ستشتغل شبكة "دليل الريف" على مجموعة من التحقيقات التي ستبحث في عمق مشكلات المجتمع الريفي، وتكشف مواضع الخلل والفساد ونواحي القصور أو مسلسل الإهمال والفوضى واللامسؤولية أو مخالفة القوانين، وتبحث في عمق المشكلة وترصد تطوير مستقبل المنطقة، كلنا ندرك أن المنطقة مليئة بالأشواك، وأن هذه الاشواك تتسع في ريفنا كي تشمل جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية والقانونية والثقافية، وحتى الذهنية والنفسية والاجتماعية، فتسعى لتقديم أفكار ومقترحات ومعالجات عن تلك القضايا في عموم المنطقة من أقصاها إلى أقصاها، لنتساءل جميعا مع بعض أين يكمن الخلل؟ … في التعليم؟ .. في الثقافة؟ .. في التربية؟ .. في الحرية والديموقراطية؟ .. في العدالة الاجتماعية؟ .. في التابوهات المجتمعية والسياسية؟..في الإنسانية؟… وتهدف "دليل الريف" وضمن خريطة تغطيتها لقضايا وشؤون أبناء منطقتنا داخل الريف وخارجه، لإنتاج تحقيقات بتوازن وتميز في الموضوعات التي تتعلق بكل ما يهم المنطقة من تنمية وكل ما يعرقل ذلك، من أجل الارتقاء بمنطقتنا ووضع اليد على مكامن الخلل وأوجه التقصير. تحقيقات "دليل الريف" ستعتمد على الدراسة والاستطلاع والبحث وتقصي أسباب الحقائق ومعرفة الزوايا المتعددة للحقيقة الواقعة في أمكنة مخفية، في أروقة المنسيين، مع أشخاص مهمشين، وستركز على أمور غامضة معقدة لها عادة علاقة بالفساد والإهمال، وتسعى في معظم الأحيان إلى الإجابة عن أسئلة أساسية تبدأ: ب"كيف و ماذا وفي أي سياق"؟ في هذا التحقيق سنتطرق إلى إشكالية التعليم العالي في منطقة الحسيمة -حرمان الحسيمة من التعليم العالي.. كبح للتنمية وتلغيم لمستقبل الشباب يحفل القاموس «السوسيو سياسي» المغربي، بجملة من المصطلحات المحيلة إلى الاختلالات المجالية في البلاد، فيطلق اسم «المغرب النافع» على المناطق التي توفر موارد اقتصادية هامة، وتلقى اهتمامًا خاصًا من قبل الدولة، بينما توصف المناطق المتبقية التي مصيرها عادة الإقصاء والتهميش، ب«المغرب غير النافع» أو «المغرب العميق». وتفصل بين هاتين المنطقتين هوة واسعة على مستوى التنمية، وتوزع المشروعات والميزانيات التربوية والتعليمية في سائر البلاد، على أساس هذا المعيار الجغرافي، الأمر الذي ينعكس على حياة السكان، حسب المساحات الترابية المتواجدين بها. فحسب هذا التقسيم الظالم تعتبر منطقة الريف من المغرب الغير النافع، لذلك تعاني من إجحاف في توزيع المشروعات والميزانيات وسوء توزيع الخدمات في جميع المجالات وخصوصا التربوية والتعليمية التي تأخذ شكل شحّ المدارس، قلة المعلمين، ونقص الإمكانات والتسهيلات والمرافق التعليمية، أما الجامعة فهي غائبة تماما عن المنطقة، مما أدى إلى حرمان تلك المناطق من حقها في التعليم العالي، ويضاف كثيرا من سكانها إلى قائمة المنقطعين عن الدراسات العليا وخصوصا العنصر النسوي. معاناة ساكنة الحسيمة من جراء غياب الجامعة في المنطقة: أدى غياب الجامعة في مدينة الحسيمة، إلى خلق جيل مجموعة منه لاينهي دراسته العليا والتي تعتبر حق من حقوقه المشروعة، التي خولتها له القوانين الدولية والوطنية وأهمها الدستور، فيعانون من خطر فقدان المستقبل بعدما فقدوا الكثير من حقوق حاضرهم أمام غياب تام لجل خدمات المؤسسات العمومية. أسماء ذات (21 ربيعاً)، واحدة من مئات الحسيميات اللواتي أجبرتهن بعد الجامعة عن المنطقة على عدم إنهاء دراستها الجامعية بسبب ظروفها المادية، وبسب البيئة المحافظة للمجتمع الريفي. وهي كما غيرها الكثيرين إناثاً وذكوراً، لم يرتادوا الجامعة لعدم وجودها في المنطقة لأسباب مختلفة، ووجدوا أنفسهم ضحية تلك الأسباب التي أدت لجعلهم ضمن جيش اللّذين لم يلتحقوا بالجامعة أو من اللذين لا يداومون على الحضور لبعدها. أسباب مادية واقتصادية: ليس بعيدا عن أسماء كان إلياس، هو الآخر لم يستطع الالتحاق بالجامعة نتيجة حالته المادية المزرية والظروف المعيشية الصعبة لأسرته، حيث توفي والده بمرض السرطان حين كان عمره سبعة أعوام ما اضطره للعمل والدراسة في نفس الوقت. يقول إلياس لشبكة "دليل الريف": "لقد توفي والدي وأنا أكبر أشقائي الثلاثة، فوجدت نفسي رجلا وأنا في الثامنة من عمري يجب أن أتحمل المسؤولية وأنفق على والدتي وإخوتي رغم صغر سني، ولكن رغم هذه الظروف لم أنقطع عن الدراسة لأن التعليم الأولي كان متوفر في منطقتنا، فجمعت بين الدراسة والعمل، لكن بالنسبة للدراسة في الجامعة لم استطع المتابعة لأنها بعيدة فكيف أوفق بين عملي الذي يتواجد في منطقتي وبين السفر للدراسة. ويتابع إلياس الذي أصبح عمره الآن 22 عاماً "طالما أحببت الدراسة كثيرا وقد كنت من المتفوقين وطالما تمنيت أن أجلس في مدرجات الجامعة وأستمع لمحاضرات الأستاذ، فعندما ألتقي بأصدقائي الذين سنحت لهم الظروف لمتابعة دراستهم الجامعية ويحكون لي عن الجامعة وأجوائها، أصيب بإحباط شديد، كنت أتمنى لو أن الجامعة تتموقع في منطقتنا فأركب دراجتي وأطلق العنان إليها". في هذا الشأن يصرّح السيد "سعيد أكروح" رئيس جماعة بني بوعياش "إن المنطقة تشهد انقطاعًا حادًّا عن متابعة الدراسة الجامعية وخصوصا البنات اللواتي ينقطعن عن مواصلة الدراسة في الجامعة رغم حصولهن على شهادات الباكالوريا بميزة مشرف جدا، فما يكلفه تنقلهم إليها في مدن أخرى، من مصاريف لايستطيع أباءهم أو أولياء أمورهم تحملها نظرا للوضعية الاجتماعية الهشة التي يعيشون تحتها، وبذلك تضيع كفاءات كانت ستعود بالنفع للمنطقة بعد استكمال تكوينها الجامعي والأكاديمي." أبو محمد واحد من عشرات – إن لم يكن مئات – الآباء الذين أُجبروا على إرغام أبنائهم على ترك الدراسة، يقول ل"دليل الريف"، "كنت أرغب أن يتخرج أبنائي الثلاثة من الجامعة لكن ظروفًا كثيرة أجبرتني على حرمان اثنين منهم من مواصلة تعليمهم، فما نحصل عليه من مال لا يكفينا ونحن نقدم الأهم على المهم، والأهم عندنا أن نسترزق ونبحث عن قوت يومنا لنعيش فقط، حيث أنني أعمل بأجر يومي وابني محمد سافر ليقيم عند بيت عمه في طنجة ليكمل تعليمه الجامعي، أما ابنتاي زهراء وسمية اكتفيت بتخرجهما من الثانوية، نظرا لظروفي المادية من جهة. أسباب ثقافية ومجتمعية: ويحدثنا "أبو محمد" عن أسباب أخرى لا تقل أهمية عن الأسباب المادية وهي ثقافة المجتمع الريفي وتقاليده المحافظة، ويتابع "ومن جهة أخرى لا يمكنني إرسال بنتاي للجامعة وهي تبعد الآلاف من الكيلومترات عن منطقتنا، فالبيئة المحافظة للريف لا تسمح بالمخاطرة بسمعة بناتنا طالما ليست هناك ضرورة قصوى". ويضيف: "بنتاي تتمنيان مواصلة تعليمهما لكن كما ذكرت لكم لا الظروف المادية ولا المعنوية تسمح، كما لا يمكن تحميل عمهما المقيم في طنجة مسؤولية ثلاثة أبناء، لذا فإن إحدى البنتين أصبحت تعاني نفسيًا كلما شاهدت بعض صديقاتها ممن سنحت لهن الظروف بمواصلة تعليمهن". لم تعد صابرينا (18 عامًا)، تكترث كثيرًا لعدم التحاقها بالجامعة، فمثل شقيقتها سعاد (21 عامًا) التي لم تلتحق بالجامعة هي الأخرى قبل ثلاثة أعوام، نتيجة البيئة المحافظة للمجتمع ورفض عائلتها أن تسمح للفتيات بالدراسة والعيش مستقلات، وهذا كذلك ما جعل صابرينا تترك مواصلة تعليمها. تقول صابرينا "لدليل الريف" "كنت أتمنى أن أصبح أستاذة اللغة الإنجليزية، لكن حلمي تلاشى عندما توقفت عن الدراسة بمجرد تخرجي من الباكالوريا، فأصبحت أسيرة حيطان منزلنا المحافظ، واليوم لا أرى نفسي غير أني ضحية يشبهني الكثير من قريناتي في منطقتنا، التي قال عنها أستاذنا يومًا إنها أنجبت العديد من الأطر والمثقفين والعلماء، ولكن للأسف لن أستطيع أن أكون منهم". تبخرت أحلام "فاطمة" عندما تزوجت في نفس المنطقة بمجرد تخرجها من الباكالوريا، وتقول "فاطمة" ل"دليل" كنت أحلم بالالتحاق بالجامعة، على الرغم من أنني أصبحت أم لطفلين، فصديقتي زهراء التي تخرجنا أنا وإياها من الباكاوريا في نفس السنة، وتزوجنا أيضا في نفس السنة لها حظ أوفر مني لأن زوجها يقطن في مدينة فاس، لذلك التحقت بالجامعة هناك وهي على وشك التخرج الآن." ويشرح الأستاذ "عمر لمعلم" رئيس جمعية ذاكرة الريف "لشبكة دليل الريف": "أن التلميذات الحاصلات على شهادة البكالوريا، خاصة القاطنات في القرى أو البوادي، هن الأكثر تضررا من عدم وجود جامعة بالحسيمة، لأن للريف خصوصيات في الحياة، وتؤثر فيه أخلاقيات وعادات وتقاليد تراكمت لدى الإنسان الريفي عبر عقود طويلة، ولا يفهم هاته الخصوصيات إلا من كان من الريف أو عاش فيه أو درس ذهنيات الناس وسلوكياتهم… وغالبا ما تؤثر بعضا من هاته العادات والتقاليد سلبا على تمدرس الفتيات، ويحد من إقبالهن على الدراسة بعيدا عن بيوت أسرهن أو بعيدا عن المنطقة، فما يزال عدد كبير من الآباء لا يشجعون بناتهم على متابعة الدراسة، وأحيانا يرغمنهن على مغادرة قاعات الدرس، وتتعقد الأمور أكثر عندما تحصل الفتاة على شهادة البكالوريا، حيث ما زالت العديد من الأسر تمنع بناتهن من الذهاب إلى المدن البعيدة عن مقر إقامتهن لمتابعة الدراسة الجامعية، وفي أحسن الأحوال يفرض عليهن التوجه إلى مدارس التكنولوجيا التطبيقية." ويتابع: "فبعض الأسر ما زالت تعتبر تمدرس الفتاة بعيدا عن المنطقة عيبًا وأمرا قد يجلب المشاكل للأسرة، وبعض الآباء لا يستطيعون تقبل وجود بناتهم بعيدا عن أنظارهم، بسبب ما يصل أسماعهم عن الظواهر التي قد تنتشر في الجامعات، ناهيك عن الصعوبات المادية التي تحول دون تمكن بعض الأسر من توفير الحاجيات الضرورية لمتابعة الدراسة بالجامعة، مما يتسبب في حرمان عدد مهم من الفتيات بينهم من هن جدّ متفوّقات من إتمام تعليمهنّ، يبقى الحل الأمثل للحد من هاته الظاهرة وتشجيع الفتيات على الدراسات الجامعية هو ضرورة توفير جامعة بالحسيمة ومعاهد عليا ومراكز التكوين العالي.. ". ويضيف الأستاذ عمر لمعلم: "أن الحل الأمثل للحد من هاته الظاهرة وتشجيع الفتيات على الدراسات الجامعية هو ضرورة توفير جامعة بالحسيمة ومعاهد عليا ومراكز التكوين العالي". غياب التعليم العالي في المنطقة: كبح للتنمية وإعاقة للمستقبل ماتزال عجلة التنمية على المستوى الإقليمي لا تتحرك أبدا وماتزال ساكنة المنطقة تنتظر العديد من الإنجازات والمرافق الضرورية التي تفتقر إليها ومنها الجامعة، ومايزال مستقبل مجهول يحدق بمصير الكثير من المنقطعين عن التعليم العالي والذين هم في ازدياد مستمر، وينذر بحدوث كارثة اجتماعية، وسط عجز حكومي وتجاهل المسؤولين. فمئات طلاب المنطقة من خريجي الباكالوريا يعانون من عدم تمكنهم من الالتحاق بالتعليم العالي، لنا أن نتصور عمق المعاناة الّتي يتعرّضون لها، والآثار السّلبيّة الّتي سيتلقّونها وستواكب مسيرتهم العلميّة حاضرًا ومستقبلًا، أو تعيقهم، وتحرمهم من ممارسة حياتهم الدراسية بشكل طبيعيّ والنّظر إلى مستقبلهم الغامض، فضلًا عن كبح النّهضة والتّنمية بالنّسبة للتّعليم في المنطقة. وهو ما أوضحه الأستاذ "اليوسفي" باحثا في مجال التعليم قائلًا: "تقدّم الشّعوب يقاس بجودة التّعليم واستمراريّته، وانقطاع عدد كبير عن الدّارسين يؤثّر بشكل كبير على عجلة التّنمية في المنطقة، ويؤدّي بشكل مباشر إلى مشاكل مجتمعيّة مختلفة". وفي هذا الخصوص أيضا صرح لنا السيد "سعيد أكروح" "إن التنمية بالمنطقة تعرف كبحًا قاتلًا، وركودًا مزريًا، وخصوصا مدينة بني بوعياش باعتبارها المتضرر الأكبر اقتصاديا في المنطقة، فإنشاء النواة الجامعية سيحرّك عجلة التنمية الراكدة، وذلك عبر خلق مشاريع تجارية واقتصادية مدرّة للدخل، ومشاريع سكنية للإيواء، نظرا للتزايد الذي ستعرفه المدينة من خلال إنشاء جامعة، كالطلبة والأساتذة والمؤطرين وعائلاتهم الذين سيتوافدون إليها، وسيقع رواجا اقتصاديا الذي لم تعهده الساكنة من قبل". أما بالنسبة لساكنة الحسيمة فمن خلال تدوناتهم العديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت أن إنشاء جماعة او كلية متعددة التخصصات بالمنطقة من المبادئ الأساسية المؤطرة لمفهوم التنمية باعتبارها قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة، والتي ستحد من معاناة أبناء إقليمالحسيمة للتنقل إلى مناطق أخرى بعيدة لمتابعة مسيرتهم الدراسية من جهة أخرى، فيما تساءل البعض الآخر حول كيف ستتحول المنطقة إلى منارة مع تخصيص ميزانية ضخمة دون إقحام مطلب الساكنة وهو مشروع نواة جامعية تضمن جوًّا من العلم والمعرفة لتنير عقول شباب المنطقة، وجمع شملهم المشتت عبر مختلف المواقع الجامعية على المستوى الوطني. يقول "رضوان" ل"شبكة دليل الريف" وهو تاجر في المواد الغذائية: "إننا نعيش بعض الرواج التجاري في فصل الصيف فقط، وذلك عند عودة الجالية الريفية إلى المنطقة، أما ماتبقى من الفصول فنعاني فيها كسادًا مميتًا، (أنبذو إخدّم خلعام يكمر) الصيف يعيل العام كله". ويتابع: "ليس التجارة فقط من تعرف كسادًا في المنطقة، بل كل المشاريع الاقتصادية الأخرى، فيبقى إنشاء نواة جامعية في المنطقة هو بنظري من سيرفع بعضاً من هذا الركود الاقتصادي القاتل عن المنطقة". ويعود الأستاذ "عمر لمعلم" مرة أخرى ليضيف لنا اقتراحا: "يبقى السبيل المضمون لمعضلات المنطقة هو التنمية الحقيقية لها ولعموم الريف والاهتمام الجدي بمشكلاته والاستجابة لمطالب أهله، وليس الاكتفاء بجرد الظواهر والمشاكل والإمعان في التهميش، وأول هو إنشاء التعليم العالي في المنطقة". ساكنة الحسيمة تصرخ بصوت عالي من أجل التعليم العالي: -ليست الكورنيشات و دير الثقافة و معاهد الموسيقى و المسارح من ستجعل من الاقليم قوة فاعلة في الجهة .. بل العلم ثم العلم .. ثم العلم -نعم سنظل ننادي وبأعلى صوتنا نريد جامعة الحسيمة جامعة تحمل تاريخنا و فخرنا وحبنا لأرضنا .. جامعة تجمع أبناء الريف من التشتت هنا وهناك … جامعة تحسسنا اننا مواطنون كغيرنا … نريد أن نحس أنه لصوتنا صدى ، له من يسمعه … سئمنا التجاهل .. سنوات من الانقطاع .. سنوات من التهميش .. سنوات من التبعثر في أراض غريبة سنوات من المعاناة … سنوات من العذاب بين الشرق و اقصى الشمال نعم نريد جامعة .. نعم لنبدأ بنائها مدرسة مدرسة .. كلية كلية لنبدأها خطوة خطوة لنبني حاضرنا لمسقبل غيرنا … نعم نريد جامعتنا … جامعة الحسيمة . جميعا_نريد_الكلية_المتعددة_التخصصات_بالحسيمة #كلنا_نريد_جامعة_الحسيمة #جامعة_الحسيمة_حق_وليس_مطلب هذه إحدى النّماذج من التّدوينات العديدة التي أطلقها ناشطو المنطقة على صفحات التّواصل الاجتماعي وخاصة " الفيسبوك "، منذ سنة 2012 للمطالبة بإنشاء نواة جامعية بالمنطقة. لقد خلّف انعدام التعليم العالي في مدينة الحسيمة انتقادات شعبية وحقوقية واسعة، وخصوصًا أن المغرب قد انخرط في عدة مواثيق واتفاقيات دولية التي تحث على إتاحة التعليم العالي للجميع، وأيضا مواثيقه الداخلية التي تنصّ على المساواة والإنصاف بين مواطنيها من الاستفادة من المرافق العمومية، ومابروّج عنه بأنه دولة حق وقانون. لقد انخرط المغرب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد و نشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 10 دجنبر 1948 الوارد في الفقرة الأولى من المادة (26) بشأن إتاحة التعليم العالي للجميع مع الالتزام بمبدأ المساواة في إقرار هذا الحق كما ينص عليه العنصر (ج) من الفقرة الثانية للمادة (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 16 دجنبر 1966 و دخل حيز النفاذ في 3 يناير 1976. وقد ورد في الفقرة الأولى من الفصل (154) من الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 91. 11. 1 بتاريخ 29 يوليوز 2011 على أساس المساواة بين المواطنات و المواطنين في الولوج إلى المرافق العمومية والإنصاف في تغطيتها للتراب الوطني. من جهته أصدر منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب "منتديات آيث بوعياش – الحسيمة – إمزورن"، بلاغ موجهٍ إلى جهات رسمية، تطالب فيه بضرورة إحداث نواة جامعية بمنطقة الريف، لإستفادة طلبتها من حقهم في خدمة هذه المؤسسة العمومية وقد حدثنا باسم المنتدى "ابراهيم مومي" رئيس فرع بني بوعياش: "تدعيما لحق ساكنة الريف الكبير في الاستفادة من خدمات المؤسسات العمومية على أساس المساواة في الولوج و الإنصاف في التوزيع…… و إقرارا بمسؤولية الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية في تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين و المواطنات على قدم المساواة من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج و ذي جودة، كضمانة دستورية أوردها الفصل (31) من باب الحقوق و الحريات الأساسية. و تنفيذا لمبادئ و أهداف المادة (1) من قانون 00. 01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي (كما تم تغييره و تتميمه بموجب قانون رقم 15. 45 المنشور بالجريدة الرسمية عدد: 6448 في 7 جمادى الآخرة 1437/ 17 مارس 2016)، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.199 صادر في 15 من صفر 1421 ( 19 ماي 2000 )والظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.398 الصادر في 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) المتعلق بإحداث الجامعات وبسن أحكام خاصة، و أخذا بتوجيهات تقرير 50 سنة من التنمية و آفاق سنة 2025 الصادر سنة 2005 بشأن تثمين الإمكان البشري من خلال الارتقاء بقدرات المغاربة والرفع من ازدهار البلاد، و تأكيده على الإسهام القوي للتعليم العالي في بناء الدولة الحديثة، فإننا كمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، نطالب بإنشاء نواة جامعية في المنطقة على وجه السرعة". أما بالنسبة للجمعيات فقد أُّنشأت "جمعية النادي الحسيمي لدعم التعليم العالي" خصّيصًا لهذا الغرض ومقرها بالحسيمة، وقد قامت بالعديد من المبادرات في هذا الشأن، ولعل آخرها رفع ملتمسًا مشفوعًا بتوقيعات العديد من ساكنة الحسيمة يطالبون فيها وزير التعليم العالي والبحث العلمي بضرورة إنشاء كلية العلوم القانونية الإقتصادية والإجتماعية بالحسيمة، خدمة للتعليم وإعادة الإعتبار للمنطقة، في إطار الجهوية المتقدمة، خصوصًا وأن البحث العلمي اصبح ضرورة حتمية في رفع التهميش عن المنطقة من خلال الاستثمارات التي من المحتمل ان توازي إنشاء هذا الصرح التعليمي الهام. وكانت جمعية النادي الحسيمي لدعم التعليم العالي قد شرعت في إجراءات مراسلة كل من وزير التعليم ورئيس جامعة محمد الأول بوجدة، وتوصلت الجمعية برد من رآسة جامعة محمد الأول الذي أبدى هو الآخر تفهمًا نحو مطلبهم المشروع، لمطالب الساكنة تماشيًا مع العناية التي يوليها الملك لهذه المنطقة، والذي كانت أول إرهاصاتها إنشاء كلية العلوم والتقنيات ببوكدارن. ولم يقتصر الأمر على تضامن رآسة جامعة محمد الأول فقط، بل أعلن أيضا رئيس جامعة عبد المالك السعدي "حذيفة أمزيان" في اجتماعه في 13/10/2016 بتطوان تضامنه مع مطلب ساكنة الحسيمة المشروع، وأنه مستعد لفتح الكلية المتعددة التخصصات بالحسيمة. أما بالنسبة للجمعيات المحلية، فقد قدمت جمعيات عاملة بالمجال الترابي للجماعة الحضرية لبني بوعياش والمناطق المجاورة ملتمسا حول "إحداث نواة جامعية بتراب الجماعة" للجهات المسؤولة وكافة المتدخلين والشركاء قصد إنشاء نواة جامعية تسهيلا لعملية ولوج طلبة إقليمالحسيمة خصوصا والريف عموما، في سلك التعليم العالي بالنظر إلى العدد الهام للمتحصلين نهاية كل عام دراسي على شهادة الباكالوريا، وكذلك تخفيفا للضغط على الكليات المجاورة ومحاربة للهدر الجامعي خاصة لدى الطالبات والفئات المعوزة. أما بالنسبة لساكنة إقليمالحسيمة فقد طالب عدد من نشطاءها في إطار حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحة على الفايسبوك، بإحداث جامعة قائمة بذاتها بالمنطقة، ضمانا لتكافؤ الفرص، وتسهيل ولوج الطلبة المنحذرين من هذه المناطق الهشة الى الجامعات ومحاربة الانقطاع الدراسي الجامعي، والتي ستساهم لا محالة في التقليل من معاناة طلبة إقليمالحسيمة. وأيضا أطلق العديد من نشطاء وحقوقيين المنطقة عريضة إلكترونية على موقع «أفاز» العالمي للمطالبة بإنشاء جامعة تحت شعار "تعليمي حقي"، ولقي رواجًا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي. و اعتبرت الساكنة من خلال هذه الحملة أن إنشاء جامعة او كلية متعددة التخصصات بالمنطقة، أو كلية متعددة التخصصات كأضعف إيمان، لتجمع شمل أبناء الريف الجريح وتجمع مختلف التخصصات الموجودة في مختلف الجامعات المغربية لتنقذ ما يمكن انقاذه ولجعل الحسيمة بالفعل منارة للمتوسط. من بين المطالب الأساسية التي قدمتها ساكنة الحسيمة في الاحتجاجات الأخيرة حول مقتل "محسن فكري"، كان مطلب إنشاء نواة جامعية في المنطقة. كل هذا زاد من حماسة المطالبين بإنشاء الكلية والمزيد من الإستثمارات في مجال البحث العلمي بالإقليم، مما سيتوج بإنشاء مجمع جامعي بالإقليم. تدخل محتشم من المسؤولين وتجاهل حكومي صرح "سعيد أكروح" رئيس المجلس الجماعي لبني بوعياش ل"شبكة دليل الريف" "علينا نحن كمسؤولين من سلطات محلية و منتخبة تحمل مسؤولية كبيرة على عاتقنا بضرورة النظر في مطلب إنشاء جامعة أو كلية متعددة التخصصات، مثل التي تم احداثها بالناظور، فكل المدن المجاورة تتوفر على جامعات باستثناء الحسيمة، فمنذ تولّينا المسؤولية ونحن نسعى جادين لاستقدام مشروع إنشاء نواة جامعية إلى المنطقة، عبر تقديمنا لكافة الإمكانيات المتاحة لدينا لدعم هذا المشروع، بعد أن تلقينا لمراسلة وردت على جماعة بني بوعياش من طرف النادي الحسيمي لدعم التعليم العالي((choses بتاريخ 11 نونبر 2015، فكرة إنشاء نواة جامعية ببني بوعياش." ويضيف: "لقد سبق لي أن ترأست المجلس الجماعي لبني بوعياش خلال دورة استثنائية عقدت في 12 يوليوز 2016، وصادق المجلس على محضر لجنة اختيار الاراضي لإحداث قطب جامعي ومدرسة وطنية للتجارة والتسيير على عقارات متواجدة قرب السوق الاسبوعي، كما صادق على اعلان المنفعة العامة لهذه الاراضي ونزع ملكيتها". ولقد سبق "لعبد الحق أمغار" البرلماني عن إقليمالحسيمة، أن تقدم بسؤال كتابي لوزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الاطر، حول احداث نواة جامعية باقليم الحسيمة. وجاء في سؤال البرلماني الاتحادي أن معاناة الطلبة والطالبات المنحدرين من إقليمالحسيمة، تزداد كل سنة بسبب التنقل لمتابعة دراستهم الجامعية بكل من فاس، وجدة، طنجةوالرباط، مما يدفع بالعديد منهم الى الانقطاع غن الدراسة خاصة الاناث، اضافة الى ضعف الحالة المادية لأغلبية الاسر على حد قوله. وأضاف انه مع التزايد السنوي للطلبة باقليم الحسيمة تتطلع الساكنة الى إحداث نواة جامعية، لتشجيع الطلبة على مواصلة دراستهم الجامعية، وتمكينهم من الولوج الى المتمرس على قد المساواة. وتساءل أمغار في ذات المراسلة حول إمكانية استجابة وزارة التعليم لهذا المطلب وكذا المعايير المعتمدة لإحداث الجامعات، كما سائل وزير التعليم عن نصيب إقليمالحسيمة من سياسة الوزارة فيما يخص توطين مؤسسات التعليم العالي توجه مؤخرا البرلماني الإتحادي ، عبد الحق امغار، بسؤال لوزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الاطر، لحسن الداودي، حول مدى تفاعل وزارته مع مطلب ساكنة إقليمالحسيمة بخصوص أحداث نواة جامعية بالإقليم، و ذلك بسبب تزايد معاناة الطلبة المنحدرين من الاقليم، و تنقلهم الدائم لمدن أخرى كفاس، وجدة، طنجة، الرباط...، لإستكمال دراستهم الجامعية. وانتقدت الساكنة تماطل المسؤولين بالمطالبة بإنشاء نواة جامعية في المنطقة، وخصوصا عند إعلان الملك محمد السادس لبرنامج التنمية المجالية لإقليمالحسيمة، "الحسيمة..منارة المتوسط"، حيث لوحظ أن الأحزاب والمسؤولين لم يبرمجوا مطلب الجامعة وغياب أي إشارة أو حديث عن جامعة الحسيمة او حتى كلية متعددة التخصصات مع انها كانت سابقا مبرمجة في البرنامج الانتخابي لحزب الاصالة و المعاصرة وأن المسؤولين التصرف قد أخلفوا بوعودهم. ولذلك علق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على هذا التجاهل لمطلبهم المشروع من طرف المسؤولين الذين وضعوا فيهم ثقتهم للدفاع عنه. "نحن نقول لكم ان ثقتنا بكم اهتزت من البداية و مطالبنا ستستمر حتى تتحقق على ارض الواقع فلسنا واحد او اثنان من يحلم بهذا بل الآلاف من شباب الاقليم المشتتين في الجامعات المغربية في مختلف المدن. حلمنا سيستمر .. نضالنا سيستمر .. مطلبنا سيستمر" ويناشد أبناء إقليمالحسيمة كل المسؤولين من سلطات المحلية و المنتخبة على ضرورة النظر في مطلب إنشاء جامعة أو كلية متعددة التخصصات مثل التي تم احداثها بالناظور. وهنا تساءل البعض لماذا لا تقدم الجماعات المحلية او رئاسة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة اي دعم مادي او توفير كافة الشروط الملائمة لتسريع فتح آفاق التعليم العالي بالمنطقة وتسريع وتيرة الاشغال لاخراج مشروع جامعة الحسيمة الى الواقع على الاقل حتى نضمن انه ليس مجرد حبر على ورق. ختاما: يرى الكثيرون أن أوضاع المنطقة لا تسرّ ولازال هاجس هجرة كوادرها يخيم على المدينة، بسبب ما تمر به من مشاكل اقتصادية وركود في التنمية وتهميش ممنهج. ويوضح الباحث "امحمد مزيان" لدليل الريف: "إن مدينة الحسيمة تمثل عصب المغرب المعروفة بذكاء وثقافة ساكنتها وبطاقاتها العلمية، مبينًا أن المدينة تمر بحالة من العزلة مع انهيار تام للقطاع العلمي فيها، محذرًا من بقاء المدينة تحت هذا المستوى المتدني من التعليم وانعدام التام للتعليم العالي، وهذا سيؤثر على المغرب كله ليس على الحسيمة فقط، مبيّنًا أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه فإن أعداد المنقطعين في المدينة سيفوق أعداد المتخرجين فيها، فضلا عن احتمالية حدوث حالة من الانتكاسة والانكسار النفسي والاجتماعي بالنسبة للمتمدرسين وللبيئة التعليمية حاضرا ومستقبلًا". وأشار إلى أن الخسائر التي يتعرض لها التعليم في الحسيمة كبيرة جدًا وهو ما ينبئ بحدوث جيش من الشباب المنقطع عن الدراسة لينضم إلى ما قبله من الأجيال السابقة. داعيًا الحكومة وبمساعدة كل المسؤولين وأحزاب بالسير بعجلة التعليم في المدينة، ومن بينها الاهتمام بالتعليم العالي. ويرى مختصون أن هذه المهمة توكل إلى الحكومة التي يجب أن تضع برنامجًا تعليميًا متطورًا في المنطقة يستوعب هؤلاء الطلبة من أجل الولوج للتعليم العالي في منطقتهم كأقرانهم في المدن المغربية الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروفهم المادية وعزلة المنطقة بسبب الطرق الغير الآمنة وعدم توفرها على القطار. اليأس والإحباط والهزيمة الحياتية، قسوة الوطن وعجز الحُلم وألم اللاحُلم، العطالة والخوف والهوان وانكسار الذات تقبيح الجميل وسخرية القبيح واغتيال الأمل في معازف القهر العبث الفكري والمسخ التعليمي اللاعدالة واللاحرية واللاحياة واللاموت ..كلها أسباب دفعت الساكنة وتدفعهم وستدفعهم إلى الهجرة والشتات والتيه، فنجد من يهاجر من أجل العمل، ومن يتوه من أجل الصحة، ومن يتشتت أجل التعليم…ففي هذه الحالة اللقب الذي يناسبنا هو: "الريفي التائه".