات تؤكد بأنها ستضرب أية مركبة تحاول التنقل في أحياء المدينة. وناشدت السكان التزام منازلهم، محذرة بأنها سوف تقوم في وقت لاحق بتوزيع منشورات تبين الأوقات، التي سيسمح فيها للمركبات بالتنقل. نزول المطر الغزير بعد الثانية من منتصف ليلة أمس على الفلوجة ساهم كثيرا في خدمة المقاتلين، كما قال عدد منهم لوكالة "قدس برس"، إذ أكدوا أن الأرض الطينية تجعل حركتهم أسهل من حركة القوات الأمريكية، وقالوا إن القوات الأمريكية وبعد نزول المطر الغزير والرياح العاتية، التي اجتاحت المدينة توقفت عن القصف بكل أشكاله، ولم يكن بإمكانها فعل أي شيء، مما وفر للمقاومين المزيد من الوقت والفرصة للتنقل وعمل تكتيكات ومناورات ساعدتهم على التصدي للقوات المهاجمة. وقد تحولت المناطق، التي تربط بين الفلوجة وبقية مدن غرب العراق، هي الأخرى إلى أماكن قتالية، إذ تعرضت الأرتال العسكرية الأمريكية على الطريق بين بغداد والفلوجة، إلى سيل من الهجمات بواسطة القذائف الصاروخية والعبوات الناسفة، حيث تعرضت تلك الأرتال طوال الليلة الماضية إلى هجمات على طول الطريق. وعلى الجانب المعنوي، تبدو معنويات المقاومين والسكان في الفلوجة مرتفعة جدا، فهناك استعداد للتضحية. وعدد كبير من أبناء المدينة المدافعين عنها يؤكدون أنهم في هذه المواجهة أفضل معنويا واستعدادا مما كانوا عليه في مواجهات نيسان (أبريل) الماضي. أما في خارج الفلوجة فإن هناك حالة من الغليان في المدن المحيطة بها، في وقت يحاول فيه عدد كبير من أبناء تلك المدن الدخول إلى الفلوجة لغرض الوقوف مع أبنائها في هذه المعركة التي يعدها الكثير معركة فاصلة. قدس برس