توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    ضبط شحنة كوكايين بمعبر الكركارات    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    ترامب يعاقب أكبر داعم "للبوليساريو"    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    عزيز غالي ينجو من محكمة الرباط بدعوى عدم الاختصاص    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطور المؤسساتي للشورى عند حركة التوحيد والإصلاح-الحلقة الثالثة
نشر في التجديد يوم 22 - 06 - 2005


محددات تطوير مؤسسة الشورى
في الحلقة السابقة تطرق كاتب المقال إلى مجموعة من القيم التي تستند إليها الشورى، وكلما غابت هذه القيم تضاءلت فرص التطور المؤسساتي للشورى، ولذلك فهذه الأخيرة تؤطر بالسياق الثقافي للمجتمع. كما تناول أيضا العوائق التي تعترض سبيلها مشيرا إلى أنها عوائق وليست موانع نهائية من تنزيل الشورى وتطور مؤسساتها.
اعتماد مقاربة معرفية
يجب ألا تفهم الرقابة بالمعنى العقابي والجزائي الذي ينطلق من فرضية اتهامية للقيادة التنفيذية سواء بالتقصير أو التبديل. فهذا الفصل وهذا الجدل لا يستند إلى مبررات عدم الثقة في تصرفات القيادة. لكنه ذي صلة بمبرر معرفي يقوم على أساس محدودية القدرة البشرية على الفهم والاستيعاب. وهي محدودية تتأسس على أن الفهم والاستيعاب ذاتي إلى أقصى الحدود. فأي إنسان لا يلاحظ سوى ما يعرف أي أن إدراكه للتحولات التي تعتمل في التنظيم وفي محيطه انتقائي بحسب تجربته التنظيمية والحياتية السابقة وطبيعة معارفه وطبيعة تفكيره الذي صاغه وضعه الاجتماعي ونوع التربية والتكوين الذي تلقاه وطبيعة مواقفه واتجاهاته النفسية. وعندما يلتقي مجموعة من الناس يدخلون في علاقة تأثير وتأثر تقود في نهاية المطاف إلى الانسجام بعد ما يصلون إلى قناعات مشتركة تصوغ ذهنياتهم وبنياتهم المعرفية (cognitives structures) وبالتالي يصبح تفاعلهم مع الأحداث والأشياء متشابه إلى حد ما. ولهذا لا يحتاجون إلى التفكير والنقاش مجددا كل ما حدث لهم عارض أو قادتهم حركتهم إلى مواجهة قضية ما. يميل النقاش حينئذ إلى أن يكون سطحيا لأن طبيعة الحجج التي يتم استدعائها
تكون معروفة ومألوفة.
يعكس الانسجام من زاوية معرفية حالة هيمنة ذهنية معينة أي غياب طرح الأسئلة بشأن التمثلات التي تكيف رؤيتنا للواقع وهي تمثلات مهما اقتربت من الحقيقة تبقى ذاتية وموشوبة بالخلفيات الفكرية والاجتماعية والتجارب السابقة للأفراد. يمكن القول إذن أن حالة الانسجام تقتل روح النقد والتساؤل وتقود إلى السقوط في أسر مقولات نسبية تنتهي إلى موت الأفكار وعبادة الأشخاص.
تضطلع القيادة التنفيذية بدور كبير في تشكيل خصائص التنظيم سواء من حيث صياغة الذهنية العامة من خلال إعطاء معنى محدد لعملها وتصرفاتها. فما هو مهم لا يمكن في قراراتها في حد ذاتها ولكن في ما يترتب على تلك القرارات من إعادة رسم الخريطة الذهنية للتنظيم التي تحدد كيف يتعامل الأعضاء مع ما يستجد من قضايا وأفكار. تضطلع القيادة التنفيذية بهذا الدور بالنظر إلى كونها الفاعل الرئيس الذي يشغل الحيز التنظيمي في بعديه الزمني والمكاني. ويزداد هذا الدور كلما عملت القيادة التنفيذية على ملأ الفضاء التنظيمي وتقوم بكل الوظائف : صياغة الأفكار، تنزيل الأفكار، مراقبة عملية التنزيل، التأطير... وكل ما كان التنظيم موسوما بهذه الأحادية ولم يقد التكوين المؤسساتي لإلى الفصل بين هذه الوظائف وإشراك أكبر عدد من الطاقات والأطر إلا وطغت الذاتية التي تقود إلى الشخصانية.
مؤسسة الشورى لها بعد معرفي، ذلك لأنها تعمل على تطوير آليات الضبط لرقعة التحرك المتوفرة لدى القيادة التنفيذية. أي أنها تسهم من خلال تداول الرأي إلى تدقيق الرسالة بحسب الظروف التي توكل مهمة تنزيلها وليس صياغتها للقيادة التنفيذية. فكلما اتضحت صورة المشروع العام للتنظيم من الناحية التصورية في أذهان عموم الأعضاء إلا وارتفع مستوى انتظاراتهم و تحدد بدقة ما على القيادة أن تقوم به أي يصبح هامش التحرك ضيقا. من هذه الزاوية تعمل المؤسسات الموازية والداعمة للقيادة على نشر الأفكار والمعلومات والمشاريع و ترويجها. غير أن واقع الممارسة يقود إلى قلب هذا المنطق. ذلك لأن القيادة التنفيذية تحصل بالنظر إلى مباشرتها للعمل على معرفة بأحوال التنظيم وعلاقاته الخارجية أكبر من تلك التي تكون لمؤسسة الشورى. الشيء الذي يقود إلى أن الرقابة تصبح إلى حد كبير شكلية. فالشورى تحتاج لكي يصبح لها مدلول حقيقي إلى انتشار الوعي وتداول المعلومة على أكبر نطاق وبالعمق المطلوب.
توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى حد ممكن
الشورى في أصلها عامة و إن اتخذت في الأشكال التاريخية صورا مقزمة و جد ضيقة. فالصيغ التي اعتمدت أهل الحل و العقد إنما تعود للاعتبارات التاريخية المرتبطة بمستوى التطور المؤسساتي للمجتمعات الإسلامية التاريخية.
الشورى تعني عموم الأعضاء، لأن هؤلاء يساهمون بقدر ما في تحديد الاتجاه العام للتنظيم من خلال المشاركة في فرز القيادات في مختلف المستويات. و عملية الفرز هذه هي محصلة الوعي الذي تبلور لديهم و شكل معايير الاختيار. ثم يجب ربط حدود دائرة المشاركين في العملية الشورية بهدف تعميم الوعي ونشره. ومعنى هذا أن المشاركة في صناعة القرار تكون محطة للتفكير و استيعاب مزيد من المعلومات عن حركة التنظيم في بعديها الداخلي و الخارجي، وينبني على ذلك موقف عام يقضي بتوسيع هذه الدائرة لتشمل أكبر عدد ممكن إلا إذا كانت هناك إكراهات تمنع ذلك. و بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى عدم اعتبار الجانب المالي إكراها حقيقيا لأن النظر إلى الأمر من زاوية بعيدة المدى يكشف عن الاختلال الحقيقي الذي يمس التنظيم بتضييق دائرة المشاركة في صناعة القرار على حيز ما. و يكمن ذلك الاختلال في الفارق في مستوى الوعي الذي يمكن أن يكبر بين مستويات التنظيم و في الفرص الضائعة فيما يخص استيعاب الطاقات لخدمة المشروع. وفي ما يخص نقطة توسيع دائرة المشاركة في العملية الشورية تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة: لماذا لا يتم انتخاب رئيس الحركة من طرف كل
أعضاء التنظيم بدل انتخابه في المؤتمر الوطني؟ لماذا لا تكون هناك استشارات عامة و استفتاءات عامة بخصوص القضايا الهامة التي يراد الفصل فيها؟ لماذا لا يتم تشكيل لجن متعددة في مختلف الجهات لمدارسة مسائل محددة وإجراء مقارنة بين مختلف تلك النتائج؟...
قد يعترض البعض على توسيع الشورى بحجة أنه يكلف جهودا وأموالا إضافية بينما لا تحصل مزايا مقدرة. وهذه الحجة لا تستقيم من عدة نواح. فالمقاصد المرجوة من هذا التوسيع كثيرة ومهمة تستحق ما يبدل من أجلها من جهد وأموال.
- يعمل التوسيع على تعميق الحوار بين القيادة و القاعدة. إذ تكون هذه المحطات الشورية مناسبة للإنصات إلى القاعدة و لشرح مقتضيات القرارات المصيرية؛
- يتنج عن هذا الحوار تعميق اهتمام القيادة بالقضايا الجوهرية التي تواجه الحركة. وليس في ذلك جهدا إضافيا وإنما تغييرا في بنية الأعمال التي تقوم بها القيادة. فهذه الأخيرة تجد نفسعا دائما تحت ضغط جدول أعمال كبير لا يترك وقتا إضافيا. ما يحصل هو أن القيادة عوض أن تستهلك في اللقاءات الداخلية أو تشغل كلية بالمسائل الخارجية تنبهها الشورى الموسعة إلى ضرورة تخصيص جزء من فكرها ووقتها و اهتماماتها للحياة الداخلية و التواصل مع القاعدة. و يمكن أن نقدم بهذا الخصوص فرضية تقول بأن كبر حجم التنظيم يؤدي إلى تحول اهتمام القيادة من المسائل الداخلية إلى المسائل التي تجد مصدرها في علاقة التنظيم بمحيطه و يؤدي ذلك تدريجيا إلى الضعف التنظيمي؛
-تؤدي الشورى الموسعة إلى إنصات القيادة إلى الأفكار وطبيعة الرؤى السائدة في مختلف مستويات التنظيم وينشأ عن ذلك فهم أكبر للوضعية الحقيقية للتنظيم من حيث مستوى الوعي العام السائد...
- تعميق ارتباط الأعضاء بالتنظيم و الرفع من مستوى الانخراط فيه؛
- تشكل الشورى الموسعة فرصة لإشراك عدد كبير من طاقات التنظيم في عملية التفكير و التوجيه و التأطير مما يسمح بتخريج قيادات كفئة في كل مستويات الهرم التنظيمي.
توسيع دائرة الشورى يعمل على استفزاز عقول كثيرة وطرح أراء متعددة تتطلب عملية توحيدها و المفاضلة بينها عمقا في التفكير و في فهم خلفيات و أبعاد القرارات المتخذة.
اعتماد الآليات التي تحقق الفهم العميق
لا تتحقق الشورى فعليا إلا إذا كانت نتاج احتكاك وجهات نظر تصدر عن استيعاب متقارب لمعطيات التنظيم سواء في حياته الداخلية أو في علاقته بمحيطه وتطور هذا المحيط. أشكال الرقابة الظرفية و التي تتم في زمن ضيق لا تيسر تحصيل هذا العمق. نعطي لذلك مثلا بطريقة المصادقة على التقارير المالية التي تعرض في ساعة ويطالب أعضاء مؤسسات الشورى بالمصادقة عليها. هذه الطريقة في الرقابة و المصادقة غير منطقية لأنه لا يمكن في هذا الحيز الزمني استيعاب كل الأرقام المعروضة فضلا عن تحليلها للوصول إلى أحكام عن ما إذا كانت عملية تدبير الموارد المالية قد استجابت لشروط النجاعة و الفاعلية و الاقتصاد. تتم المصادقة غالبا بناء على عنصر الثقة و في ذلك ابتعاد عن ما هو مستحب إن لم يكن مطلوب شرعا. والخطير في هذا الأمر هو أن المصادقة فقدت معناها وروحها و أصبحت جزءا من طقوس تؤدى بشكل آلي و غير مكترث. بعد أن ينتهي المسؤول من قراءة التقرير ترفع الأيدي و يصفق الجمهور. هذه الصيغة في التعاطي مع التقرير المالي ينقصها العمق المطلوب و الذي يقتضي مدارسة ذلك التقرير مصحوبا بكافة الوثائق المرفقة ووفق السياسة المالية المتبعة من طرف متخصصين في
مدة كافية (ثلاثة أشهر مثلا) وذلك بغرض الوقوف على الأخطاء التنظيمية سواء في تحصيل الموارد أو إنفاقها و إتباع المساطر المقررة في ذلك (إن كانت هناك مساطر و إن لم تكن هناك مساطر يشار إلى ضرورة إيجادها) و الأخطاء التدبيرية المتمثلة في عدم احترام شروط و معايير النجاعة و الاقتصاد والأخطاء الناتجة عن النسيان أو ضعف الاحساس بالمسؤولية...
استيعاب الاختلاف
ثمة حاجة للإقرار بأن الاختلاف ضروري وأن أشكال الاختلاف الموجودة في التنظيمات الإسلامية ذات طبيعة معرفية وسياسية في نفس الوقت. فالناس ليس بإمكانهم أن يتجردوا عن بشريتهم ويصبحوا ملائكة. وأن تعاطيهم مع المخالفين يشمل آليات الإقناع والمجادلة وكذا آليات التكتل (القبيلة) والنفوذ (السلطان). نعم، الاتجاه العام يعتبر التعاطي السياسي مع الاختلاف غير أخلاقي. فالطبيعة الدعوية للتنظيم تعطي الأولوية للبعد المعرفي للاختلاف على حساب البعد المصلحي السياسي. ذلك لأن الدعوة لا تنطوي من حيث المبدأ والاتجاه العام على سعي لتحصيل المنافع الذاتية والمصالح الشخصية. لكن لا يمكن لأي تجمع بشري أن يكون خال من حضور السياسي بالنظر إلى ضرورة وجود سلطة تحسم في المختلف فيه. فالرفض الأخلاقي لا يعني عدم وجود التعاطي السياسي مع الاختلاف وإن بشكل محتشم. غير أن هذا الوجود قابل للتضخم وأن يتغذى على أية أزمة يقع فيها التنظيم.
وبالتالي يجب التفريق بين التقييم الأخلاقي للأمور ومعالجتها تنظيميا ومعرفيا. فعدم الاعتراف، من الزاوية الأخلاقية، بالتعاطي السياسي مع الاختلاف يشكل حصانة ضده لأنه يلقح التنظيم وعموم الأعضاء ضد الانخراط فيه. لكن ذلك لا يعني عدم وجوده بقدر ما وفي حيز ما وداخل دوائر معينة. لذا تعمل المعالجة التنظيمية والمعرفية على تشخيصه وإيجاد الآليات التنظيمية لتحييده. ويرتبط ذلك بطريقة تنظيم السلطة داخل التنظيم.
يمكن التمييز بهذا الصدد بين مقاربتين، مقاربة أسيرة لقلق وهاجس الفتنة التي ألمت بتاريخ المسلمين، وتعتبر هذه المقاربة أن كبح جماح الصراع على السلطة يمر عبر تركيزها في يد واحدة. و في هذا السياق يمكن فهم النصوص والآراء التي تجعل الإمامة تنعقد للمبايع الأول مهما كان مفضولا وقتل من ينازعه في الأمر. والحجة التي تبرر هذا الموقف تكمن في أن حكم المفضول مع النظام خير من الفتنة والاقتتال. لكن هذه الحجة تنتفي إذا ما كانت هناك آليات متواضع عليها لتنظيم التوالي على السلطة وتقسيمها. وإذا كان ذلك ممكنا فإن المقاربة الثانية في تحييد الصراع السياسي على السلطة تكمن في تفتيتها. وذلك هو جوهر النظام الشوري من الزاوية المؤسساتية والتنظيمية. لكن بإمكان البعض أن يحتج بأن هذا التفتيت يقود إلى ضعف الجاهزية والقدرة على التنفيذ وتعقيد نظام اتخاذ القرار. ومما لاشك فيه أن هذا حاصل في الواقع. لكن هذه السلبية على المدى القصير تصبح مقبولة إذا ما نظرنا إلى أن النظام الذي توزع فيه السلطة بين مراكز متعددة يكون ذو كفاءة أكبر على المدى البعيد. أما تركيز السلطة فإنه ما يلبث، رغم نجاعته على المدى القريب، أن ينزلق إلى صراع
سياسي على النفوذ.
وبالتالي فإن فص المسألة يكمن في استيعاب الاختلاف وتحويله إلى مسألة معرفية. يتطلب ذلك تحييد بعده السياسي المرتبط باعتماد الآليات السلطوية في حسمه. تقوم إستراتيجة التحييد على أساس أخلاقي يضمن إلى حد ما ألا يكون اعتماد النفوذ داخل التنظيم لخدمة أغراض ذاتية ولإضعاف المخالفين لمجرد أنهم مخالفين. وينضاف إلى هذا الأمر ضرورة معالجة موضوع السلطة معالجة وافية وعقلانية تعترف أولا بوجود السلوك السياسي داخل التنظيمات ثم تعمل على التقليل من ثقل هذا السلوك بتفتيت السلطة على محاور عدة لخلق نوع من التوازن في السلط.
منح الهيئات والمؤسسات الفاعلة وجودا مستقلا
تشكل القيادة التنفيذية الفاعل الرئيس في حركة التنظيم. و هي التي تمتلك الشرعية الرسمية لإدارة وتدبير كل شؤون التنظيم. لكن كثرة المهام والمسؤوليات تفرض عليها تفويض الكثير من المهام إلى من يساعدها من لجن وتملك حق التصرف في الموارد المالية والبشرية والتنظيمية. لكن هذه الشرعية مشروطة بتنزيل الرسالة العامة للتنظيم وهو ما يقضي بأن تكون تصرفاتها مقيدة بهذا الشرط. ويشمل هذا التقييد إخضاع تصرفات القيادة التنفيذية لمجموعة من المعايير والقواعد، ويحتاج هذا التقييد ليصبح واقعا أن تتوفر المؤسسات الأخرى على حدود دنيا من الاستقلالية اتجاه القيادة التنفيذية.
يندرج في هذا السياق ضرورة توضيح طبيعة العلاقة التي تربط الللجن المركزية بالقيادة التنفيذية والمعايير التي يجب احترامها سواء في تشكيلها وفي التعامل مع نتائج أعمالها وفي طريقة اشتغالها.
ومن ذلك أيضا ضرورة توضيح العلاقة التي تربط مجلس الشورى بالقيادة التنفيذية سواء من حيث تركيبة مكتبه وطريقة اشتغاله وصلاحياته ووظائفه وحجم الموارد التنظيمية والمادية والبشرية التي يتوفر عليها.
ويصب في هذا الاتجاه ضرورة أن يكون ثمة نوع من التوازن في الموارد التي تتوفر عليها كل من السلطة التنفيذية و هيئة الشورى. وتتعلق هذه الموارد ب:
-السلطة الرسمية التي يحددها القانون الداخلي للتنظيم؛
-القدرة على الحصول على المعلومة والوصول إليها؛
-الموارد البشرية ذات الكفاءة والتجربة الكافية التي تمنح لها سلطة تنظيمية و معرفية؛
-الموارد المالية لتغطية نفقات الأجهزة التي تحتاجها؛
-القدرة على تعبئة الخبرة المتوفرة لدى أعضاء التنظيم بشكل استثنائي للقيام بمهام محددة.
من هذا المنطلق يستحسن إقامة نوع من العلاقة الجدلية المؤسساتية بين القيادة التنفيذية ومؤسسات الشورى. ونعني بالعلاقة الجدلية المؤسساتية أن يكون لمؤسسة الشورى فاعلية تنظيمية قادرة على استيعاب حركة القيادة ومواكبتها. وتقتضي هذه الفاعلية وجود بناء مؤسساتي مواز بغرض نشر المعلومة وتمحيصها، ويركز هذا المنظور على أن المراقبة أوسع وأعمق من ذلك الجهد الذي يبدل في محطة نصف سنوية مكثفة في يومين. وذلك لأن عملية الرقابة لها أبعاد متعددة تتطلب عملا مؤسساتيا دائما أو حسب الحاجة بغرض استيعاب حركة العمل التنفيذي (دراسة التقارير وإعداد ملاحظات، وتنظيم لقاءات استماع ومساءلة، وإعداد دراسات افتحاصية لقياس النجاعة...).
مما لا شك فيه أن لكل مستوى من التطور المؤسساتي للتنظيم ما يناسبه من أشكال وآليات الشورى. ويقتضي ذلك تجاوز الأشكال الماضية بشكل مستمر للأخذ بعين الاعتبار كبر حجم التنظيم وتطور نظام اتخاذ القرار فيه. فالأشكال الأولية القائمة على أساس النقاش المباشر تكون أنجع حينما يكون العدد صغيرا يمكن لكل واحد أن يدلي برأيه في الموضوع وتكون المواضيع ذات طابع عام لا تقتضي دراسات متأنية وعميقة. لكن هذه الأشكال تصبح متجاوزة حينما يبلغ التنظيم مستوى معين من النضج. فقد لا تسعف في إتاحة الفرصة للعدد الكبير من الأعضاء والطاقات من أجل المساهمة في بلورة القرارات المتخذة. فهي بطبيعتها تناسب أوضاعا محددة تتسم بقلة العدد وعمومية المقاربة وسهولة انتقال المعلومة. لذا يبدو من المنطقي أن يتدارك هذه الاختلال ويسعى إلى معالجته من خلال السعي الدائم والدؤوب إلى توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى الحدود في كل مرحة من مراحل التطور المؤسساتي للتنظيم. وأن يتم توجيه آليات وأشكال الشورى لتكون فرصة للاستيعاب العميق لخلفيات وأفاق القرارات المتخذة.
مصطفى أكوتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.