مرت العشر سنوات الأخيرة من عمر إلياس العماري ، بشكل سريع لأنها كانت زاخرة بالفتوحات، أعلنت بداية القرن عن ميلاد لاعب ريفي، إخترق عالما شبه مغلق على الأغيار، و هو إبن الريف القادم من الهوامش، الذي يفتخر أنه ابن خديجة التي تربي الدجاج، والسي محمد الفقيه الذي يصلي بالناس، فقوة هذا الرجل تكمن في مدى قدرته على التواصل و التعامل مع مختلف افراد و طبقات المجتمع ،لأنه ولد و تربى بين شوارع و أزقة هذا المجتمع، فهو يدرك أسراره وتفاصيله ،على عكس باقي .السياسيين الذين يسيرون أمور البلاد من بروجهم العاجي إلياس العماري هو فعلا شخص مثير للجدل، لا أحد يعرف من هو؟ ماذا يفعل و لا بأي صفة يفعل، إنه إنسان غامض بكل ماتحمل الكلمة من معنى ،حاول الكثيرون فهم سيرة الرجل و توجهاته والإطلاع على مساره و مدى قدرته الحفاظ على نجمه ساطعا ( رغم السحاب الذي يغطي سماءه من حين لآخر )، بين ماكينات سياسية ومالية جعلت من الرجل هدفا لها في كثير من الأحيان. . صحيح أن السياسة لعبة لا يفقه كنهها إلا لاعبوها ،لكننا سنجتهد في هذ التحليل و حسب المعطيات المتاحة و جمع الأحداث و إعادة إستقرائها، و الخروج منها باستنتاجات لوضع هذه الشخصية تحت المجهر و في إطارها الصحيح ،و فك بعض من طلاسيمها و شيفراتها.سنحاول الإجابة عن أسئلة من قبيل من يكون هذا الرجل الذي ولد من ضلع اعوج في اليسار، و خرج من هوامش المغرب الغير النافع من قرية امنود بالريف؟ و كيف شق طريقه حتى أصبح فاعلا في الحقل السياسي و ليس مجرد مفعول به؟ومن ساعده على بناء هذا المجد؟ ومن يفوض له الحديث بإسم الدولة وأجهزتها الرسمية و غير الرسمية مع أنه لا يضطلع بأي مهمة أو مسؤولية يمكن أن يحاسب عليها من منظور ربط المسؤولية بالمحاسبة كما تنص على ذلك الدساتير ؟هل يمكن تشبيه سلوك هذا الرجل بسلوك الحركات الماسونية التي تتحكم في العالم كله دون ان نعرف عنها اي شئ ؟. كان للجغرافيا دورا حاسما في كتابة التاريخ الذي صنعه هذا الرجل لنفسه،دون أن نغفل جانبي الصدفة و الحظ اللذان لازماه طيلة مشواره السياسي،حتى أجمع الكل أن شخصية إلياس العماري لا تتكرر في الزمان مرتين، هو الذي كان طموحه في صباه لا يتجاوز أن يصبح يوما مجرد دركي ببذلة زرقاء داكنة و مسدس في جيبه، في إشارة واضحة لحبه و ميوله للسلطة منذ نعومة أظافره، فحلمه لم يكن بريئا أبدا وإفتتانه ب"الجدارمية" هو محصلة مجموعة من التراكمات في لا وعي هذا الطفل الصغير، أنتجها العنف الرمزي و المادي الذي كان يمارسه جهاز الدرك ا لذي يخشاه سكان القرى و المداشر أكثر مما يخشون الله، وهو تكريس لسلوكيات مازالت موشومة إلى حد الآن بالذاكرة الجماعية للمغاربة و أهل الريف بالخصوص. فبدأت أحلام هذا الفتى تكبر يوما بعد يوم،حتى تأتى له أن يحيط بالسلطة من جميع جوانبها و أن يجمع ما لم يجمع لأحد من قبله، فوصف على أنه مفرد في صيغة الجمع، لاسيما و أنه شق طريقه بعصامية قل نظيرها في وقتنا الحالي فاقتحم عالم السياسة والديبلوماسية و الإعلام والمال و الأعمال و الرياضة،فكان حيث ما مر يترك توقيعه و بصمتة و يخلف أعداء أكثر مما يكسب أصدقاء فبعد إنقطاعه عن الدراسة في المرحلة الإعدادية أضحى يحمل وزرا كبيرا على أكتافه فسعى إلي تكوين نفسه بعصامية بعيدا عن حجرات الدرس، فكانت هجرته إلي الرباط وإرتمائه بين أحضان الطلبة القاعديين بادرة خير عليه فقد إستلهم منهم الكثير فتعلم على أيديهم أول أبجديات الماركسية و اللنينية، فظل متنقلا من قلعة إلى أخرى بين قلاع الماركسية في المغرب بين الرباط و فاس ووجدة لا يحركه إلا الأفكار و المبادئ التي آمن بها غير متردد في نصرة رفاقه في كل ربوع المغرب كلما تطلب منه الأمر ذلك، فكان دائم الحرص على حضور مؤتمراتهم و أمسياتهم و حلقياتهم متنقلا من أقصى المغرب إلي أدناه، حتى ولو كلفه ذلك المبيت في العراء ،أو في غرفة مكدسة بالرفاق بعضهم فوق بعض. فتشبع بالفكر الإشتراكي اليساري حتى إختلط بكرياته دمه الحمراء فاستمر على هذا الحال عقدا من الزمن عانى خلالها من البأس و الفقر و قصر ذات اليد كان بالكاد يجني قوت يومه كبائع للخضروات ب"القامرة".
فذات صباح أدرك أن جدار برلين سقط منذ زمان، و اكتشف أن الإشتراكية مجرد تجربة سوفياتية فاشلة تجاوزها التاريخ فأدرك معفوكوياما ان الرأسمالية هي نهاية التاريخ، فكانت القطيعة مع اديولوجية ا ليسار التي لم تجلب عليه إلا الويلات و الإحباط و اليأس و الهزيمة فما حاجته إلى كل هذ اللغط الفكري و نضالات البروليتاريا، و أفكار شيوعية مثالية لم تطبق يوما في العالم و لن يتأتى لها أن تطبق أبد الدهر . فأحرق كل كتب ماركس و أنجلز ولنين و رمى ما تبقى منها في واد النكور و مزق كل صورهم التي كان يعلقها على جدران بيته و كذلك البيانات التي كان يصدرها هو و رفاقه والتي تجاوز عددها الألف دون أن تحسن من وضعيته قيد أنملة فمزقها جميعها في تأكيد على نهاية مرحلة لم يعد يهمه أرشيفها فكسر المنجل بالمطرقة ورمى الإثنين في سلة المهملات بكل ما يحملانه من رمزية إشتراكية و يسارية في رسالة مفادها ان المكان الطبيعي للإشتراكية هو مزبلة التاريخ. و استبدل معطف لينين الرث وقميص غيفارا الذي كان يلبسه بمناسبة ومن دون مناسبة وقبعة تروتسكي والكوفية ،ببذلة زرقاء أنيقة من نوع " زارا " بكل ماتحمله من دلالة بورجوازية ووضع ربطة عنق حمراء نكاية برفاقه اللذين مازالوا على عهد ماركس ولينين ،و استبدل حذاءه المثقوب تحت قدميه من كثرة ما كابد في الحياة، بآخر جديد فقط تلميعه يكلفه مايعادل أجرة يوم عامل بسيط، و انتقل من حي القامرة الشعبي إلى فيلا فخمة بحي الرياض إلى جانب الألبة و علية القوم بعيدا عن ضجيج البروليتاريا. فاشترى لنفسه سيارة فخمة حتى تكتمل صورة انتقاله الطبقي بعد ان كان يتنقل بين أحياء الرباط "سالت" في الطوبيس قبل ان ينعم الله عليه هذا التحول المرفولوجي صاحبه تحول فكري فاستبدل قاموسه اليساري الاشتراكي(ثوري،شعبي،رجعي،بروليتاري،إمبريالي،شوفيني، كومبرادوري،وديماغوجي...) حتى انه كان لا يكاد يتمم جملة من كلامه إلا و فيها واحدة من هذه المفردات، بمعجم راسمالي بورجوازي ( الليبرالية، الحريات، الخوصصة، الديموقراطية، الحكامة و المشروع الحداثي... ) هذا التحول الإيديولوجي من ديكتاتورية البروليتاريا الى اليمين المخزني (حتى لا نقول اليمين الليبرالي، لأن الليبرالية اكبر من أن يزج بها في المستنقع السياسي المغربي)، تجسد بتأسيسه لحركة لكل الديموقراطيين التي لعب فيها دور ابن بطوطة الذي جال و صال في المغرب و في الريف على الخصوص من اجل استقطاب بقايا اليسار الراديكالي و اللذين يوحد بينهم ماضيهم اليساري ورغبتهم و طمعهم في التسلق الطبقي فوعدهم بجنة نعيم ان هم ساروا على دربه، مقنعا اياهم بالواقعية السياسية و البراغماتية، فتخلوا جميعهم عن المفاهيم و المبادىء الاشتراكية و الثرية و الاممية و ارتموا في أحضان البورجوازية المتوسطة وزمروا و طبلوا للديموقراطية الليبرالية و المشروع الحداثي الذي اصبحوا يتحدثون عنه بخشوع لاهوتي. فتحولت الحركة من بعد ذلك الى حزب إداري اخر أضيف الى المشهد الحزبي المغربي بقيادة الرجل القوي صديق الملك فؤادعالي الهمة الذي تدرج جيدا في أسلاك المخزن، فاختاروا له من الأسماء الأصالة و المعاصرة الذي تبين فيما بعد أنه لا يختلف في شيء عن باقي الاحزاب الادارية و اتضح أن كل خطاباتهم الديموقراطية مجرد كلام فارغ على عواهنه، و أن كل مشروعهم الحزبي هو محاربة الإسلاميين لخدمة أجندة الدولة و اخرى خارجية و ليس المواطن البسيط دافعهم الحقيقي بل هي الغنيمة و الكسب ،قاموا بعرض قناعاتهم و تصوراتهم و حاولوا فرضها بشعارات براقة فضفاضة دون ان نلمس مقومات لها في الواقع و دون ان يمارسوا هاته الديموقراطية التي يتبجحون بها في حياتهم العملية التي يغلب عليها الإنغلاق و الإقصاء و الإنتقام و النظر بدونية الي الآخر المختلف و ممارسة الإرهاب الفكري فيسعون إلى تصفية كل مخالف لهم بما اوتوا من طرق مشروعة و غير مشروعة مع أن الديموقراطية الليبرالية هي احترام الآخر و عدم تكفيره او إدانته او إلغاءه فهي تقوم على الحوار .و الإختلاف فتحول العمل السياسي عند هؤلاء الإنتهازيون من نشاط ثوري الى ممارسة ميكيافيلية متقلبة تحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة لمراكمة الثروة، صحيح أن السياسة فن الممكن و إنها حالة نظرية و تطبيقية متكيفة مع متغيرات و مستجدات الواقع لكن ممارسة الواقعية السياسية لها ضوابط و محددات، ولا يستقيم العمل السياسي بمعزل عن المبادىء و الأخلاق و السلوكيات المقبولة .و إن سلمنا أن السياسة هي صراع بين القوى
ظاهريا يبدو أن حكومة عباس هي المشرفة على الشأن التنفيذي بالمغرب لكن العكس هو الصحيح فالحكومة الماسكة بزمام الأمور و التي يخشى الكل غضبها هي حكومة الظل بقيادة فؤاد عالي الهمة و وزيره الأول إلياس العماري الذي يحتكر كل السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية فهو المشرع الذي يسن القوانين و يطبقها و يتحكم في تعيين الولاة و العمال و السفراء و ينصب رؤساء الجماعات و المقاطعات و عمداء مجالس المدن ويطبق قانون العقوبات على عمداء الأمن و الضباط و السياسيين و إرسالهم الى الزنازن في حالة عدم الإمتثال لأوامره و اجتناب نواهيه و يهدد معارضيه بالإنتحار و الشنق على " أسوار "الأصالة و المعاصرة تفطن إلياس العماري باكرا إلى أهمية العمل الجمعوي فأسس أسطولا من الجمعيات تنشط في جميع الميادين و المجالات فمنها ماهو اجتماعي، انساني، سياسي، رياضي و فني، و وثقافي .. متادخلة بعضها مع بعض و تتوزع مابين الرباط و طنجة و الريف و تحمل كلها بصمة إلياس العماري فجعل منها اداة يتقرب بها من الساكنة و في نفس الوقت جواز مرور لدى الجهات العليا في البلاد فعلى سبيل المثال لا الحصر نورد هنا بعضا من جوانب هذا : الاسطول الذي لا يتسع المقام لسرده كله : جمعية " اريد " و هي جمعية ناشطة بالعاصمة الرباط جمعية مستقلة ذاتيا و بميزانية ضخمة تجمع مختلف نخب الريف بالرباط ،جمعيةالصداقة بين الشعوب او جمعية العمل الديبلوماسي السري او جمعية الظل للمخابرات المغربية و هو مايكتنفه غموض تام من مصادر تمويلها حيث ارتبط اسم الرجل بكبار الساسة في العالم و بالخصوص امريكا اللاتنية، و كاتالونيا و لقبايل في الجزائر، كذلك نجد جمعية "ثويزا "التي انشئت في طنجة لإحتواء امازيغ المدينة وخاصة الريفيون منهم لا سيما الرساميل الكبيرة التي يتوفرون عليها، و هي الجمعية ذاتها التي فتحت الطريق امام اخيه فؤاد لعمادة المدينة و هو الذي كان لا يفقه في السياسة الا مايفقهه اسكافي في الفيزياء، وفي الريف انشئ جمعيةضحايا الغازات السامة وهي التي اثارت جدلا واسعا تجاوز الحدود المغربية الى الحكومة الاسبانية و التي انقسمت حولها الى مؤيد و معارض بما يخدم اجندتها الانتخابية مما اوشك على تشكيل ازمة ديبلوماسة بين المغرب و اسبانيا كادت ان تعصف بجمعيته، ليصبح بذلك الناطق الرسمي باسم مطالب الجمعية وهي مطالبة الحكومة الاسبانية بالاعتراف الرسمي بجرائمها بالريف و التعويض عن الاضرار التي لحقتها جراء استعمالها لغاز الخرذل المحرم استعماله دوليا، و حتى يكسب ود اسبانيا من جهة اخرى انشا جمعية تعنى بالذاكرة المشتركة و المستقبل لكل من اسبانيا و المغرب، وبعيدا عن السياسة انشا مؤسسةمهرجان الحسيمة المتوسطي فجلب له فنانين كبار، ولانه يحشر انفه في كل صغيرة و كبيرة غزا عالم الرياضة وهو الذي لم يكن يوما لا لاعبا و لا مدربا و لا حتى مشجعا فتولى رئاسة فريق شباب الريف الحسيمي استطاع خلالها الفريق التحول من مجرد فريق مغمور يلعب في اسفل دجات الهواة الى فريق بالقسم الممتاز ينافس الكبار، فاغدق عليه بدعم مادي منقطع النظير و بحث له عن مصادر تمويل تضمن له الاستمرارية فتعاقد مع شركات العقار العمران والاتصال و و صناعة الاغدية لاحتضان الفريق مقابل .الاشهار كذلك الياس العماري يعتبر رقما مهما في معادلة المخابرات ، فتاريخه النضالي في صفوف الطلبة القاعديين و قربه من الحركات النقابية و العمالية في شخص صديقه نوبير الاموي، وملازمته لاعضاء هيئاتحقوق الانسان والانصاف و المصالحة و قربه من المرحوم ادريس بنزكري الذي كان له كثير الفضل في التعريف به و فتح الطريق امامه لنسج علاقات مع شخصيات وازنة في القصر كحسن اوريد،كذلك انتماؤه الى منطقة حساسة تاريخيا كالريف جعلته صيدا ثمينا للجهاز المخباراتي الذي ابى الا ان يوظف خبرة هذا الرجل في خدمة جهازهم اضف الى ذلك اسطول الجمعيات التي انشاها والذي جعل من ارشيفها و منخرطيها قاعدة بيانات في يد المخابرات اشعاعه لم يقتصر على ما هو وطني بل تعداه الى ماهو دولي حيث اقتحم حقلا ظل طيلة عقود حكرا على ال الفاسي انه حقل الديبلوماسية الدولية، فاعتبر الياس بمثابة كريستوف كولومبوس الذي اعاد اكتشاف امريكا الجنوبية التي ظلت علاقة المغرب مع هذه الدول جد محتشمة ،ربما هو ماضيه اليساري ومعرفته بادبيات حكمها الشمولي هو ما ساعد الياس على اختراق هذه القلاع ففتح معها حوارا ذو شجون لثني هاتة الدول عن الاعتراف بالبوليزاريو،كذلك حرك اسطوله لكاطالونيا في اطار نفس المهمة وما ساعده اكثر في هذه الفتوحات هي جمعية الصداقة بين الشعوب التي استطاع من خلالها اقتحام الجزائر من بابها الخلفي .عبر حكومة لقبايل، ليردلها الصاع صاعين نتيجة تاييدها للبوليزاريو
فقرب الرجل من القصر و حميميته مع كبار رجال السلطة جعلت منه رجلا فوق العادة،فشن حربا ضروسا بلا هوادة مع كل من يختلف معه او يجرؤعلى انتقاده مستغلا جهاز القضاء الذي لا يعصي له امرا، في تصفية حسابات خصومه السياسيين، فصراعاته تطول و لا تقصرسواء مع ابناء منطقته الريف او مع بقية الاحزاب الاخرى، فكان اول ضحاياهمصطفى المنصوري ابن منطقته الريف الذي ابى ان يذوب في حزب البام ويسخر حزب الاحرار في خدمة مشروعهم الحزبي،فكان له ان دفع ثمن عناده غاليا فجرد من رئاسة حزب الحمامة لفائدة مزوارليجرد من بعد ذلك من رئاسة البرلمان فيكون بذلك عبرة لكل من سولت له نفسه ان يعصي لهذا الوافد الجديد امرا. كذلك دخل في مناوشات مع نجيب الوزاني رئيس حزب العهد الذي كان من بين المؤسسين لحزب الاصالة و المعاصرة والذي تفطن باكرا لما يطبخه الياس في الخفاء ليفر بجلده و يعاود تاسيس حزبه العهد ليصبح هذه المرة عهدا ديموقراطيا بعد ان كان مجرد عهد..فتواصلت الشتائم و الاتهامات بين رفيقي الامس اعداء اليوم فاتهم الياس نجيب الوزاني بالوقوف وراء تشويه صورته لدى الراي العام و ان الشعارات التي ترفع ضده في مظاهرات 20 فبراير ترفعها جهات محسوبة على نجيب الوزاني، الذي بدوره يحاول في كل مناسبة اتيحت له التحذير من هول هذا التسونامي الذي ياتي على الاخضر و اليابس والحرب بين الرجلين مفتوحة على مصراعيها بلغت ذروتها مع قرب الاستحقاقات الانتخابية والتي يسعى من خلالها الياس بسط نفوذه على المنطقة المستعصية عليه لتستمرسياسة الكيل و الكيل بمكيالين بين الرجلين. يبدو ان الياس العماري اصبح شماعة تعلق عليها الاحزاب اخفاقاتها و خيباتها ففتح معه حزب العدالة و التنمية على لسان امينه العام عبد الاله بنكيران حربا ضروسا اعادت الى الاذهان حروب داحس و الغبراء فوصف هذا الاخير الياس العماري بالسلكوط واتهمه بالوقوف وراء اعتقال قيادات بارزة في العدالة و التنمية اهمها قضية اعتقال جامع المعتصم، نائب عمدة سلا ورئيس مقاطعة تابريكت،فاتهمه الياس من جانبه بمحاولة اغتياله،لتستمر هذه المسرحية التي تعكس المستوى المتدني الذي وصل اليه الساسة في المغرب ،ليدخل الجميع بعد ذلك في هدنة بعد عقد الصلح بينهما لا سيم و نحن في الاشهر الحرم التي يحرم فيها القتال..كذلك نال حظه من البوليميك مع حزب الاستقلال على لسان عمدة فاس شباط الذي وصفه بالشيطان المارد واتهمه هو و حليفه الهمة بالاتجار في المخدرات فاكتفى الياس بالتهديد الى اللجوء للقضاء ليطلع علينا شباط و ينفي تصريحاته من جديد. فعداوات الرجل تمتد في زمكان لا متناهي و ما هذ الا غيض من فيض. في الايام القليلة الماضية رصد الياس العماري و هو يقوم بتحركات كثيفة بين مقرات الاحزاب نتج عنها في الاخير ميلاد حلف جديد ضد شعب اعزل فاعتبر انه مهندس G8،وقد تميزت الفترة الاخيرة باستقوائه و انفراده في تسيير شؤون الحزب خصوصا بعد تواري الهمة عن الساحة حيث اتهمه كثيرون بالحزب بالتدبير لانقلاب داخلي يحكم من خلاله السيطرة التامة على كل الهياكل الحزبية للبام هو و تياره المكون من الريفيين و بعض رفاقه القدامى. قوته داخل الحزب لا يعكسها الا سيطرته على جبهة منح التزكيات و كيف انه وصل به الامر الى اقصاء خال الهمة و عدم منحه التزكية في مراكش، والتي منحتلفاطمة الزهراء المنصوري. مما يدل ان على حضوره في الحزب اصبح اقوى من حضور الهمة نفسه ،فهو يمنح التزكيات لبرلمانيي الحزب كما يمنح القساوسة و الباباوات صكوك الغفران، و الذين لا يزكون الا المومنين و المومنات.(...) اما عن امكانية دخوله الى معترك الانتخابات و احتكامه الى ارادة الشعب، فبعد حسابات لوغارتمية معقدة ارتمى هذا الاخير عدم خوض تجربة مماثلة لا سيما في الوضع الراهن خصوصا و ان صورته باتت مهزوزة و امكانية فوزه متضائلة مما سيفقده هيبته السياسية و سيعجل بموته السياسي،فقرر الاستمرار في اللعبة السياسية كخفاش لا يظهر الا في الظلام. رصد الياس العماري و هو يتردد مؤخرا على جامعات فرنسا بغية الحصول على شهادة جامعية عليا يغني بها سيرته الذاتية ويرتقي بها طبقيا و فكريا و اكاديميا وسط النخب الفاسية. جهاز واحد بقي خارج السيطرة وهو جهاز الدرك و الجيش و قد فهم الدرس جيدا عندما ذهب الى العيون في عز احداث " اكديم ايزيك " و تعرضه للتوقيف من طرف سرية الدرك بعدما ر صد و هو يقوم بتحركات فردية دون تنسيق مع اجهزة الدرك والجيش، ليتم بعد ذلك اخلاء سبيله بعد تحريك الهواتف من الرباط،يبدو ان حلم الياس ان يصبح دركيا لم يكتب له ان يتحقق بعد.
ففي كل مرحلة من المراحل تسعى الدولة الى ايجاد شخصية تجذب نحوها الجماهير و يتم من خلالها تخذير الشعب فترة من الزمن او ما يعرف ب" لعبة الامم "،ومن خلال الاحداث الاخيرة يتضح ان صنم الريف لهذه المرحلة ،و عراب المنطقة ماهو الا الياس العمري، الذي يتسم تعامله مع مسقط رأسه الريف بازدواجية مكشوفة، فهو مع المنتصر يطبل و يزمر، ومع الجلاد ضد الضحية،يبارك للجلاد ويبكي مع الضحية. حقيقة لا بد من الوقوف عندها وهي ان هذا الرجل سواء كشخص او كهيئة ، لم يقدم للريف اي شيء الا المهرجانات و الجمعيات التي جعلها مطية للتحدث باسم المجتمع المدني، اي ان الريف قدم لالياس اكثر مما قدم هو للريف، فاستغل انتماءه للمنطقة ليستمد حمولتها التاريخية و الهوياتية و ما تحمله من وزن خصوصا عند صناع القرار،فلا هو ولا حزبه قدم اي مشروع انمائي للمنطقة ،ولا نظرة تبلورية تفك عن الريف حصاره و ترجع له هيبته و مكانته التي يستحقها، و تعوضه عن سنوات القمع و التهميش التي عاناها خلال الخمسين سنة الاخيرة،فالريف لا يحتاج مجرد توزيع عادل للثروات، بل يحتاج الى انحياز ايجابي في توازيع هذه الثروة ،حتى يعوض مافاته من التنمية و يستطيع اللحاق بباقي مدن المغرب النافع،خصوصا على مستوى البنيات التحتية و مخططات التنمية ،المغيبة عن منطقة الريف التي تم اسقاطها من اجندات التنمية على مر نصف قرن من الزمان لحاجة في نفس يعقوب،و بعد ان ان قضى يعقوب حاجته،اوجب رد الاعتبار للمنطقة التي عانت الويلات و البؤس و الظلم ،المنطقة التي ظلمت مرتين ، الاولى من سياسيي المركز و و الثانية من ابناءها الذين تقلدوا مناصب حساسة في هرم الدولة و آخرهم الياس الذي يتسم تعامله مع الريف انطلاقا من مقاربة امنية،كل هدفه ان يحرص على تهدئة الريف و كسر شوكة الحركات الاحتجاجية بالمنطقة و احتوائها و تقليم اظافرها نهجا للسياسة تكميم الافواه ،لاسيما انه ابن المنطقة و عارف بتضاريسها و جغرافيتها بل الاكثر من ذلك سيكولوجية ابناءها،و هو يعلم في قرارة نفسه ان الريف كان و لا يزال عصيا على التدجين و شكل و سيبقى تلك الصخرة الصماء التي تنكسر عليها اوهام و اباطيل النخب المزيفة و على جبال الريف الشامخة شموخ اهلها،و مدن الريف و شعابه ستتهاوى خيالاتها المريضة الطامحة الى تحويل رأسمالها المحلي و ذاكرتها الجماعية الى مجرد مرتع لبقرات البام السمان،سكان الريف ليسوا في حاجة الى من ينير لهم الطريق لان منارة الانسان الريفي هي مبادئه التي يهتدي اليها كلما تاهت به سيفنة الحياة،هاته المباديء هي راسماله الذي يموت و يحيى من اجله. الياس يلعب لعبة الورقات الثلات بالريف، مصائب قوم عند قوم فوائد،كانت البداية بعد زلزال الحسيمة و مظاهرات المنكوبين التي كادت تعصف بالمنطقة لولا تدخل الياس العمري بعصاه السحرية،ليخمد نار ثورة كانت على وشك القيام،مستغلا علمه المسبق بعقيدة و سلوك و نفسية تلك العناصر التي تقودها و معرفته بطلباتهم و رغباتهم فتمكن من استدراجهم الى صفه بطريقة ذكية و ماهرة هو يعرف تفاصيلها جيدا،فكفى المومنين شر القتال،فاصبح منذ ذلك التاريخ ناطقا رسميا باسم ساكنة الريف مما فتح له باب القصر الملكي مكافئة له على تهدئته و تسكينه للاوضاع. الورقة الثانية التي يلعبها هي ورقة الغازات السامة و دعوة التعويض التي رفعها على الدولة الاسبانية اما الورقة الثالثة فهي ورقة الحكم الذاتي فهو يقدم نفسه كصمام امان في مواجهة دعاة الحكم الذاتي لاسيما و الاصوات المرتفعة مؤخرا الرافضة للتقسيم الجهوي الذي الحق الريف بالجهة الشرقية فحاول احتواء اللجنة التحضيرية للحكم الذاتي بالريف و ذلك بالتنسيق مع فعاليات تابعة للبام و هي الورقة التي يراهن عليها هو نفسه للبقاء ناطقا رسميا للريف لا سيما بعد اهتزاز صورته مؤخرا في المغرب و في الريف بالخصوص فلم يبقى له الا العزف على وتر القضية الامازيغية،و لانه موهوب و ماهر بالانتقال من خندق ايديولوجي الى اخر و يرمي راية و يرفع اخرى اختار هذه المرة الركوب على القضية الامازيغية في محاولة مكشوفة لمخاطبة قلوب الريفيين قبل ان يخاطب عقولهم و من جهة اخرى للضغط على الدولة لتمديد تمثيليته بالمنطقة،فشكل منظمة شمال افريقيا للشعوب الامازيغية و استقطب اليها اسماء وازنة من طينة فرحات مهني رئيس حكومة لقبايل المستقلة الذي يدين له بصداقة قديمة والذي ارتئى الا ان يقحمه هو الآخر في مخططاته ،فنصبه رئيسا للمنظمة فيما ما تولى هو امانة المال،ومن بين الاهداف الغير المعلنة لتأسيس المنظمة هي احتواء الحركات الامازيغية الناشطة بالمنطقة و امتصاص حماسها و تكسير شوكتها. فبلعبه على هاته الاوراق يكون قد اقصى كل القوى و تحكم في كل شيء و اختزل الريف في شخصه ارضاء لنبيه الهمة، فيكون بذلك قد لعب دوره بكل مكر و خداع و براعة يحسده عليها ابليس نفسه فاستحق ان يوشح صدره بنياشين الغدر و الانتهازية،وهو يبني امجاده فوق اجساد الشهداء وعلى صرخات الايتام و الارامل التي خلفها الزلزال و على الام المساكين و انين مرضى السرطان الذين خلفتهم حرب الغازات السامة،ان امثاله يصنفون ضمن خانة سارقي نضالات الشعب و المتسلقين على اكتافه لبلوغ اهداف شخصية دنيئة يتلونون بالوان .الطيف كلها كحرباء احست بالخطر،انهم لا يخجلون من المناداة بحقوق الشعب و نضالاته كلما اتيحت لهم الفرصة، ويتناسون ان حزبهم البار قد اهمل اهمالا كليا الهامش على حساب المركزو الرجل يعرف جيدا من ماضيه الاشتراكي اهمية الهامش بمقابل المركز، وما يدينه اكثر هو انه و من خلال حزبه البام يريد ان يبدا حيث انتهتالاحزاب الادارية الاخرى التي تعاقبت على حكم المغرب ، فكفا من الرقص على جراح الريفيين،انها مسرحية مملة لا تسلي احدا فالريفيون احفاذ مولاي موحنذ يتطلعون إلى غد افضل يتحقق فيه العدل و المساواة و التوزيع العادل للثروات و ازالة الظلم و اسبابه و مسبباته. الايام دول ودوام الحال من المحال فلا تتنكر لماضيك و اهلك و الى كل هؤلاء الذين جعلت من ظهورهم سلما ترتقي به الى السماء، فلا يغرنك السراب ولا تكن كحاكي الصدى لجهات خفية،لا بد من التذكير على سبيل الاستئناس بقصة فوست في رائعة من روائع الادب ل" كوتيه "لقد سئم الفيلسوف فوست الوحدة و العجز فاغراه الشيطانميفيستوفليس بالغانية كاترينا و بالفتوة و المال و الجاه مقابل روحه،هل تعرفون ماذا حدث للحكيم ( او النافذ اذا شئتم ) في نهاية المطاف فقد روحه و لم يقض وتره من كاترينا اذ ولت عنه ،ولو انه حظي بلحظة عابرة من متعة و سراب و مجد، والانسان الريفي يفقد روحه عندما يفقد شرفه و عذريته. الرجل يعرف الاجهزة المخزنية اكثر من اي احد آخربحكم كونهأحد أبناء الدار، المطلع على خباياها وأسرارها. ويعرف جيدا البنية الذهنية للقيمين عليها فهم يقومون بعمل لا مندوحة عنه في دواليب الدولة ويقسمون الناس بعقلية عسكرية الى فريقين لا ثالث لهما صديق وعدو ،وفضلا عن ذلك فهم اشخاص يضطربون في المجتمع له علائق و لهم احاسيس و لهم رأى و أهداف و هم الى ذلك براغماتيون و أخشى ما أخشى ان ياتي اليوم الذي تنتهي فيه صلاحية النافذ كاي علبة سردين و يصرفوا وجوههم عنه و قد اصبح عبئا ثقيلا لانه في السياسة لا وجود لصديق او عدو دائم ،فيلقى به كما يلقي الطفل دميته بعد ان ادرك انها مجرد لعبة مملة.