بات واضحاً أن تأخير اجتياح مدينة الفلوجة إنما يهدف إلى تفريغها من البقية الباقية من أهلها، سيما في ظل دعوات رسمية من حكومة إياد علاوي للسكان بضرورة المغادرة، الأمر الذي حدث ولا زال يحدث، فيما لن يبقى في المدينة إلا من يحمل السلاح ويصر على القتال حتى الاستشهاد. والحال أن استراتيجية الأمريكان، ولا نقول استراتيجية علاوي، لأن هذا الأخير مجرد تابع لن عينوه، إنما تقوم على معركة من الجو، تشبه إلى حد كبير معركة بلغراد، فما ستفعله القوات الأمريكية في واقع الحال سيتركز على إلقاء القنابل الضخمة على المدينة وصولاً إلى تسويتها بالأرض، وشطب أي ملاذ آمن للمدافعين عنها. لا يستبعد هنا أن تظهر طائرات (ب52) من جديد في سماء الفلوجة، وهي التي تتخصص في حمل القنابل الرهيبة التي لا تترك خلفها إلا الموت والدمار، والنتيجة هي التأكد من خلو المدينة من أية مقاومة قبل اقتحامها وإعلان "تحريرها من الإرهابيين" بحسب تعبير الجنرال علاوي الذي يتحدث كما لو كان ناطقاً باسم قوات الاحتلال. من الناحية الاستراتيجية يمكن القول إن منهجية تحرير المدن لا تبدو عملية في الحالة العراقية، لكن تجربة الفلوجة كانت مهمة في سياق التأكيد على رمزية المدينة وتجذر المقاومة في الأرض العراقية، ويبقى أن التصدي لقوات الاحتلال بطريقة الكمائن والكر والفر أفضل بكثير من المواجهة غير المتكافئة مع الطائرات. من الصعب الحديث عن نتيجة واضحة للمعركة المقبلة، لأن المقاومين لن يعلنوا الاستسلام، بل سيقاتلون حتى الرمق الأخير، وقد وصلوا إلى هذه النتيجة بعد أن أدركوا أن المفاوضات التي أجرتها حكومة علاوي هي في جوهرها مطالبة بإعلان الاستسلام، فضلاً عن تسليم المقاتلين العرب في المدينة، الأمر الذي لا يمكن لأهلها أن يقبلوه بصرف النظر عن النتائج. لا شك أن المقاومين يعدون العدة للمواجهة، في محاولة لخوض معركة تاريخية، حتى لو انتهت بمشهد كربلائي يستشهدون فيه جميعاً، سيما وهم يدركون أن لا خيار آخر أمامهم غير ذلك، أو قبول استسلام يرفضوه بعنف، وهم الذين صاغوا ملحمة للعزة والكبرياء خلال المرحلة الماضية لا يمكن أن تنتهي بمشهد ذل وهوان. ليس ثمة شك في أن المعركة القادمة ستسجل الكثير من البطولة والصمود، في ذات الوقت التي ستشهد الكثير من القتل والإجرام من قبل قوم لا يتورعون عن قتل الناس بالآلاف من أجل تحقيق أهدافهم، لكن ذلك لن يغير كثيراً في النتيجة النهائية لها، والتي ستتمثل في المزيد من تجذير خيار المقاومة، تلك التي لا تتركز في الفلوجة وحدها وإنما تمتد لتطال العديد من المدن والمحافظات في العراق، وعلى رأسها العاصمة بغداد. نعم، قد يدمرون المدينة ويقتلون الرجال المدافعين عنها، لكن الفلوجة ستبقى على العهد تنتج المقاومة وتخرج المجاهدين، تماماً كما هو مخيم جنين الذي اجتاحه الإسرائيليون عشرات المرات من دون أ، ينجحوا في إطفاء جذوة المقاومة فيه. إنهم قتلة أغبياء ومعهم عملاء أكثر غباءً لا يقرأوون التاريخ ولا يعرفون تجارب الشعوب في المقاومة ضد محتليها، الأمر الذي يدفعهم إلى الاعتقاد بأن الانتصار على مدينة خالية من السكان بعد تدمير بيوتها وقتل بضع مئات من المقاتلين هو انتصار تاريخي يستحق الاحتفال. من الواضح أن شيئاً من ذلك سيحدث، تماماً كما حدث مثله الكثير الكثير في التجارب المشابهة، لكن ذلك لم يمنح الغزاة نياشين الانتصار، بقدر ما ضاعف رفضهم وزاد في مقاومتهم، وصولاً إلى كنسهم ومعهم جحافل العملاء الذين ساروا في ركابهم. تبقى مواقف المتفرجين على ما يجري، ولا نعني هنا مواقف السيد السيستاني والأحزاب الشيعية القادمة من الخارج المهمومة بانتخابات لجنى ثلثي مقاعد البرلمان، بل نعني مواقف الدول العربية وقبلها القوى الشعبية التي تنتظر المذبحة كما تنتظر نهاية مسلسل تلفزيوني!! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني