لم يكن يخطر للولايات المتحدةالأمريكية أن بغزوها للعراق تكون قد أهدت لإيران هدية مجانية لطالما وقف النظام البعثي في وجهها، حيث سمحت لإيران أن تكون محورا شيعيا يمتد من الخليج إلى البحر المتوسط، بل وتجعل إسرائيل في متناول يد طهران أسهل من ذي قبل.وعلى ما يبدو فقد أسال النفط العراقي لعاب لوبي النفط في صفوف المحافظين الجدد ورموا بجيوشهم في أزقة مدن العراق، فتنافست التنظيمات من الموالية لإيران والأخرى الموالية لدول الخليج السنية والقاعدة وغيرها على اقتناصهم، وأصبح مدى مقياس شعبيتها مرتبطا بحصيلة الجنود الأمريكان ومن يواليهم من المعارضة العراقية السابقة المقتولين على أيديهم. وكان هدف اللعبة التي بدأها جورج بوش وأصدقاؤه هو إخراج رأس "الأخطبوط الإيراني" بعد استنفاذ ضرب أذرعه المترامية الأطراف من أفغانستان إلى سوريا ولبنان، بيد أن البيت الأبيض –على ما يبدو- لم يفطن لكون هاته الرأس هي مدهونة بنفط لذيذ يعشقه التنين الصيني، فالصين وروسيا الحليفتين لإيران واللتين تبحثان لنفسهما على نصيب من نفط الخليج لن تتركا بأي حال من الأحوال الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا أو غيرهما استصدار أي قرار من مجلس الأمن من شأنه أن يضر بمصلحة إيران، ليبقى الخيار الصعب والوحيد أمام أمريكا هو اللعب بشكل منفرد، وهو ما يعني شبه عزلة دولية للولايات المتحدة فينقلب بذلك السحر على الساحر.وفيما يبدو أنه آخر تحرك لبعثرة الأوراق في الشرق الأوسط، دفعت أمريكا حليفتها الاستراتيجية رقم 1 بالمنطقة إلى خوض الحرب على حماس وحزب الله فيما عرف بأمطار الصيف، غير ان صمود الحركتين الملفت للنظر كان بمثابة علامة "قف" الإيرانية التي أشهرت في وجه العم سام الأمريكي.وبدأ الحلف الأمريكي القوي بداية الحرب على ما يعرف بالإرهاب في التفكك شيئا فشيئا، فبعد اسبانيا خرجت إيطاليا من الحلف واختارت حكومة برودي الإخوة الأوربيين، وأصبحت أوربا وديبلوماسيتها أكثر تحركا وأكثر قبولا في العالمين العربي والإسلامي.وبنهاية شهر غشت المنصرم، تاريخ انتهاء المهلة المحددة لإيران بشأن ملفها النووي، يطلع الرئيس أحمدي نجاد على شاشات العالم ليعلن استمرار إيران في مخطط حصولها على الطاقة النووية، وليطمئن العالم وإسرائيل على أن الفرس هم مخترعو ورواد لعبة الشطرنج وأن الملك الأمريكي قد مات.