قال الله تعالى في كتابه الكريم:(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص) {الزمر: 2، 3}، وقال عز وجل:( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) البينة: 5. وقال رسول الله :(قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان)رواه أحمد. وقال عليه الصلاة والسلام:(أخلص دينك لله يكفيك العمل القليل) رواه الحاكم وابن أبي الدنيا. الإخلاص هو أن يقصد المسلم بقوله وفعله وجه الله تعالى من غير نظر إلى جاه أو مكانة، وهو دليل الإيمان وعنوان الدين. الإخلاص سمة المصلحين ولعظيم منزلة الإخلاص، نسبه القرآن الكريم إلى صفوة البشر من الأنبياء والمرسلين، قال تعالى عن إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب عليهم السلام:(إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) {ص: 46}، وقال عن يوسف عليه السلام:( إنه من عبادنا المخلصين ) {يوسف: 24} وقال عن موسى عليه السلام:(إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا ) {مريم: 51}. والإخلاص يجعل الإنسان أكثر عطاءً، وأسلم سبيلاً، وأنبل هدفاً، وأوثق غاية؛ وعندما يقصد المؤمن وجه ربه دون طمع في مغنم أو مظهر؛ فإن الشيطان لايزين له مواطن المخاتلة. قال تعالى:( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) {الكهف: 110}،وقال عليه الصلاة والسلام:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)متفق عليه. النجاة والاستقامة مع الاخلاص وجاء في الأثر:(الناس هلكى إلا المؤمنين، والمؤمنون هلكى إلا العاملين، والعاملون هلكى إلا المخلصين). قال الشاعر أحمد الهاشمي: عليك بالصبر والإخلاص في العمل ولازم في حل ومرتحل. وبالإخلاص لاتمتد عين الإنسان إلى ما قد حرم الله، ولا تفتر عزيمته.. وبالإخلاص تتجدد المواهب، ويكتمل طريق الوصول. قال عليه الصلاة والسلام:(طوبى للمخلصين، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء) رواه البيهقي. وعندما أرشد عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى التزام الإخلاص، سمت نفوسهم، وزكت قلوبهم فاندفعوا إلى غاياتهم الكبرى، يقيمون معالم الحق والهدى، ويبتغون إعلاء كلمة الله عز وجل، فمكن الله لهم، وجعلهم قادة الدنيا وسادة العالم. هذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يقاتل وهو جندي كما يقاتل وهو قائد، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤدب جماعة عنده عندما قدموه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن عمر يرفض المراءاة والمدح. روح العمل نية و إخلاص وإن العمل من غير إخلاص عمل مبتور، وهو من غير هدف عمل مهجور. قال تعالى:( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) {الفرقان: 23}. وذلك لأنه لم يكن بنية صحيحة، وفقهاء الإسلام يقولون: من قام بأي أمر تعبدي بدون نية مخلصة فلا يمكن أن يحقق المقصود. فالنية روح العمل، ومن نعم الله علينا أنه جل جلاله جعل نية الخير عندما ننويها، حسنة، وجعل نية الشر إن لم نحققها بالممارسة حسنة. والعبادة إذا خلت من الإخلاص تحولت إلى رياء، والرياء من أخلاق المنافقين الذين (يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا){النساء: 142}. وفي الحديث الشريف عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من يراءِ يراءِ الله به) متفق عليه. وفي حديث آخر:(إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء) رواه الحاكم وابن ماج. وقال عليه الصلاة والسلام :(إياكم وشرك السرائر. قالوا: وما شرك السرائر؟، قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر) رواه ابن خزيمة. الفوز والفلاح مع الإخلاص الصادق لذا ينبغي أن يكون الإخلاص أول صفات المسلم، فما فاز إلا المخلصون، وما خاب إلا المنافقون. قال :(من فارق الدنيا على الإخلاص لله، وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض) رواه الحاكم وابن ماجة. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لايقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه) رواه أبو داود والنسائي. وقال تعالى:( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون) {الماعون: 4 - 6}. ولا يتحقق القبول إلا للمخلص في عمله، فمن عرف الله ولم يعرف الحق لم ينتفع، ومن عرف الحق ولم يعرف الله لم ينتفع، ومن عرف الله وعرف الحق ولم يخلص العمل لم ينتفع، ومن عرف الله وعرف الحق وأخلص العمل ولم يكن على السنة لم ينتفع. والعبد المخلص ليس له توجه إلا إلى الله، وليس له تطلع إلا إلى رضىالله، وليس له هدف إلا وجه الله، وليس له حذر إلا من عذاب الله. والإخلاص يجعل المباحات طاعات، ويقترن بتحري الطيبات، ولابد في العمل المخلص أن يكون مبرءاً من البدع والمحدثات. علاء الدين معصوم حسن