دأبت الحركة الصهيونية منذ نشأتها نهاية القرن التاسع عشر على توظيف مجموعة من الأكاذيب وتحويلها إلى أساطير ثابتة في الوجدان اليهودي، ونشرها عبر وسائل الإعلان العالمية التي يمتلكها اليهود باعتبارها حقائق لا يطالها الزيف والاختلاق. وقد حقق هذا التحايل الكثير من أهداف الحركة الصهيونية في فلسطين، ومكن اليهود في مختلف بلدان الشتات لن ينل مواقع مهمة في السياسة والاقتصاد وتوفير الدعم للكيان الصهيوني. وتعتبر أكذوبة اللاسامية، أو نزعة معاداة اليهود، إحدى هذه الأكاذيب الشائعة التي عمل اليهود كل طاقتهم لتوظيفها ثقافيا وسياسيا وإيديولوجيا، بل تعتبر أكبر هذه الأساطير اليهودية الصهيونية التي وظفوها بذكاء إلى أقصى الحدود لصرف النظر عن ممارسات اليهود وجرائمهم في حق البشرية، وعن الإجرام الصهيوني في فلسطين، ولابتزاز دول العالم ماليا وسياسيا. وبالرغم من أن مصطلح السامية يخص مجموعة من الشعوب ذات الأصل الواحد، من جملتهم العرب، تعود جذورهم إلى سام بن نوح عليه السلام، إلا أن اليهود نجحوا في تحريف الكلمة لتصبح دالة عليهم هم وحدهم في مواجهة باقي الشعوب التي يعبر عنها مصطلح "الغويم" العبري، أو الأغيار الغرباء، ومن تم تتضح عنصرية اليهود التي تلخصها أدبيات الحركة الصهيونية: واعتبار عنصرهم أعلى من باقي بني البشر، فالتلمود مثلا، ذلك الكتاب المقدس لديهم الذي استبدلت به التوراة المحرفة ليكون "دليل عمل" لليهود، يقسم الجنس البشري إلى قسمين: اليهود والآخرون!، ويجعل اليهود سادة، والباقي عبيدا. العالم ضد اليهود، أم اليهود ضد العالم؟ يطلعنا التاريخ على أن أي قوم لم يتعرضوا لما تعرض له اليهود من اضطهاد وتعذيب وطرد وتشريد، فقد كانوا طوال حقب التاريخ محط كراهية جميع الأمم والشعوب. ويفسر اليهود ما تعرضوا له بكونهم محسودين من بني البشر لمكانتهم ومقدراتهم، وبأن لهم من الميزات ما يجعل الآخرين يكرهونهم، أما الحقيقة فهي أن ذلك يعود إلى أساليب المكر والاحتيال التي اتصفوا بها، وسلوكات الغدر والتآمر التي كانوا ينهجونها اتجاه الشعوب التي عاشوا بينها، فاليهود كانوا دائما أصحاب المهن الساقطة التي تشيع الفساد والرذيلة في المجتمعات، مثل الدعارة وبيع الخمور والجاسوسية والتآمر مع الأجانب، كما اشتهرو بالربا في معاملاتهم المالية، الأمر الذي كرس في وجدان الشعوب نمطا محددا للشخصية اليهودية المرابية الفاسدة والمخادعة، وقد حاولت باحثة يهودية تدعى ليندانوشلين دراسة هذا الجوانب من خلال الثقافة الغربية ونظرتها إلى اليهودي، ووضعت كتابا بعنوان "اليهود في النص"، والمقصود بالنص هنا النصوص الأدبية الغربية، منطلقة من سؤال: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد؟، ووجدت أن صورة اليهودي في الكتابات الغربية صورة واحدة تتردد في كل هذه الكتابات، فاليهودي هو دائما ذلك الشخص المحتال المنحط أخلاقيا، الفاسد والمرابي والمتآمر، والباعث على النفور والاحتقار. غير أن اليهود لا ينظرون إلى هذه المواصفات والسمات التي تتردد في جميع ثقافات الشعوب عنهم على أنها حقائق، ولا يرون في عداء الشعوب لهم ردة فعل على مفاسدهم ومكائدهم، بل يجعلون منها مظاهر للنزعة اللاسامية وكراهية اليهود في العالم، ونجحوا في جر جزء من الرأي العام العالمي سواء بالضغط والإكراه أو بعمليات غسيل العقول بواسطة الثقافة والإعلام، إلى هذه الأفكار الخاطئة والعنصرية. وقد تحولت تهمة اللاسامية إلى أداة فعالة في يد اليهود لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مختلف بقاع العالم، وأصبحت مثلها مثل تهمة الهرطقة التي كانت المسيحية في القرون الوسطى توزعها على كل من ينتقد أفعال الكنيسة أو يثور ضد سلطانها في المجتمع، وهي اليوم تشبه تهمة الإرهاب التي تستعملها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد من ينتقد سياساتها أو يسعى لتقرير مصيره بيده أو يدافع عن حريته واستقلاله، وتدل تهمة اللاسامية اليوم على كيف تصبح بعض الأكاذيب ذات قوة نافذة وذات تأثير على المستوى الدولي إذا كان هناك من يمتلك سلطة فرضها. اللاسامية والكيان الصهيوني في فلسطين عمل اليهود في وقت مبكر من القرن التاسع عشر على توظيف تهمة معاداة السامية من أجل أغراضهم الخاصة، فكانوا يستغلون أي حادث يتعرض له واحد منهم لرفع تلك التهمة والتلويح بها، وكان الهدف من ذلك هو حشد التأييد الأوروبي لبناء دولة خاصة بهم في فلسطين يعيش فيها اليهود مع بعضهم ويتخلصون من تربص الشعوب بهم ومحاولة القضاء عليهم. وقد استغل هرتزل، مؤسس المشروع الصهيوني ومنظره الأول، حادثة محاكمة ألفريدو ريفوس الشهيرة وإعدامه للدعوة إلى بناء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان دريفوس ضابطا في الجيش الفرنسي في ظروف الحرب بين فرنساوألمانيا التي انهزمت فيها الأولى أمام الثانية، وقد لعب اليهود دورا كبيرا في التجسس بين البلدين في تلك المواجهة السياسية والعسكرية، نظرا لاعتماد الدولتين على اليهود كجواسيس ومخبرين، واتهم دريفوس بالتعامل مع المخابرات الألمانية وأعدم بعد محاكمة، لكن بعد سنوات قليلة ثبتت براءته، فحول اليهود تلك الحادثة إلى معركة لهم جميعا، ولم يروا فيها قضية مواطن فرنسي بل قضية شعب يهودي يتعرض للظلم والاضطهاد، وأصبح إسم دريفوس عنوانا للاسامية ضد اليهود، واستغل هرتزل قضيته لدعوة دول أوروبا إلى دعم تأسيس وطن يهودي في فلسطين، والضغط على الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد الثاني لتسليم فلسطين لهم. وبعد الحرب العالمية الثانية وما وقع لليهود على يد الحركة النازية في ألمانيا، استغل اليهود ورواد الحركة الصهيونية تلك الأحداث ووظفوها لصالح مشروعهم الاستيطاني في فلسطين، ليجلبوا عطف الدول الأوروبية ومساعدتها لهم بدعوى التكفير عن الذنب ورد الاعتبار للضحايا وعائلاتهم. واختلق اليهود رقم الستة ملايين ضحايا المحرقة النازية، وموضوع أفران الغاز، ومصطلح الإبادة الجماعية أو الهولوكوست الذي أصبح يدل على ما حدث لليهود دون غيرهم من الأقليات والشعوب. ورغم أن رقم ستة ملايين مبالغ فيه، وشكك فيه العديد من الباحثين والمؤرخين والشهود حتى من اليهود أنفسهم، إلا أن حقيقة الأمر أن هذا الرقم تم الإعلان عنه والدعاية له بعد افتراض عدة أرقام أخرى خيالية جدا اقترحها بعض الصهاينة واليهود ولم تنل موافقة الجميع لإدراك بعدها عن الواقع، فقد كان الرقم الأول هو أربعون مليونا قيل إنهم أحرقوا في أفران الغاز النازية، وأصبح خمسة وعشرين مليونا، ثم استقر في ستة ،ملايين. وبسبب قوة الدعاية اليهودية العالمية، وسيطرة اليهود على وسائل الإعلام وقنوات هندسة العقول، فرضوا قوانين في الدول الأوروبية وأمريكا لزجر وردع كل من يحاول التشكيك في هذا الرقم وإعادة النظر في حقائق التاريخ إبان الحرب العالمية الثانية، وأدخلوا الهولوكوست كجزء من أنظمة التعليم في الدول الغربية يتلقنها الأطفال في المدارس ليطلعوا منذ صغرهم على المآسي التي حدثت لليهود، حتى يضمنوا أجيالا مؤيدة لهم ومتعاطفة مع قضاياهم غير العادلة، وخصصت جل الدول الأوروبية يوما في السنة لتخليد ذكرى المحرقة، كما أنشأت بعض هذه الدول متاحف خاصة للهولوكوست حتى لا تتعرض للنسيان، وتبقى حية شاهدة على مأساة اليهود، تذكر أوروبا بمدى التعاطف الواجب نحو اليهود، وبالمسؤولية الأخلاقية للأوروبيين اتجاههم واتجاه دولة الكيان الصهيوني في فلسطين. ويحاول اليهود تعميم احتفالات الهولوكوست على جميع دول أوروبا، وفي هذا الإطار اجتمعت سبع وأربعون دولة أوروبية نهاية العام 2000 في مؤتمر دولي بالعاصمة السورية، وخرجت بقرار يقضي بتدريس الهولوكوست في التعليم، واتخاذ إجراءات ردعية بحق كل من يقول إن عدد اليهود الذين أحرقوا في عهد النازية يقل عن رقم ستة ملايين. وبفضل أسطورة الهولوكوست هذه، وعقدة الذنب الأوروبية من جرائم النازية، والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية لأوروبا اتجاه ما تعرض له اليهود من اضطهاد وقتل وتعذيب، جرت وتجري أبشع جريمة إنسانية في التاريخ الحديث ما تزال فصولها مستمرة حتى الآن في فلسطين، ومكافأة هذه الجرائم بالدعم والمادي والسياسي، بدعوى الواجب الأخلاقي نحو الشعب اليهودي!! وقد حقق اليهود والكيان الصهيوني بواسطة أسطورة الهولوكوست أكبر عملية سرقة بشرية في التاريخ، بتعبير نومان فنكلستين مؤلف كتاب "صناعة الهولوكوست" الذي أثار ضجة عالمية وسط اليهود في السنة الماضية، إذ جلب اليهود دعما سخيا من أوروبا مازال مستمرا بدعوى تعويض ضحايا الكارثة، وحسب المؤلف أيضا، فقد استفاد الكيان الصهيوني من مئات الملايين من الدولارات كتعويضات، ودفعت ألمانيا وحدها في 1952 مبلغ 58 مليار دولار كتعويض، بالإضافة إلى المعدات العسكرية والاستثمارات الاقتصادية والصناعية والسفن وقطع الغيار، لكن الابتزاز اليهودي لألمانيا لم ينته، إذ في كل مرة تتم المطالبة بالتعويض، سواء لضحايا المحرقة، أو لأبنائهم، أو لأحفادهم، أو لضحايا أعمال السخرة، أو لمجرد رد الاعتبار الأخلاقي، وبسبب الهولوكوست أصبحت ألمانيا هي الشريك العسكري الثاني للكيان الصهيوني بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولا يقتصر الأمر على ألمانيا وحدها، بل شملت مطالب التعويضات دولا أوروبية أخرى منها السويد والنمسا وبريطانيا وإيطاليا وسويسرا، ولازالت القائمة اليهودية مفتوحة، لتشمل دولا أخرى، متهمة بسرقة الذهب اليهود في المصارف النازية، وفي شهر دجنبر 1998 انعقد في العاصمة البريطانية لندن المؤتمر الدولي الأول للذهب النازي الذي يزعم اليهود أنهم فقدوه خلال الحرب العالمية الثانية، وشاركت فيه 41 دولة و6 منظمات دولية غير حكومية على رأسها المجلس اليهودي العالمي، وتقرر القيام بحملة دولية مكثفة للمطالبة بالأرصدة اليهودية التي تزعم أنها تنهب من المصارف الألمانية. ويفرض اليهود ستارا حديديا ضد أي محاولة لتكذيب أسطورة الهولوكوست ومعاداة السامية، لأن إسقاط هذه الأساطير في نظرهم يسقط شرعية الكيان الصهيوني في فلسطين ،ومشروعية المطالبة بالتعويضات من أوروبا، وبالتالي يقضي على مستقبل اليهود، فقبل سنوات شن اللوبي اليهودي في فرنسا وغيرها حملة دعائية مسعورة ضد المفكر الفرنسي روجيه جارودي بسبب كتابة "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، الذي انتقد فيه أكذوبة المحرقة النازية وطعن في رقم الستة ملايين من الضحايا اليهود، وحوكم جارودي بمقتضى قانون "غايسو" الفرنسي الذي استصدره اليهود الفرنسيون لمحاكمة كل من يشكك في المحرقة بتهمة "التحريفية". وقبل عامين تمت محاكمة المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ "بتهمة تكذيب الهولوكوست، بسبب قوله عنها بأنها: "كذبة كبيرة" في كتابه المعنون: "حرب هتلر: العقل الموجه للرايخ الثالث". وتعرض الكاتب البرطاني فنكلستين صاحب كتاب "صناعة الهولوكوست" للتشهير لتشكيكه في المحرقة وفضحه لأساليب اليهود في استغلال العالم باسمها، رغم أن المؤلف يهودي وينحدر من أبوين اعتقلا في وارسو إبان الحكم النازي. ولأجل شد الطريق على كل نقد للهولوكوست تم إنشاء عشرات المنظمات في أوروبا وأمريكا بدعم من اللوبي الصهيوني في هذه البلدان لقيادة الحملات ضد المشككين والنقاد، وتوجيه الرأي العام العالمي، من بينها "رابطة مناهضة الميز العنصري ومعاداة السامية" في فرنسا، و"مؤتمر المطالب اليهودية" في كندا، و"المؤتمر اليهودي العالمي" و"اللجنة المعادية للتشهير" في أمريكا، وغيرها. وتقوم هذه المنظمات بالتشهير بكل من ينتقد أكذوبة الهولوكوست ودمغه بالتهمة الجاهزة وهي معاداة السامية، وتضغط من أجل وقف ومصادرة الأنشطة والمؤتمرات والكتب التي تسعى إلى البحث في الحقيقة على أسس علمية، خوفا من افتضاح أمرها، مادامت الصهيونية ترتكز على الأساطير والخرافات والأكاذيب لا على الحقائق المؤكدة والموثوقة، وقد حالت ضغوط هذه المنظمات واللوبيات اليهودية في أوروبا دون عقد مؤتمر "التعديلية والصهيونية" الذي كان سينعقد في العام الماضي في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي كان سينتقد توظيف الكيان الصهيوني لأسطورة المحرقة ونزعة معاداة السامية، لكن الحكومة اللبنانية رضخت للضغوط ومنعت عقد المؤتمر على أراضيها. ولا يكره اليهود فقط إنكار الهولوكوست، بل يكرهون حتى الحديث عن إبادة جماعية أخرى تعرضت لها أقليات غير الأقليات اليهودية، حتى تبقى لليهود ،تلك الميزة الخاصة بهم، باعتبارهم الفئة الوحيدة التي تعرضت للإبادة في التاريخ، فعندما أراد البعض إنشاء متحف تذكاري لتخليد ذكرى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الغجر في أوروبا وألمانيا، أسوة بالتحف التذكارية للهولوكوست في واشنطن، ضغط اللوبي الصهيوني الأمريكي لمنع إنشاء المتحف، ورفض اليهود الاعتراف بأن الغجر هم شعب أصلا، لأن حياة يهودي لا يمكن أن تقارن بحياة شخص آخر غير يهودي، وفي العدوان الصربي ضد مسلمي البوسنة والهرسك عندما أخذ الإعلام الغربي يطلق على جرائم الصرب تسمية الإبادة الجماعية، ويشبهها بالجراذم النازية، شن اللوبي اليهودي في البلدان الأوروبية حملة إعلامية لوقف هذه العبارات، لأن لفظ الإبادة الجماعية لا يليق بغير اليهود. ويتضح من طريقة التوظيف اليهودي لنزعة معاداة السامية وكذبة الهولوكوست أن اليهود يقفون ضد العالم أجمع، وهم بذلك يؤكدون تلك السمات والخصائص المميزة لليهود لدى الشعوب الأخرى، والتي يحاولون محاربتها بدعوى اللاسامية. اللاسامية والإجرام الصهيوني تعتبر تهمة معاداة السامية بمثابة الحصانة التي يريد اليهود أن يسبغوها على أنفسهم وأعمالهم الإجرامية، فهي دمغة جاهزة ضد كل من ينتقد أفعال الصهاينة في فلسطين وجرائمهم الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، إذ يرى اليهود أن العالم كله مذنب في حقهم، وأنهم هم غير مذنبين في حق أحد، فمعاداة السامية توفر لليهود غطاء يمكن القيام تحته بأي عمل مهما كان غير مشروع دون إمكان التعرض للنقد والمحاسبة. ويؤكد نورمان فنكلستين في كتابه "صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية"، أن نزعة معاداة السامية التي يطلق عليها تسمية الهستيريا، مكنت اليهود من تحقيق أهداف متعددة من تلك الأهداف التي رسمتها الحركة الصهيونية. أولى تلك الأهداف أن التلويح بمعاداة اليهود جعل الكيان الصهيوني يبدو للأقليات اليهودية في الشتات كملاذ أخير لهم من أجل الاستقرار والحياة المطمئنة والهدوء، وبذلك شجعت الحركة الصهيونية وتشجع الهجرة اليهودية نحو الدول العبرية، ودفع يهود العالم إلى التبرع بالمال لدعم دولتيهم في فلسطين لتحصينها ضد الأعداء، فإذا كان كل يهودي في العالم هو معرض للخطر والموت والاضطهاد، فالدولة اليهودية التي يتجمع فيها اليهود ستكون أكثر عرضة لخطر المحو والإبادة، ومن تم ضرورة تقوية هذه الدولة وتوفير سبل القوة والاستقرار لها. أما ثانية تلك الأهداف، فهي تحصين مصالح اليهود في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية" إذ تبرز معاداة السامية في هذه الحالة طريقة لتحقيق سيطرتهم وتغلغلهم في دواليب السياسة والاقتصاد، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما يرى فنكلستين، توظف النخب اليهودية تهمة اللاسامية لحماية مصالحها الطبقية والإثنية وتحصين سياساتها المحافظة، ويؤكد رئيس "اللجنة المعادية للتشهير" أن العداء الحقيقي للسامية في أمريكا يتكون من إجراءات سياسية "أكالة للمصالح اليهودية" مثل العمل التشجيعي الذي تستفيد منه الطبقات الأخرى، والتقليص من موازنة الدفاع، والانعزالية الأمريكيةالجديدة، فضلا عن معارضة القوة النووية بل ومعارضة الإصلاح الانتخابي أيضا<. (صناعة الهولوكوست. ص 46). ويحاول اليهود باستمرار التشبيه بين أي مصدر يعتبرونه عدوا لهم وبين النازية الألمانية، ووصف أي عمل عدواني يستهدفهم بأنه هو هولوكوست جديد، فبعد الغزو الصهيوني للبنان في 1982 والجرائم التي اقترفها الجيش الصهيوني في حق الفلسطينيين، وحين بدأ بعض الأوروبيين في فضح تلك الجرائم، ومن بينهم صحافيون ومفكرون أمثال روجيه جارودي، أخذ الإعلام الصهيوني واليهودي يصف العرب بأنهم نازيون جدد، وتحدث المستشرق اليهودي المعروف برنارد لويس عن "النازية العربية"، كل ذلك لتبرير الجرائم الصهيونية واعتبارهم مجرد ردود أفعال ضد محاولات قتلهم، تماما كما فعل الصهاينة اليوم في الضفة الغربية ومخيم جنين حين قتلوا المئات من الأبرياء والمدنيين بدعوى "الدفاع عن النفس"، وساند البيت الأبيض هذه الحجة الخادعة، وصرح بوش بأنه يتفهم حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن وجوده، وفي مذبحة قانا في لبنان عام 1996 التي ذهب ضحيتها المئات من السكان المدنيين والعزل، كتب الصحافي اليهودي آري شافيت بأن الكيان الصهيوني يمكنه فعل أي شيء متمتعا بالحصانة لأن "لدينا اللجنة المعادية للتشهير، ومتحف ياوقاشيم (المحرقة) ومتحف الهولوكوست"، والمعنى أن أي نقد أو استنكار لهذه الجرائم سيتم الرد عليه بالتهمة الجاهزة من قبل اللجنة المذكورة وإظهار اليهود كضحايا في رمز المتحفين المذكورين. ويستغل الكيان الصهيوني عقدة الذنب الأوروبية من جرائم النازية اتجاه اليهود لصرف أي نقد لأوروبا لسياساتها وجرائمها، ولا تتضمن التقارير السنوية حول حقوق الإنسان التي تصدرها وزارات خارجية عدة بلدان أوروبية أية إشارة إلى الممارسات العنصرية والعدوانية للكيان الصهيوني في فلسطين، ويتم الإطاحة بأي مسؤول حكومي يدلي بتصريحات ينتقد فيها الممارسات الصهيونية، وقبل أسابيع وصف السفير الفرنسي في تل أبيب الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين قبل الغزو الأخير للضفة الغربية بأنها جرائم ضد الإنسانية، فجاءت التهمة الجاهزة من الحكومة الصهيونية تتهمه بمعاداة السامية، وفي السنة الماضية كتب الصحافي الفرنسي باسكال بونيفاس مقالا في "لوموند" الفرنسية ينتقد الممارسات العدوانية لحكومة شارون، فرد عليه السفير الصهيوني في باريس بنفس الجريدة متهما إياه بمعاداة السامية، مما تطلب من الصحافي كتابة رد على ذلك أوضح فيه أن انتقاداته موجهة إلى حكومة شارون وليس إلى اليهود، وأن هناك فرقا بين معاداة السامية وبين نقد الممارسات غير الإنسانية. معاداة السامية والخطر اليهودي إن نزعة معاداة السامية تشكل خطرا حقيقيا على الشعوب والسلم في العالم، فوراء هذه النزعة توجد الأيادي اليهودية التي تريد أن تعبث بأقدار العالم وسياساته وتوجيهها في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم، فالحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن ليس هناك خطر على اليهود، بل خطر من اليهود على البشرية. وقد بدأت الجرائم اليهودية والصهيونية وأكذوبة اللاسامية والهولوكوست ستنكشف مع ظهور باحثين هدفهم الرئيسي خدمة الحقيقة، وكشف الخرافات التي يذهب ضحيتها العالم الحديث، غير أن أصواتهم لا تزال خافتة نتيجة الحصار المفروض عليهم من اللوبي الصهيوني، ونتيجة القوة الدعائية لهذا اللوبي في أوروبا وأمريكا، وفي هذا السياق تعترف مديرة مكتب اللجنة اليهودية الأمريكية ديدري بيرغ في برلين قائلة: "تشعر الكثير من الشركات الألمانية أنها تخضع للابتزاز من جانب اليهود الأمريكيين" (الشرق الأوسط 2001/3/5). ويدعو فنكلستين إلى إغلاق ما سماه "مصنع صناعة الهولوكوست"، لأن هذه الصناعة أفلست "ويبقى التصريح بذلك الإفلاس علنا أمرا واجبا، ولقد آن الأوان منذ وقت بعيد لإغلاق مصنعها تماما" (صناعة الهولوكوست. ص 152). ومن المؤسف أن لا توجد هناك أية مبادرة عربية أو إسلامية للرد على هذه الأساطير والخرافات وفضحها، وكشف الزيوف اليهودية المعاصرة، توازن أو تقارب قوة الدعاية اليهودية والصهيونية الناشطة، فالعرب والمسلمون هم الأكثر تضررا من الأكاذيب اليهودية، وهم الذين يدفعون اليوم ثمن جرائم النازية الأوروبية تجاه اليهود، وتحتل أرضهم بدعوى التكفير عن ذنب لا يد لهم فيه. إدريس الكنبوري