الصراع الدائر في ثامزغا (شمال إفريقيا) بين الحكومات المركزية و الجهات التاريخية التي تتمتع بخصوصياتها الثقافية واللغوية، تدفع بالمنطقة نحو التأسيس لمقاربة سياسية تنسجم مع خصوصيات الشمال الإفريقي. فتاريخيا، عرف عن هذه المنطقة كونها تميزت في تسيير شؤونها السياسية و الثقافية و الاقتصادية من خلال الكنفيديراليات القبيلية، التي كانت تتمتع بصلاحيات واسعة في تدبير مناحي الحياة العامة. غير أن المنطقة ستدخل في القرن 19، في ظل الحكم الاستعماري الأوربي الذي دمر بنية القبائل الأمازيغية والمؤسسات الحضارية والديمقراطية للشعوب الأمازيغية، وسلم مصير المنطقة للدول حديثة النشأة التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي، هاته الكيانات السياسية الجديدة عملت على تذويب الجهات التي تتمتع بالخصوصيات التاريخية والثقافية في المركز الإداري للدول حديثة النشأة، مما انعكس سلبا على بنية الجهات التاريخية، حيث تم استغلال ثرواتها البحرية والمنجمية والمعدنية والطاقية والغابوية… لفائدة المركز، وتم أيضا حرمانها من الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعمل المركز على تهميش لغاتها وثقافتها الأصلية. هذه السياسة المفرطة في المركزية للدول حديثة النشأة، دفعت بالجهات التاريخية نحو التحرك والتصعيد لمواجهة سياسة المركز إما بحمل السلاح أو بالكفاح السلمي/ الديمقراطي . فالريف و القبايل و برقة تميز حراكها بالنضال السلمي/الديمقراطي، حيث تحركت هاته الجهات للمطالبة بمنحها حكما ذاتيا موسعا يخول لها صلاحيات واسعة في تدبير شؤونها، إذ يطالب النشطاء في هاته المناطق بضرورة تمكين جهاتهم بنظام الحكم الذاتي،وذلك لتدبير الاختلاف وإشراك الساكنة في اتخاذ القرار ، في إطار ما يعرف بالديمقراطية التشاركية، فسكان هاته الجهات يعتبرون بأن الحكومة المركزية، فشلت في معالجة مشاكلهم وقضاياهم ، لذلك يطالب السكان من الحكومة المركزية تخويلهم من الحق في اقتسام السلطة والثروة والقرار السياسي. أما في أزواد ، فقد اختار التوارك حمل السلاح والدخول في مواجهات عسكرية مباشرة مع السلطات المالية، وذلك بعدما تعثرت العملية السياسية والحل السلمي للقضية الأزوادية، فسكان أزواد يعتبرون بأن سلطات بامكو تضطهد الأزواديين وتقمع المطالب العادلة لشعب أزواد، لذلك فالأزواديين اختاروا تقرير مصيرهم السياسي وإعلان دولة أزواد الأمازيغية. هذا الحراك السياسي والعسكري بثامزغا، يدفع بالمنطقة نحو معادلتين أساسيتين، لحل هذه المسألة الحيوية والإستراتيجية، فإما أن تختار الدول حديثة النشأة حل هذه القضايا بطرق سلمية ، تؤدي إلى منح الجهات التاريخية حكما ذاتيا موسعا في إطار دولة فيدرالية تضمن لجميع الحساسيات الحق في اتخاذ القرار واقتسام السلطة في إطار الشراكة في القيم والثروة الوطنية، وهو ما سيؤدي إلى خلق دينامية سياسية واقتصادية ، تذهب في اتجاه بناء نموذج حضاري تنموي يؤسس للفعل الديمقراطي و يضمن المساواة وحق الاختلاف. أو تختار هذه الدول نهج سياسة سلطوية تذهب في اتجاه قمع المطالب العادلة والمشروعة لهذه الجهات التاريخية، وهو ما ستترتب عنه دخول المنطقة في اضطراب سياسي، سيعصف بالأنظمة الحالية وسيغذي التطرف و التطرف المضاد بين الجهات والمركز. لذلك، أصبح من الضروري، على الأنظمة الحاكمة بالمنطقة إعادة أوراقها، والشروع في الاستجابة لمطالب الجهات التاريخية والشروع في التأسيس للعملية الديمقراطية وإشراك الساكنة في تدبير القرار السياسي واقتسام الثروة والقيم في إطار دولة فيدرالية، تضمن للجميع الحق في الاختلاف.