كان شهر أيلول مميزاً في مقاومته الفلسطينية والعراقية، ففيه عادت المقاومة الفلسطينية إلى ألقها بعملية بئر السبع التي جاءت أخبارها في يومه الأول، ولتتوالى العمليات النوعية بعد ذلك في مستوطنة موراج والقدس، الأمر الذي دفع إلى اجتياح قطاع غزة جرياً وراء حلم كاذب عنوانه إخضاع المقاومة ومن ورائها الشعب الفلسطيني. في أيلول أيضاً كانت المقاومة العراقية تسجل تاريخها الرائع وتؤكد أن تصعيد عملياتها في شهر آب لم يكن مصادفة بل جزءً لا يتجزأ من رسوخ قدمها في ساحة المواجهة وقدرتها على مواصلة المسيرة بزخم كبير يستنزف الغزاة ويفشل مشاريعهم الأمنية والسياسية. في آب سجلت المقاومة العراقية باعتراف الغزاة 2700 عملية أو ما معدله 87 عملية في اليوم الواحد بحسب مجلة نيوزويك. أما القتلى وفق الرواية الأمريكية فكانوا 66 قتيلاً. لكن الموقف في أيلول كان أفضل من حيث رقم القتلى، فقد كانوا 76 قتيلاً، فيما كان رقم العمليات هو 2300 عملية. لا حاجة هنا إلى القول إن رقم العمليات يبدو الوحيد الصادق في السياق، لسبب بسيط هو أن من مصلحة القوات الأمريكية في العراق أن تشرح لقيادتها في البنتاغون حقيقة ما تعانيه في المستنقع العراقي، ويبقى أنه إذا صح رقم القتلى فقد يصح فيما يتصل بعدد الجنود الأمريكان، فيما يغيب الآخرون عن الإحصاءات، ونعني من لا يحملون الجنسية الأمريكية وجاءوا للخدمة طمعاً فيها بعد ذلك، إضافة إلى العاملين مع الجيش في الخدمات الأخرى والذين لا يحسبون على كادر القوات المسلحة. على أن الأهم منذ ذلك كله هو رقم الجرحى، وهو الذي لا يحظى بأية إشارات في الإحصاءات الرسمية المعلنة، فيما يمكن للمراقب أن يتخيله على نحو ما في ضوء رقم العمليات المشار إليه، وهي التي تستهدف دوريات ومواقع أمريكية لو استهدفت بالطوب لكان رقم الجرحي فيها مهولاً، فضلاً عن الرصاص والمتفجرات. نتذكر هنا أن كل هذا التصاعد في عمليات المقاومة قد جاء بعد شهور من مجيء حكومة علاوي التي قالت إن الأمن هو مهمتها الرئيسية، وأنها ستتمكن من إخضاع المقاومة، سيما بعد توسعها في تجنيد ما يعرف بالحرس الوطني الذي يجري زجه بشكل مباشر في الهجمات على معاقل المقاومة كما تابعنا في سامراء وبعقوبة والفلوجة، وقبل ذلك في النجف ومدينة الصدر. يحدث ذلك في ظل هجمة شرسة تتعرض لها المقاومة، ليس من خلال المطاردة الأمنية التي لم تتوقف أصلاً، وإنما من خلال الهجمة السياسية والإعلامية، وحيث يراد تقديمها بأسوأ الصور بدل صورتها الأساسية كمقاومة شريفة تدافع عن الوطن والأمة. لا يعني ذلك أن كل ما يجري في سياق المقاومة يعد صحيحاً، فهناك بالتأكيد ما يستدعي إعادة النظر، سيما عمليات السيارات المفخخة في المناطق السكنية، والتي تصيب الكثير من العراقيين. وفي كل الأحوال فإن حجم العمليات الإشكالية من بين العدد المهول من العمليات كان ولا يزال محدوداً ويمكن العمل على تجاوزه مع الوقت. ويبقى أن العدو لن يتورع في سياق حرب المقاومة عن تنفيذ بعض العمليات من أجل تشويه المقاومة. ما يجري في العراق لا زال يؤكد أن المقاومة هي سيدة الموقف، وأن ترتيبات الاحتلال لا يمكن أن تؤدي إلى لجمها بحال من الأحوال، بل إن نوعية فعلها وعدد المنخرطين فيها سيزداد يوماً إثر آخر. أما في فلسطين فقد أثبتت المقاومة أن شارون لن يتمكن بأي حال من كسر إرادة الفلسطينيين حتى لو أرتكب المجازر ومارس أسوأ أنواع القتل الدموي بحق الفلسطينيين. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني