هناك ثلاثة محاور للأزمة التي تميز الشرق الأوسط في الوقت الراهن: بلاد الشام، أي بخصوص الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وامتداده اللبناني - السوري، الخليج العربي أي بشأن الصراع الإيراني - العربي والسني - الشيعي، ثم الصراع الباكستاني - الأفغاني أو التهديد الجديد الذي أضحى يشكله طالبان على قوات حلف شمال الأطلسي وعلى التحالف الأمريكي الباكستاني. ولكل محور من هاته المحاور الثلاثة منطقه الخاص، ومع ذلك فهي تظل مترابطة ببعضها البعض. وهذا الترابط هو الذي يشكل هوية الشرق الأوسط كمسألة إشكالية معقدة بامتياز في ظل النظام العالمي. ونحن نتابع خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الموجه للعالم الإسلامي من القاهرة، وتدشين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لقاعدة بحرية فرنسية بأبو ظبي، فإنه لا ينبغى علينا أن نزيل من أذهاننا مجموع تلك الرهانات السالفة الذكر. ويتميز محور أزمة بلاد الشام بالتعثر المزدوج بين الفلسطينيين والإسرائيليين. حيث ترفض حكومة نتانياهو حل إقامة دولتين، متخوفة من خسارة تحالفها داخل الكنيست. ومن جهتهم، ينقسم الفلسطينيون بين منظمة فتح، التي تدير المنطقة غير المحتلة من القدس، وحركة حماس التي تسيطر على مجموع قطاع غزة المدمر. حماس ترفض الاعتراف بإسرئيل، لكنها تظل مع ذلك مستعدة للانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية الموكل إليها بمهمة التفاوض مع الدولة العبرية. ولقد بلغ الضعف بقادة الفصيلين الفلسطينيين درجة تحولهما لهدف للضغوط الموجهة من مصر والعربية السعودية من جهة، وسوريا وقطر وإيران من جهة أخرى. ولا يمكن أن نستثني من محور الأزمة هذا المسألة اللبنانية. فإذا كان مصير هذا البلد مرتبطا بالأوضاع في إسرائيل - كما اتضح ذلك جليا خلال «حرب 33 يوما» صيف سنة 2006- فقد أضحى أكثر من أي وقت مضى مرتبطا بإيران التي تحتضن حزب الله، أقوى الأحزاب في لبنان والذي يعتمد على الكثافة العددية لأتباعه ومناصريه. وأمام هذا التأثير القادم من طهران، تعمل الرياض على تقديم دعم كبير ل «تيار المستقبل»، الحزب السني الذي تقوده عائلة الحريري. وهكذا أضحى لبنان أيضا أحد أهم الأضلع في محور أزمة الخليج، دون إغفال معطى الوجود المسيحي الذي كان مهيمنا في وقت من الأوقات، قبل أن ينقسم هو الآخر إلى طائفة «المسيحيين السنيين» و «المسيحيين الشيعة» كما يظهرون في بعض صور السخرية اللاذعة في بيروت. وبالنسبة لسوريا، التي استأنفت المحادثات المقطوعة مع إسرائيل برعاية تركية، وبدأت تنفتح على فرنساوالولاياتالمتحدة، فإنها لا تستطيع أن تنفي دخولها في علاقة أساسية مع إيران وحزب الله وحماس. وإذا كانت أزمة بلاد الشام هي التي تتصدر المشهد الإعلامي بالنظر لعمرها المتد طيلة العقود الستة الماضية والبعد الذي تشكله مسألة اليهود والفلسطينيين، فإن هذا المحور يترك مكانه في الصدارة لأزمة الخليج لسببين رئيسين. فكما رأينا، الأهداف المتضاربة بالمنطقة والتي يشتد الصراع حولها في فلسطين كما في لبنان، وفي الحالتين كلتيهما تم رصد موارد مالية ضخمة. إلى جانب ذلك، فإن الرهانات الخاصة بالمنطقة لا يمكن مقارنتها مع تلك الخاصة بمنطقة الشام: لا يمكن أن يتخلى العالم عن الموارد النفطية التي تعبر يوميا مضيق قرمز والتي تشكل خمس الاستهلاك العالمي. ويعتبر اقتصاد العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الأولى على الصعيد العربي بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم الخسارات التي تم تكبدها إثر الأزمة المالية العالمية، إلا أن هذين النظامين يظلان القوة الرئيسة للاستثمار في العالم ككل. ومن جهة أخرى، فإن وضع حد للفوضى التي يتخبط فيها العراق، والانسحاب المنتظم للجنود الأمريكيين من هذا البلد (الأمر الذي ركز عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أجل ترسيخ مصداقيته) يندرجان في صلب محور أزمة الخليج. وفي الأخير، فإن إعادة إدماج إيران ضمن المنظومة الأمنية الإقليمية مقابل إدماجها مجددا في النظام الاقتصادي العالمي يظل التحدي الأكثر صعوبة أمام الرئيس الأمريكي الجديد.. إن محور الخليج بشكله الراهن يعتبر نتيجة لفشل مشروع الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج وولكر بوش، في العراق، حيث كان المحافظون الجدد بالبيت الأبيض يسعون لإقامة عراق مسالم، يساند أمريكا وتحكمه أغلبية شيعية - كردية لا تنشغل بالصراع مع إسرائيل أو الانضمام إلى منظمة الدول المصدرة للنفط، التي تلعب دور الريادة في منطقة الشرق الأوسط. وأمام هذا الوضع، يجد أوباما نفسه أمام ضرورة البحث عن فاعل جديد يكون كفيلا بضخ دينامية سياسية من شأنها أن تقود إلى إيجاد حل شامل لكافة أضلاع محور أزمة الشرق الأوسط. وهذا هو المقصود باليد الممدودة إلى إيران. وانتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد سنة 2005 كان بالنسبة للمؤسسة السياسية الإيرانية فرصة من أجل الحصول على أقصى حد من المكاسب جراء التعثر الأميركي في العراق، وذلك من خلال الرهان أكثر من أي وقت مضى على الملف النووي ووضع حد للوجود الإسرائيلي، في الوقت الذي كانت فيه الولاياتالمتحدة تسعى لتحييد الميليشيا الشيعية في العراق الموالية لطهران، وامتصاص الضربات الموجعة التي يوجهها لها المقاتلون السنة. ومن الناحية الرمزية، يمكن القول إن ثمن تلك السياسة كان غاليا جدا: إذ توج محمود أحمدي نجاد ، كما هو الشأن بالنسبة لحسن نصر الله، نفسه بطلا لتيار معاداة السامية في الشارع العربي. غير أن الوضعية الاقتصادية لإيران تشهد تدهورا كبيرا، مرده إلى الحظر الدولي المفروض على البلد وانتشار الفساد والفوضى الأمر الذي يثير استياء الساكنة. وإذا كان المرشد خامنائي يساند إعادة انتخاب أحمدي نجاد، فإن ثمة تيارات قوية، من بينها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني والمرشح الإصلاحي، مير حسين موسوي، تظهر مرونة أكبر في التعامل مع العرض الأمريكي، وتعتبره منطلقا من أجل بلوغ هدفها المتمثل في جعل إيران بلدا إسلاميا أقل إيديولوجية وأكثر براغماتية، وبالتالي بسط الهيمنة الإيرانية على منطقة الخليج، مقابل الاتفاق مع واشنطن على الضغط على حزب الله وحماس وتسهيل سبل البحث عن تحقيق المصالحة داخل لبنان والمساهمة في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي المقابل، فإن هناك تصورا موازيا يفرض ضرورة مباشرة مفاوضات مكثفة وتهدئة المخاوف العربية، فعواصم شبه الجزيرة العربية إضافة إلى القاهرة وعمان ضاعفت من درجة يقظتها أمام التهديد الشيعي والتطلع الإيراني للحصول على السلاح النووي، الذي يقظ مضجعها تماما كما هو الأمر بالنسبة لإسرائيل. وبإلقائه خطابه الموجه للعالم الإسلامي من القاهرة، وإضافته محطة السعودية إلى برنامج جولته، يكون أوباما قد كشف بالواضح عن سعيه لطمأنه الدول السنية، الحليفة التقليدية لأمريكا. وإذا كان محور الخليج، بوجود إيران في مركزه، يبدو وكأنه الكلمة المفتاح لإنهاء أزمة الشرق الأوسط والمحدد لرهانات بلاد الشام، فإن المحور الثالث للأزمة، والذي يضم باكستانوأفغانستان، يفرض نفسه كعائق لا يمكن تصور حدوده. لقد كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول العربية الخليجية هي التي وفرت الدعم المالي للجهاد في أفغانستان سنوات الثمانينات من القرن الماضي من أجل القضاء على الجيش الأحمر، وكذا من أجل تقديم بديل مناهض للاتحاد السوفياتي ويساند الولاياتالمتحدة ضد الثورة الإيرانية التي كانت في أوجها آنذاك. كما أن أسامة بن لادن السعودي وأيمن الظواهري المصري قد عاشا مرحلة الجهاد تلك وربطا على طريقتها بين أفغانستان والخليج العربي وفلسطينوالولاياتالمتحدةالأمريكية في فاجعة الحادي عشر من شتنبر 2001. وفي المقابل، عملت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على إسقاط نظام طالبان، لكن بدلا من تعزيز ذلك النصر، تم إرسال المزيد من الجيوش من أجل «تمديد الحرب ضد الإرهاب» وإيصالها إلى العراق، الذين سقطوا في مستنقعه، وفي نفس الوقت استعاد مقاتلو طالبان قواهم وأضحوا يشكلون تهديدا بالنسبة للحكومة الأفغانية ولجنود حلف شمال الأطلسي. إن التحدي المطروح أمام أوباما يكمن في العودة إلى أفغانستان واستكمال اجتثات طالبان وشبكات القاعدة المنتشرة على امتداد المناطق القبلية على الحدود مع باكستان. ومن شأن تسوية أزمة هذا المحور المساهمة في حل باقي محاور الأزمة بالخليج وببلاد الشام. * مدير كرسي الشرق الأوسط وحوض المتوسطي بمعهد «سيونس بو» الباريسي. > عن «لوموند»