ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطور المؤسساتي للشورى عند حركة التوحيد والإصلاح-الحلقة الثالثة
نشر في التجديد يوم 22 - 06 - 2005


محددات تطوير مؤسسة الشورى
في الحلقة السابقة تطرق كاتب المقال إلى مجموعة من القيم التي تستند إليها الشورى، وكلما غابت هذه القيم تضاءلت فرص التطور المؤسساتي للشورى، ولذلك فهذه الأخيرة تؤطر بالسياق الثقافي للمجتمع. كما تناول أيضا العوائق التي تعترض سبيلها مشيرا إلى أنها عوائق وليست موانع نهائية من تنزيل الشورى وتطور مؤسساتها.
اعتماد مقاربة معرفية
يجب ألا تفهم الرقابة بالمعنى العقابي والجزائي الذي ينطلق من فرضية اتهامية للقيادة التنفيذية سواء بالتقصير أو التبديل. فهذا الفصل وهذا الجدل لا يستند إلى مبررات عدم الثقة في تصرفات القيادة. لكنه ذي صلة بمبرر معرفي يقوم على أساس محدودية القدرة البشرية على الفهم والاستيعاب. وهي محدودية تتأسس على أن الفهم والاستيعاب ذاتي إلى أقصى الحدود. فأي إنسان لا يلاحظ سوى ما يعرف أي أن إدراكه للتحولات التي تعتمل في التنظيم وفي محيطه انتقائي بحسب تجربته التنظيمية والحياتية السابقة وطبيعة معارفه وطبيعة تفكيره الذي صاغه وضعه الاجتماعي ونوع التربية والتكوين الذي تلقاه وطبيعة مواقفه واتجاهاته النفسية. وعندما يلتقي مجموعة من الناس يدخلون في علاقة تأثير وتأثر تقود في نهاية المطاف إلى الانسجام بعد ما يصلون إلى قناعات مشتركة تصوغ ذهنياتهم وبنياتهم المعرفية (cognitives structures) وبالتالي يصبح تفاعلهم مع الأحداث والأشياء متشابه إلى حد ما. ولهذا لا يحتاجون إلى التفكير والنقاش مجددا كل ما حدث لهم عارض أو قادتهم حركتهم إلى مواجهة قضية ما. يميل النقاش حينئذ إلى أن يكون سطحيا لأن طبيعة الحجج التي يتم استدعائها
تكون معروفة ومألوفة.
يعكس الانسجام من زاوية معرفية حالة هيمنة ذهنية معينة أي غياب طرح الأسئلة بشأن التمثلات التي تكيف رؤيتنا للواقع وهي تمثلات مهما اقتربت من الحقيقة تبقى ذاتية وموشوبة بالخلفيات الفكرية والاجتماعية والتجارب السابقة للأفراد. يمكن القول إذن أن حالة الانسجام تقتل روح النقد والتساؤل وتقود إلى السقوط في أسر مقولات نسبية تنتهي إلى موت الأفكار وعبادة الأشخاص.
تضطلع القيادة التنفيذية بدور كبير في تشكيل خصائص التنظيم سواء من حيث صياغة الذهنية العامة من خلال إعطاء معنى محدد لعملها وتصرفاتها. فما هو مهم لا يمكن في قراراتها في حد ذاتها ولكن في ما يترتب على تلك القرارات من إعادة رسم الخريطة الذهنية للتنظيم التي تحدد كيف يتعامل الأعضاء مع ما يستجد من قضايا وأفكار. تضطلع القيادة التنفيذية بهذا الدور بالنظر إلى كونها الفاعل الرئيس الذي يشغل الحيز التنظيمي في بعديه الزمني والمكاني. ويزداد هذا الدور كلما عملت القيادة التنفيذية على ملأ الفضاء التنظيمي وتقوم بكل الوظائف : صياغة الأفكار، تنزيل الأفكار، مراقبة عملية التنزيل، التأطير... وكل ما كان التنظيم موسوما بهذه الأحادية ولم يقد التكوين المؤسساتي لإلى الفصل بين هذه الوظائف وإشراك أكبر عدد من الطاقات والأطر إلا وطغت الذاتية التي تقود إلى الشخصانية.
مؤسسة الشورى لها بعد معرفي، ذلك لأنها تعمل على تطوير آليات الضبط لرقعة التحرك المتوفرة لدى القيادة التنفيذية. أي أنها تسهم من خلال تداول الرأي إلى تدقيق الرسالة بحسب الظروف التي توكل مهمة تنزيلها وليس صياغتها للقيادة التنفيذية. فكلما اتضحت صورة المشروع العام للتنظيم من الناحية التصورية في أذهان عموم الأعضاء إلا وارتفع مستوى انتظاراتهم و تحدد بدقة ما على القيادة أن تقوم به أي يصبح هامش التحرك ضيقا. من هذه الزاوية تعمل المؤسسات الموازية والداعمة للقيادة على نشر الأفكار والمعلومات والمشاريع و ترويجها. غير أن واقع الممارسة يقود إلى قلب هذا المنطق. ذلك لأن القيادة التنفيذية تحصل بالنظر إلى مباشرتها للعمل على معرفة بأحوال التنظيم وعلاقاته الخارجية أكبر من تلك التي تكون لمؤسسة الشورى. الشيء الذي يقود إلى أن الرقابة تصبح إلى حد كبير شكلية. فالشورى تحتاج لكي يصبح لها مدلول حقيقي إلى انتشار الوعي وتداول المعلومة على أكبر نطاق وبالعمق المطلوب.
توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى حد ممكن
الشورى في أصلها عامة و إن اتخذت في الأشكال التاريخية صورا مقزمة و جد ضيقة. فالصيغ التي اعتمدت أهل الحل و العقد إنما تعود للاعتبارات التاريخية المرتبطة بمستوى التطور المؤسساتي للمجتمعات الإسلامية التاريخية.
الشورى تعني عموم الأعضاء، لأن هؤلاء يساهمون بقدر ما في تحديد الاتجاه العام للتنظيم من خلال المشاركة في فرز القيادات في مختلف المستويات. و عملية الفرز هذه هي محصلة الوعي الذي تبلور لديهم و شكل معايير الاختيار. ثم يجب ربط حدود دائرة المشاركين في العملية الشورية بهدف تعميم الوعي ونشره. ومعنى هذا أن المشاركة في صناعة القرار تكون محطة للتفكير و استيعاب مزيد من المعلومات عن حركة التنظيم في بعديها الداخلي و الخارجي، وينبني على ذلك موقف عام يقضي بتوسيع هذه الدائرة لتشمل أكبر عدد ممكن إلا إذا كانت هناك إكراهات تمنع ذلك. و بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى عدم اعتبار الجانب المالي إكراها حقيقيا لأن النظر إلى الأمر من زاوية بعيدة المدى يكشف عن الاختلال الحقيقي الذي يمس التنظيم بتضييق دائرة المشاركة في صناعة القرار على حيز ما. و يكمن ذلك الاختلال في الفارق في مستوى الوعي الذي يمكن أن يكبر بين مستويات التنظيم و في الفرص الضائعة فيما يخص استيعاب الطاقات لخدمة المشروع. وفي ما يخص نقطة توسيع دائرة المشاركة في العملية الشورية تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة: لماذا لا يتم انتخاب رئيس الحركة من طرف كل
أعضاء التنظيم بدل انتخابه في المؤتمر الوطني؟ لماذا لا تكون هناك استشارات عامة و استفتاءات عامة بخصوص القضايا الهامة التي يراد الفصل فيها؟ لماذا لا يتم تشكيل لجن متعددة في مختلف الجهات لمدارسة مسائل محددة وإجراء مقارنة بين مختلف تلك النتائج؟...
قد يعترض البعض على توسيع الشورى بحجة أنه يكلف جهودا وأموالا إضافية بينما لا تحصل مزايا مقدرة. وهذه الحجة لا تستقيم من عدة نواح. فالمقاصد المرجوة من هذا التوسيع كثيرة ومهمة تستحق ما يبدل من أجلها من جهد وأموال.
- يعمل التوسيع على تعميق الحوار بين القيادة و القاعدة. إذ تكون هذه المحطات الشورية مناسبة للإنصات إلى القاعدة و لشرح مقتضيات القرارات المصيرية؛
- يتنج عن هذا الحوار تعميق اهتمام القيادة بالقضايا الجوهرية التي تواجه الحركة. وليس في ذلك جهدا إضافيا وإنما تغييرا في بنية الأعمال التي تقوم بها القيادة. فهذه الأخيرة تجد نفسعا دائما تحت ضغط جدول أعمال كبير لا يترك وقتا إضافيا. ما يحصل هو أن القيادة عوض أن تستهلك في اللقاءات الداخلية أو تشغل كلية بالمسائل الخارجية تنبهها الشورى الموسعة إلى ضرورة تخصيص جزء من فكرها ووقتها و اهتماماتها للحياة الداخلية و التواصل مع القاعدة. و يمكن أن نقدم بهذا الخصوص فرضية تقول بأن كبر حجم التنظيم يؤدي إلى تحول اهتمام القيادة من المسائل الداخلية إلى المسائل التي تجد مصدرها في علاقة التنظيم بمحيطه و يؤدي ذلك تدريجيا إلى الضعف التنظيمي؛
-تؤدي الشورى الموسعة إلى إنصات القيادة إلى الأفكار وطبيعة الرؤى السائدة في مختلف مستويات التنظيم وينشأ عن ذلك فهم أكبر للوضعية الحقيقية للتنظيم من حيث مستوى الوعي العام السائد...
- تعميق ارتباط الأعضاء بالتنظيم و الرفع من مستوى الانخراط فيه؛
- تشكل الشورى الموسعة فرصة لإشراك عدد كبير من طاقات التنظيم في عملية التفكير و التوجيه و التأطير مما يسمح بتخريج قيادات كفئة في كل مستويات الهرم التنظيمي.
توسيع دائرة الشورى يعمل على استفزاز عقول كثيرة وطرح أراء متعددة تتطلب عملية توحيدها و المفاضلة بينها عمقا في التفكير و في فهم خلفيات و أبعاد القرارات المتخذة.
اعتماد الآليات التي تحقق الفهم العميق
لا تتحقق الشورى فعليا إلا إذا كانت نتاج احتكاك وجهات نظر تصدر عن استيعاب متقارب لمعطيات التنظيم سواء في حياته الداخلية أو في علاقته بمحيطه وتطور هذا المحيط. أشكال الرقابة الظرفية و التي تتم في زمن ضيق لا تيسر تحصيل هذا العمق. نعطي لذلك مثلا بطريقة المصادقة على التقارير المالية التي تعرض في ساعة ويطالب أعضاء مؤسسات الشورى بالمصادقة عليها. هذه الطريقة في الرقابة و المصادقة غير منطقية لأنه لا يمكن في هذا الحيز الزمني استيعاب كل الأرقام المعروضة فضلا عن تحليلها للوصول إلى أحكام عن ما إذا كانت عملية تدبير الموارد المالية قد استجابت لشروط النجاعة و الفاعلية و الاقتصاد. تتم المصادقة غالبا بناء على عنصر الثقة و في ذلك ابتعاد عن ما هو مستحب إن لم يكن مطلوب شرعا. والخطير في هذا الأمر هو أن المصادقة فقدت معناها وروحها و أصبحت جزءا من طقوس تؤدى بشكل آلي و غير مكترث. بعد أن ينتهي المسؤول من قراءة التقرير ترفع الأيدي و يصفق الجمهور. هذه الصيغة في التعاطي مع التقرير المالي ينقصها العمق المطلوب و الذي يقتضي مدارسة ذلك التقرير مصحوبا بكافة الوثائق المرفقة ووفق السياسة المالية المتبعة من طرف متخصصين في
مدة كافية (ثلاثة أشهر مثلا) وذلك بغرض الوقوف على الأخطاء التنظيمية سواء في تحصيل الموارد أو إنفاقها و إتباع المساطر المقررة في ذلك (إن كانت هناك مساطر و إن لم تكن هناك مساطر يشار إلى ضرورة إيجادها) و الأخطاء التدبيرية المتمثلة في عدم احترام شروط و معايير النجاعة و الاقتصاد والأخطاء الناتجة عن النسيان أو ضعف الاحساس بالمسؤولية...
استيعاب الاختلاف
ثمة حاجة للإقرار بأن الاختلاف ضروري وأن أشكال الاختلاف الموجودة في التنظيمات الإسلامية ذات طبيعة معرفية وسياسية في نفس الوقت. فالناس ليس بإمكانهم أن يتجردوا عن بشريتهم ويصبحوا ملائكة. وأن تعاطيهم مع المخالفين يشمل آليات الإقناع والمجادلة وكذا آليات التكتل (القبيلة) والنفوذ (السلطان). نعم، الاتجاه العام يعتبر التعاطي السياسي مع الاختلاف غير أخلاقي. فالطبيعة الدعوية للتنظيم تعطي الأولوية للبعد المعرفي للاختلاف على حساب البعد المصلحي السياسي. ذلك لأن الدعوة لا تنطوي من حيث المبدأ والاتجاه العام على سعي لتحصيل المنافع الذاتية والمصالح الشخصية. لكن لا يمكن لأي تجمع بشري أن يكون خال من حضور السياسي بالنظر إلى ضرورة وجود سلطة تحسم في المختلف فيه. فالرفض الأخلاقي لا يعني عدم وجود التعاطي السياسي مع الاختلاف وإن بشكل محتشم. غير أن هذا الوجود قابل للتضخم وأن يتغذى على أية أزمة يقع فيها التنظيم.
وبالتالي يجب التفريق بين التقييم الأخلاقي للأمور ومعالجتها تنظيميا ومعرفيا. فعدم الاعتراف، من الزاوية الأخلاقية، بالتعاطي السياسي مع الاختلاف يشكل حصانة ضده لأنه يلقح التنظيم وعموم الأعضاء ضد الانخراط فيه. لكن ذلك لا يعني عدم وجوده بقدر ما وفي حيز ما وداخل دوائر معينة. لذا تعمل المعالجة التنظيمية والمعرفية على تشخيصه وإيجاد الآليات التنظيمية لتحييده. ويرتبط ذلك بطريقة تنظيم السلطة داخل التنظيم.
يمكن التمييز بهذا الصدد بين مقاربتين، مقاربة أسيرة لقلق وهاجس الفتنة التي ألمت بتاريخ المسلمين، وتعتبر هذه المقاربة أن كبح جماح الصراع على السلطة يمر عبر تركيزها في يد واحدة. و في هذا السياق يمكن فهم النصوص والآراء التي تجعل الإمامة تنعقد للمبايع الأول مهما كان مفضولا وقتل من ينازعه في الأمر. والحجة التي تبرر هذا الموقف تكمن في أن حكم المفضول مع النظام خير من الفتنة والاقتتال. لكن هذه الحجة تنتفي إذا ما كانت هناك آليات متواضع عليها لتنظيم التوالي على السلطة وتقسيمها. وإذا كان ذلك ممكنا فإن المقاربة الثانية في تحييد الصراع السياسي على السلطة تكمن في تفتيتها. وذلك هو جوهر النظام الشوري من الزاوية المؤسساتية والتنظيمية. لكن بإمكان البعض أن يحتج بأن هذا التفتيت يقود إلى ضعف الجاهزية والقدرة على التنفيذ وتعقيد نظام اتخاذ القرار. ومما لاشك فيه أن هذا حاصل في الواقع. لكن هذه السلبية على المدى القصير تصبح مقبولة إذا ما نظرنا إلى أن النظام الذي توزع فيه السلطة بين مراكز متعددة يكون ذو كفاءة أكبر على المدى البعيد. أما تركيز السلطة فإنه ما يلبث، رغم نجاعته على المدى القريب، أن ينزلق إلى صراع
سياسي على النفوذ.
وبالتالي فإن فص المسألة يكمن في استيعاب الاختلاف وتحويله إلى مسألة معرفية. يتطلب ذلك تحييد بعده السياسي المرتبط باعتماد الآليات السلطوية في حسمه. تقوم إستراتيجة التحييد على أساس أخلاقي يضمن إلى حد ما ألا يكون اعتماد النفوذ داخل التنظيم لخدمة أغراض ذاتية ولإضعاف المخالفين لمجرد أنهم مخالفين. وينضاف إلى هذا الأمر ضرورة معالجة موضوع السلطة معالجة وافية وعقلانية تعترف أولا بوجود السلوك السياسي داخل التنظيمات ثم تعمل على التقليل من ثقل هذا السلوك بتفتيت السلطة على محاور عدة لخلق نوع من التوازن في السلط.
منح الهيئات والمؤسسات الفاعلة وجودا مستقلا
تشكل القيادة التنفيذية الفاعل الرئيس في حركة التنظيم. و هي التي تمتلك الشرعية الرسمية لإدارة وتدبير كل شؤون التنظيم. لكن كثرة المهام والمسؤوليات تفرض عليها تفويض الكثير من المهام إلى من يساعدها من لجن وتملك حق التصرف في الموارد المالية والبشرية والتنظيمية. لكن هذه الشرعية مشروطة بتنزيل الرسالة العامة للتنظيم وهو ما يقضي بأن تكون تصرفاتها مقيدة بهذا الشرط. ويشمل هذا التقييد إخضاع تصرفات القيادة التنفيذية لمجموعة من المعايير والقواعد، ويحتاج هذا التقييد ليصبح واقعا أن تتوفر المؤسسات الأخرى على حدود دنيا من الاستقلالية اتجاه القيادة التنفيذية.
يندرج في هذا السياق ضرورة توضيح طبيعة العلاقة التي تربط الللجن المركزية بالقيادة التنفيذية والمعايير التي يجب احترامها سواء في تشكيلها وفي التعامل مع نتائج أعمالها وفي طريقة اشتغالها.
ومن ذلك أيضا ضرورة توضيح العلاقة التي تربط مجلس الشورى بالقيادة التنفيذية سواء من حيث تركيبة مكتبه وطريقة اشتغاله وصلاحياته ووظائفه وحجم الموارد التنظيمية والمادية والبشرية التي يتوفر عليها.
ويصب في هذا الاتجاه ضرورة أن يكون ثمة نوع من التوازن في الموارد التي تتوفر عليها كل من السلطة التنفيذية و هيئة الشورى. وتتعلق هذه الموارد ب:
-السلطة الرسمية التي يحددها القانون الداخلي للتنظيم؛
-القدرة على الحصول على المعلومة والوصول إليها؛
-الموارد البشرية ذات الكفاءة والتجربة الكافية التي تمنح لها سلطة تنظيمية و معرفية؛
-الموارد المالية لتغطية نفقات الأجهزة التي تحتاجها؛
-القدرة على تعبئة الخبرة المتوفرة لدى أعضاء التنظيم بشكل استثنائي للقيام بمهام محددة.
من هذا المنطلق يستحسن إقامة نوع من العلاقة الجدلية المؤسساتية بين القيادة التنفيذية ومؤسسات الشورى. ونعني بالعلاقة الجدلية المؤسساتية أن يكون لمؤسسة الشورى فاعلية تنظيمية قادرة على استيعاب حركة القيادة ومواكبتها. وتقتضي هذه الفاعلية وجود بناء مؤسساتي مواز بغرض نشر المعلومة وتمحيصها، ويركز هذا المنظور على أن المراقبة أوسع وأعمق من ذلك الجهد الذي يبدل في محطة نصف سنوية مكثفة في يومين. وذلك لأن عملية الرقابة لها أبعاد متعددة تتطلب عملا مؤسساتيا دائما أو حسب الحاجة بغرض استيعاب حركة العمل التنفيذي (دراسة التقارير وإعداد ملاحظات، وتنظيم لقاءات استماع ومساءلة، وإعداد دراسات افتحاصية لقياس النجاعة...).
مما لا شك فيه أن لكل مستوى من التطور المؤسساتي للتنظيم ما يناسبه من أشكال وآليات الشورى. ويقتضي ذلك تجاوز الأشكال الماضية بشكل مستمر للأخذ بعين الاعتبار كبر حجم التنظيم وتطور نظام اتخاذ القرار فيه. فالأشكال الأولية القائمة على أساس النقاش المباشر تكون أنجع حينما يكون العدد صغيرا يمكن لكل واحد أن يدلي برأيه في الموضوع وتكون المواضيع ذات طابع عام لا تقتضي دراسات متأنية وعميقة. لكن هذه الأشكال تصبح متجاوزة حينما يبلغ التنظيم مستوى معين من النضج. فقد لا تسعف في إتاحة الفرصة للعدد الكبير من الأعضاء والطاقات من أجل المساهمة في بلورة القرارات المتخذة. فهي بطبيعتها تناسب أوضاعا محددة تتسم بقلة العدد وعمومية المقاربة وسهولة انتقال المعلومة. لذا يبدو من المنطقي أن يتدارك هذه الاختلال ويسعى إلى معالجته من خلال السعي الدائم والدؤوب إلى توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى الحدود في كل مرحة من مراحل التطور المؤسساتي للتنظيم. وأن يتم توجيه آليات وأشكال الشورى لتكون فرصة للاستيعاب العميق لخلفيات وأفاق القرارات المتخذة.
مصطفى أكوتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.