الخمالي بدر الدين يبدو أن اصطلاحات الصوفية ستصبح في الأيام المقبلة أكثر تداولا في المشهد السياسي المغربي من ذي قبل ، فبعد جدلية الشيخ و المريد التي اعتمد عليها عبد الله حمودي في تحليل النسق الثقافي للسلطة و تفكيك بناها المجسدة في الممارسة التحكمية المعتمدة على العناصر الفوقية و الخارقة (اللدنية) على حد تعبير حمودي ، ها نحن أمام جدلية أخرى أشد تعقيدا و أعظم تأثيرا في تكريس الطبيعة المبهمة لنظام توزيع السلط وحصر المسؤوليات في تدبير الشأن الحكومي وهي جدلية الظاهر و الباطن ، التي على أساسها تصنع اللعبة السياسية كما يبدو في مغرب دستور 1 يوليوز 2011 . والذي قرأ ما كتبته الدكتورة رقية المصدق في دراستها تحت عنوان إدماج نظرية الشيخ و المريد في الفضاء الدستوري المغربي سيقف على عدد من النقاط ذات الأهمية البالغة في فهم ميكنزمات الممارسة الدستورية الحالية التي تتقاسمها حسب المصدق ثنائية المصرح به و الغير مصرح به بدل الاحتكام المطلق لسلطة القانون وهو ما يؤدي إلى تخطى شرعية الممارسة الدستورية إلى شرعية أخرى تتجاوز النص الدستوري و تفضي بالمشهد السياسي كلية إلى المتاهة . حيث كتبت (إننا نكون أمام متاهة حقيقة ، عندما تدور كل محاولة للدمقرطة حول لعبة التكتيك و التكتيك المضاد ، حيث تصبح الممارسة السياسية تحمل في حد ذاتها تشكيكا في النص الدستوري باعتباره قانونا أسمى للدولة ، بل ستؤدي إلى ضرب الشرعية الدستورية مما لا يمكن معه تحقيق الانتقال الديمقراطي ) متاهات الانتقال الديمقراطي والمدهش حاليا هو أن المتاهة الدستورية التي دخلنا إليها والفضل يعود للربيع العربي طبعا ، تصاغ بفنية عالية و بطريقة تجعلنا يوما بعد يوم نصنف في عداد التائهين شوقا ، رغبة منافقط في معرفة ما يدور حولنا من تفانين السياسة و أوهام الديمقراطية التي انغمسنا فيها بعفوية المريدين البودشيشيين حتى لا نسمى عدميين ، أو معارضين للعملية السياسية. فبعد تصويتنا على الوثيقة الدستورية ثم نجاح حزب العدالة و التنمية ذي المرجعية الإسلامية في الانتخابات وهو الظاهر طبعا ، هاهو حزب أخر كذلك ينجح في الباطن الذي لا يدركه إلا من كشفت عنه الحجب وهو حزب المستشارين الذي يضم كبار الأقطاب و الأوتاد الذين لهم الكرامات الباهرة و السواطع القاهرة مع ملاحظة بسيطة وهو أن الفقراء والمساكين والمعطلين من هذا الشعب لا يحبونهم و لا يتمنون طلعتهم و يهتفون في صلواتهم أن ينقشعوا عن وجهه كما ينقشع الضباب عن وجه الشمس ، كما هتف شباب 20 فبراير منذ أول يوم لنزولهم بأن يرحلوا من عالم السياسة ، رغم أن فيهم من صاغ الدستور وفيهم من أسس حزبا ثم اختفى بين السطور وفيهم من جلب الأموال كما قالوا من وراء البحار لدعم الاستثمار وفيهم من لا تمل من طلعته نشرات الأخبار ، كيف نجحوا ....الله أعلم ، فذلك من علوم غيب السياسة الذي لا يطلع عليه أحد من (مزاليط ) هذا الزمان ويقال أنهم شكلوا حكومة الظل التي لا سبيل لأحد إليها بنقد أو استفسار أو سؤال ، وليس كحال مريدي الشيخ بنكيران الذين سيجدون في مواجهتهم طيلة مدة إقامتهم في دار المخزن أسود البرلمان. إن ما يشغلنا اليوم ليس التأخير في تعيين الحكومة وكل اللغط الدائر حول بعض الأسماء المرشحة للاستوزار ، أو أن يعين الملك مستشاري جلالته من بين أعضاء الحكومة المنتهية ولايتها ، ولكن ما يشغلنا هو هذا المنحى الغريب الذي تسير به السياسة في بلادنا دون أن تلتزم بالضوابط الدستورية التي جعلت من المغرب استثناء ايجابيا في محيطه العربي الهائج شعبيا و التي من أهمها ربط المسؤولية بالمحاسبة ، حيث لا زالت عدد من مساحات الفعل السياسي فارغة ومبهمة و لا تخضع لتقنين دستوري واضح يضبط حدودها و مستويات تدخلها في توجيه السياسة العامة للدولة. فما معنى أن يخسر الحزب الذي ينتمي إليه شخص ما الانتخابات في حين ينقل هو إلى أعلى مركز القرار ، إذا لم يكن هذا تجاوز للإرادة الشعبية التي أرادت بتصويتها ضد حزبه إبعاده عن دائرة السلطة ، وما معنى أن يستقيل برلماني من حزبه الذي خسر الانتخابات بعدما نجح باسمه لكي يعاد تنصيبه مرة أخرى كوزير إذا لم يكن هذا تحايل على الإرادة الشعبية وعلى أخلاقيات العمل الحزبي ، وقفز على المقتضيات الدستورية نحو المتاهات العظمى لفعل السياسة المغربية التي يقلب فيها كل شيء حيث تصبح المعارضة حكومة و الحكومة معارضة و اليسار يمينا واليمين يسارا في حين يقبع الشعب في دار غفلون إن ما ينبغي أن ننبه إليه بكل جدية ومسؤولية هو أنه من غير المقبول اليوم أن يكون المغرب محطة للتجارب السياسية الجزافية التي تجمع في ثناياها المتناقضات السياسية و التدبيرية كما حدث مع حكومة التناوب التوافقي التي خرج منها حزب الاتحاد الاشتراكي هزيلا منكسر الجناحين ، لأن الانزلاق نحو المتاهات في زمن الربيع العربي يعني الكارثة بكل المقاييس على المجتمع ككل ، وليس فقط على بعض اللاعبين الأشقياء في ملعب السلطة ، الذين أخطئوا في تمرير الكرة في الوقت المناسب و راهنوا باللعب على الوقت من أجل إنهاء التباري دون خسائر فافسدوا الديمقراطية و الانتقال السلمي السلس إليها كما أنه لا إمكان اليوم للعب بالإرادة الشعبية وتجاوزها بالشكل الذي يتصوره البعض ، خاصة بعد بلوغ حزب العدالة و التنمية بتصويت أغلبية الناخبين عليه ، الذين ينتظرون أن يروا بصمته و طريقة عمله لا طريقة من سبقوه و إلا لكانوا صوتوا عليهم واختاروهم من دون الناس.