القرع والإشعاعات النووية.. هولوكوست اليهود المغاربة في "أرض الميعاد" في يوم 14 من شهر شتنبر المنصرم، على الساعة التاسعة مساء، بثت القناة (الإسرائيلية) الثانية شريطا وثائقيا يكشف عن أبشع الأسرار التي احتفظ بها مؤسسو حزب العمال (الإسرائيلي): التعرض المتعمد لجيل تقريبا بأكمله لليهود السيفراد (من أصول مشرقية). الشريط يحمل عنوان أطفال القَرَع the ringworm children؛ أما العنوان بالعبرية فهو مائة ألف إشعاع، هذا الشريط الذي أخرجه كل من دافيد بلحسن، وآشير حميس، فازا أخيرا بجائزة أحسن شريط وثائقي في مهرجان حيفا الدولي للسينما. ومنذ عدة سنوات وهو يعرض في أكبر مهرجانات السينما اليهودية و(الإسرائيلية) عبر العالم أجمع. ولكنه مع ذلك لم يعرض أبدا على أي قناة تلفزية في (إسرائيل). موضوع الشريط يتعلق بتعريض مئات الآلاف من الأطفال من أبناء المهاجرين اليهود القادمين من دول المغرب العربي والشرق الأوسط (السفيراد) لإشعاعات نووية مكثفة. وهذا ملخص الشريط: في سنة ,1951 استقل المدير العام لوزارة الصحة (الإسرائيلية) الطائرة في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية من حيث عاد، ومعه سبعة آلات للإشعاع بأشعة إيكس منحها له الجيش الأمريكي. آلات الإشعاع هاته تم استخدامها في تجربة نووية مكثفة. جيل بأكمله من يهود المغرب العربي والشرق الأوسط (السيفراد) تم استخدامهم كفئران تجارب. كل طفل من هؤلاء السيفراد سوف يتلقى في رأسه كمية تفوق ب35 000 مرة القدر المسموح به في الاستعمالات الطبية من الأشعة السينية إيكس. ومقابل ذلك سوف تمنح الحكومة الأمريكية سنويا لحكومة تل أبيب ما قدره 300 مليون شيكل في ذلك الوقت، عندما كانت ميزانية وزارة الصحة آنذاك لا تتعدى 60 مليون شيكل. الأموال الممنوحة حينها من طرف الأمريكيين يمكن تقديرها حسب قيمتها لأيامنا هاته بملياري دولار سنويا. وبقصد خداع آباء الضحايا تم أخذ الأطفال إلى رحلة مدرسية ثم قيل للآباء بعد ذلك بأن الأشعة كانت علاجا ضد مرض القَرَع الذي كان يصيب رؤوس الأطفال. توفي ستة آلاف طفل بعد تعريضهم للتجارب بالإشعاعات بوقت قليل، فيم تطور لدى الكثير من الناجين الوضع إلى مرض السرطان الذي أصيب به الآلاف منهم على مر السنين، وما زال يقتل العديدين منهم حاليا كذلك. وطوال سنوات احتضارهم الطويل واللامنتهي، عانى الضحايا من أمراض كثيرة مثل الصرع، وفقدان الذاكرة، ومرض آلزهايمر، وصداع الرأس المزمن، وأمراض نفسية متعددة. هذا هو بكل برود موضوع هذا الشريط الوثائقي، أما رؤية الضحايا على الشاشة فشيء آخر تماما. رؤية مثلا تلك السيدة المغربية وهي تصف ماذا يعني تلقي 35 000 مرة القدر المسموح به من أشعة إيكس في الدماغ، تقول هذه المرأة: كنت أصرخ بأعلى صوتي: أزيلوا عني هذا الألم الفظيع من الرأس، أزيلوا عني ألم الرأس الفظيع هذا، أزيلوا عني ألم الرأس الرهيب هذا! ولكن ألم الرأس لم يغادر رأسي أبدا، أبدا!. وأيضا رؤية هذا الرجل الملتحي الذي ينزل عبر زقاق صغير، وهو منحني الظهر تماما، بحيث يؤكد قائلا: أبلغ من العمر خمسين سنة، ولكن الجميع يظن أنني أبلغ السبعين أو أكثر. أضطر إلى الانثناء عندما أمشي حتى لا أسقط. بأشعتهم السينية اللعينة، سرقوا مني شبابي. وكذلك سماع تلك السيدة العجوز التي كانت تُلقي للألاف الأطفال جرعا قاتلة من أشعة إيكس وهي تقول: كنا نضع الأطفال في صفوف متراصة، أولا كنا نحلق رؤوسهم، ثم نطلي جماجمهم بدهن يؤلمهم كثيرا بلدغاته القوية، وبعد ذلك، كنا نضع كرة على أفخاذهم ونأمرهم بأن لا يدعوها تسقط، وذلك حتى نضمن أنهم لن يتحركوا. لم تكن أجساد الأطفال محمية... لو كنت أعرف حجم الضرر الذي كنا نعرض هؤلاء الأطفال التعساء له، لما شاركت أبدا في هذا العمل، أبدا، أبدا بالمرة!. ولأن مجموع أجسادهم كانت تعرض للأشعة، فإن كل أجهزة هؤلاء الأطفال الجسمية كانت قد أتلفت، بشكل سيؤِثر بالكامل حتى على ذرياتهم، إننا نرى الآن على الشاشة امرأة بوجه مخرب ومتلف تماما، وهي تفسر لنا: إن أطفالي الثلاثة، مصابون بنفس السرطان الذي عانت منه كل أسرتي، فهل هذا مجرد صدفة؟.. أغلب الضحايا كانوا (أو هم) من أصول مغربية، لأن اليهود المغاربة كانوا يمثلون أغلب المهاجرين السيفراد. والجيل الذي عرض للإشعاع أصبح هو الأكثر فقرا، والأكثرجنوحا وتفسخا في المجتمع. وهذا أمر لا منطقي بالكامل، فاليهود المغاربة الذين كانوا قد هاجروا إلى فرنسا، هم اليوم ناجحون في حياتهم ومن ذوي التخصصات المهمة. والتفسير الشائع أكثر، هو أن فرنسا استقبلت أكثر اليهود المغاربة غنى وأكثرهم ذكاء وموهبة؛ أما التفسير الحقيقي فهو أن لا أحد من الأطفال اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى فرنسا، قد تم شوي خلاياه الدماغية بأشعة غاما. الشريط يوضح أن هذه العملية لم يكن فيها أي خطأ، فأخطار الأشعة تلك كانت معروفة للجميع (منذ أزيد من أربعين سنة). ففي إحدى الكراسات الرسمية الخاصة باستعمالات أشعة إيكس والمؤرخة في سنة ,1952 نقرأ أن الكمية المسموح بها في (إسرائيل) بالنسبة لطفل هي 5 راد، غير أن القدر الذي تم تعريضهم له يفوق ذلك ب35 000 مرة. لم يرتكب أي خطإ، الأطفال تم تعريضهم للإشعاع عن سبق إصرار. إن الأمر يتعلق بتسميم إرادي. ويلح دافيد ديري على أن فقط الأطفال السيفراد تم إخضاعهم للإشعاع النووي، يقول: كنت في المدرسة، وجاء أناس ليأخذونا إلى رحلة مدرسية، حسب ما قالوه لنا، كانوا يسألوننا عن أسمائنا، والأطفال الذين كانوا يحملون أسماء أشكنازية (الذين يعيشون بالغرب) كان يُطلَب منهم العودة للجلوس في أماكنهم، أما الأطفال ذوو السحنات السمراء والحاملين لأسماء سفارديمية(مشرقية وعربية) فكانوا يقادون إلى الحافلة. ثم بعد ذلك يقدم الشريط مؤرخا، بدأ كلامه بإعطاء نبذة مركزة عن تاريخ حركة تحسين النسل. ثم يغير من لهجته ليصرح بأن عملية القَرَع تلك كانت في واقع الأمر ضمن برنامج لتحسين النسل يهدف في الحقيقة إلى اجتثاث ما كان يعتبر الحلقة الأضعف في المجتمع العبري، وتطهير هذا المجتمع منها. عادت السيدة المغربية ثانية إلى الشاشة لتقول: إنه هولوكوست. هولوكوست للسيفراد! وما أريد معرفته هو لماذا لا أحد فعل أي شيء من أجل منع ذلك؟. ويظهر دافيد ديري من جديد في الشريط، هذه المرة كمشارك في ندوة، حيث عبر عن الإحباط الذي أصابه عندما حاول العثورعلى ملفه الطبي عندما كان طفلا. يقول: كل ما كان يهمني معرفته هو ما الذي فعلوه بي بالضبط؟ ومن الذي أمر بهذه المعالجة كنت أود تتبع سلم التراتبية لأعرف من أين جاءت الأوامر بالضبط. لكن قالوا لي في وزارة الصحة بأن ملفي قد اختفى. هنا تدخل بويزليف الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة ليقول: كل الملفات تقريبا قد اختفت، احترقت خلال حريق كان قد شب آنذاك!!!. لقد قيل لنا إنه في سنة 1940 أصدر قانون أمريكي يضع حدا لعمليات القيام بتجارب على البشر، مثل تلك التي كانت تتم بإخضاع الأسرى والسجناء وأصحاب الأمراض العقلية وغيرهم لتجارب بالإشعاع النووي. وتبعا لنصوص هذا القانون أصبح على البرنامج النووي الأمريكي أن يجد له فئران تجارب أخرى من فصيلة البشر: ووافقت الحكومة (الإسرائيلية) على توفيرهم له. وهذه هي تشكيلة الحكومة التي تم على عهدها إخضاع الأطفال السفارديم للتجارب النووية تحت ذريعة معالجة داء القرع: الوزير الأول: دافيد بنجوريون وزير المالية: إليعازر كابلان وزيرالمستوطنات: ليفي أشكول وزير الشؤون الخارجية: موشي شاريت وزير الصحة: يوسف بورغ وزيرة الشغل: غولدا مايير وزيرالداخلية: آموس بنجوريون أعلى منصب غير حكومي؛ كان هو المديرالعام لوزارة الدفاع، وكان يشغله: شيمون بيريز. أن تدخل إلى الصناديق ملايير من الدولارات ممنوحة من الحكومة الأمريكية دون علم الوزير الأول في حكومة كانت تجد آنذاك صعوبة في الحصول حتى على ما يكفيها من مصاريف فهذا من السخف تصديقه. أكيد أن بنجوريون كان ضالعا في هذه الفظائع، وربما هذا هو السبب الذي جعله يختار ابنه لاحتلال منصب وزير الشرطة (وزير الداخلية) حتى يكون بالمرصاد لكل من قد تسول له نفسه حشر أنفه في خبايا هذه الجريمة. وزير المالية آنذاك إليعازر كابلان تلقى اعترافا خالدا لقاء مساهمته في الجريمة، فقد سمي مستشفى يوجد قريبا من روهوفوت باسمه الذي ما زال يحمله إلى الآن. ولكن هذا الشخص، ليس هو وحده الذي حصل على هذا التشريف، فشاييم شيبا الذي كان يسير شركة مستشفيات داء القَرَع أنذاك، أصبح اسمه هو الآخر يطلق على مركب استشفائي كبير. ولاحاجة للتأكيد على أنه لو كانت هناك ذرة من حياء في مهنة الطب (الإسرائيلية) لتم إلغاء هذه التسميات حالا. بعد عرض الشريط كانت هناك ندوة شارك فيها مطرب من أصل مغربي دافيد إيدري الذي هو مدير لجنة تعويض ضحايا معالجة داء القَرَع بالأشعة النووية، بالإضافة إلى بويزليف الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة. مقدم الندوة دان مارغاليت حاول أن يعطي بعض التبريرات بعد الفظاعات التي شاهدها. فأخذ يفسر في خنوع بأن: الدولة كانت فقيرة، لقد كنا نحاول الاستمرار في العيش، يوما بيوم...، ثم توقف عن الكلام عندما أحس بأنه لا يمكن إيجاد أي عذر للفظاعات التي تحملها الأطفال السيفراد. ولكن مرة أخرى كان المغني المغربي هو الذي عرف كيف يلخص أحسن من الآخرين هذه التجربة المريرة، عندما قال صراحة: سوف أوجع كثيرا، كثيرا جدا، سوف أكون مؤلما في كلامي، ولكن يجب قول الحقيقة، وإلا فإن الجراح لن تندمل أبدا: هناك شخص ما زال على قيد الحياة إلى الآن، وهو يعرف بالكامل كل ما جرى بالضبط. هذا الشخص هو شيمون بيريس إن الطريقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة، وللبدء في تضميد الجراح، هي البحث عن الأشخاص المسؤولين عن تسميم مئات الآلاف من الأطفال السيفراد. ولكن هذا لم ولن يحدث، واستمر الجميع في أداء دوره، وفي الوقت الذي كان يتم فيه بث شريط الجريمة، كانت القناة الرئيسة تبث السهرة الكبرى لآخر حلقة من برنامج البحث عن المواهب في الغناء على طريقة ستار آكاديمي ميلاد نجم، وفي الغد كانت صورة النجم الجديد الذي ولد تحتل نصف الصفحة الأولى من كل الجرائد تقريبا. ولا أي كلمة عن الأطفال ضحايا معالجة داء القرع بالإشعاع النووي ولا على صفحات الجرائد ولا على الأنترنيت.. لا شيء، لا شيء إطلاقا. هذا المقال صدر في موقع http:web:israelinsider.com وهو بقلم: باري شاميش ترجمة: إبراهيم الخشباني-التجديد