روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه من رواية أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال. «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«إنَّ المومن إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وان زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل (كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون) سورة المطففين. وقال حذيفة «إذا أذنب العبد ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الربداء) انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف أردنا أن نساهم بهذه الورقة للتبصير والتذكير، والتنبيه والتحذير، غايتنا في ذلك الإصلاح ما استطعنا فنقول وبالله نستعين إن للذنوب والمعاصي عواقب وخيمة ونتائج سيئة وأثارا قبيحة مذمومة تضر بالقلب والبدن إذ هي عين كل داء ومصدر كل شر وبلاء ومنشأ كل سوء ووباء تفسد العقل وتعمي القلب والبصر وتورث سوء الحفظ والنسيان وتطمس أجهزة الإدراك والاستقبال في الإنسان وتمحق البركة والزرق وتقصر العمر وتوهن البدن وتطفئ نور العلم وتورث الذل قال عبد الله بن المبارك رأيت الذنوب تميت القلوب وترك الذنوب حياة القلوب وقد يورث الذل إدمانها وخير لنفسك عصيانها وقال بعض السلف «المعاصي بريد الكفر، كما أن القبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزنا، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت.» (حلية الأولياء). وقال ابن القيم: (فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولابد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي). وقال ابن عباس رضي الله عنهما «إن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق »وقال أيضا « ياصاحب الذنب لاتأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته: قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك، وأنت لاتدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب وحزنك على الذنب وفرحك بالذنب إذا ظرفت به أعظم من الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولايضطرب فؤادك من نظر الله اليك اعظم من الذنب وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب ، ويحك هل تدري ما كان ذنب أيوب فابتلاه الله بالبلاء في جسده وذهاب ماله؟ استغاث به مسكين على ظالم يدرؤه عنه، فلم يعنه، ولم ينه الظالم عن ظلمه، فابتلاه الله: ومن مساوئ الذنوب والمعاصي وآثارها القبيحة انها تطفئ نور المعرفة والعلم وتورث النسيان وسوء الحفظ قال الشافعي رحمه الله. شكوت الى وكيع سوء حفظي فأرشدني الى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لايوتاه عاصي ووكيع هذا هو وكيع بن الجراح شيخ الشافعي عرف عنه أنه كان يحفظ دون تكلف قال علي بن خشرم رأيت وكيعا وما رأيت بيده كتابا قط إنما كان يحفظ فسألته عن دواء الحفظ فقال. ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ. ومما يجب التذكير به في هذا المقام أن الإمام الشافعي لما جلس بين يدي مالك وقرأ عليه فأعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية. ومن مساوئها أنها تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها فيصبح أسيرا لها ومدمنا عليها كلما عمل سيئة أحب أخرى بالمعاودة والإدمان وعلى هذا المعنى ينطبق قول الحسن بن هاني: وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وقال غيره: فكانت دوائي وهي دائي بعينه كما يتداوى شارب الخمر بالخمر فهكذا تفعل المعاصي والذنوب بصاحبها حتى يفقد صوابه وعقله ويخيل إليه أنه يتداوى بارتكابها من معصية بارتكاب أخرى والعياذ بالله . ومن مساوئها أنها تورث وحشة القلوب وتجلب بغض الناس لصاحبها قال بعض السلف: (إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي). وشكا رجل الى بعض العارفين بالله وحشة يجدها في نفسه فقال له: إذا كنت قد أوحشتك الذنوب**** فدعها إذا شئت واستأنس ومن مساوئها أنها تجلب مقت الله وغضبه ولعنته وتسبب في الطرد من رحمة الله وفي حلول الكوارث والمصائب والزلازل والفتن والحروب وفي هذا المعنى روى ابن ماجه في سننه من رواية عبدالله بن عمر بن الخطاب قال «كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال «يامعشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم ».وعن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يارسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال بلى. قلت فكيف يصنع بأولئك؟ قال يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون الى مغفرة من الله ورضوان»أخرجه الإمام أحمد. وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» وفي نفس المصدر مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قلنا يارسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال أنتم يومئذ كثير. ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن؟ قال حب الحياة وكراهية الموت» والأحاديث التي تحذر من ارتكاب الذنوب والمعاصي كثيرة. فعلى العقلاء أن يجعلوا من هذه الأحاديث وغيرها نبراسا يستضيئون به في الظلمات وسلاحا يذودون به عن أنفسهم لحمايتها من الموبقات والمهلكات والله المستعان. المرجع: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).