هل من حق الملك أن يمتنع على اسم ورد ضمن لائحة الاستوزا ر المقدمة له من قبل رئيس الحكومة المعين؟ وهل هذا يعد تدخلا غير مرغوب فيه من قبل المحيط الملكي في الشأن الحكومي؟ ثم كيف نفسر ما جرى من تشنجات بين مختلف الفاعلين السياسيين المعنيين قبل الوصول إلى اللائحة النهائية للفريق الحكومي الذي سيصاحب بنكيران؟ أسئلة تطرح من قبل الرأي العام الوطني الذي يتابع بشغف مسلسل دام أكثر من أربعة أسابيع. في هذا الصدد ولتوضيح جزء من الصورة لدي عشر ملاحظات أساسية: 1- إن ما جرى بعد تكليف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من "تشنجات" صورة من جوهر دستور 2011، كما يعبر عن حيوية المشهد السياسي والحزبي المغربي، كما يجسد في بعض مظاهره بعض أعطاب السياسة بالمغرب. فما حدث عبارة عن تمرين سياسي من دولة ومجتمع في إطار الانتقال الديمقراطي. وأية مقارنة مع الدول الديمقراطية غير ذات جدوى. 2- ما جرى أيضا خلال أسابيع محاولة تشكيل حكومة بنكيران ناتج في إحدى جوانب الموضوع عن الجرعة الزائدة من الشفافية والنزاهة التي صاحبت مسلسل التشكيل مقارنة مع ما كان يجري في السابق. لقد ظل الرأي العام بفعل التواصل الذي مارسه بنكيران في كل محطة على علم بجزء كبير من تفاصيل ما كان يجري، وبالتالي فإن ضريبة الشفافية والسياسة التواصلية المنتهجة، أدت إلى أن يتعرف المواطن على بعض مكامن العطب، والإعاقات الموجودة، مؤسساتية كانت أم نابعة من هوى بعض الفاعلين. 3- الحركية التي عرفها مسلسل إنشاء حكومة بنكيران يكشف على أن مجال الصراع مع بعض قوى المناهضة للتغيير ستمتد في المكان والزمان. فالواضح أن بعض مكامن الانحسار التي واجهها تشكيل الفريق الحكومي انطلقت بداياتها من عرين قوى مناهضة للتغيير من خارج التحالف الحكمي ذاته. وبالتالي فإن نتائج اقتراع 25 نونبر 2011 فتح مجالات جديدة للصراع حول القيم والسلطة والثروة. 4- ما جرى خلال مسلسل تشكيل الحكومة أبرز أيضا حجم العطب الذي يعاني منه الجسم الحزبي المغربي. فكثير من الأحزاب السياسية غيبت معطى الديمقراطية الداخلية سواء في اختيار جهة التموقع، هل في صف الحكومة أو في شق المعارضة. وكذلك في مسألة اختيار المرشحين للاستوزار. وهو ما يعني أن أي تقدم للديمقراطية على صعيد المغرب سيبقى رهينا بشكل مركزي بدمقرطة المشهد الحزبي الوطني. 5- من التسرع الحكم على أن الصراع الذي شهدته بعض حلقات إخراج الحكومة تنحصر بين حكومة بنكيران وحكومة فؤاد عالي الهمة. و الحقيقة تقول بأن الصراع السياسي في مغرب اليوم تتجاذبه عدد من الأطراف والفاعلين كل حسب قوته وطاقته ومصالحة ونسب حضوره في مشهد الصراع. وهنا يمكن الإشارة إلى أصحاب المصالح واللوبيات التي استفادت من تدبير السياسات العمومية منذ الاستقلال، هناك أيضا دوائر اقتصاد الريع، مختلف الأجهزة الأمنية المتخوفة من حصول الإسلاميين على جزء من المعلومة المحتكرة، القوى الاديولوجية المستندة على الخارج، كذلك هناك الشعب والمجتمع المدني والتشكيلات الحزبية وأصحاب الضغط. هذا المشهد يتجاذبه أساسا تيار يرى أن مصلحة المغرب تغيير منطق اللعبة في اتجاه توسيع هوامش اللعب وبالتالي توسيع قاعدة المستفيدين من خيرات بلادهم، وهناك من لا يزال يرى أن ما حدث من حراك مجتمعي ليس مبررا للخوف على صلابة القواعد السابقة. إن تحديد تموقع كل طرف ضمن هذه الخريطة هو الذي سيسمح باستنتاج من هو الخصم الاستراتيجي، ومن هو الخصم التكتيكي للحكومة القادمة وكذا آليات الصراع المعتمدة من قبل طرف.. 6- في محاولة للجواب على عنوان المقال، الملك وإمكانية رفض أسماء قدمت له للإستوزار، يمكن القول أن الفصل 47 من دستور 2011 واضح في هذا الصدد، حيث يشير النص إلى " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعي. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديد". الوثيقة الدستورية واضحة في هذا الصدد، لرئيس الحكومة سلطة الاقتراح، وللملك سلطة التعيين... 7- تمر تشكيل الحكومة من يوم الإعلان عن نتائج الاقتراع الانتخابي إلى يوم بداية الحكومة ممارسة مهامها الدستورية من عدد من المحطات، أولها تعيين الملك لرئيس الحزب الفائز في الاقتراع، ثاني المحطات هو بحث رئيس الحكومة المعين عن تحالفه الحكومي، ثالثا اقتراح التشكيلة على الملك والأخير يعين. رابع المحطات، نزول الحكومة إلى البرلمان لنيل ثقة نواب الأمة. و ينص الفصل 88 من دستور 2011 على أنه " بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". هذا المسلسل يوضح أن رئيس الحكومة وأحزاب التحالف الحكومي والملك والبرلمان "يمتلكون" صلاحيات دستورية في إخراج الحكومة إلى حيز الوجود بالصيغة الأنسب إلى حكومة قادرة على مواجهة تحديات المغرب الراهن. 8- هل التأويل الديمقراطي للدستور يقتضي أن يسكت الملك على بعض الأسماء المرشحة للاستوزار، والتي قد تنتفي فيها بعض الشروط خاصة الكفاءة، أو أنها استوزرت بمعطى القرب من الزعيم، أو من خلال تراتبية الشيخ والمريد؟ و إذا تحدثنا عن ما تم تداوله إعلاميا من تحفظات القصر على بعض الشخصيات يمكن التمييز هاهنا بين نوعين، أولا ما قيل عن مصطفى الرميد من تحفظ تهم أساسا صلابته ومزاجه، وثانيا ماقيل عن بعض المرشحين الآخرين من ضعف المسار المهني. أعتقد أن ملف الرميد يدخل في سياق "جس النبض"، وأعتقد أن حزب العدالة والتنمية كسب الرهان، مادام أن ترشيح الرميد تم بشرعية حزبية داخلية كاملة. كما يسجل أن تحفظات القصر التي تم تعليلها، همت أساسا الجسم الحزبي الذي غيب الديمقراطية الداخلية في منح التزكيات. 9- إن تطور البناء الدستوري لأي نظام سياسي يبقى رهينا بقيام كل فاعل وكل مؤسسة دستورية باستفراغ الوسع في تنزيل كل صلاحياتها الدستورية على أرض الواقع. فمن حق الملك باعتباره رئيسا للدولة أن يضطلع بكل مهامه الدستورية، ومن واجب رئيس الحكومة أن يمارس كل صلاحياته الدستورية، وهكذا كل المؤسسات. وعند ظهور أي سوء فهم يجب تجاوزه عبر الحوار على قاعدة التأويل الديمقراطي للدستور. فتجربة تعزيز الديمقراطية وبناءها لا يمكن أن تتم في المختبرات، بل مكانها الطبيعي هو تجاذب السلط في إطار التكامل والتوازن. فلكل سلطة لابد لها من سلطة مضادة لحفظ التعايش السلمي للسلطة. 10- يتضح من كل ماجرى خلال الأسابيع الأربع الماضية، أن كلفة الإصلاح لن تكون سهلة. وأن استكمال النموذج المغربي للتغيير في ظل الحراك العربي الراهن حلقاه رهين بأربعة أمور: أولها، التأويل الديمقراطي للدستور في كل محطات الإصلاح. ثانيا، عدم الزج بالمؤسسة الملكية في كل معارك الصراع بين أطراف تتجاذبها مصالح متناقضة، وأن يظل الدور التحكيمي للملك محفوظا من التلاعب به من قبل البعض. ثالثا، تمكين الحكومة ورئيسها من كل الوسائل الدستورية والسياسية والقانونية للاستجابة لانتظارات المغاربة. رابعا، ضرورة تحمل كل الفاعلين السياسيين مسؤولية إنجاح رهان الإصلاح المغربي. دون ذلك فإن تكلفة أي بديل آخر لن تكون إلا مكلفة على راهن ومستقبل المغرب الي يجب أن نخاف على مصيره أجمعين. [email protected]