تستحق الوقفة التي صدرت عن المثقف المغربي اليهودي إدمون عمران المالح التقدير العالي، بالنظر إلى موقعه وتاريخه ورصيده، إذ انتفض ضد ما ورد في ندوة نظمها المعهد الثقافي الفرنسي، يوم الإثنين 1 فبراير 2010 بالمكتبة الوطنية بالرباط، والتي جاءت للترويج لقضية مناهضة الهلوكوست والمحرقة التي تعرض لها قطاع من اليهود في أوروبا على يد النازية، إلا أن المثقف المالح امتلك بوعيه وحسه التاريخي شجاعة صياغة الموقف الصحيح، وهو رفض حصر الحديث في الجرائم التي وقعت ضد الإنسانية في المحرقة اليهودية، ومناهضة التوظيف السياسي والإيديولوجي من قبل الحركة الصهيونية في ظل تغافل غير مبرر عن الحديث عن مسألة المغاربة ضحايا الاستعمار، بل محارق وإبادة جماعية منظمة قام بها الكيان الصهيوني في حق أبناء غزة وأطفالها، لاسيما وأن هذه المحرقة الصهونية تشكل جرحا عميقا في ضمير وذاكرة الأمة يصعب أن يتحقق أي تعايش بين اليهود والمسلمين دون أن يقوم مثل مشروع علاء الدين بالتعريف بها واعتبارها تاريخا مشتركا للإنسانية، ينبغي لليهودي كما لغير اليهودي أن يدرسه ويستخلص منه العبر. المثير في هذه الندوة التي نظمت بشراكة مع الخارجية الفرنسية والمكتبة الوطنية للمملكة أن السيد أندري أزولاي، حاول بنفس اعتذاري، أن يهرب من صدمة النقذ العميق للمالح، بل وذهب أبعد في رفض الدخول في مناقشة موضوع غزة أثناء مناقشة المحرقة، مؤكدا عدم وجود علاقة بين المحرقة وبين قيام إسرائيل، مضيفا أن لا مجال للمقارنة بين ما يحدث في فلسطين وما حدث في المحرقة، وهو موقف لا ينسجم وموقف المغرب الذي رفض في السابق أن يستهدف يهود المغرب بالسياسة النازية في عهد فيشي كما يرفض اليوم المحرقة الصهيونية في غزة والتي تجلت في استعمال القنابل الفوسفورية واستهداف المدارس المسيرة من قبل الأممالمتحدةبغزة. إن الانسجام مع الموقف المغرب الرسمي يفرض عدم التمييز، كما يفرض على المغرب، كما عبر عن ذلك إدمون عمران المالح أن يفتح ملفات المحرقة التي تعرض لها في الفترة الاستعمارية وعلى رأسها استعمال الغازات السامة والأسلحة الكيماوية في العدوان الإسباني على المغرب في الريف. ما صدر عن أندري أزولاي، يثير أكثر من سؤال وعلى رأسه سؤال العلاقة مع النشاط المحموم من قبل معهد ياد فاشيم الإسرائيلي، والذي قام باستدعاء نشطاء أمازيغ من رجال التعليم لهم علاقة بجمعية الصداقة الأمازيغية اليهودية، وذلك قبل اسابيع من أجل أخذ دروس في المحرقة، والحديث آنذاك عن الاستفادة من ذلك في تدريسها في المغرب. يكتسب سؤال العلاقة شرعيته من كون نشاط المكتبة الوطنية والمدعوم من قبل فرنسا طرح هو الآخر مسألة تدريس الهولوكوست في المغرب، وهو مطلب يعد تدخلا سافرا في شأن سيادي يهم المقررات الدراسية، فهل تقبل فرنسا بأن يطالبها المغرب بتدريس تاريخ جرائمها في المغرب أثناء المرحلة الاستعمارية، كما يكشف هذا الطلب عن حجم الصلف المستفز وغير المقبول إطلاقا، والذي قدم دليلا على الالتقاء غير المباشر مع المشروع الصهيوني لمعهد ياد فاشيم، هذا الأخير الذي يستغل موضوع المحرقة لتشجيع التطبيع الثقافي مع المغرب. لقد كان الموقف المغربي، وكما تؤكد ذلك الوقائع التاريخية، رافضا للمحرقة، وشكل نموذجا فريدا في التعايش والتسامح بين اليهود والمسلمين، لكن أن يقع اليوم استغلال هذا الموقف لفرض مسار تطبيعي مع العدو الصهيوني في الوقت الذي تستمر فيه الجرائم الصهيونية في فلسطين يمثل أبشع استغلال لا يليق بالمغرب ورصيده ومكانته، بل ويناقض منطق رفض المحرقة نفسها، وكما كانت له الجرأة في الأربعينيات لرفض محرقة النازية فهو اليوم مطالب بأن يرفض استغلالها لإضعاف موقفه في مناهضة محرقة الصهيونية الحديثة.