أرجعت بعض المصادر المطلعة من داخل اللجنة المكلفة بإعداد ودراسة البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية عدم الإعلان عنه لحد الآن إلى ضرورة تعميق النقاش حول عدد من القضايا الأساسية وتوحيد الرؤى والمواقف حولها، وتوسيع دائرة الشورى بشأنها ما أمكن بين الخبراء، سواء تعلق الأمر بالحقول الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو الدينية من أجل صياغة برنامج حقيقي قابل للتطبيق لمغرب الغد. ولتحقيق غاية تعميق الشورى حول البرنامج الانتخابي المزمع الإعلان عنه بعد غد الجمعة مر هذا البرنامج قبل أن يستوي على ما هو عليه الآن بعدة مراحل، بحيث إن المادة الأولية للبرنامج صيغت في 500 صفحة ثم تمت إعادة صياغتها في حدود النصف، وتجتهد اللجنة الآن في وضع اللمسات الأخيرة لإخراج هذا البرنامج في صيغته النهائية، خاصة وأن كل ما يتعلق بالصياغة والتوجهات والمواقف والشعارات الكبرى قد تم الحسم فيها. وأضافت نفس المصادر أن إخراج برنامج انتخابي حقيقي كلف حزب العدالة والتنمية تعميق تشخيص الواقع المغربي على كل مستوياته وهذا التعميق فرض ضرورة تشخيص كل قطاع على حدة، وأفاد كل ذلك في تحديد الإجراءات المناسبة لكل قطاع من هذه القطاعات. ويترجم البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الشعار العام للحزب الذي هو من أجل نهضة شاملة أصالة عدالة تنمية. ويرتكز في صيغته الحالية على خمسة محاور هي: الأصالة والسيادة والديموقراطية والعدالة والتنمية، ويستجيب البرنامج لكل محور من هذه المحاور بمجموعة اقتراحات وإجراءات عملية قابلة للتطبيق تأخذ من واقع مغرب اليوم لصناعة مغرب الغد. فالأصالة مثلا تحيل على مجموعة القضايا الثقافية والقضايا المرتبطة بالهوية والأخلاق والتدين وبالمرجعية العليا للبلاد. وهي في تقدير الحزب ستة محاور كبيرة، منها ما يرتبط بتعزيز المرجعية الإسلامية للبلاد في كل القضايا المتعلقة بالحياة العامة في البلاد، إن على المستوى الدستوري أو المستوى الاقتصادي أو المستوى الاجتماعي، بمعنى تعزيز المرجعية الإسلامية في كل المستويات وإعطائها ما تستحقه من الأولوية والاهتمام، بالإضافة إلى تقوية الجانب الأخلاقي والديني في المجتمع، والعناية بالمساجد وتركيز الهوية الإسلامية في نظام التربية والتعليم وتنمية ثقافة وطنية أصيلة. ولئن كان التعاطي الإصلاحي يرتكز بكل أسف على البعد المؤسساتي فإن حزب العدالة والتنمية، وهو يؤمن بهذا الطرح، ليعتبره قاصرا برغم وزنه واعتباره، ويعطي كامل الاعتبار في مقابل ذلك للبعد التربوي والأخلاقي ويرتبط بإحداث تغيير على مستوى المناخ العام الموجود في المجتمع لصالح مشروع تخليق الحياة العامة بالبلاد. ثم بعد ذلك البعد المؤسساتي. ولا يرتبط المحور الثاني ضمن شعار حزب العدالة والتنمية وكما ورد في البرنامج الانتخابي بالسيادة وتمتين الوجود السياسي للمغرب، وصيانة وحدته في ظل زحف العولمة ومناورات الخصوم، والتحديات التي تطرحها المتغيرات الدولية والإقليمية، سواء في المنطقة المغاربية أو في العالم العربي الإسلامي، أو العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ويتضمن البرنامج إجابات ومواقف حول هذه القضايا والعلاقات التي لها صلة مباشرة بسيادة المغرب، خاصة ما يتعلق بوحدة المغرب الترابية، وتحرير سبتة ومليلية في ظل تنامي أطماع الخصوم. وكذلك سبل تفعيل وتطوير وإعادة هيكلة الجهاز الدبلوماسي وقضية اتباع وانتهاج سياسة خارجية فعالة. وينتظم داخل المحور الثالث من البرنامج وهو محور الديموقراطية كل القضايا المرتبطة بالملف السياسي في البلاد، سواء على مستوى الإصلاح الدستوري، حيث بلور البرنامج رؤية معينة لما يعتبره حزب العدالة والتنمية قضايا أولوية في إصلاح الورش الدستوري، كمسألة الغرفتين ومسألة التنصيص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأسمى للتشريع ومسألة تفعيل وتقوية السلطة القضائية من الناحية الدستورية. ولم يغفل البرنامج في محور الديموقراطية الإشارة إلى ضرورة تفعيل البرلمان ومؤسساته، وأيضا تفعيل كل من الحكومة والأحزاب. ويضيف في إطار الإصلاح الدستوري ما يسمى بتحسين وتخليق تدبير الشأن العام بالقضاء على الامتيازات، واعتماد مساطر شفافة في التدبير والقضاء على الزبونية والمحسوبية والرشوة. وهذه كلها إجراءات قدم البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية لها إجراءات قابلة للتطبيق. وشكلت مناسبة وضع وتقديم البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في ظل استحقاقات 72 شتنبر الجاري فرصة أكد خلالها الحزب دعمه الواضح للاختيار الديموقراطي والداعم بشكل قوي لإنجاح عملية الانتقال الديموقراطي، وبناء مؤسسات ديموقراطية في البلاد، وإقرار توازن السلط وتأهيل المؤسسات السياسية، والانخراط بالتالي في ورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد. وداخل محور العدالة، وهو المحور الرابع تندرج كل القضايا المرتبطة بالملف الاجتماعي، مثل ضمان سياسة عادلة في التشغيل، وسكن لائق للجميع، وصحة للجميع، وامرأة فاعلة، وطفولة آمنة، وأسرة متماسكة. وهذه كلها شعارات مركزية تشكل بعض مجالات عمل الحزب. ويضاف إلى ما سبق ملف الشباب المغربي وتأهيله، والقضاء من حيث تقويته واستقلاليته. وملف مكافحة الفقر من أجل خلق مجتمع متكافل، وطرح مجموعة من الإجراءات العملية لحل الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في البلاد. ويحدد المحور الخامس وهو محور التنمية ضمن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية فلسفة هذا الحزب في التنمية، والمرتكزة على عدة أبعاد منها، بعد الإنسان ومركزيته في كل تغيير حقيقي وعمل تنموي، ومنها بعد الأصالة بحيث يعتبر البرنامج أن عملية التنمية هي مجموع الجهود التي يجب أن تكون ثمرة مجموعة جهود على مستوى الأصالة والسيادة والديموقراطية، إذ لابد من الانطلاق من المؤسسات السياسية والمرجعية الإسلامية وصيانة السيادة للحفاظ على استقرار القرار السياسي في البلاد. وآنذاك يمكن الانخراط في ورشين كبيرين هما تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة للبلاد. وفي هذا المحور أيضا يشير البرنامج إلى القضايا المرتبطة بالتعليم من أجل تخريج كفاءات عالية، وأيضا ما يتعلق باستثمار السياحة والصناعة والفلاحة والإصلاح الإداري والموارد البشرية ولكل هذه القضايا إجراءات عملية قابلة للتطبيق. عبد الرحمن الخالدي