لقد ارتبط فصل الصيف عندنا للأسف الشديد بارتفاع وتيرة الإقبال على بعض المعاصي والاثام، والمبالغة والرفراط في ارتكاب بعض الذنوب العظام، والتجاسر على اقتراف أنواع من الجرائم البشغة التي تعكس ضياع الحياء والإيمان. فمن المعاصي التي يكثر التلبس بها والسقوط في أوحالها ويزداد الإقبال عليها بشكل مبالغ فيه خلال هذا الفصل الحار: التبرج والعري، فهذه الجريمة الشنيعة منتشرة في أوساطنا في كل فصول السنة، لكن في هذا الفصل ترتفع حدتها، وتزداد بشاعتها وشناعتها، ويكثر التجاسر على اقترافها تحت ذريعة شدة الحرارة، وتبلغ أحط دركة من السفالة والميوعة والشناعة. العري المفضوح يكفي أن تخرج إلى الشوارع في هذه الأيام وخاصة في وسط المدينة لتصدم بمناظر بشعة مخزية من الفحش والفجور والخلاعة: فتيات في مقتبل العمر لا يكدن يسترن عشر أجسادهن، إنهن في حالة من العري المشكوف الفاضح، المبرز لكل أجزاء الجسم التي فيها جاذبية قوية للجنس الآخر من الصدور والنحور والخصور والأرداف، بل وحتى الأفخاذ وو...!! إضافة إلى التفنن في صبغ الوجوه والجفان والشفاه والأظافر بمختلف الأصباغ والدهون. حتى باتت الفتاة في أيامنا تخرج وكأنها عروس، قد أخذت زخرفها وازينت، لتعرض مفاتنها وعوراتها في كل مكان سلعة مبتذلة بغية استرعاء الأعين الشرهة ولفت الأنظار الجائعة. وما درت هذه الفتاة المخدوعة أنها بهذا التصرف المذموم قد أصبحت مستعبدة لهواها وأسيرة لمخططات أعداء دينها الذين يستخفون بها وبقيمها ويتخذونها معولا لهدم القيم وذبح الفضيلة. وما درت هذه الفتاة المغرورة أيضا أنها بسلوكها المشين هذا تعرض نفسها لسخط الله وغضبه ومقته وعقابه الأليم. ففي صحيح مسلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال محذرا وواصفا هذه الحالة التي عليها أغلب بناتنا ونسائنا: "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". إنه تهديد خطير ووعيد شديد لكل من كان شأنها كذلك. التبرج من أخطر الآثام التي تهدد المجتمع إن التبرج يعتبر من أخطر الآثام التي تهدد المجتمع في الصميم، فإليه تعزى معظم الشرور التي تعاني منها المجتمعات الحديثة. إنه وسيلة خطيرة من وسائل هدم القيم والأخلاق في النفوس، ونشر الرذيلة والفاحشة في المجتمع، لذلك حرمه الإسلام تحريما قاطعا وجرمه وأوجب معاقبة كل من يتعمد ويصر على اقترافه من النساء. طبعا من الفتيات والنسوة من يجهلن أساسيات دينهن ويتصورن أن لباس المرأة مسألة تخضع للعادات والتقاليد ولا دخل للشرع فيها، ومن ثم يعتقدن أن الحجاب ليس بواجب وأن التبرج ليس حراما. فهذا الصنف من النسوة يتعين علينا أن نبصرهن بدينهن ونبين لهن أن التبرج من المحرمات المقطوع بحرمتها في ديننا، وأن الحجاب واجب وفريضة شرعية مثل الصلاة والصوم، فمن استجابت والتزمت أمر الله، شكر الله لها عملها وجازاها عليه خيرا، ومن أصرت على استفزاز مشاعر المسلمين، واستهواء الشباب منهم، واستدراجهم إلى الرذيلة، وجب مؤاخذتها بما يتلاءم ويتناسب مع جريمتها، وهذا ما نص عليه أئمة الإسلام، وفي مقدمتهم فقهاء المذهب المالكي الذي يتبناه المغاربة. يقول الفقيه المالكي العلامة محمد بن عيسى بن المناصف (ت 026 ه)، في كتابه "تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام" في سياق بيان المنكرات المعتادة في الشوارع والمحلات والتي يتعين تغييرها وملاحقة المرتكبين لها يقول: "ومن ذلك أي من المنكرات تبرج النساء المتصرفات بأنواع الزينة البادية وأسباب التجمل الظاهرة، على حال اختيال في المشي، واستعمال منتشر الطيب، واستظهار ما يستدعي الفتنة، فمثل هؤلاء ينبغي منعهن من التصرف على هذه الحالة...فهذه من المناكر التي يجب الاشتداد عليها". فإذا سلكنا هذا المسلك وحققنا هذه الخطوات، ومع ذلك استمرت بعض المغرورات من بناتنا في العصيام وأصررن على كشف سوآتهن، يكن بذلك قد برهن على سوء طويتهن وقبح سريرتهن وأنهن يتعمدن غواية الشباب وجرهم إلى الفساد، ومن ثم يكن جديرات بالعقاب التعزيري الصارم المناسب لجسامة جرمهن وخطورتهن وما ينجم عنه من آثار سلبية مدمرة للقيم، تتمثل في إثارة كوامن الجنس عند الشباب والمراهقين، وإضرام وتهييج ما كمن في نفوسهم من شهوة حيوانية متأججة، وما خمد بدواخلهم من ثورة بهيمية جامحة لا تنطفئ إلا ببمارستها كلما اشتد أوارها. لأن الجزاء والعقاب التعزيري يختلف باختلاف جسامة الجرم وخطورته وقوة أثره، فكلما كانت الجريمة عظيمة خطيرة، اشتد العقاب عليها. آفة الاختلاط وشواطئ البحر إخوة الإيمان والعقيدة: ومن أعظم الجرائم التي يتم التجاسر على ارتكابها في فصل الصيف دون خجل ولا حياء: (الاختلاط المشين على شواطئ البحر، حيث تكشف السوآت وتدمر القيم وتذبح الفضيلة.) عندما يحل فصل الصيف بطقسه المعهود وحرارته المرتفعة، يهرع كثير من الناس إلى الشواطئ للاستمتاع والاستجمام والاستفادة من أشعة الشمس، وهذا كله لا بأس به إذا روعيت فيه حرمات الله تعالى، ولم يكن هناك عري فاحش ولا اختلاط مشين. فمن حق كل الناس أن ينعموا بمتع البحر، ولكن في حدود الشرع وعلى النحو الذي لا يغضب ربنا تبارك وتعالى. أما أن يحتشد الرجال والنساء والفتيان والفتيات على الشواطئ فيخلعوا جلباب الحياء ويكشفوا عن سوآتهم، وينظر بعضهم إلى عورة بعض، كما هو واقعنا للأسف الشديد، فهذا سلوك بهيمي منحط لا يقبله شرع ولا عقل سوي ولا منطق سليم. إنها الميوعة والإباحية في أجلى صورها. إن هذا السلوك الخسيس يعكس مدى بعدنا عن ربنا وتمردنا على مبادئ ديننا، وإهانتنا لقيمنا وأخلاقنا الرفيعة. ما هذه الازدواجية المقيتة؟ وما هذا التناقض الصارخ الذي نعيشه؟ تجد الواحد منا يدعي الانتماء إلى الإسلام، ويزعم حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو في الآن ذاته ينتهك حرمات الله، ويتجاسر على مخالفة أوامر الله، ويستبيح هتك عرضه بنفسه فيقر زوجته وبناته على كشف سوآتهن وعرض مفاتنهن ولحومهن سلعة رخيصة أمام كل من هب ودب من الرجال الأجانب، ضاربا بالحياء والقيم عرض الحائط، ألا يعلم هذا المتهتك أنه بإقراراه أهله على هذا المنكر الفظيع يعرض نفسه للعنة الله ومقته وسخطه وعقابه الأليم؟ فقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن من كان هذا حاله وهما يصطلح عليه شرعا (الديوث) لا يدخل الجنة. ففي مسند الإمام أحمد: 2/96 عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث". لا تكن ديوثا وأي خبث أعظم من أن يسمح الرجل لزوجته وبناته بنزع سترهن وكشف سوآتهن على الشوارع والشواطئ، ليحذق إليهن كل غاد ورائح وهو راض بذلك هادئ البال مرتاح الضمير!! إن هذا السلوك الأرعن دليل وبرهان على فقدان نفس صاحبه لحيائها، وضياع الحياء يعني ضياع الإيمان؛ لأن الحياء والإيمان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" أخرجه الحاكم في المستدرك: 1.37 وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. ما العمل؟ إخوة الإيمان والعقيدة: ماذا نملك أن نفعل أمام ما تعج به شواطئنا من فجور وإباحية؟ هل نحرم أنفسنا من ممارسة حقنا في الاستجمام والاستمتاع بنعمة البحر الذي سخره الله لنا جميعا، ونغض الطرف عما يجري ونلزم الصمت؟ لا، بل المطلوب أن نعتزل مواطن المنكر وتجمعات الميوعة والانحلال، ونبحث عن شواطئ تكون خالية من المشاهد السافلة الساقطة، وفي الآن ذاته علينا أن نطالب بحقنا المشروع في الاستجمام والتمتع بشواطئ بحرنا بالشكل الذي ينسجم مع هويتنا المغربية الإسلامية، بعيدا عن أجواء الفسق والخلاعة والفجور. لا أن يتم التحرك في الاتجاه المعاكس لديننا وقيمنا وأصالتنا، فنمنع الأفراد والعائلات الملتزمة بدينها من حقهم في التمتع بنعمة البحر، المسخر لعباد الله جميعا، بالطريقة التي تحفظ لهم دينهم وكرامتهم وعفتهم، كما حدث مؤخرا في شاطئ برييش القريب من مدينة أصيلة، حيث تم طرد عائلة محافظة من هذه المنطقة ومنعت بعض النسوة والفتيات من الاستجمام بها، بسبب سباحتهن بملابسهن، مما يتسبب في تلويث البحر!! انظروا كيف انقلبت الموازين، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا: العري الفاضح والفحش والميوعة والانحلال والفجور يحمى ويصان، والالتزام والعفة والحشمة والوقار والفضيلة والأخلاق تحاصر وتضطهد بل وتداس!! أيحدث هذا في بلدنا المسلم الذي ينص دستوره بصريح العبارة على أن الإسلام هو الدين الرسمي الذي يحكم حياة أبنائه وبناته؟! إن مضايقة هذه الثلة الخيرة من أبناء وبنات هذا الوطن الحبيب، يعتبر اعتداءً سافرا على حريات الأفراد ومساسا خطيرا بحقوقهم الشخصية الواجب حمايتها بنص القانون، كما أنه عمل مخالف لدستور الأمة المغربية المسلمة. لقد كان من المفروض أن يتم التضييق والمنع والملاحقة لدعاة الرذيلة والفاحشة من النسوة اللواتي يتعمدن العري الفاضح، ويرتكبن ما يخل بالحياء ويخدش الفضيلة ويمس بالأخلاق والآداب العامة، كما هو منصوص عليه قانونيا، ففي الفصل 384 من القانون الجنائي المغربي أن "من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات والأفعال، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين، وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم" فها هو القانون الجنائي الوضعي المعتمد عندنا يجرم العري المتعمد ويوجب معاقبة من يتلبس به بالسجن والعقاب المالي. فأين نحن من هذا القانون الوضعي الذي سطرناه بأيدينا؟! وأين نحن من القانون الذي ارتضاه لنا ربنا شرعة ودينا؟! على أي أساس قانوني يحاصر التدين والالتزام، وذبح الفضيلة في بلدنا المسلم؟! لا يوجد ما يسوغ هذه التصرفات غير المعقولة، ولذلك فإننا نطالب بالتزام التعقل واحترام دستور الأمة، ونطالب بإعادة النظر في طريقة التعامل مع شواطئنا ومصطفاتنا، والتخطيط لاستعمال وتسخير نعمة البحر ومياهه ورماله وفق ما تمليه علينا شريعتنا الغراء، وذلك بوضع حد لهذا الامتزاج والاختلاط البهيمي المشين بين العراة من النساء والرجال والذي يفضي إلى خدش الفضيلة وهتك العرض وتكاثر أولا الزنا من اللقطاء الأبرياء البؤساء!! إننا نطالب بتطهير شوارعنا وشواطئنا وكل مرافق حياتنا من المنكرات والفواحش والفجور والانحلال الذي عم وطم واستشرى في أوساطنا، وبذلك فقط نبرهن على صدقنا في إسلامنا وإيماننا وإلا فنحن مجرد أدعياء، لأن للإسلام علامات وللإيمان أمارات، ودعوى الإيمان بدون دليل ولا برهان عملي ساقطة وغير معتبرة. فما علامة إيماننا في شواطئنا وشوارعنا وأسواقنا؟ وما علامة إيماننا في إعلامنا المرئي والمسموع؟ وما علامة إيماننا في إدارتنا ومحاكمنا ومحلاتنا التجارية؟ وما علامة إيماننا في كل ما نقدم عليه من المعاصي والآثام والجرائم العظام؟ التوبة ..التوبة.. إن مظاهر الانسلاخ عن الإيمان هي الأكثر انتشارا وذيوعا في مجتمعاتنا: فجور وفسوق وعصيان وتمرد على القيم وهدم للهوية واغتيال للفضيلة ونشر للرذيلة، ثم نقول إننل مسلمون ومالكيو المذهب!! ألا فلنتق الله تعالى، ونعاهده على الإقلاع عما نحن فيه من فساد وإفساد، لنتب إلى الله توبة نصوحا مادامت الفرصة أمامنا سانحة. وسنجده سبحانه وتعالى غفورا رحيما، قال جل وعلا: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الخاسرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين." الدكتور عبد المنعم التمسماني