بعد أسابيع من الترقب صدر حديثا عن دار النشر الباريسية "Grasset & Fasquelle" كتاب الأمير مولاي هشام العلوي "يوميات أمير منبوذ" هذا الكتاب الذي أسال حبرا كثيرا قبل صدوره، و توقع النقاد و المراقبون أن يتم منعه من دخول المغرب ، ربما لم يكن بحجم تلك الهالة التي سٌلِّطت عليه، و ربما خيَّب ظن الكثيرين من المتربصين بالعرش العلوي و الذين تعودوا أن يصطادوا في المياه العكرة، بين الملك محمد السادس و ابن عمه الأمير مولاي هشام، و أول هذه الخيبات التي مني هؤلاء المتربصين هي سماح المملكة بدخول الكتاب ، بل و أكثر من ذلك تناوله بالتحليل و النقد في الداخل قبل الخارج دون أي رقابة أو اعتراض. و الحقيقة أنني أنتهيت من قراءة هذا الكتاب و لم أجد فيه ما يمكن أن أعتبره سرا من أسرارا الدولة أو أسرارا شخصية تهم الأسرة المالكة و هي ما يمكن أن يجذب العامة إليه، بل هو عبارة عن سرد أشبه بالحكايات القصصية التي يعرفها الكثير من المغاربة و التي سبق تناولها من طرف العديد من المقربين من "دار المخزن". و برأيي الشخصي فإن أول مأخذ يمكن تناوله على الصدى الإعلامي للكتاب هو العنوان الذي اختير له باللغة العربية " يوميات أمير منبوذ" و التي هي ليست بأي حال من الأحوال ترجمة دقيقة لعنوان الكتاب الفرنسي وهو : "Journal d'un prince banni" و قد حاولت جهدي أن أجد أقرب المرادفات لكلمة "Banni" في اللغة العربية فوجدت أن مصطلحي "محظور" أو "مبعد" قد يكونا أكثر صحة و أدق توصيفا. الكتاب يتضمن 380 صفحة يروي فيها الأمير هشام العلوي حياته، من الطفولة حتى يومنا هذا؛ يتحدث فيها عن ما سمعه عن جده محمد الخامس، و كذلك عن علاقته بوالده الأمير مولاي عبد الله و دور والدته لمياء الصلح و علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني، وبالملك الحالي محمد السادس، كما تطرق لدور المخزن في الوقوف في وجه تأسيس الملكية الدستورية الحديثة، و لوبيات الفساد ، الأمير تعرض أيضا في كتابه لعلاقته بالأسر الملكية في دول الخليج، و قضية الصحراء و الظروف الصعبة التي عاشها الأمير و الأسرة الملكية بسبب الانقلابات ، كما تحدث عن ثورة الخبز و اكتشاف الفقر بالمغرب و أشياء أخرى ، يقول هشام إن هدفه هو المساهمة في تنوير الناس وتوضيح الأمور بالنسبة إليهم، والمساهمة في فهم جزء من التاريخ المغربي المعاصر. الكتاب أفرد نقدا لاذعا للقوى التقليدية المخزنية بالمملكة حيث وصفها بأنها عبارة عن ائتلاف لوبيات لها مصالح و منها أحزاب سياسة و هناك آليات و ميكانيزمات تقيد الجميع في لعبة سطحية هدفها التحايل على التغيير و ليس مواجهة التغيير و دعا إلى ضرورة القطع مع هذه الازدواجية التي تحكم سير الدولة المغربية و الانتصار لدمقرطة الدولة والانتقال إلى ملكية دستورية رغم كونها عملية مليئة بالأخطار لأن هذه اللوبيات تقاوم التغيير خصوصا و أن الظرفية اليوم لا تساعد على إحداث أي تغيير بفعل تراجع الإقتصاد و تنامي الغضب الشعبي و الظروف الإقليمية الصعبة ، لذلك يقول الأمير في تعليقاته على ما جاء بالكتاب "لا أرى من أين يمكن أن يأتي الدافع للتغيير فهو لن يأتي من الملك و لن يأتي من الأحزاب السياسية المنهزمة التي انفصلت عن القواعد الشعبية كما أنه لن يأتي من الخارج الذي كان يساعد عبد الرحمان اليوسفي لكنه تراجع اليوم و فضل الإبتعاد و الترقب من بعيد ". و في حديثه عن الملك الراحل الحسن الثاني فقد تعرض له الأمير بكثير من التقدير و التبجيل و قال أنه كان يتمتع بشخصية قوية جدا لا تسمح لأحد بالاقتراب أو الخروج من الدائرة الضيقة التي يضعه فيها فهو كان مثل "مخرج سينمائي بارع له خشبة و يضع كل واحد في دائرة و يوزع الأدوار حسب منظوره و عندما يرفض أحدهم الدور الذي يعطى له فكان يوبخه أولا ثم يقمعه مرة ثانية ثم يطرده" يقول مولاي هشام في حديثه لفرانس 24 ، و زاد الأمير في كتابه أنه ترعرع في أحضان ملك عظيم يكن له إعجابا و تقديرا كبيرين و أن الشرخ في العلاقة بينهما كان بسبب " غضب الأمير من الإهانات التي كان يوجهها الملك الحسن الثاني لوالده الأمير مولاي عبد الله" ، غير أن هذا الغضب و هذا "الحقد الدفين" سرعان ما تلاشى و اختفى بعد مرض الحسن الثاني، حيث قال الأمير معلقا على ذلك " سامحت الملك الحسن عندما مرض حيث رأيت هذا الإنسان القوي و الفريد من نوعه حين التقينا و فتح لي قلبه و حكى لي أشياء لم أذكرها في الكتاب لأنها أسرار دولة، و أمور شخصية لم ينضج الوقت للإفصاح عنه". و زاد الأمير مولاي هشام قائلا " إن وفاة الحسن الثاني كانت أصعب علي من موت والدي لأن الحسن الثاني علمني كل شيء بدءا بالعمل السياسي و الاحتكاك بالآخرين و التعامل الحذر معهم مثلما علمها للأمير سيدي محمد و الأمير مولاي رشيد ". أما عن دور والدته الأميرة لمياء الصلح فقد قال عنها الأمير أنها :"عملت على الحفاظ على عشها و بيتها و هي التي مكنت والدي الأمير مولاي عبد الله من تكوين شخصية و كيان سياسي مستقل حيث كان يستقبل المعارضة في بيته و كذلك الزوار من الخارج". و أن علاقة الأميرة لمياء الصلح مع باقي الأسرة الملكية استمرت على أحسن حال سواء بعد وفاة والده الأمير مولاي عبد الله أو بعد وفاة الملك الحسن الثاني حيث أنها كانت و لازالت ترى في "محمد السادس" أبن الأخ أو الأخت الذي ترعرع على يديها الشخص اللين قلبه دافئ و لديه خصال حميدة و هي بالفعل موجودة فيه" و أضاف الأمير "إن تقييمي لمحمد السادس هو تقييم لنتائجه السياسية و ليس لشخصه". المحاولات الانقلابية التي تعرض لها الحسن الثاني كان لها الوقع الكبير على حياة مولاي هشام شأنه في ذلك شأن باقي أفراد الأسرة المالكة و من الطبيعي أن يفرد لها صفحات من كتابه حيث أكد الأمير مولاي هشام " أن محاولة الإنقلاب هي أكبر صدمة تلقاها الملك و الأسرة المالكة لأنها خيانة من قلب البيت، خيانة من إحدى مكونات الملكية و ليس المعارضة فقط حيث كان الحسن الثاني يعول على الجيش و يتق فيه، غير أن تلك الانقلابات جعلته يحول اعتماده بعد إلى وزارة الداخلية و الشرطة. بعد اكتشاف الجيش و صدمة استعمال القوة ضد الأسرة الملكية في السبعينات تحدث الأمير في كتابه عن اكتشاف آخر حيث قال "في الثمانينات اكتشفنا عالم جديد مثل ما اكتشفنا الانقلابات خصوصا بعد أحداث الدارالبيضاء حيث اكتشفنا عالم المغاربة الذين يعيشون حالة صعبة من الفقر و التهميش و المعاناة، "كان ذلك درسا كبيرا جدا في مسلسل التعلم و النضج السياسي" يقول الأمير في تعليقه . طبعا لا يمكن لقضية الصحراء أن تغيب عن ذهن الأمير فقد تحدث عن المسيرة الخضراء حيث قال في حواره على فرانس 24 : "ليس لدي انتقادات للمسيرة الخضراء لأنها محطة مشرفة جدا و عظيمة في تاريخ المغرب تكتب بماء الذهب" ، لكن الأمير يستدرك مواقفه و يقول :" أنا أنتقد مسألة معالجة ملف الصحراء المغربية لأن الحل بيدنا و ليس فقط بيد الجزائر التي لها دور طبعا و لأن الحل هو في دمقرطة المغرب و في تطبيق لامركزية موسعة و عميقة عبر الديمقراطية غير أننا لم نشجع هذا الخيار و شجعنا الزبونية التي لا تؤدي إلى تنمية حس المواطنة لدى سكان الصحراء لكنها ولّدت لديهم احساسا بالغضب و تنامي الحس الإنفصالي فكيف سيستطيع المغرب التعامل مع برلمان محلي في الصحراء و هو الذي لم يستطع التعامل مع موقع إلكتروني حر و مثل موقع "لكم" مثلا. أما بخصوص العلاقة التي تجمع بين الأسرة الملكية المغربية و ملكيات الخليج فيقول عنها الأمير أنها "ككل علاقة كانت تعرف أزمات و انفراجات و أتحدث عن خادم الحرمين الشريفين الذي وقف بجانبي في عمليتي الجراحية و المسألة ليست مسألة مال و إنما هي وجود شخصا أخذ بيدي في هذه الأزمة نفس الشيء بالنسبة للأمير محمد بن زايد الذي هو بمثابة الأب بالنسبة لي و ليس فقط أخ" ، و يضيف الأمير " بالفعل اليوم هناك اضطراب في علاقتي بأمراء الخليج الذين يعتبرون مواقفي من الملكيات في هذا الوقت هو خطر عليها غير أنني أعتبر أن أكبر ضمان لاستقرار الملكيات هو الإصلاح و الصديق الوفي هو من يقول لك ما الحقيقة و ليس فقط ما تريد أن تسمعه و إن كان أصبح لا يُسمح لي بدخول بعض هذه الدول بسبب مواقفي فهم أحرار تماما مثلما أنا حر في أفكاري و آرائي و لا أساوم عليها". و يستطرد الأمير في حديثه عن علاقته بالأمراء الذين لم يتعرض لهم في كتابه مثل الأمير مولاي رشيد الذي قال عنه أنه أمير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أما مولاي اسماعيل هو أخي و شقيقي اختار طريقه و انا اخترت طريقي فأنا ترعرعت في كنف الحسن الثاني و هو ترعرع في كنف محمد السادس، و بخصوص إبن خالته الأمير و الميلياردير السعودي الوليد ابن طلال فقد قال عنه الأمير إنه ابن خالتي تربطني به علاقة عائلية حميمية و وطيدة لكن طالما ليس بينهما عمل تجاري أو سياسي فلم يرى داعيا للتعرض له في الكتاب.