ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى جماعة العدل والإحسان : رسول الله لا يرى يقظة
نشر في هسبريس يوم 14 - 12 - 2009

لفت انتباهي مقال لبدعي يدعى محمد بن الأزرق الأبجري من جماعة العدل والإحسان تحت عنوان " مشاهدة النبي في اليقظة أمر ممكن " يدافع فيه بحرارة على ما اشتهر وذاع من دعاوى العدل والإحسان في مشاهدة النبي والملائكة يقظة لا مناما ، ويحتج فيه بحديث ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي ) ( البخاري 6478 ) ولم يستحي في الكذب على أهل العلم بنسبته لهم الاتفاق على إمكان رؤية النبي يقظة لا مناما ، وهذا امر خطير للغاية ويجب أن يتراجع عنه القوم لما فيه من علامات الجهل والكذب على رسول الله .
وقد تكلمت مع العديد من المنتسبين إلى جماعة العدل والإحسان وإذا بهم يقرون بهذه البدعة إقرارا لا رجعة فيه ، ويعتبرون كل من يناقشهم أو يخالفهم في الرأي أنه سطحي التفكير ولا يفهم في الدين أو لربما يتهمونه في عرضه أو ينسبونه على المخابرات او أنه عميل للنظام وكأن جماعة العدل والإحسان لديها مصانع نووية والناس تستعلم عليها ،
ولا أزال أتذكر يوما تكلمت فيه مع أحد ينسب نفسه إلى العدل والإحسان وهو بعيد عنها قلبا وقالبا ، وإذا به يقول لي : أنا لا أقف مع من يدخل رجل المخابرات لمنزله ، وخلص بهذا إلى أنني من المخابرات ويجب مقاطعتي بل ربما يكون قد حكم بتكفيري وردتي ، وصرت أردد أمامه الشاهدتين وأقول له : أنا مسلم فلماذا تهرب مني ؟
منذ ذلك اليوم صرت لا أستغرب أن يفجر رجل جاهل نفسه في الشارع لأنه ثم تخزينه بمعلومات خاطئة .
ومثل هذه البدع والخرافات لها تأثير على المسلمين خصوصا وعلى الناس عموما لا سيما في العصر الأخير عصر تقدم العلوم الكونية والمعارف البشرية ، فتظهر الإسلام أمام الباحثين عنه المشتاقين له بمظهر الدين الذي يشتمل على الخرافات والترهات ، فيهربون منه بعد أن هربوا من رهبانية دين أوروبا وانحلال دين أمريكا وخرافات البوذية وأكاذيب الزراديشتية .
حينما يأتي باحث أمريكي برع في علم الطب ليسلم أمره للإسلام بعد أن أعيته التجارب لأحياء ميت في مختبر ، فعلم أن لا حياة بعد الموت في الدنيا ، ووجد أنّ في الأديان دين يقول كتابه ( لا يذوقون فيه الموت إلا الموتة الأولى ) فأصبح هذا الطبيب يكذب من يقول برؤية النبي يقظة لا بعلمه الشرعي فقد كان حديث عهد بالإسلام ، وإنما بعلمه الدنيوي الطبي ، يرد عليهم بقوله إن ما تقولونه مخالفة منكم لدينكم وكلام ربكم لأن من حيي بعد موت لا بد من أن يموت ، وإلا كان إلها ، فإن مات فقد مات مرتين والله يقول ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) فوضعهم بين مصيبتين ، بين أن يقولوا لم يمت فيكون بذلك إلها ، وبين ان يموت فيخالفوا كلام ربهم .
إن أصحاب الحديث على سبيل المثال كتبوا وصححوا وحققوا واجتهدوا وتعبوا وعانوا وحصلوا وضحوا وماتوا في سبيل تحقيق كلام المصطفى ، ثم يأتي رجل بدعي خرافي ويقول : رأيت رسول الله يقظة ، إذا فلما كان هذا البحث والتعب والتحصيل والسفر والتضحية والفداء لكان يكفي أن تعرض الأحاديث على رسول الله حينما يأتيه يقظة فينسبها لنفسه أو لا ، وكفى الله المؤمنين القتال .
والواضح أن بدعة رؤية النبي يقظة ليست بجديدة حتى يتعجب السامع من المدعي لها ، وإنما هي قديمة ضاربة في القدم ، فأول من ادعى أنه رأى رسول الله يقظة وغزا معه هو مكلبة بن ملكان الخوارزمي قال الشوكاني في الفوائد [ زعم أن له صحبة وأنه غزا مع رسول الله أربعا وعشرين غزوة ] قال ابن الجوزي في جامع المسانيد [ أعجوبة من العجائب مكلبة بن ملكان أمير خوارزم بعد الثلاثمائة بقليل ادعى الصحبة وأنه غزا مع رسول الله أربعا وعشرين غزوة فإن كان قد صح السند إليه بهذه الدعوى فقد افترى في هذه الدعوى وإن لم يكن السند إليه صحيحا فقد ائتفكه بعض الرواة ] ثم ادعاها جابر بن عبد الله اليمامي ، جاء في الفوائد [ كان كاذبا جاهلا بعيد الفطنة ] ثم ادعاها قيس بن تميم الطائي الكيلاني قال ابن حجر [ هو من نمط شيخ العرب ورتن الهندي ] وقد كان رتن الهندي قد ادعى الرؤية كذلك ، ثم ادعاها عثمان بن الخطاب أبو عمر البلوى المعروف بأبي الدنيا الأشج ، قال الذهبي في الميزان [ ظهر على أهل بغداد وحدث بعد الثلاثمائة عن علي بن أبي طالب فافتضح وكذبه النقاد ] قال الشوكاني في الفوائد [ ومما يدفع دعاوى هؤلاء إجماع أهل العلم أن آخر الصحابة موتا في جميع الأمصار : أبو الطفيل عامر بن واثلة الجهني ، وكان موته سنة اثنتين ومائة بمكة ] .
أما في قوله صلى الله عليه وسلم " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي " فذا الحديث وإن جاء عند البخاري إلا أنه يخالف باقي الروايات عن أبي هريرة فقد جاء هذا الحديث عن أبي هريرة من خمسة طرق لا بأس بذكرها :
الطريق الأول : عن موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال " تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ( البخاري 110 ).
الطريق الثاني : عن أبي الربيع سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب وهشام عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله " من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي " ( مسلم 6056).
الطريق الثالث : عن أبي مروان العثماني قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله " من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي " وقد أخرجه ابن ماجه (4034 ) بمثل لفظ مسلم السابق .
الطريق الرابع : عن عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن فصيل حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله " من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي " وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 7367 ).
الطريق الخامس : عن عبد الله حدثني أبي حدثنا يعلى ويزيد قالا أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ط من رآني في المنام فقد رأى الحق إن الشيطان لا يتشبه بي " وقد أخرجه أحمد في المسند ( 7764 ) ورواه عن أبي سلمة راويان : محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ومحمد بن شهاب الزهري .
فأما رواية الأول : وهو محمد بن عمرو فهي التي سبق ذكرها .
وأما رواية الثاني : محمد بن شهاب الزهري فهي : عن محمد بن شهاب الزهري حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله يقول " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي " وقد أخرجه أحمد في المسند ( 23275 ) والظاهر اختلاف لفظ الحديث على الزهري لوروده بلفظ الشك ( أو فكأنما ) واختلافه على يونس بن يزيد الأيلي كذلك وظاهر ذلك في رواية عبد الله بن وهب عن يونس : عن أبي الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وه أخبرني يونس عن بن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله يقول " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي " وقد أخرجه مسلم ( 6057) .
ورواية عبد الله بن المبارك عن يونس مخالفة لكل الطرق الآتية عن أبي هريرة :
عن عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله يقول " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي " وقد أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التعبير حديث ( 6993 ) بل خالف جميع الألفاظ الواردة عن كثير من أصحاب النبي ممن روى هذا الحديث ، وهم :
ابو هريرة ، أبو قتادة ، عبد الله بن عباس ، أبو سعيد الخدري ، جابر بن عبد الله ، أنس بن مالك ، أبي مالك الشجعي عن أبيه ، أبو بكرة ، أبو جحيفة عن أبيه.
وقد روى حديث رؤيا النبي في المنام الصحابة المار ذكرهم وجاءت ألفاظهم في الروايات متقاربة ومتوافقة إلا الرواية التي يستدل بها القوم ، ونحن بهذا لا نبغي تضعيفها أو فصلها فهي واردة في صحيح البخاري ولا لسان لأحد على صحيح البخاري وإنما نقول العمل في مثل هذه الرواية أن تفهم ضمن أخواتها من الروايات لا أن يستنبط منها مفردة كما بين ذلك علماء الأصول عند شرحهم لقاعدة "وحدة القضية في الاستدلال" بمعنى أن تجمع جميع الروايات الآتية في الباب ثم يستنبط الحكم منها جميعا بعد التوفيق والجمع بينها لا أن يؤخذ الحكم من دليل واحد مع وجود غيره .
وأول من نفى رؤية النبي يقظة هو رسول الله بنفسه حينما قال :" وددت أني لقيت إخواني ؟ " قال : فقال أصحاب النبي ك أوليس نحن إخوانك ؟ قال :" أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند عن أنس بن مالك ، وفيما رواه الدارمي عن أبي جمعة قال : تغذينا مع رسول الله ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال : فقال : يا رسول الله : هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك ؟ قال :" نعم قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " والحديث صحيح ، فما معنى قول رسول الله ( امنوا بي ولم يروني ) ما هي الرؤية التي نفاها رسول الله هنا بنفسه ؟
إن رؤيته صلى الله عليه وسلم تتطلب تقوى وصلاحا وعلما وعملا وخشوعا وهذه لا تكون إلا لأولياء الله أصحاب العلم الشرعي الأعلام العلماء النجوم الذين يقتدي بعلمهم وعملهم أو كما قال الشافعي رحمه الله [ إذا لم يكن لله من العلماء ولي فليس لله ولي ] فضلا أن تكون لناس جهلة غريبة أحوالهم ضالة أفكارهم ناس لا يقرؤون ولا يكتبون وإن قرؤوا قرؤوا ضلالا وإن كتبوا كتبوا كذبا ، فالأمية في رسول الله شرف وعزة وفي غيره قرح ومذلة ، أما رؤيته يقظة فهذه بدعة وخرافة لم يقل بها أحد من العلماء المعتد بهم ، والذي يقول بها لا يجد من الدليل ما يستند إليه غير الحديث السابق ذا الرواية الشاذة والتي قد ضبطت بأخواتها من الروايات ، ولا سبيل لهم إلا تلك الرواية بفهمهم المنحرف ذلك ، وأيما أحد قال به فقد دخل في مضمار قوله صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فما غاية أن يحذر من الكذب في هذا الحديث بالضبط إلا تحذيرا من مثل هذه الأقوال التي إن قال بها أحد فإنما هو يكذب على رسول الله وهو بذلك يتبوأ مقعده من النار .
ويستندون في قولهم ذلك إلى الحديث الذي حرفوا فهمه فلم يقبلوا بتصحيح العلماء لهم وجهلوا الجبال الأعلام كابن حجر والقرطبي وابن العربي والبخاري ومسلم والنووي وابن سيرين والشوكاني وغيرهم ، وصدقوا شيوخهم الذين لا باع لهم في العلم ولا مقام لهم في الفتوى ، لا يعلم أكثرهم علما حقيقة الوضوء ولو سألته عن أبناء وزوجات رسول الله أو عن عدد غزواته وما وقع فيها ما استطاع أن ينطق ببنت شفة ، يأتمون في ذلك ويحملون أوزارهم وأوزار من اتبعوهم من الرعاع الدهماء من الناس ، الذين إن كان شيوخهم لا يعلمون من العلم ما يعملون به ولو علموا لما قالوا بذلك فكيف بالناس والدهماء الذين يتبعونهم ، ولا أقول إلا كما قال شيوخي وكما قال شيوخ شيوخي قديما إذا ما تكلموا مع أحدهم ليصححوا له عقيدته فتكبر وتجندل وانتفخ وزنجر واربد واكفهر ورعد وبرق كالهر يحكي انتفاخا صولة السد لا يقولون لهم إلا " أبت النار إلا أن تبتلعهم وأبى الشيطان إلا أن يحتويهم " فورب العزة إنه لظلم للعلم وإساءة لرسول الله حتى جعلوه يمشي في السواق ويعانق الزانيات الفاسقات العاريات العرافات الساحرات ، والدراويش المتسخة حالهم والضالة طرقهم كيف بهم يوم القيامة إن كان رسول الله خصيمهم ، يحتجون إضافة على الحديث بقصص وأخبار وخرافات لا يثبتون لها إسنادا فضلا عن أن يصححوه خرافات وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان ، ابو طريق العلم وصاروا أعداء له ورضوا بالجهل وصاروا أولياء له ، إن من الجهل عجبا .
وفي حقيقة الأمر لو كان هؤلاء أصحاب علم ومعرفة واطلاع لما وصل الحال إلى تلكم الحال ، ولوجد الإنسان من يحاوره ويتفق معه في الأسس ثم في الحجج والبراهين ، أما أن تجادل أناسا لا معرفة لهم بأحكام الوضوء والغسل فضلا عن أن تكون لهم معرفة في علم العقيدة الذي أعيا الفطالحة الكبار وعلم أصول الفقه الذي شيب الجبال العظام ، كبيرهم في العلم لا يفرق بين الحديث الموضوع والحديث المكذوب ، كيف بأصحاب العلم قديما حينما قالوا " لولا النحو لسقط الإسلام " حينما علموا أن رجلا أخطأ في كلمة قرأها بكسر بدل أن يقرأها بفتح فكفره أحد السامعين ، كيف بهم لو علموا أن في المسلمين من يقول برؤية النبي يقظة ورسول الله قد مات وذهب إلى الرفيق الأعلى ، إنني بهم يقولون "لولا العقيدة لسقط الإسلام " بل " لولا العقيدة لجسم الله وصار صنما تلعب به الصبيان" وحاشاه سبحانه ذلك .
إن أحدا من أولئك القوم لا يستطيع ترقيع صلاته ووضوئه إذا طرأ عليه طارئ فكيف بربك يأتيه رسول الله في اليقظة ، فإن سلمنا بذلك على استحالة في الوقوع جاءه معلما لا مزكيا .
وفي الحقيقة لو كان هؤلاء أصحاب علم وفكروا في أحاديث الباب وتأنوا في قراءتها لفتح اللهم لهم ما كان مستغلقا عليهم ولرأوا ما يخالف قولهم ، لكن عصبيتهم وتمسكهم بأهوائهم وضلالهم جعلهم لا يرون من العلم إلا قولهم الفارغ ولا يدرون أنهم يساعدون في إشعال الفتنة وتدمير الإسلام وسهلوا الأمر على الذين يكيدون لهذا الدين العظيم لمّا رأوه خالفهم في تثليتهم وبدعهم خرافاتهم وتعدد آلهتهم فأرادوا أن يصيبوا هذا الدين العظيم بمثل ما أصابهم بفعل تأبي رهبانهم وقساوستهم عن النزول عن كراسي الزعامة والبابوية ، وهذا الذي أصاب أمتنا شائبة منهم حتى أصبح شيوخ السوء والفساد لا يبغون فكاكا من كراسيهم التي جلبت لهم التقديس والمال والسلطة والنفوذ والأمر والنهي في أعناق الناس ورقابهم فأبوا أن ينزلوا من صوامعهم الذهبية وقد ذاقوا لذيذ العيش ورطبه بجهل وغباوة أتباعهم الذين جعلوهم أندادا لله يحكمون معه في أرضه وسمائه ويدخلون من شاؤوا جنته وناره ، كيف بهم أن يتخلوا عن هذا وقد بسطوا ردائهم على الناس وأعموهم بالخرافات والأكاذيب ولبس عليهم إبليس وجلب عليهم بخيله ورجله وصوته ، إن هؤلاء في الحقيقة مساكين فإنهم إن لم يقولوا نحن نرى رسول الله يقظة فستتركهم الناس وتتخلى عنهم ويعودون لفقرهم وعزلتهم ، إن هؤلاء في الحقيقة يعملون لصالح الكفر ويقومون بحجته .
إن معظم أحاديث الباب لو فكر فيها الرجل الذي يبغي الحق ويطلبه رجع عن قوله والتزم الطريق المستقيم إذ لو فكر في فهم الحديث لعلم أنه لا طائل من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتمثل الشيطان بي " إن كان رسول الله يقصد رؤيته يقظة في الدنيا ، وحاشاه أن يكون ذلك مراده ، فإنه لو كان مراده ذلك فما الفائدة من قوله " لا يتمثل الشيطان بي " لأن الشيطان لا يتمثل في اليقظة بأحد إلا بالكلب الأسود كما أعلمنا رسول الله بذلك ، أما حلما فإن الشيطان باستطاعته أن يتشبه ويتمثل بأي أحد إلا برسول الله طبقا لهذا الحديث .
ثم إن هؤلاء لو كانوا أصحاب أصول فقه لعلموا أنه قد وجد من الأدلة الشرعية دليل الإجماع والقياس والاستصحاب ولو كان رسول الله يمشي بيننا مشي الرجل في السوق لما احتجنا إلى إجماع ولا قياس ولا استصحاب .
ولو كانوا أصحاب سيرة لعلموا أنه لا طائل من قول رسول الله لمعاذ حينما أوصاه لما بعثه إلى اليمن ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته فقال له : يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري " فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله ( المسند 22702 ) فلو كانت عقيدة معاذ كعقيدة أولئك القوم لما جزع وبكى وإنما لكان يكفيه أن يقول ( أولست ألقاك يقظة ؟ ) وإذا كان معاذ بن جبل هذا الصحابي العظيم قد اقر له رسول الله انه لا لقاء بعد وفاة رسول الله حينما قال له "لا تلقاني" فما بال القوم دون إيمان معاذ وصدقه وشجاعته ومحبته لرسول الله وحب رسول الله له .
ولو كانوا أصحاب سيرة لعلموا أنه لا طائل من فزع عمر يوم توفى رسول الله حتى قال ( لأضربن عنق من يقول إن رسول الله مات ) فقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما قبض رسول الله وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي فجعلوا يقولون لم يمت النبي إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال : أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين ، قد والله مات رسول الله وعمر في ناحية المسجد يقول والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال : من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) قال عمر فلكأني لم أقرأها إلا يؤمئذ ( 1695 ) والذين يقولون أن عمر لم يؤمن بوفاة رسول الله مخطئون وإنما عمر جزع على تعجل وفاة رسول الله وسرعتها فإنه كان يظن أن يعمر بينهم رسول الله طويلا أما من ناحية الوفاة فقد كان عمر يدرك أن رسول الله سيموت حتى إنه قال ( ولا يموت حتى ) ثم إنه لما سكن عنه الجزع نطق بالحق وذلك حينما ارتفعت أصوات الصحابة أثناء دفن رسول الله فقال عمر كلمة تشفي الصدور وتزيل الهموم ( لا تصخبوا عند رسول الله حيا ولا ميتا).
وحديث أمنا عائشة رضي الله عنها في السواك واضح أبلغ الوضوح حينما قالت أثناء وفاة رسول الله القول البليغ الذي يدرأ كل هذا الفساد وهي الأعلم منا بتلك الحال ( فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ) ( البخاري 4451 ) والأحاديث كثيرة نختمها بأقوال العلماء في رؤية النبي يقظة :
قال ابن حجر [ هذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف ] ( الفتح 12/540 ).
قال الشنقيطي معقبا على كلام ابن حجر [ قلت : هذه الجملة كافية في بطلان هذا الاحتمال لأنه لو كان هذا الاحتمال صحيحا هو معنى هذا الحديث لزم أن كل من رآه في المنام يراه يقظة وهذا باطل بديهة لكثرة الرائين له في المنام في كل عصر ولم يدع أحد منهم أنه رآه يقظة ولا خطر ذلك على قلبه فيبطل هذا الاحتمال لما يلزم عليه تخلف قول الصادق المصدوق ] ( مشتهى الخارف ص 94 ) . وقال أيضا [ اختلف العلماء اختلافا كثيرا في رؤية النبي بعد موته يقظة هل هي ممكنة أم لا ؟ وهل وقعت لأحد أم لا ؟ وقد ألف الحافظ السيوطي تأليفا في ذلك سماه " تنوير الحلك في رؤية النبي والملك" ولم يرو في ذلك حديثا صحيحا ولا ضعيفا لا مرفوعا ولا موقوفا ولا مرسلا ولا غير ذلك مع سعة حفظه وطول باعه في الحديث وشدة انتصاره لذلك ، وهذا يؤيس من أن يكون في رؤيته بعد موته يقظة حديث لأن السيوطي له من الإطلاع والحفظ ما لو كان في رؤيته صلى الله عليه وسلم حديث لأورده مستدلا به لما هو الظاهر عنده المنتصر له ، ولو وقعت لأحد من الصحابة والتابعين أو تابعيهم لذكره ولذلك لم يستدل عليها إلا باحتمال من سبع احتمالات في حديث رؤية النبي مناما ] ( ص : 91) .
قال الزرقاني [ فلو كان يرى في اليقظة لرأته – أي فاطمة رضي الله عنها – لاشتداد حزنها ولم يقع ذلك غذ لو وقع لنقل .. والظاهر أن عدم وقوع ذلك لفاطمة دليل قطعي لأنه لو كان يرى لرأته إذ لا أحد أولى منها بذلك ولو وقع لها أو لغيرها لنقل متواترا لما له من الواعي التي توجب نقله متواترا كما وقع في حديث رؤيته صلى الله عليه وسلم مناما وهذا أولى منه بذلك ] ( شرح المواهب).
والكثير من العلماء ولولا خوف الإطالة لبسطتها كلها هنا .
[email protected] http://[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.