من حق الجنرال إياد علاوي أن يستعرض عضلاته على مدينة الفلوجة بتلك الطريقة "الهوليودية"، فهذه المدينة ليست عادية بكل المقاييس، بل هي عنوان المقاومة؛ منها بدأ التمرد على الغزاة، وفيها صاغت البلاد أول انتصار لها على الخوف والعجز وبدأت معركة التحرير. عندما يتحدث علاوي عن الفلوجة فهو يتحدث في واقع الحال عن رأس المقاومة الذي يعد المطلوب الأول في العراق المحتل، ليس لقوات الاحتلال فحسب، بل أيضاً لقوات حكومة أعلن رئيسها أن أولويته الأولى هي الأمن ومكافحة الإرهاب، أي المقاومة. خمسة شهور مرت على حكومة علاوي سجلت خلالها المقاومة أروع إنجازاتها وتحولت إلى لغة يومية معتمدة للعراق، الأمر الذي يشكل عنواناً لفشل المهمة التي جاء الرجل من أجل إنجازها. وفيما هو يدرك أن فشله في مهمة الأمن سيودي به، فإنه اليوم يسابق الزمن من أجل إسكات صوت المقاومة، سيما والأمر مرتبط بالمهمة التالية التي يعلم أن إنجازها على النحو المطلوب سيعني نيشان انتصار بالنسبة إليه وربما محطة لحكم عراق المستقبل، والمهمة المذكورة هي الانتخابات التي ينبغي أن تجرى قبل نهاية شهر كانون ثاني/ يناير القادم. على هذه الخلفية تأتي التحركات الجديدة للحكومة المؤقتة من أجل ما يمكن وصفه بأنه فرض الاستسلام على المدينة كعنوان لاستسلام المقاومة برمتها في طول العراق وعرضه، ولا أدل على ذلك من تلك الشروط التي وضعها رئيسها على وفد المفاوضات القادم من المدينة، والتي بدت مفاجئة بكل المقاييس، سيما عندما طالبهم بتسليم "أبو مصعب الزرقاوي"، وهو مطلب لا يمكن أن يكون منطقياً، حتى لو صح أن الرجل موجود في المدينة التي يبدو من العبث القول إنها تتحرك على إيقاع جيش له قيادته وهرميته التنظيمية. والحال أن الزرقاوي، ورغم أهمية المجموعة التي يقودها في الحالة المقاومة، إلا أن بالإمكان القول إنه قد غدا عبئاً على مسيرة المقاومة في الآونة الأخيرة، ليس بسبب بعض العمليات الإشكالية التي ينفذها أو تنسب إليه من دون أن ينفيها فقط، وإنما من بسبب الخطاب المتشدد الذي يلتصق به حيال الفئات الأخرى، والشيعة تحديداً، الأمر الذي يدفع الكثيرين من بينهم إلى الانخراط في صفوف الجهات المناوئة للمقاومة بما فيها الأجهزة الأمنية. وما من شك أن التضخيم الذي يتعرض له الزرقاوي لا زال يتم على نحو مدروس كما أكد تقرير صحيفة "الديلي تلغراف" الذي أشرنا له في مقال سابق. الآن تحاصر الفلوجة من كل الجهات من أجل إسكات صوت المقاومة الطالع من مآذنها، لكن المعركة الجديدة لا يمكن أن تشكل منعطفاً مهماً لصالح حكومة علاوي ومن وظفوها، ونحن هنا لا نستعيد فقط ذكريات المعركة الماضية التي غدت محطة رائعة في مسيرة المقاومة العراقية، بل نستعيد معها تجارب التاريخ المشابهة في حالات الشعوب المصممة على مقاومة محتليها، فالفلوجة اليوم هي مخيم جنين الذي صاغ ملحمة البطولة ولم ينكسر حتى الآن رغم 38 عملية اجتياح منذ نيسان عام 2002. من هنا يمكننا القول بكل ثقة إن معركة علاوي المرتقبة على الفلوجة لن تكسر عنفوان المقاومة، ليس لأن المقاومة قد غدت أكبر من المدينة، على أهميتها، فقط، ولكن لأن المعركة الجديدة ستؤجج المزيد من نيران الغضب الشعبي، حتى لو بقي الكثيرون يتفرجون لاعتبارات حزبية وفئوية مقيتة. ما تنتظره الفلوجة على أيدي الأمريكان وعملائهم لن يكسر المدينة ولن يفرض الاستسلام على المقاومة، لكنه سيكون بمثابة إدانة صارخة لكل المتواطئين، بل وحتى الساكتين على استباحة مدينة التي دافعت عن العراق وعن الأمة وغدت رمزاً رائعاً من رموز الكبرياء العربي والإسلامي. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني