ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هزيمة أمريكا في العراق
معركة الفلوجة .. كتاب للصحفي أحمد منصور
نشر في العلم يوم 20 - 03 - 2009


الصديق بوعلام
سيجد القارئ في كتاب الصحفي أحمد منصور « معركة الفلوجة .. هزيمة أمريكا في العراق »، القصة التي لم ترو من قبل عن معركة الفلوجة أو التي رويت متناثرة في مئات المصادر ، وسيدرك كيف كانت معركة الفلوجة هي معركة العراق ومعركة التاريخ الذي تغير بالكامل بعدها . فالتاريخ الذي كان يخطط بوش لصناعته في العراق والمنطقة مستخدما أقوى جيوش العالم ، أحبط ودمر وتغير على مداخل الفلوجة، وعاشت الولا يات المتحدة الهزيمة في العراق منذ تلك المعركة ولا تزال تعيشها ، وربما ستظل تعيشها لعقود ويمكن أن تؤدي كما قال مستشارالأمن القومي الأمريكي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي في كتابه « الفرصة الثانية »إلى نهاية المشروع الإمبراطوري الأمريكي في المنطقة ،
العراق بعد عام من الا حتلا ل الأمريكي
قبل أن يصف المؤلف رحلة فريق الجزيرة إلى الفلوجة ، قدم للقارئ صورة عن وضع العراق قبل معركتها الأولى وتحديدا بعد عام من الا حتلا ل الأمريكي . وكان خلا صة ما توصل إليه أن مجموع ما خسره العراق خلال عام واحد من الا حتلا ل الأمريكي بلغ أربعمائة وخمسة وسبعين مليار دولار ، قال = « أصابني كلا م الدكتور المشهداني بالصدمة ، لأن مثل هذه الحقائق لا يعلم بها كثير من الناس ، كما كان كثيرون لا يزالون - في ذلك الوقت- بعد عام من الا حتلا ل الأمريكي للعراق يتحدثون عن كارثة نهب المتحف العراقي، لكن يبدو أن ما تم بعد نهب المتحف أضخم وأكبر بكثير مما يمكن أن يتخيل . » ، بالإضافة إلى هذا انتشرت البطالة والفقر ، فهناك جيش كان يزيد فيه عدد المنتسبين والمحترفين فيه عن نصف مليون جندي ، وهناك دولة كان يعمل بها من الموظفين ما يزيد على سبعة ملا يين شخص ، أصبح معظمهم بل كلهم عاطلين عن العمل ، « أما المؤسسات التابعة للإدارات المحلية فكلها تعيش حالة من الفوضى ، ومن يذ هب للعمل في الشرطة أو الدفاع الوطني بشكل عام في العراق فإنهم يوصفون بأنهم يعملون مع سلطات الا حتلا ل ، وبالتالي فهم إما أن يمونوا هدفا لرجال المقاومة أو
ينظر إليهم باحتقار من الناس ، لكن في النهاية كما انتسب لحزب البعث سبعة ملا يين معظمهم للبحث عن وظيفة فقد فعلت سلطات الا حتلا ل نفس الشئ ولكن في ظل فوضى عارمة . ولم يكن هذا في بغداد وحدها أو المدن الكبرى ، ولكنه كان شاملا لكل مدن العراق وربما لم ينج منه إلا هؤلا ء الذين كانوا يعملون في التجارة أو الزراعة من قبل ، ويصف المؤلف فوضى الصحافة مستحضرا حالها على عهد صدام « النسيج الباقي من الصحف فهو يبدأ من صحف تعبر عن آراء أحزاب أو سياسيين سابقين أو ما يطلق عليهم العراقيون عملا ء لأنظمة ودول مختلفة أو عائلا ت أو أفراد أو صحف فضائح تنشر قصصا مختلفة لا أصل لها ، أو قصصا أخرى نشرت قبل سنوات في الصحف العربية فأعادوا صياغتها وإخراجها بأسلوب فضائحي ركيك ورخيص. أما باقي الصحف - نقلا عن أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية الصحفيين العراقية - فقد زادت في بغداد وحدها خلا ل عام واحد من الا حتلا ل عن مئتين وثلا ثين صحيفة بعضها لم يصدر منه سوى عدد واحد ، وبعض الجهات والأفراد يصدرون أكثر من صحيفة ، الكثير منها أو أغلبها كان يوزع مجانا في الشوارع وعلى المكاتب والفنادق. » « وكانت فضيحة شراء ذمم الصحفيين والصحف في
العراق ونشر مقالا ت تروجها الا ستخبارات الأمريكية بأسماء كتاب عراقيين في الصحف العراقية .. وقد كشفت هذه الفضيحة أن ما حدث في العراق لم يكن سوى امتداد لما حدث في البلقان وأفغانستان ومناطق أخرى ساخنة من العالم، وأن مئات الملا يين من الدولا رات أنفقتها الولا يات المتحدة عبر شركات متخصصة في الدعاية والقبركة الدعائية ، وعبر وزارة الدفاع للمساهمة في العمليات التي كانت تقوم بها في تلك المناطق من أجل المساهمة في عملية تضليل إعلا مي كبيرة تساعد على تنفيذ المخططات الأمريكية . و بوسائل كثيرة منها شبكة الإنترنت ومحطات الراديو والتلفزيون والصحافة عبر شراء ذ مم وأسماء صحفيين من أبناء هذه البلا د، بحيث يكون الأمريكيون بعيدون عن الأ نظارلكنهم في الحقيقة يحركون كل شئ سواء بشكل مباشر أو غبر مسؤولين رسميين أو عبر شركات دعا ية أمريكية يترأسها ضباط استخبارات سابقين. ... وقد كشفت هذه الفضيحة بعض أسرار هذا الكم الهائل من الصحف المنتشرة في العراق وما كتب ويكتب فيها من موضوعات مليئة بالتضليل والأكاذيب .
الفوضى السياسية
مع الفوضى العارمة في كافة مجالا ت الحياة كانت هناك أيضا فوضى في تأسيس ووجود الأحزاب السيلسية في
العراق ، حيث بلغ عدد الأحزاب التي أعلن عن تأسيسها في بغداد خلا ل عام من الا حتلا ل أكثر من مائتي حزب ، ، وقد سارعت هذه الأحزاب بعد سقوط النظام إلى السيطرة على مقرات حزب البعث ومؤسسات الدولة السابقة ، وحتى دور السينما والحانات وبيوت كبار الموظفين والمجمعات السكنية الحكومية والعسكرية واتخذتها مقارا لها. وقد أدت الفوضى الأمنية إلى قيام عصابا ت مسلحة منظمة تقوم بخطف الميسورين من الناس وطلب فدية لقاء الإفراج عنهم ، وقامت عصا با ت أخرى بعمليات سطو مسلح ، وقامت جماعات مسلحة بتصفية شخصيات من جماعات أخرى . وقد أسس الأمريكيون مجلس الحكم الا نتقالي بعد احتلا لهم للعراق من خمسة وعشرين من العراقيين يمثلون الأطياف المختلفة لمعظم العراقيين ، فكان هذا أول ترسيخ للطائفية في العراق منذ مئات السنين ، علا وة على ذلك فإن الكثير من أعضاء الحكم لا جذور لهم ولا شعبية ، لا سيما هؤلا ء الذين جاءوا من الخارج محمولين على ظهور الدبابات والطائرات الأمريكية ، لكن مجلس الحكم بعد عام من الا حتلا ل لم يكن في الحقيقة يمارس أي سلطة أو حكم ، فا لمقربون منهم من الأمريكيين هم المحظيون . أما الآخرون -كما قال للمؤلف أحد
أعضاء مجلس الحكم - فلا يكا د ون حتى يحظون بمقابلة المسؤولين الأمريكيين ، « ورغم انتهاء دور مجلس الحكم في بدايات العام الثاني للا حتلا ل لكن دور رجال أمريكا لم ينته حيث استبدل مجلس الحكم - كما يقول المراقبون - بالوزارة الجديدة التي عين إياد علاوي على رأسها ، وهو الذي وصفته الصحف الأمريكية مثل « نيويورك تايمز » وغيرها نقلا عن مسؤولين سابقين في السي آي إيه بأنه كان « جاسوسا للسي آي إيه » ، وربما هذا ما دفع إمام مسجد أبي حنيفة أكبر مساجد بغداد أن يجاهرفي خطبة الجمعة في سابع مايو ألفين وأربعة بأن رئيس الوزراء الجديد للعراق « ليس سوى عميل » » .
هذا كان حال العراق بعد عام من الا حتلا ل وقبل حصار الفلوجة ومعركتها الأولى في أبريل ألفين وأربعة .
مدينة المائة مسجد تقاوم الهمجية الأمريكية
للفلوجة طبيعة خاصة بأهلها ، فهي مدينة المساجد والمآذن كما يطلق عليها أهل العراق ، حيث يوجد بها أكثر من
مئة مسجد كلها تقريبا كان لها مآذن قبل أن يدنسها الأمريكيون ويدمروا كثيرا من مآذنها لا سيما في المعركة الثانية في نوفمبر من العام ألفين وأربعة . كما أنها كانت المدينة العراقية الوحيدة التي لم يكن بها خمارة في عهد صدام حسين ، وكما كانت المقاومة بها شرسة ضد القوات الأمريكية منذ بداية الا حتلا ل كانت كذلك ضد البريطانيين حينما احتلوا العراق في العام ألف وتسعمائة وعشرين .
ذكر المؤلف تقريرا نشرته وكالة رويترز من داخل مدينة الفلوجة عن أسباب اندلا ع المقاومة فيها ضد الأمريكيين ، من بين ما جاء فيه = « هذه المدينة التي شهدت أغلب الهجمات العنيفة ضد القوات الأمريكية على جنود ها يعود سبب كثير من العمليات إلى الثأر القبلي ، حيث وقعت كثير من عمليات القتل للمدنيين الأبرياء » . وأكد التقرير على ما سبق أن رواه للمؤلف أبناء الفلوجة من أن الأمريكيين « يسرقون الأموال ويحطمون الأثاث ويفتشون الرجال والنساء عند تفتيش المنازل » وهذا أسلوب مهين كان يدفع حتى الناس العا د يين إلى المشاركة في المقاومة وإطلا ق القذائف الصاروخية على قوات الا حتلال ، حيث يثأرون لموت أقاربهم وقتلا هم ، مما أدى إلى عدم توقف المقاومة في الفلوجة بكل أشكالها من الكمائن والعبوات الناسفة والهجمات على نقاط التفتيش للقوات الأمريكية . ولم يكن الأمريكيون يستطيعون تجنب المرور بالمدينة فهي تربط بين طرق وقواعد عسكرية أمريكية وأماكن رئيسية يستخدمونها مثل قاعدة الحبانية ، لذا كانوا دائما عرضة للهجمات وبقيت الأمور تتصاعد يوما بعد يوم حتى وقع الحادث الكبير الذي هزالبيت الأبيض والإدارة الأمريكية كلها في الحادي
والثلا ثين من مارس عام ألفين وأربعة . قال المؤلف = « لم تكن هناك معلومات كثيرة نشرت عن المرتزقة الذين يعملون مع القوات الأمريكية في العراق . فقد كانت المعلومات متناثرة ، وروى لي عراقيون أثناء عدة زيارات قمت بها إلى العراق بعد الا حتلا ل أن هناك مرتزقة يعملون مع القوات الأمريكية .[ ... ] ومن أوائل التقارير الصحفية التي نشرت حول المرتزقة الذين يقاتلون مع القوات الأمريكية في العراق تقرير نشرته في الخامس مارس ألفين وأربعة صحيفة « الغارديان» البريطانية ، وقد أثار هذا التقرير ضجة كبيرة حينما نشر حيث أكدت الصحيفة أن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بدأت بالبحث عن مرتزقة يعملون معها في العراق بعد عجزها عن تأمين جنود للا نضمام للجيش الأمريكي للعمل هناك، وأن البنتاغون قد تعاقد مع شركة « بلا ك ووتر» لتجنيد مرتزقة للعمل في العراق يكونون من بين أعضاء البحرية السابقين أو الكوماندوز ، وكذلك البحث عن مرتزقة من خارج الولا يات المتحدة لا سيما من أمريكا الجنوبية . وأشارت الصحيفة إلى أن شركة « بلا ك ووتر » قامت بالفعل بالتعاقد مع عشرات من رجال القوات الخاصة السابقين من تشيلي وكلهم كانوا من رجال الدكتاتور
السابق أوغسينو بينوشيه . » . ونشرت صحيفة « واشنطن بوست الأمريكية تقريرا في الخامس من ديسمبر ألفين وستة قالت فيه = « طبقا لأول إحصاء عسكري عن العدد المتزايد للمدنيين الذين يعملون في أرض المعركة في العراق فإن عدد المقاولين الوصف الرسمي للمرتزقة - وصل إلى ما ئة ألف دون حساب عدد مقاولي الباطن ، وهو عدد يقارب حجم القوات العسكرية الأمريكية في العراق » . وعبارة «مقاولين » هي التعبير الرسمي الأمريكي عن المرتزقة .
وأصبحت الفلوجة عقدة لبوش وإدارته ، بعد مقتل أربعة من المرتزقة الذين كانت جرائمهم في العراق أكثر بشاعة مما يمكن أن يتصور . وفي ظل الأجواء المشحونة بالتهديدات وضرورة الا نتقام بدا أن تأثير هذا الهجوم وصل إلى مرحلة التهديد بإفشال المشروع الأمريكي كله في العراق ، وبدأت المطالبة بالا نسحاب بعد أقل من عام على الا حتلا ل ، وبدأ بوش وإدارته يفقد ون القدرة على التحكم بالوضع، وبدأت نذر الهزيمة تحيط بهم في الوقت الذي كان فيه الجنرالا ت وأركان الإدارة يتحدثون عن عملية استقرار ومشروع يقوم من خلا له الحا كم الأمريكي للعراق بول بريمر بتسليم السلطة فيه للعراقيين ..بعد ثلا ثة أشهر فقط من الحادث ، لهذا قرر بوش الا نتقام ليس من الذين قاموا بقتل المرتزقة أو حتى العامة والأطفال والمراهقين الذين مثلوا بجثثهم وإنما من المدينة كلها ، وسكانها الثلا ث ما ئة ألف مدني. . ولم يتردد الأمريكيون بإعداد خطة « الرد الساحق» ويضيف المؤلف = « أثناء وجودي في الفلوجة في الأول من أبريل
نيسان من العام ألفين وأربعة وزعت كتائب الشهيد أحمد ياسين » أحد فصائل المقاومة الإسلا مية الوطنية - كتائب ثورة العشرين « بيانا تتبنى فيه عملية قتل المرتزقة الأمريكيين الأربعة ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها «كتائب الشيخ أحمد ياسين » عن نفسها ، وبدا أنها حديثة التكوين ، فلم يكن قد مضى سوى أيام قليلة على اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس وزعيم حركة حماس في فلسطين على أيدي اليهود ، والذي استهشد في الثاني والعشرين من مارس ألفين وأربعة . وقالت الكتائب في بيانها الذي نشرته تحت عنوان « الفلوجة مقبرة الأمريكيين » والذي تناولته معظم وكالا ت الأنباء = « إنها هدية يقدمها شعب الفلوجة إلى شعب فلسطين وإلى عائلة الشيخ ياسين شيخ المجاهدين الذي تم اغتياله من قبل المجرمين الصهاينة عديمي الإ نسانية والأخلا ق » وقال البيان = « بعد تتبع ورصد مجموعة لرجال المخابرات الأمريكيين والمو ساد الصهيوني قامت عناصرنا بتنفيذ عملية اغتيال هؤلا ء » ... وقالت كتائب الشيخ أحمد ياسين في ختام بيانها = « ننصح القوات الأمريكية بالا نسحاب من العراق ، وننصح عائلا ت الجنود الأمريكيين وأصحاب الشركات بعدم القدوم إلى العراق »
. وهيمنت الفلوجة على الإعلا م الأمريكي
ويصف المؤلف الذي كان شاهد عيا ن اندلا ع المقاومة في أنحاء العراق بقوله = « بدأ الليل يرخي سدوله فيما كانت المعارك تشتعل في أطراف وأحياء المدينة المختلفة ، وكان القصف المدفعي المتواصل وأصوات الا نفجارات تأتي من كل اتجاه ، وكان واضحا أن أحداث الفلوجة أشعلت كل مدن الأنبار ، ففي هذا اليوم قمنا ببث أخبار عن هجوم قامت به المقاومة في الرمادي على القوات الأمريكية قتل خلا له أكثر من اثني عشر من الجنود الأمريكيين ، وكان انفرادا حصل عليه مراسلنا في الرمادي حسام علي الذي أكد لنا أن معركة طاحنة تدور بين القوات الأ مريكية ورجال المقاومة في منطقة الملعب وسط المدينة ، وأن عشرات من الجنود الأمريكيين سقطوا قتلى وجرحى جراء هجوم بمدافع الهاون على تجمع لهم . » ، « وفي هذا اليوم كذلك اندلعت معركة طاحنة بين القوات الأمريكية ورجال المقاومة في الصقلا وية التي تبعد خمسة عشر كيلو مترا شمال غرب الفلوجة . علا وة على ذلك كان أنصار مقتدى الصدر في مواجهة مع القوات الأمريكية في مدينة الصدر في بغداد وكذلك في النجف في الجنوب ، كما أن المقاومة العراقية سعت لتخفيف الضغط عن الفلوجة فقامت بتكثيف عملياتها في بغداد و الموصل
وبعقوبة وديالي وسامراء وتكريت وأماكن أخرى ، فاشتعلت المقاومة ضد الا حتلا ل في شتى أنحاء العراق ، » وكانت الهزيمة الأولى للقوات الأمريكية في الفلوجة ،
« لقد كان يوم الجمعة الدامي التاسع من أبريل نيسان ألفين وأربعة من أكثر الأيام دموية وألما في حياة أطفال الفلوجة ، كانت الصور ة الأولى التي آلمتني هي صور الأطفال الصغار الذين خرجوا مع عائلا تهم في جموع كبيرة يرفعون الأعلا م البيضاء يطلبون الأمن والأمان ليخرجوا من المدينة عبر صحراء النعيمية ، ثم رأيت أشلاء بعضهم بعد ذلك وقد جاءت بها سيارات الإسعاف إلى المستشفى بعدما قصفتهم الطائرات الأمريكية وهم يحاولون عبور الطريق المكشوف سيرا على الأقدام لكن الموت الذي هربوا منه عاجلهم في طريق الهروب . أما الصورة الأكثر ألما والتي مزقتني فقد كانت لعائلة تتكون من جدة عجوز مسنة ومعها زوجة ابنها وأحفادها ، كانت تقف على جانب الطريق في الزحام تبحث عن سيارة تنقلها وأحفادها إلى خارج المدينة ، لكن كل السيارات كانت ممتلئة والزحام على أشده ولا يقوى على الحصول على مكان في سيارة من تلك السيارات المكشوفة النقل ونصف النقل إلا الأقوياء من الناس، والمرأة كانت هرمة ، ناديت ليثا أن يقوم بتصوير تلك العائلة ، لكن ليثا لم يقم بتصويرهم فحسب بل تعاطف معهم ، وحينما جاءت سيارة نقل وتزاحم عليها الناس رق قلبه فقام بمساعدة هذه
العجوز وأحفادها حتي تركب على ظهر سيارة النقل مع العشرات من النساء والأطفال والعجائز الذين كانوا يفرون من الموت ، وانطلقت السيارة مع عشرات السيارات الأخرى في اتجاه النعيمية للخروج من دائرة الموت في الفلوجة ، لكن صورة هذه المرأة ترك كل يوم عاشته في الحياة أثرا على وجهها لم أنسه » .
حصار القوات الأمريكية
قامت قوات المقاومة العراقية الموجودة في القرى والمدن المجاورة بتطويق القوات الأمريكية المحاصرة للمدينة من الخلف وانهالت عليها بالصواريخ ومدفعية الهاون من اليوم الأول ، وقطعت معظم طرق الإمداد لفرقة المارينز الأولى المكلفة بحصار المدينة ، ودمرت كثيرا من سيارات قوافل الإمداد والتموين المتجهة إلى مواقع القوات الأمريكية التي تحاصر الفلوجة .، واستولت على محتويات بعضها . وقامت كثير من فرق التصوير التلفزيونية بنقل هذه الصور للعالم في حينها .
كما سلكت المقاومة ساوكا جديدا تمثل في اختطاف بعض سائقي الشاحنات التي توفر الإمدادات للقوات الأمريكية وعرضوهم أمام شاشات التلفزة ليكونوا عبرة وتحذيرا لغيرهم فتمكنوا بذلك من بث الرعب في نفوس السائقين الذين يقومون بنقل الإمدادات لتلك القوات ، وهؤلاء يعملون مع شركات نقل تعمل في الدول المجاورة للعراق .
كما أن المقاومة نجحت في تحييد الطائرات المروحية الأمريكية المقاتلة والتي كانت تقوم بدور هام في المعارك منذ سقوط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل ألفين وثلا ثة ، حيث نجحت المقاومة بإسقاط عشر منها خلا ل أسبوع واحد في محيط مدينة الفلوجة وحدها ، مما دفع بالقوات الأمريكية إلى استخدام طائرات إف ستة عشر وسي مائة وثلا ثين ، في عمليات قصف انتقامية للمدينة ومحيطها ، مستخدمة أسلحة محرمة دوليا مثل القتابل العنقودية ،- كما قال كثير من شهود العيان ومصادر طبية - وقد أدى ذلك إلى مقتل وإصابة ما يزيد على ألف وسبعمائة من السكان المدنيين في الفلوجة أكثر من نصفهم من النساء والأطفال .
وقد دفع هذا السلوك الأمريكي الغاشم المقاومة في كافة المدن العراقية إلى أن تهب لنصرة الفلوجة من ناحية ومن ناحية أخرى إضعافا للقوات الأمريكية التي فقدت الهيبة العسكرية والسيطرة والقدرة على اقتحام المدينة عدة مرات ، وبدت منهارة من خلا ل تصريحات كثير من المسؤولين العسكريين والسيا سييين ، حيث ظهر الرئيس الأمريكي جورح بوش في الحادي عشر من أبريل أمام عائلا ت ضحايا العمليات العسكرية في العراق في قاعدة « فورت هود » في تكساس وقال لهم بأسى = « لقد واجهت قواتنا أسبوعا قاسيا ،،، وأنا أصلي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر »
.
أما وزير الخارجية كولن باول فقد اعترف أمام لجنة نوعية بمجلس الشيوخ الأمريكي في التاسع من أبريل ألفين وأربعة بأنه يشعر بالقلق وأن القوات الأمريكية تواجه مقاومة عنيفة في الفلوجة ومدن أخرى وأن « المواجهات المسلحة مع الشيعة والسنة في العراق أقوى مما كان متوقعا » واعترف بأن « القوات الأمريكية تمر بوقت صعب » . ويتحدث المؤلف كذلك عن ورطة للجيش العراقي الجديد ، حيث انعكست هزيمة الأمريكيين على القوات العراقية التي قاموا بتأسيسها لتكون عونا لهم ضد الشعب العراقي، مثل الجيش الجديد والقوى المساعدة له التي أطلق عليها اسم « الدفاع المدني » ، ومثل الشرطة العراقية المناط بها ضبط الأمن الداخلي للمدن ، حيث أسس من الجيش العراقي أربع كتائب حتي ذلك الوقت . وكان من المقرر أن يتم تدريب عشرات الآلا ف من الشرطة ، مع خمسة عشر ألفا من الدفاع المدني ، لكن الجميع وقفوا موقف المتفرج بعدما أصبحوا هد فا للمقاومة حيث بلغ عدد منتسبي الشرطة العراقية الذين قتلوا خلا ل عام واحد أكثر من سبعما ئة ، أي أكثر من العدد الرسمي المعلن حتى ذلك الوقت من القتلى الأمريكيين . ثم جاءت النكبة الكبرى للقوات الأمريكية والتي تمثلت في رفض
كتيبتين عراقيتين من كتائب الجيش الجديد الأربع المشاركة في دعم القوات الأمريكية في حربها ضد أهل الفلوجة ، فإحدى الكتيبتين وهي الكتيبة الثانية المؤلفة من ستمائة وعشرين فردا رفضت التوجه للفلوجة . هذا بالنسبة للكتيبة الثانية ، أما الكتيبة الأولى فقد قبل أفرادها الأمر بتململ ، لكن القادة الأمريكيين فوجئوا بأن الجنود والسائقين العراقيين بعدما أخذوا مواقعهم على ظهور السيارات والشاحنات العسكرية فر السائقون هاربين في البداية ، ثم فر كثير من الجنود وراءهم وسط دهشة عارمة من القادة الأمريكيين المشرفين على الجيش العراقي الجديد
أما الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط - آنذاك والذي سبق أن حاولت المقاومة العراقية اغتياله في مدينة الفلوجة، فقد عبر عن عمق الأزمة التي تعيشها القوات الأمريكية في العراق حينما طالب البنتاغون في الثاني عشر من أبريل ألفين وأربعة ، أي بعد أسبوع واحد من حصار الفلوجة وبداية معركتها الأولى بأنه بحاجة إلى فرقتين عسكريتين أمريكيتين إضافيتين قوامهما عشرة آلا ف جندي من أجل تعزيز الوضع المتدهور للقوات الأمريكية .بعدها أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد - الذي أصبح قليل الظهور إعلا ميا في ذلك الوقت بسبب المأزق الذي تعيشه قواته - في الرابع عشر من نفس الشهر تمديد خدمة عشرين ألف جندي أمريكي من العسكريين الأمريكيين العاملين في العراق بناء على طلب الجنرال جون أبي زيد . وقد دفع هذا الأمر الكثيرين من أعضاء الكونغرس والسياسيين إلى المطالبة بسرعة مغادرة القوات الأمريكية للعراق في ذلك الوقت المبكر ، وذلك حتى لا يتكرر سيناريو فيتنام . ومع خوف بوش من أن يكون مصيره في الا نتخابات الرئاسية للفترة الثانية مثل مصير الرئيس الأمريكي جونسون الذي أسقطته حرب فيتنام فقد قال بصوت
خافت ممزوج بالألم وهو يتحدث للصحفيين ليلة الرابع عشر من أبريل ألفين وأربعة = « قد يقرر الناخبون التغيير في الا نتخابات القادمة لكن هذه هي الديمقراطية » لكنه حاول الهروب من شبح فيتنام والرئيس جونسون قائلا = « لكني لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك .. لا أنوي أن أخسر وظيفتي » . ومن يتأمل في تصريحات بوش بعد ذلك يجد أنها إقرار صريح بالهزيمة كما قال المؤلف « ففي خطابه الأسبوعي الذي ألقاه في الثامن عشر من يونيو ألفين وخمسة أقر بشكل غير مسبوق بالوضع المأساوي الذي تعيشه القوات الأ مريكية في العراق ، وقال = « إن الحرب في العراق عسيرة » واعترف بوش بصعوبة المهمة التي تقوم بها قواته في العراق بقوله = « إن المهمة ليست سهلة ولن تنجز بين عشية وضحاها » ، وقد مثل هذا الا عتراف ذروة المأساة للحالة البائسة التي وصل إليها بوش والتي بدأت أثناء معركة الفلوجة الأولى .
وبين المؤلف بعد ذلك مدى الهزيمة الا ستراتيجية والسياسية لبوش وجنوده ، من خلا ل ما نشرته وسائل الإعلام الغربية نفسها ، مما يكشف عن اندحار العقلية الا ستعمارية الغربية تجاه بلاد المسلمين . فهل يستفيد من تولوا السلطة الآن في أمريكا من دروس التاريخ القريب ، إن لم يستفيدوا من دروس التاريخ البعيد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.