حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    تنفيذا للتعليمات الملكية.. منح مساعدات مالية بقيمة 14 مليون و8 ملايين للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء الفيضانات وتمديد دعم متضرري الزلزال    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    تطبيقات المدن الذكية في صلب مناقشات مؤتمر علمي بطنجة    حركة "بي دي إس" المغرب تدعو للمشاركة في مسيرة 6 أكتوبر بالرباط    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    اتحاد طنجة يتقاسم صدارة البطولة الاحترافية مع نهضة بركان    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    موسم أصيلة الثقافي يحتضن مواضيع الحركات الدينية والحقل السياسي والنخب العربية في المهجر    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    غارة إسرائيلية على مقر هيئة إسعاف تابعة لحزب الله ببيروت وأوامر بإخلاء مبان في الضاحية الجنوبية        سجناء يتدربون على المعلوميات بخريبكة    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المفوضون القضائيون يضربون عن العمل لثلاثة ايام    الحكومة تعوض الوكالات الحضرية ب"الوكالات الجهوية للتعمير والاسكان"    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    اقليم اسفي : انقلاب حافلة للنقل المدرسي واصابة 23 تلميذا    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. منح مساعدات مالية مهمة للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء فيضانات الجنوب الشرقي‏    بعشرة لاعبين.. اتحاد طنجة يتعادل مع بركان ويتربع على صدارة البطولة الوطنية    تعنت نظام الكبرانات.. احتجاز فريق مغربي بمطار جزائري ليلة كاملة ومنعهم دخول البلاد    نتائج اليوم الثاني من جائزة "التبوريدة"    نائلة التازي: الصناعات الثقافية و الإبداعية رهان لخلق فرص الشغل    ملكة هولندا "ماكسيما" تفتتح معرضاً حول "الموضة المغربية" في أوتريخت    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    السياحة المغربية: رافعة أساسية للتشغيل، لكن هناك حاجة ملحة لتعبئة أكبر لجميع المناطق    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    في العروق: عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    طقس الخميس .. امطار بالشمال الغربي ورياح قوية بالواجهة المتوسطية    مواجهة أفريقيا الوسطى.. منتخب الأسود يقيم في مدينة السعيدية    بلينكن يجدد دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري البريطاني لمناقشة تعزيز التعاون الأمني            الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثمانية من جنوده في معارك مع حزب الله بجنوب لبنان    أساتذة الطب والصيدلة يتضامنون مع الطلبة ويطالبون ب"نزع فتيل الأزمة"    الودائع لدى البنوك تتجاوز 1.200 مليار درهم    "حزب الله" يعلن تدمير 3 دبابات إسرائيلية    الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024: انتهاء مرحلة تجميع المعطيات من لدن الأسر    فيلم…"الجميع يحب تودا" لنبيل عيوش يتوج بجائزتين    الدنمارك: انفجار قنبلتين قرب سفارة إسرائيل    الصويرة بعيون جريدة إسبانية    لقجع: "سننظم كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2028 وسنفوز بها على أراضينا"    إيران تقصف إسرائيل وتهدد باستهداف "كل البنى التحتية" لها    الولايات المتحدة تثمن الدور الحيوي الذي يضطلع به جلالة الملك في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    السيد: مستشرقون دافعوا عن "الجهاد العثماني" لصالح الإمبراطورية الألمانية    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    رجل يشتري غيتاراً من توقيع تايلور سويفت في مزاد… ثم يحطّمه    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    جدري القردة يجتاح 15 دولة إفريقية.. 6603 إصابات و32 وفاة    تناول الكافيين باعتدال يحد من خطر الأمراض القلبية الاستقلابية المتعددة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاناة العاملات في حافلات النقل الحضري
نشر في التجديد يوم 03 - 06 - 2004


إجهاض متكرر وتحرشات جنسية وصدام مع الركاب لا ينتهي
غدوة في ظلمة حالكة لا يقدر على اختراق سكونها إلا المصلون، أو المحتسون للخمر تحت سدول الظلام، وروحة في ظلمة ينشط فيها قطاع الطرق والمجرمون. صدام مستمر مع الركاب يتنهي بتسجيل حالات الإصابة بأمراض السكري والأعصاب، وآلام في الظهر والرجلين بسبب الوقوف، وحالات متكررة من الإجهاض، وتحرشات جنسية، وسماع للكلام النابي.
تبدأ معاناة الجابيات بالحافلات الخاصة بالنقل من لحظة خروجهن إلى العمل باكرا وحتى عودتهن إلى منازلهن متأخرات ليلا، مما يضع المتزوجات منهن في قفص الاتهام بالانحراف أو التقصير في شؤون المنزل، مرورا بالإهانات المتكررة التي يتعرضن لها من قبل الزبناء طيلة فترة عملهن، وحالات الاقتطاع من أجورهن الزهيدة، بناء على تقارير يرفعها المراقبون. التجديد ركبت 7 حافلات بالعاصمة الرباط والضواحي واستقت بصعوبة بالغة شهادات العديد من الجابيات (القابضات)، فكان الروبرتاج التالي.
استيقاظ في ظلمة وعودة في ظلمة
تضطر الواحدة من الجابيات، إذا كانت من الفوج الأول، إلى الاستيقاظ من النوم في الساعة الثالثة صباحا لتستأنف عملها في الرابعة والنصف، بعد أن تكون قد سجلت حضورها لدى الإدارة، وتعرفت على رقم الحافلة التي ستكابد فيها عناء العمل، فيما تجبر الثانية منهن، إذا كانت من الفوج الآخر، على العودة إلى منزلها في الواحدة والنصف ليلا، بعد أن تكون قد فرغت من عملها في العاشرة والنصف، وانتظرت وسيلة النقل التي ستنقلها زهاء الساعتين. تقول نجاة (33 سنة متزوجة وأم لطفل واحد): «أكون ملزمة بالاستيقاظ في الساعة الثالثة صباحا حتى ألتحق بمقر العمل في الساعة الخامسة، إذ أقطع مسافة تقدر ب25 كليمترا في اتجاه مقر إدارة الشركة لأسجل الحضور وأتعرف على الحافلة التي سأقضي فيها زهاء 9 ساعات من العمل بالعاصمة الرباط... كل هذا يحدث في الأسبوع الأول والثالث من الشهر، فيما تكون بداية العمل لدي في الأسبوع الثاني والرابع في الساعة الواحدة والنصف زوالا، لكن مغادرة البيت تضيف نجاة تكون في الساعة 10 والنصف صباحا، أما عودتي إلى المنزل فتكون في الساعة الواحدة ليلا». وتزيد نجاة في حزن وأسى، وتقطع كلامها بين الفينة والأخرى لتسلم
الركاب الجدد تذاكرهم «أشعر دائما بالتعب والخوف، كما أن تأخري في الدخول إلى المنزل يسبب لي بعض المضايقات في علاقتي مع الجيران، وتحدث لي مناوشات مع الزوج، لكن الله غالب ما لقينا جهد. نجاة، التي ضجرت من العمل بعد أن صار المقر الجديد للشركة يبعد كثيرا عن محل سكناها، تلاقي صعوبات جمة بسبب نظرات الازدراء التي تصوبها عيون الجيران نحوها، معتقدين أنها امرأة منحرفة، تقول في هذا الصدد إن «المغاربة لا يتفهمون سبب التأخر ولا يتفهمون ظروف عملنا، بل يطلقون العنان لألسنتهم ونواياهم السيئة ويتهمونا بالانحراف». أما نزهة (25 سنة متزوجة وأم لطفلين) فقد سئمت كثيرا خروجها إلى العمل باكرا وعودتها إلى المنزل متأخرة طوال 9 سنوات، وتقول، وهي تقلب وجهها ذات اليمين وذات الشمال مخافة أن يرصدها أحد المراقبين فيخصم يوما كاملا من أجرتها: «من غير المعقول أن تشرع الواحدة منا في العمل ليلا، أو أن ننتهي منه ليلا»، إن ذلك تستطرد نزيهة يعرضنا للمخاطر والمكاره. وتؤكد نزهة، التي دخلت غمار العمل كجابية وعمرها لا يتجاوز 16 سنة، لتتزوج بعد ثلاث سنوات من زميل لها يعمل سائقا في الشركة ذاتها، تؤكد أن تأخرها في العودة إلى
بيتها ليلا يخلف بين الفينة والأخرى مناوشات عائلية.
المعاناة نفسها أشارت إليها جابية أخرها تبلغ من العمر 44سنة، رفضت الكشف عن اسمها خشية أن يكون هذا الذي يستجوبها موظفا بالشركة ينتحل صفة الصحفي لإيقاعها في الشباك، بالقول: «نبدأ العمل في تمام الساعة الخامسة والنصف صباحا، كما قد ندخل بيوتنا في الثانية عشرة ليلا، مما يحدث نوعا من التشنج الأسري». أما أمينة (44 سنة) متزوجة، فتبقى أوفر حظا من زميلاتها في هذا الجانب، إذ يقبل زوجها نسبيا بطبيعة عملها رغم حدوث بعض المناوشات، وتعبر المتحدثة عن هذا الحظ بالقول: «تحدث بين الفينة والأخرى مناوشات بيني وبين زوجي بسبب الاستيقاظ مبكرا، لكنه يتفهم ظروف عملي عادة». ولم يكن رأي أحد سائقي الحافلات (44 سنة) الذين استجوبناهم إلا داعما لما عبرت عنه الجابيات، فقد لفت الانتباه إلى أن «أصعب ما تواحهه الجابية ومعها السائق توقيت العمل، إذ نضطر للاستيقاظ في الساعة الثالثة صباحا، وهذا توقيت محفوف بالمخاطر والمكاره، فضلا عن أن توقيت العودة في المساء نفسه يكون محفوفا بمخاطر أكبر».
أجهضت الحافلة جنيني تسع مرات!!!
تصادف الجابيات، على مدار 9 ساعات إلى 18 ساعة من العمل في اليوم، مشاكل عويصة تحطم نفسيتهن، وتهد صحتهن، وتحط من كرامتهن. فمنهن من تعرضت للسب والشتم، ومنهن من تعرضت للضرب والسرقة وحوادث السير، ومنهن من أصيبت بأمراض خطيرة، ومنهن من أجهضت مولودها عدة مرات، وما خفي أعظم.
عن هذه الأوضاع المؤلمة تحدثنا أمينة بالقول إن «عملنا كقابضات خطير جدا، إذ تصادفنا صعوبات مع الركاب، لكننا نتحملهم ونتحمل طباعهم رغما عن أنفنا، لأن الظروف قاسية»، وتزيد أمينة بالحديث إن «بعض الجابيات لا يصبرن على تصرفات الركاب وكلامهم النابي ومعاكساتهم، فتكون ردودهن قاسية»، وتحكي المتحدثة عن لون آخر من المعاناة، إنه الحرمان من نعمة الأبناء بسبب الإجهاض المتكرر. تقول نجاة ودموعها تكاد تهطل: «كنت طلبت من المسؤولين أن أشتغل داخل الإدارة، نظرا لظروفي الصحية، إذ لا أقدر على الاستمرار في الوقوف لمدة أطول، خاصة عندما أكون حبلى، فقد أجهضت ما في بطني تسع مرات، وأنا الآن من دون أولاد»، وتتابع نجاة عرض معاناتها بالقول: «رغم أنني تقدمت بطلب لدى إدارة الشركة لتمكيني من عمل يأخذ في الاعتبار حالتي الصحية ويساعدني على الإنجاب في وضعية مريحة، إلا أن رد المسؤولين لم يحن بعد رغم أنهم أناس طيبون»، هذا في وقت تضيف أمينة «حصلت فيه أخريات دخلن العمل بعدي على مناصب شغل في الإدارة لأنهن يتقن الكلام والمراوغة».
أما الجابية التي رفضت ذكر اسمها، فما أن انطلقت في الإجابة عن أسئلتنا حتى صعد أحد الركاب إلى الحافلة لينشب شجار بينهما بسبب سوء تفاهم، كاد على إثره الزبون أن يشكو الجابية للمسؤولين. وحيال هذا المشهد قالت الجابية «ها قد لاحظت معي بأم عينك معاناتنا...
جحيم التحرش
هذا الذي حدث وأفظع منه يحصل بشكل متكرر في حقنا، فقد أصيبت العديد من الجابيات بأمراض السكري والأعصاب». تنهدت الجابية ثم صاحت بصوت عال: «(تامارة) الحافلات لا يوجد لها نظير في جميع الميادين، فحتى ميدان البناء نفسه، ورغم العناء الذي يشعر به العاملون فيه، إلا أنهم ينعمون بالكرامة، أما نحن فقد صرنا بدون كرامة»، وتستطرد الجابية، وهي أم لطفل، قائلة: «لأن تعمل بناء أو حفارا خير لك من أن تعمل جابيا فتتعرض باستمرار إلى الإهانة والشتم والسب والتحرش الجنسي من لدن الركاب»، وتتابع واصفة وضعها: «لولا أن زوجي يشتغل في الأعمال الحرة براتب هزيل جدا لما بقيت ثانية واحدة في هذا العمل المهين». وختمت الجابية حديثها إلينا قائلة «إننا نحتاج في كل مرة إلى صبر أيوب، حتى نتحمل استفزازات الركاب ونصبر على ظلم المراقبين والسائقين «اللي البعض منهم كيشروها لينا باش يتقربوا من المسؤولين والله يعفو علينا».
نجاة، من جهتها، تصف ألوانا أخرى من المعاناة فتقول: «نشعر بالحرج عندما نتسلل بين الركاب الواقفين، فقد نجد من يتفهم طبيعة عملنا، وقد لا نجد من يتفهم ذلك»، مضيفة في حسرة وألم أفضل ألا أتسلل بين الركاب الواقفين، لذلك أضطر إلى النزول من أحد بابي الحافلة لأصعد من الباب الآخر، حتى أسلم الركاب الجدد تذاكرهم، وهذه العملية تتابع نجاة تعرضنا لمخاطر جمة كحوادث السير وسرقة محافظ النقود والاعتداء وغيره، وقد حصلت العديد من الحوادث من هذا النوع». وتصف نزهة بدورها ظروف عملها بالحافلات، فتقول: «إن عملنا متعب ومضن وغير إنساني، لا من حيث توقيته ولا من حيث طبيعة الزبون الذي نتعامل معه يوميا»، ثم تضيف «إننا نشعر دائما بالحرج في عملنا لكثرة اختلاطنا بالركاب، وخاصة الرجال منهم، لأن هناك من الركاب من يرفض أن يمس».
الجابيات بعيون زملائهن
بعين الشاهد على آلام الجابيات يصور لنا سائق حافلة وضعيتهن المهينة فيقول: «إن الركاب يحتقرون ويستخفون بالجابية كما السائق»، ويزيد: «الجابية تجد صعوبات جمة في عملها بسبب الاكتظاظ الذي تكون عليه حالة الحافلة في أغلب الأوقات». ويحكي لنا السائق بعضا مما شاهده طيلة 10 سنوات من السياقة: «لقد رأيت بأمي عيني، خلال السنوات العشر التي عملت فيها سائقا، حالات ضرب وشتم وبصق وصفع تعرضت له الجابيات من لدن الركاب»، ويتابع بالقول إن «بعض الجابيات يتحملن الإهانة، والبعض الآخر يدخل في عراك»، وتساءل بحسرة «إلى متى سيستمر الوضع على هذه الحال؟».
المراقبة عزيزة ( 48 سنة)، تقول إنها أول مراقبة في المغرب، تنقل لنا صورة مشابهة لتلك التي كشف عنها السائق فتقول «رغم تضحياتنا الجسام، إذ نستيقظ باكرا جدا ونعود إلى منازلنا متأخرات، رغم كل هذا لا ننال الاحترام من لدن بعض الركاب، ولا نلقى منهم إلا المهانة والسب والشتم». لكن بعض الركاب كان لهم رأي آخر، فقد قال أحدهم «إن بعض الجابيات لا يحترمن الركاب، إذ يتجاوزن صلاحياتهن ويردن أن يقمن بوظائف المراقبة بدلا من المراقبين، كما أن أخريات يرفعن أصواتهن، مما يضطر الركاب إلى الدخول في شجار معهن.
أجور زهيدة واقتطاعات متعسفة
رغم أن أجور الجابيات زهيدة جدا، في مقابل تعبهن الشديد، إلا أنها تخضع لاقتطاعات متكررة، بحجة الأخطاء المهنية التي قد ترتكبها هذه الجابية أو تلك، وهي أخطاء تظل في معظهما بحسب المتضررات خارجة عن إرادتهن ومسؤوليتهن. تقول نجاة: «نتقاضى في أحسن الأحوال 70 درهما لليوم الواحد، وهناك من النساء من لا يتقاضين سوى 50 درهما»، وعلى الرغم من هذا الوضع تتابع نجاة فإن «المراقب إذا ضبط أحد الركاب متملصا من أدائه لثمن التذكرة، فإن الجابية تكون الضحية حينها، إذ يقتطع لها من أجرتها، بحجة أنها قد تكون حاولت سرقة 3 دراهم، وهذا ظلم وعدوان»، وتنقل نجاة بعضا من صور الاستغلال فتقول «إذا سرقت من إحدانا محفظة النقود، حتى و لو كانت بها بعض الدراهم، فإنها تؤدي ثمنالسيري كاملا (مجموع تذاكر اليوم)، أي مالا يقل عن 1500 درهم، تضاف إليها غرامة ورقة ضبط الوقت التي توجد لديها وقدرها 500 درهم، وهو ما يعادل أجرة شهرين». وتنتفض بحسرة وألم غائرين: «إنهم يمتصومن دماءنا وأرزاقنا بكثرة الاقتطاعات، كما يقصدون أحيانا اقتطاع أجزاء من أجرتنا الزهيدة لأن ذلك يوفر لهم أموالا كثيرة».
وتعرفنا المتحدثة ذاتها ببعض أشكال الاقتطاعات فتقول إن هذه الأخيرة «قد تجري بدعوى خطإ في تسجيل ساعة الانطلاق أو الوصول بورقة المراقبة (30 درهما)، أو عدم ارتداء قبعة العمل (100 درهم)»، كما تشير المتحدثة نفسها إلى أنه «عندما يرفض المراقبون أن يحرروا تقارير مغلوطة عن الجابيات رحمة بهن، يحرمونهم من أجرتهم لمدة أسبوع ونيف، وإلى ذلك ذهبت المراقبة عزيزة بقولها إن «هناك من الشركات من يقول مسؤولوها للمراقبين إذا لم ترفعوا لنا تقارير سيئة عن الجابيات، حتى نقتطع لهن من أجرتهن، فلن تأخذوا أجوركم»، واستدركت وكأنها تخشى أن يكون كلامها هذا وبالا عليها: «طبعا هذا الأمر لا يحدث في الشركة التي أشتغل فيها»، منبهة إلى أن «أجرة المراقبين تستخلص من اقتطاعات الجابيات، وهذا ليس من الإسلام في شيء».
نزهة، من جانبها، تؤكد أنه «على الرغم من أن صاحب الشركة رجل طيب ويسعى إلى أن يمنحنا حقوقنا، إلا الاقتطاعات تظل ضرورية»، وتخبرنا نزهة، وعيناها تراقبان بإحكام كل ما يجري بالحافلة، أنه إذا «ضاعت من الراكب مثلا تذكرته، وصعد المراقب ولم يجدها لديه، فإن الجابية هي من تتحمل المسؤولية، فيكون عقابها أن يخصم يوم كامل من أجرتها... وكيف يخصم من أجرتنا مبلغ 70 درهما لمجرد تضييع الراكب لورقته، أليس ذلك حراما»، وتعززالجابية، التي رفضت ذكر اسمها، شهادات زميلاتها في المهنة بقولها إنه «إذا ما ضبط المراقب أحد الركاب متملصا من أداء واجب التذكرة، فإنني أكون الضحية،إذ يتم توقيفي لبضعة أيام، أو يتم خصم مبلغ مهم من أجرتي دون حق».
لماذا النساء في مهنة الجابي؟
أجمعت كل المستجوبات على أن تشغيل النساء بدلا من الرجال في وظيفة الجابي يعود لأسباب تجارية وربحية ومطلبية، إذ تظل النساء، بحسب الجابيات، الأكثر خوفا وصبرا وإذعانا لقرارات المسؤولين، والأقل مطالبة بالحقوق. وفي هذا الإطار تقول أمينة إن «الإدارة تفضل أن تشغل النساء بدلا من الرجال لصبرهن وقلة مطالبهن»، والمرأة، تضيف أمينة، «كتسامح فحقها».
نجاة أكدت ما أشارت إليه زميلتها بالقول إن «الشركات يشغلن النساء لأنهن صبورات وكثيرات الخوف»، ملفتة الانتباه إلى ظاهرة استغلال ضعفهن لإثقالهن بالمهام والأعمال من مثل الدوبلاج (الاشتغال من الخامسة صباحا إلى العاشرة والنصف ليلا) والتعاويدة (تنفيذ رحلتين ذهابا وإيابا لحظة أن تكون الجابية قد أشرفت على إنهاء فترة عملها، وبالمقابل تقول نجاة إن «تشغيل الرجال قد يسبب بعض المخاطر، مثل ارتفاع حدة المطالب النقابية والاحتجاجات والتوقفات عن العمل ورفض الدوبلاج». ولدى توجهنا إلى شركتين لاستقاء رأي المسؤولين بها عن ظاهرة تشغيل النساء في مهنة الجابي، التي لم تظهر بشكل ملفت إلا في السنوات الأخيرة، ألفينا الأولى مقفلة الباب، فيما رفض المسؤولون في الثانية استقبالنا.
وقد أثارتنا تجربة إحدى الشركات التي لم تشغل قط النساء في وظيفة الجابي، فرحلنا إلى حيث مقرها الإداري لنستفهم المسؤولين هناك عن أسباب هذا الأمر، فكان جواب أحدهم «منذ أحدثت الشركة لم تشغل إلا الرجال وبقي الحال كذلك حتى الآن»، لكنه استدرك بالقول: «لا يمكن أن نشغل النساء لأنهن معرضات للاعتداء والمخاطر في أي لحظة»، مضيفا أن «ليس لنا مشكل مع تشغيل النساء لكن البداية كانت مع الرجال فاستمرت الأوضاع على هذا المنوال».
أين حقوق الزوج والأطفال؟
سألنا بعض الفعاليات النسائية عن موقفهن من تشغيل الجابيات، حتى أوقات متأخرة من الليل، فكانت إجابتهن دعوة صريحة إلى حفظ كرامة هذه الفئة من النساء، وتوفير شروط الأمن لهن. هكذا قالت رئيسة مركز الترشيد الأسري بمنظمة تجديد الوعي النسائي، الأستاذة لطيفة ويرزكان إننا «لاحظنا في الكثير من الأحيان حالات من النساء في الأشهر الأخيرة من حملهن، وما يزلن مشتغلات كجابيات، وهذا أمر خطير بالنسبة لوضعيتهن الصحية»، لأنهن تضيف الأستاذة لطيفة تكن في حركة دؤوبة داخل الحافلة، في الوقت الذي كان من الواجب على المسؤولين بالشركات أن يمكنوا هؤلاء النساء من الراحة مراعاة لوضعيتهن». وتؤكد الأستاذة أن المغرب لا يتوفر على قطاع خاص ذي تنظيم محكم يراعي وضعية النساء العاملات بشكل عام، مشددة على ضرورة أن يشغل الذكر بدلا عن الأنثى في الأوقات الليلية، لأن الرجال يقدرون على مجابهة المخاطر. وتساءلت لطيفة عن حقوق الزوج والأولاد تجاه الزوجة التي تشتغل جابية بالليل، قائلة «أين هي حقوق الزوج والأطفال في هذه الحالة، وهل المرأة مؤمنة على وضعها في النهار كي تشغل بالليل؟»، وتابعت الحديث إلينا: «بعض الجابيات يتعرضن للضرب والسرقة
من لدن المواطنين لذلك على المسؤولين أن يأخذوا هذه الحوادث في الاعتبار». من جهتها تقول بشرى برجال، محامية بهيئة الدار البيضاء ورئيسة اللجنة الثقافية بهيئة المحامين الشباب، «إن المنادين بالمساواة لا يرون مانعا في أن تشتغل المرأة كما الرجل في مثل هذه المهن، لكن إذا نظرنا إلى المرأة من جهة صفتها الأنثوية، وفي ظل غياب الأمن، فهي معرضة للأخطار المحذقة، التي لا تملك أن تواجهها بالقوة التي لدى الرجل»، وتشدد بشرى على ضرورة أن يأخذ المسؤولون هذه المخاطر في الاعتبار، وأن يصوغوا خطة وطنية لتنظيم هذه المهنة بشكل تمنح فيه الأولوية للذكور المعطلين. وتضيف المتحدثة نفسها أنه في غياب ظروف الأمن والحماية «فإننا نجازف ببناتنا ونعرضهن للضياع، ما دمنا نسجل حالات السرقة والتحرش الجنسي والتحريض على الفساد والإغواء المادي»، منهية حديثها بالتأكيد على ضرورة أن تسلح البنات ثقافيا وتربويا وحمايتهن أمنيا حتى يخرجن لمزاولة مثل هذا المهن الصعبة.
محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.